مناورات نظام

حجم الخط
0

درج في الدبلوماسية على اطلاق ما يسمى «بالونات الاختبار» لفحص نبض الشعب ونبض المشاركين المختلفين في الحل. هكذا يجري بين الحين والآخر في موضوع الحرب الأهلية في سوريا، حيث ان التجربة الأخيرة لاطلاق البالون كان قبل نحو شهرين بمسودة الدستور الجديد الذي زعم ان روسيا صاغته لسوريا.
في 24 ايار هذا العام، عندما نشر الصحافي ايلي حنا في «الاخبار» اللبنانية، المقربة من النظام السوري بعضا من تفاصيل مسودة «الدستور الروسي لسوريا»، والتي تتضمن «تعديلات جوهرية على الدستور الحالي». ورغم النفي، عادت هذه الصحيفة ونشرت مرة اخرى بأن «مسودة الدستور التي نشرت كانت فقط جزء صغيرا من اقتراح روسي للدستور المستقبلي الذي يحظى باقرار أمريكي مبدئي».
في وقت لاحق ازدادت التقارير عن مداولات بين واشنطن وموسكو حول الدستور في سوريا ولا سيما بعد تصريح جون كيري في ختام زيارته إلى موسكو في اذار 2016 بأن الطرفين اتفقا على جدول زمني لوضع مسودة دستور واطار عمل الانتقال السياسي حتى شهر آب 2016. وبلغة أقل دبلوماسية ـ هناك تقدم واضح في هذا الشأن. وافادت صحيفة «الحياة» اللندنية بعد ذلك بأن كيري تلقى من نظيره الروسي مسودة دستور، وبعد شهر من ذلك بحث الطرفان المسودة في سويسرا. وهذا، في خلاف تام مع تصريح مبعوث الأمم المتحدة إلى دمشق، دي ماستورا، عن وضع دستور متفق عليه بين النظام والمعارضة، مع تقدم محادثات السلام. ولكن، من يستمع إلى الأمم المتحدة.
لقد أثار نشر تفاصيل «الدستور الروسي لسوريا» غضبا شديدا وضجت الشبكات الاجتماعية ليس على تقييد صلاحيات الرئيس ومنح صلاحيات اوسع للحكومة الديمقراطية التي ستقوم، بل على تشويش الطابع الإسلامي والعربي «للجمهورية العربية السورية» والذي وجد تعبيره في شطب المؤشرات الدينية والعرقية. واحد منهم كان فيصل القاسم، الصحافي السوري الكبير الذي يعمل في «الجزيرة» والمعارض البارز للنظام. فقد كتب بأن الأسد «يقبل الاقتراح الروسي بادارة سوريا على اساس طائفي وعرقي وجعل الجمهورية غير عربية، بعد تدمير سوريا وطرد شعبها».
لقد أدى الامر بمكتب الرئيس ان ينشر نفيا تاما. وجاء في البيان انه «منعا لكل تشويش، بودنا التأكيد بأنه لم تعرض على سوريا أي مسودة دستور وان كل التقارير في وسائل الإعلام في هذا الشأن عديمة الاساس. كل دستور جديد لسوريا في المستقبل لن يكون من جهات خارجية بل سيكون سوريا فقط».

المسار للسلام

تخرج الان الصحيفة اللبنانية «الجمهورية» المقربة من الحكم مع كشف اضافي يفيد بأن حل الازمة في سوريا سيتضمن دول المنطقة ايضا. «خطة آب» كما تسمى، وفضلا عن الدستور ستتضمن ايضا مشروعا لمسار سلام مع إسرائيل، يضم مسألة هضبة الجولان ايضا. واقوال كيري عن الامل في أنه «سيكون تقدم في حل دبلوماسي في سوريا في بداية آب» لم تفاجيء من يتابع عن كثب سوريا، وبالاساس الدبلوماسيوين الغربيين الذين يحافظون على الصمت كي لا يخربوا على مساعي القوتين العظميين.
رغم استمرار المعارك في كل الجبهات في سوريا ورغم أن جهات روسية رفيعة المستوى، بمن فيها وزير الخارجية سيرجيه لافروف، معنية بابقاء الخطة تحت الرادار، فان المعنيين بحل في الدولة المنقسمة، سمعوا من نظرائهم الروس بأن «خطة آب» ستؤدي إلى اختراق.
«يوجد مشروع شامل ينضج اليوم بعد التوافق بين واشنطن وموسكو، وسنرى مؤشراته الاولية في بداية آب»، قال مصدر لبناني لصحيفة «الجمهورية» واضاف بأن «اقوال كيري في ختام لقائه مع نظيره الروسي وبحضور دي ماستورا تؤكد هذا الانطباع».
وشدد المصدر على أنه رغم أن فشل محاولة الانقلاب في الدولة التركية ساهم في إنضاج الخطوة الروسية الأمريكية، فان التطورات الأخيرة في الساحة التركية ليست الدافع خلف تقدم هذه الخطوات. ففي 9 آب كان يفترض بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان يلتقي في موسكو بالرئيس فلاديمير بوتين. واضح الان أن اردوغان يراهن أكثر على خطوات بناء ثقة مع الدب الروسي، كملجأ أخير مما يعتقده بأنها «المحاولات الأمريكية للاطاحة به»، وكذا كقوة مساعدة اقتصادية لتحقيق اتفاقات التجارة والسياحة بين الدولتين. وذلك من أجل انقاذ حكمه من انتقام رجال الاعمال. ولكن حسب دوائر لبنانية رفيعة المستوى، فان بوتين، الذي على علم بأنه سيكون من الصعب على أنقرة الاعتراض في هذه اللحظة، فإنه في واقع الامر يتوجه إلى أن يعرض على نظيره التركي «خطة آب السورية». اقوال الصحافي الفرنسي الكبير جورج ملبرونو بأن «تركيا تصلح طريقها مع سوريا» تأتي في هذا الاطار. وفي الايام القادمة سنلقى مقالات عديدة من هذا النوع.
وحسب تقارير مختلفة، معروف اليوم بأن الاتفاق على حل الازمة يتضمن ادراج منظمة جبهة النصرة، التي ودعت الاسبوع الماضي فقط القاعدة، مع تنظيم الدولة الإسلامية داعش. والامر يعطي شرعية للهجوم على المنظمة، وذلك من أجل انهاء وجودها على الارض السورية. ويؤدي هذا إلى تسوية دولية بموجبها يتعين على نظام بشار الاسد أن يتقاسم الحكم مع المعارضة في اطار نظام غير مركزي موسع، اقرب إلى الفيدرالي.
ان المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ستكون غنية بالماء وبالزراعة، وما تبقى من الصناعة، بينما المناطق التي يسيطر عليها النظام ستكون غنية بالتجارة وبالنفط. خطة آب ستتضمن ايضا استخدام ادنى للغاية لسلاح الجو السوري، الذي يستخدم البرامل المتفجرة ضد المناطق التي يسيطر عليها الثوار.

نصيب إسرائيل

حسب مصادر دبلوماسية روسية وأمريكية، فان أهمية خطة آب هي في المستوى الاقليمي، ولا سيما في ايجاد تسوية مع إسرائيل، تؤدي إلى تقدم حقيقي في الحل. وافادت المصادر بأن الاسد زار في شهر حزيران موسكو، قبل بضعة ايام فقط من الزيارة الرابعة هذه السنة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في موسكو، في 6 حزيران.
كما تفيد المصادر بأن بوتين الذي التقى الاسد، عرض عليه كل بنود «خطة آب» بما في ذلك مرحلة ما بعد التسوية الداخلية السورية والمسألة الإسرائيلية السورية. وضمن امور اخرى، عرضت مسودة التسوية التي تحققت في اواخر ولاية الرئيس الأمريكي الاسبق بيل كلينتون بالنسبة لهضبة الجولان على أمل ان تكون اساسا للتفاهم بين إسرائيل وسوريا. ومن أعد في حينه هذه المسودة كان مارتين اينديك، السفير الأمريكي في إسرائيل، ومبعوث الدولة الاسبق إلى الشرق الاوسط، والكفيل بأن يكون المسؤول عن التسوية الإسرائيلية العربية في فريق هيلاري كلينتون إذا ما انتخبت.
كما يتبين ايضا بأن إيران تشارك في سر زيارة الاسد بل واطلقت اشارات ايجابية في هذا الشأن. وافادت المصادر بأنه لا شك بأن نتائج هذا اللقاء هي التي ادت إلى الدفعة الهائلة التي ستعرض مؤشراتها في اثناء آب. ولكن تلك المصادر تشدد على أن مسار الاتصالات قد يؤجل حتى آب أو آذار 2017، حتى دخول الادارة الأمريكية الجديدة إلى البيت الابيض. والمقصود هو عرض الخطوات كثمرة ناضجة على الادارة الجديدة بعد «حراثة عميقة» تتم في الساحة السياسية وفي الميدان ـ وبالاساس هجوم غير مساوم ضد داعش، في سوريا وفي الموصل في العراق ايضا، مما يؤدي بالتنظيم إلى زيادة عملياته الإرهابية في اوروبا، كي يثبت نفسه ليجد مؤيدين له من داخل المسلمين الاوروبيين.
وبالتوازي يريد لبنان ايضا ان يدخل في هذه المعادلة كي يحل مشاكله الداخلية حتى الشتاء القادم. في لبنان يأملون بأن تجلب التسوية السورية تسوية ايضا بالنسبة لرئيس الدولة القادم، رئيس الوزراء والقيادة العسكرية، وكذا قانون جديد للانتخابات يتضمن ايضا تعديلات في الدستور تتناسب مع الوضع الجديد لدى الجارة من الشرق.
وحتى ذلك الحين، سيكون الوضع الراهن هو الوضع في لبنان ايضا. ولكن إذا ما ايقظ داعش خلاياه النائمة في بلاد الارز، فسيؤدي ذلك إلى الصدام مع حزب الله، وإلى حاجة دولية إلى ادخال لبنان ايضا مع مشاكله الأمنية والسياسية إلى صحن التسوية الشاملة مع سوريا.
وفي الختام يبقى السؤال على حاله، هل التقارير الأخيرة ايضا، بما فيها التقارير الصحافية الأمريكية في العالم العربي، هي مثابة «بالون اختبار» للدبلوماسية أم أننا نعيش حقا قبيل تسوية شاملة في الشرق الاوسط؟

معاريف 3/8/2016

مناورات نظام
هل تعمل روسيا وأمريكا بالفعل على خطة شاملة لايجاد حلول سياسية داخلية وخارجية في المنطقة؟
ياسر عقبي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية