مناخوليا

ثارت الزوابع منذ أيام قلائل في إثر زيارة المفكر أحمد سعد زايد للكويت لإلقاء محاضرة، حيث انتهت الزوابع بترحيل المفكر من البلد بعد الضجة التي افتعلها نائب مجلس أمة إسلامي مستنكرًا إلقاء «ملحد»، حسب رأيه وتعبيره، ندوة في البلد.
إلى هنا والوضع، بكل أسف، طبيعي، لا تختلف في أحداثه الكويت عن بقية جاراتها العربيات من الخليج إلى المحيط. المثير هو ردة الفعل اللاحقة على وسائل التواصل، تحديدا على تويتر، التي انقسمت بين مستنكر لقمع الحرّيات ومؤيد لطرد المفكر. راعَني العدد الضخم لمؤيدي الطرد، برغم توقعي له، الذي تَشَكل من مغردين من دول عربية عدّة، وشتت السلام في نفسي اللغة المستخدمة للتعبير عن الموقف المؤيد لهذا الطرد. كتب المغردون بكراهية وحقد، شتائم، تلميحات بذيئة وتعابير ساقطة، صبوا جام غضبهم، لربما بؤس حيواتهم وقمع نفوسهم، على رأس المفكر المسكين. حاولت، بين مَن حاولوا، الرد بالمنطق المعتاد أن ليست تلك أخلاق المتديّن، أحسن لِدينك بإحسان لغتك، لا داعي لهذا الغضب، أسلوبك نصف رسالتك، لكن لا فائدة، كأنه قطار حقد وكراهية انطلق بسرعة جنونية غير عابئ بالخروج عن السكة الحديد ودعس من يقف في طريقه.
ليس مقال اليوم معنيٌ بهذا الغضب ودلالات لغته الآثمة المستخدمة، إنما المقال يتساءل عن سبب كراهية اللاديني والعنف اللفظي تجاهه، هذا الإنسان الذي لا يعتقد بوجود إله، كيف يشكل اعتقاده أو عدمه أية إهانة للمتدينين، خصوصًا للمسلمين؟ لِمَ كل هذه الكراهية المنصبة على إنسان لم يقتنع بوجود رب؟ إذا ما لم يصل به عقله لهذه القناعة، ما الذي كان يرضي المتدينين، أن يمثلها؟ ولِمَ يجب أن يمثلها؟ وأي مصاب يصيب المتديّن إذا ما أعلن أحدهم عدم إيمانه؟ هل سيختفي الدين؟ هل سيكفر الناس كلهم؟ هل سيتضرر الرب بسبب عدم إيمان أحد به؟ واقع الحال يقول إن البشر كلهم ملحدون بإله أو بآخر، المسلمون ملحدون بالروح القدس، والمسيحيون ملحدون بكريشنا، واليهود ملحدون بأهورا مازدا. كل إنسان على سطح الأرض يتعبد ضمن دين معين هو ملحد بكل آلهة الأديان الأخرى، اللاديني يأخذ خطوة أبعد، كما يقول تشارلز دوكينز، هو فقط ملحد بإله إضافي.
إذا ما المزعج بالضبط في إنسان لا يعبد إله؟ إذا كان هذا إنسان يصحـــو نهاره، يذهب لعمله، يعيش حياته باستقامة، يدفع فواتيره ويقف مقابل الإشارة الحمراء، لِمَ يُحارب ويُلاحق وكأن الدنيا تقف عند قناعاته وإيمانه؟ صدًق أو لم يُصدِّق، آمن أو لم يؤمن، تبعات قراراته عليه، فمن أين هذه المشاعر اللزجة الثقــــيلة كلها؟ لم أفهـــم في يوم الغضب تُجاه إنسان لم يقتنــع بفكرة، أيّة فكرة، فالقناعة بطبيعتها ليست اختيارا، هي فرض عقلي يتم أحيانا رغما عن صاحبه، وهي اعتقاد يحــق لصاحبه التعبير عنه، النقاش حوله بل والتسويق له. المؤمن الذي يعتقد بالمعجزات، المسلم الذي يعتقد أن النبي أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، المسيحي الذي يعتقد أن المسيح صحى من موته، الهندوسي الذي يعتقد بتناسخ كريشنا، كلهم لم يختاروا قناعاتهم، دلتهم عليها عقولهم وقلوبهم، المفاهيم التي تربوا عليها، أو ربما الكتب والدراسات التي قرؤوها، كلهم من حقهم أن يعبروا عن هذه القناعات، كلهم من حقهم أن يمتدحوها ويروجوا لها، فلِمَ لا يمتلك اللاديني الحقوق ذاتها؟ لِمَ يقسر على تغيير مسار عقله؟ لِمَ تخلقون منه إنسانا منافقا؟ ما بال هذه الأمة الغريبة؟

مناخوليا

د. ابتهال الخطيب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خليل ابورزق:

    رمتني بدائها و انسلت
    لقد مضى على حركة النهضة العربية المعاصرة نحو قرن علت في معظمها اصوات من يسمون انفسهم علمانيون او يساريون او قوميون او شيوعيون و معظمهم في الحقيقة لا هذه و لا تلك انما مقلدون استوردوا بعض العقائد و مزجوها بالجاهلية و العصبية و اقصى ما فعلوه انظمة عسكرية امنية استبدادية قهرية اسفرت عن ترسيخ ما نراه من التشدد ورفض الآخر و العنف.
    و للاسف فانهم لم يتعلموا على الرغم من الحالة التي اوصلونا اليها. و لم يتورعوا عن مهاجمة الدين نفسه بعدما صار هوية لما يسمى بالاسلام السياسي الذي يطرح نفسه بديلا و منقذا. و بدلا من ان يصححوا اخطائهم و عيوبهم يجتهدون في امتهان الدين و المتدينيين
    صحيح ان هناك تعصب و تشدد و عنف و لكن من الذي اسسه؟
    ان في القرآن اكثر من مئة آية تؤكد حرية العقيدة و التفكير. العيب في سلوكيات الناس الناتجة عما اسسه الفاشلون

  2. يقول سلام عادل(المانيا):

    فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر هكذا علمنا الاسلام وبالمقابل هناك ايات كثيرة تقول العكس كمثال
    قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ومع ذلك ان ما يحدث في بلداننا والقوانين الموجودة فيها تدل على الغاء الاخر باي طريقة رغم عدم وصول الاسلاميين للسلطة ولكن تاثير رجال الدين على السياسيين اكبر بكثير من المفكرين والكتاب والممثقفين الاخرين.فرجل الدين يستطيع اخراج العامة من الناس للشوارع باية او حديث

    1. يقول أحمد - لندن:

      الى سلام عادل (ألمانيا )

      ممكن ان تعطي أمثلة عن ما يحدث في بلداننا و القوانيين الموجودة فيها بما يدلل على إلغاء الاخر.
      و هل شبيه هذه القوانين غير موجود في ألمانيا مثلا؟

  3. يقول سلام عادل(المانيا):

    حقيقة اعجبتني عبارة احد الاخوة المعلقين (وسؤال في جوابه سر تفوق الدين على العلم ) اقول له كلامك صحيح ولكن في مجتمعاتنا فقط اما في اوربا والبلدان المتقدمة فلا يوجد شيء اهم من العلم في حياتهم وحتى المتدينين منهم يؤمن بالحقيقة العلمية اكثر من اي ئيء اخر اما الدين فهو علاقة شخصية بين الانسان وخالقه ولا يدخل العلم في تفاصيلها

  4. يقول المغربي-المغرب:

    ليس عيبا يا د/ابتهال ان نبدا من حيث انتهى الاخرون..فهذه سنة الفكر الايجابي المتجدد….ولكن الاشكال العويص في مساراتنا الفكرية والثقافية هو اننا نبدا داءما من حيث انطلقوا قبل امد بعيد..ونعود الى نقطة الانطلاق بسرعة كبيرة لاننا نفزع من السفر في دروب المعرفة والتوغل في اعماقها بتمكن وتجرد!!! ولاادري ماهو الدافع الى محاولة تكريس هذا المنظور المتجاوز الذي ينطلق افتراضيا من ان هناك جهة تتبنى الطرح الديني وهي متطرفة ومتخلفة وترفض الاخر….الخ وفي المقابل هناك جهة متنورة تعتبر الاديان مجرد اساطير وتحتكم الى العقل والمنطق في كل شيء وهي مثال للتفتح والانفتاح والتحضر!!!!!؟؟؟؟ الم نعلم بعد ان الاختلاف بين اصحاب التفسير المادي للخلق والوجود..واصحاب الفكر المثالي قاءم منذ وجود التفكير نفسه..وان التطور المشهود في حقب كثيرة كان نتاجا للاستمداد المشترك من كلا الاتجاهين…؟؟؟؟ الم يكن الدين نفسه محطة حاسمة في حياة البشر دفعتهم الى التحرر من الفكر الاسطوري الذي كان ساءدا من قبل…وان هذا الدين قدم ارضية واوجد روافد للفكر في اغلب الجوانب التي ابان فيها التفسير المادي عن عجز وفشل ذريع؟؟؟ وهل كان كثير من قمم الفكر الفلسفي على مر التاريخ مسطحون حينما امنوا بالدين …ابن سينا الفارابي ابن رشد ابن طفيل …طوما الاكويني..وجارودي..الخ؟؟؟؟ وهل الدين الحقيقي هو ما يردده المسترزقون في كل زمان ومكان…ام انه شيء اخر لم نحاول الغوص في اعماقه مع الاسف…واكتفينا بترديد الاحكام الجاهزة؟؟؟ وهل نعلم ان اخر ماطلبه سارتر…وفق ماذكره لنا استاذي الكبير وايقونة الفكر الفلسفي المعاصر الدكتور رشدي فكار رحمه الله…: هو ان يؤتى له بقسيس بعدما اعترف بتدمير الفكر الوجودي لكيانه!!!!.

  5. يقول أحمد -لندن:

    تسائلت عن سبب كره الديني ل اللاديني ؟ و الجواب هو كره اللاديني للديني ! و هل اللاديني يحب الديني؟

    و هل من أسباب لهذا الضخ الإعلامي الكبير في العالم العلماني و تحشيد الصورة و اللغة و السياسة ضد دين و شعب معين. لماذا قصف العراق ب ٢٣٠٠ طائرة في ١٩٩١؟ لماذا استخدم اليورانيوم ضد الأبرياء ؟ لماذا هذا الحقد ؟

    لماذا لم يعترف العالم العلماني بانتخابات فلسطين النزيهة و التي أدت الى فوز حركة حماس؟

    كلنا مسؤولون عن هذا الكره و لكن من يملك القوة و الاداة الإعلامية هو المسؤول الأكبر

  6. يقول Uk:

    شاهدت حوار عن نظرية النشؤ والارتقاء لداروين. كان الحوار مع شيخ الأزهر ولم يكن هناك طرف آخر؟!
    قال فضيلته اذا آمنت بداروين فتحت الباب لملايين الاحتمالات اما اذا آمنت بالله اصبح كل شيء مبرر.
    امني بالله وانضمي إلى باقي الأمة المتكلة على الله.
    ويل لمن سبق عقله زمانه

  7. يقول تونسي ابن الجمهورية:

    لنذهب إلى الهدف مباشرة ….هناك من اخرج ايات تبرر عدم الايمان او بالاحرى حرية عدم الايمان او حرية اختيار الدين او ما نسميه نحن معشر العلمانيين حرية الضمير و المعتقد …و هناك من اخرج تيات تبرر قتل المرتد على الإسلام و تبرر مقاتلة من لا يؤمن بالله و اليوم الآخر….و هذه مجرد عينة على كيفة استعمال الدين فى اتجاه او فى اتجاه مضاد له تماما ….
    اذا الحل بسيط و لا يجب ان نحوم حوله و هو حصر الايمان و التدين فقط فى المجال الخاص فى علاقة افقية بين العبد و ربه فقط لا غير و بدون واسطة….و جعل المجال العام فقط للجميع…. و ما ينظم حياتهم هو القانون و لا غير القانون الذى يحمى الجميع من الجميع و يفرض قواعد العيش المشترك بعيدا عن التفسيرات المتضاربة للدين إلى حد قطع الرؤوس و تعليق الجثث فى الساحات العامة ….هذه اسمها العلمانية التى فى النهاية تحمى الجميع و خاصة تحمى الدين من تجار الدين ….وهو ما نناضل من أجله فى تونس لنجعل منها الدولة العلمانية العصرية التى حتما ستفتح الطريق للشرق الاوسط و شمال إفريقيا لنلتحق اخيرا بالانسانية….و نبتعد عما اصبح يفرق و لا يجمع …..تحيا تونس تحيا الجمهورية

    1. يقول أحمد - لندن:

      الى تونسي ابن الجمهورية

      جميل جدا ان تسعى لتحقيق ما تريد في تونس و غيرها و لكن أتمنى ان لا يكون السعي بالإقصاء و إصدار قوانين تدين الناس في عقائدها و افكارها و توجهاتها السياسية و على اثرها تلقى الناس في السجون بتهم الاٍرهاب.

      و ان ما جرى و يجري في مصر الا إقصاء بالقوة، حتى اللبراليين و العلمانيين لم يسلموا.

  8. يقول omar..jordan:

    اولا .. كل هؤلاء على الاقل خريجي مدارس حكومات الاستبداد .. واغلبهم خريجي حكواتية المساجد .. وهؤلاء الحكواتيه هم ايضا موظفين عند العائلات الحاكمه من الامويين الى الصباحيين .. و الاستبداد له اكثر من ذراع بعضها يلبس قفازات من حديد وبعضها قفازات من حرير .. بضاعتهم مزوره ومغشوشه .. هؤلاء تربوا بفضل الاستبداد على الحليب المعلب المغشوش .. ربما معا نستطيع التخلص من سموم ما شربنا ..

  9. يقول رؤوف بدران-فلسطين:

    القضية ليست ترحيل المفكر احمد سعد زايد !! وليست انجرار الكثيرين وراء الضجة التي افتعلها نائب مجلس أمة إسلامي؟!
    القضية بمجملها , قضية تناطح واستقواء , قضية تزمت وانفتاح؟! هي الفرق ما بين الذريعة والانكار؟!! هي الايمان ومنع الايمان , هي احترام حرية الفرد ,من ازدراء هذه الحرية للانسان…اي انسان؟!!.
    لقد قال احد المعلقين في مجمل رده ، في الحقيقة نحن لا نري الله ولكن الله يرانا وموجود معنا في جيوبنا وحولينا ؟؟! وانا اجيبه ان النقود ايضًا توجد معنا وفي جيوبنا !!
    بما ان الانسان مخلوق آلهي (اي مخلوق من عند الله ) واعضاء جسمه هي ايضًا من صنع الله , وبما ان الدماغ هو المسؤول عن تصرفي واختيار قناعاتي ومعتقداتي , وهو ايضًا من صنع الله… لهذا اعترف وبدون ضغوطاتٍ فقهية واحاديث ارادية في عدم قبولها , او قبولها… اعترف ان عقلي هو ربي وما يمليه عليَ هذا العقل هو المقبول , وكل تدخل في شؤون عقلي (ربي) هو تدخل في شؤون الخالق وهذا هو الكفر وهذا هو الارتداد عن الدين القويم والطريق المستقيم,!!
    الله خلقني حرًا لا لكي اتصرف كالعبد , ولا لاقبل اي شيء بالاكراة ..ولا لافرض اي شيء بالترهيب؟!!
    اني احترم البودي بايمانه وكذلك الكونفشيوسي والزرداشتي واليهودي والنصراني والمسلم و…والعلماني والسلام
    بورك قلمك وما نتج من عصارة فكرك د. ابتهال ..وتحية لجميع القراء دون استثناء.

  10. يقول سيف كرار ،السودان:

    من المفارقات العجيبة انة في مصر توضع حراسات امنية لدور العبادة ومنها الجوامع ،اليوم تم تفجير مسجد في منطقة بئر العبي بشمال سيناء ومات ١٩٩ مصلي ،فهل الذين نفذوا هذا الهجوم يعرفون اللة ؟ ام هم من مخلوقات الجن الكافر السياسي الممنهج…سبحانك اللهم..

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية