والآن العالم العربي الإسلامي بأسره يردد صادحاً أن ما حدث هو من فعل أقلية معزولة، وأن الدين منهم براء، وأن العقيدة عقيدة سلام، إلى آخر الكلمات ذاتها والتي حفظناها عن ظهر قلب كلما طفت حادثة إرهابية جديدة على سطح سمعتنا اللزجة التي لم يعد ينفع معها تنظيف ولا تجميل. إثنا عشر قتيلاً، بخلاف الجرحى، هي الحصيلة المعلنة حتى كتابة هذا المقال لضحايا الهجوم على مجلة شارلي ايبدو الفرنسية على إثر نشــــرها لكاريكاتــــير ساخر حول بغدادي داعش. يقول الخبر ان اثنين من المعتدين المقنعين صرخوا «لقد ثأرنا للنبي محمد» بعد أن فتحوا النار على واجهة الجريدة مردين عددا من موظفيها إضافة إلى شرطيين قتلى.
ومنذ أن نشر الخبر، فتح المدافعون عن الدين أبواق التبرير والنفي، ليس هذا من الدين، الاسلام دين سلام، تلك أقلية معزولة، فيم قام البعض الآخر بالتذكير بالضحايا من المسلمين في أماكن أخرى، في حين قام فريق ثالث بلوم ما حدث على السياسات الخارجية وما تفعل من ضغائن تدفع بالمسلمين «المقموعين» دفعاً إلى عنف لا يرغبونه. ليس بيننا من يرفع صوته في مواجهة حقيقية مع المشكلة، ليس بيننا من يريد أن يقارع المعضلة الرهيبة، فبعد كل حدث مشابه، تقوم الجموع بكنس المشكلة أسفل سجادة «الأقلية القليلة التي هي ليست من الإسلام في شييء. إلا أن العالم لم يعد يبلع هذا التبرير، ففاحت سمعتنا برائحة الدم وخُتمنا جميعاً على وجوهنا بختم الإرهاب.
لا، ليست المشكلة في تعميم غير مبرر أو غرب يجهل حقيقة الدين، المشكلة في دواخلنا وتحيا بين ظهرانينا. كل الأديان أديان أخلاق وسلام، كلها تحث على المحبة والتعايش، إلا أن هذه الأديان ابنة زمانها والقائمين عليها، فإن فسر أصحابها تعاليمها تفسيراً مسالماً متسامحاً متعايشاً، تحول الدين لعامل سلام، وإن فسرها أصحابها تفسيراً كارهاً عنيفاً معادياً لكل مختلف، تحول الدين لآلة قتل ضخمة لا يوقفها شيء ولا منافس لها في سوق الدماء. ويكفي أن ننظر لمناهج التربية الإسلامية العربية عامة وتلك المنتشرة في دول الخليج خاصة لنعرف أين يتبذر العنف وكيف يترعرع الإرهاب ولم يكبر أبناؤنا بهذا النفس المعادي الكاره للعالم من حوله. بلا شك، يتحقق العنف في كل منطقة يحيا فيها إنسان، وحتى في أفضل المجتمعات فكرا وأكثرها أمناً، لا تنتفي جريمة الكراهية والعنف ضد الآخرين، الا أن السؤال الذي نحتاج لأن نواجه أنفسنا به هو لم التصقت هذه السمعة بالعالم العربي الإسلامي؟
لم تعد شماعة السياسة الخارجية وعداء العالم لنا وكرههم للدين الحق بقادرة على تحمل حملها الثقيل، الأجدى بنا أن ننظر داخلاً ونتحقق من المشكلة المتجذرة، كيف نفهم الدين، كيف نقرأه، كيف نستخدمه؟ هل ننظر لقصص الحرب والقتال في إطارها التاريخي أم نتداولها كأمثلة واجبة التطبيق؟ ما هي المشاعر الإسلامية الحقيقية تجاه الأديان المختلفة وتجاه اللادين؟ عندما نستطيع أن نواجه أنفسنا بالأجوبة الحقيقية، لربما ساعتها نضع قدمنا على بداية طريق دين السلام الذي يجب أن يكونه دينه الاسلام.
وقبل هذا وذاك، لابد لنا من غربلة تامة لمناهج التربية الإسلامية، ويا حبذا لو أصبح تدريسها محصوراً في المؤسسات الدينية وفي البيوت وليس في المدارس العامة التي يزيد مدرسوها طين المناهج بلة بتطعيمها بمفاهيمهم ومعتقداتهم الخاصة. فها هو منهج الثاني الإعدادي في مصر يحكي قصة قضاء الرسول على يهود بني قريظة ذاكراً حكم سعد بن معاذ فيهم بأن «يقتل رجالهم… تسبى نساؤهم… تقسم أموالهم» (158)، وفي مناهج دولة الكويت المبنية على المذهب السلفي، يتعلم الصغار ليس فقط ما يقلبهم على الأديان «الأخرى»، ولكن ما يقلبهم على المذاهب «الأخرى»، ثم ما يقلبهم على بعضهم بعضا كذكور وأناث، وطبعاً تتجاوز مناهج المملكة السعودية مناهج الكويت بمراحل. وحتى في المرحلة الجامعية، تدرس كلية الشريعة في الكويت مقررا اسمه «الإسلام والتيارات المعادية»، ولنا أن نتخيل فحوى هذا المقرر وما يبثه من أفكار في عقول شباب ثائر يبحث عن هويته في منطقة ضيعت هويتها.
هذا وأكاد أجزم بأن كل دولــــة عربية إسلامية تعاني من النكبة التعليمية ذاتها فيما يتعلق بمناهج التربية الإسلامية واللغة العربية اللذين يبذران حنظــــلاً نحصده نحن لاحقاً مراً.
نعم، سياسات القوى العالمية أقل ما يقال عنها أنها قذرة، مع الاعتذار عن اللفظ، ونعم أحياناً تستخدم أحداث معزولة لخلق سمعة إعلامية عالمية، إلا أن هذين السلاحين يستخدمهما العالم ليس ضد العرب والمسلمين فقط، بل ضد بعضه بعضا كذلك، الا أن سمعة كسمعتنا لا يمكن لها أن تتكون الا داخلياً، فلا سياسة خارجية ولا إعلام ولا أموال ولا جيوش ولا أسلحة يمكنها أن تصنع ما يصنعه درس دين عنيف في عقول بضة، أو خطبة دينية متوحشة في نفوس هشة مضغوطة، أو تحفيز وترغيب جنسيين في رغبات شابة مكبوتة مستعدة لأن تفقد فرصتها الوحيدة في الحياة من أجل لقاء مع حور العين.
نعم، لربما نمت داعش بالتدخل الخارجي وترعرعت بأموال القوى العالمية الشرسة تماماً كما حدث مع القاعدة، الا أن بذرتها دوماً ما كانت في أرضنا، رعتها شمسنا، وغذتها تربتنا، حيث لا يزال، وإلى اليوم، استنكار فعلهم يحدث على استحياء، ومظاهرات تأييدهم تبزغ بلا حياء. كل تلك مظاهر تحتاج منا لقراءة محايدة للوضع وإعادة قراءة جذرية للمفاهيم الدينية اذا ما أردنا أن نوقف بحور الدماء. هل نملك شجاعة جماعية؟ هل نصحو؟ القاعدة ومن بعدها داعش لم ينجحا في إفاقتنا، ترى ما أو من ذا الذي يمكنه أن ينجح؟
د. ابتهال الخطيب
رغم ادانتي الشديدة لما حصل في فرنسا … الا انها لا تخرج من اطارها الحقيقي للفعل ولرد الفعل …. ودائما ندين المذنب دون البحث عن السبب الحقيقي للجريمة … لذلك تبقى الحلقة المفقودة موجودة دائما … وللاسف تجد هنالك دائما من يصطاد في الماء العكر انحيازا لايديولوجية او مصلحة او اهداف معينة …. كما فعل نتنياهو في محاولة بتبرير احتلالة لفلسطين وقتله لشعبها بمحاربته للارهاب … وكما تفعل حكومات الغرب في القتل شرقا وغربا بمحاربتها التطرف الاسلامي ونعته بالارهاب وهي لا تحارب التطرف بفدر محاربتها للاسلام ومحاولتها اللمز انه السبب الحقيقي للتطرف والارهاب وكذلك أصحاب الايديولوجيات سواءا أكانت علمانية او شيوعية او حتى غوغائية …. دائما تحاول تبرر صحة فكرتها من خلال الباس التهم والتخلف والارهاب بالاسلام وأهله …. اذا لا فرق بين الدكتورة ابتهال ونتنياهو من حيث الاهداف …. فهو يتهم الاسلام بالارهاب للدفاع عن اهداف اسرائيل وقيامها واستمرارها وتبريرها لتشريد شعب وقتلة …. والدكتورة تتهم الاسلام بالارهاب للدفاع عن فكرها العلماني واستمرار وجوده وصحته ….لكن اتمنى على الدكتورة ابتهال ان لا تكون ممن يحاربون الله ورسولة …
كل من يفكر ويقارن يؤيد كلامك، ولكن من ما نراه من تعليقات أهل المكانس يذكرني بمعادلة الدجاجة والبيضة؛ هل الدين سبب التخلف ام التخلف سبب الدين؟
ينفطر قلب الكاتبة حزنا على موت عاملي الصحيفة الفرنسية الاثني عشر، ولكن لا يبدو لي انها تفجع لضحايا عمليات الطائرات بدون طيار المدنيين في باكستان الذين يموتون بالجملة نتيجة (اخطاء مؤسفة في تحديد الاهداف) او مئات آلاف العراقيين الذين قضوا نحبهم نتيجة حرب غير شرعية في العراق وغيرها، أنا لا أبرر قتل المدنيين اي كانوا باي حال من الأحوال، فمن قتل نفسا بغير نفس فهو كمن قتل الناس جميعا، لكنني اريد ان ابين للكاتبة ان البيئة الراعية للتطرف والكراهية في الأغلب لا تنتج بسبب درس تربية إسلامية في مدرسة، او محاضرة جامعية، وإنما ربما عند طفل او مراهق حرم طفولته و تعليمه قبل الاوان بسبب تدمر منزله، او مقتل أفراد عائلته او تشردهم او اغتصابهم او غير ذلك من الفواجع، وان الاٍرهاب هو ارهاب بغض النظر ان تم بطريقة بدائية او في احدث الطائرات والأسلحة تقدما في العالم