الناصرة – «القدس العربي»: تكشف منظمة حقوقية إسرائيلية في تقرير جديد يصدر اليوم عن أن نظام التحقيقات المنتهج من قبل المخابرات الإسرائيلية «الشاباك» في سجن «شكما» في مدينة عسقلان يتضمن عمليات تعذيب وفق سياسة رسمية. وتوضح منظمة «بتسيلم» التي تعنى بشؤون حقوق الإنسان الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967 بالمشاركة مع «المركز من أجل الفرد» أن عمليات التحقيق مع الأسرى الفلسطينيين تتضمن حرمانا من النوم والطعام، البصاق، تقييد الليدين والقدمين مدة طويلة، عنفا كلاميا وأحيانا جسديا والتعريض للحرارة والبرد داخل غرفة باردة جدا، اعتقالا بزنزانة متعفنة طيلة أيام واضطرارهم للنوم على الأرضية.
ويروي خمسون أسيرا أن المحققين الإسرائيليين لم يكتفوا بالصراخ بل كان المحقق يصرخ مباشرة بإذن الأسير أو يقوم محققان بالصراخ مباشرة بأذنيه بذات الوقت مما يتسبب له بحالة صداع شديد. والتقرير بعنوان «برعاية القانون»يصف بالتفصيل ظروف الاعتقال في عسقلان على أساس شهادات لـ 116 أسيرا فلسطينيا تم التحقيق معهم في الفترة بين أغسطس/آب 2013 وبين مارس/ آذار 2014 ويروي 21 من الأسرى في شهاداتهم أن الجيش داهم منازلهم بعد منتصف الليل، فيما كان أفراد الأسرة يغطون في نومهم ويستيقظون على صراخ الجنود وقرعهم للأبواب أو تحطيمها. كما روى بعضهم أن الجنود اقتحموا غرف النوم خلال عملية الدهم والاعتقال وهم يصطحبون كلابا شرسة أيضا وفي حالات معينة منع المعتقلون من ارتداء ملابسهم أو استبدال ثياب النوم. وبكل الحالات كانوا يمنعون المعتقلين من الحصول حتى على فرشاة أسنان. ووصل ثلث هؤلاء الأسرى لمكاتب التحقيق بعد ضربهم أو التنكيل بهم على أيدي جنود أو رجال شرطة خلال الاعتقال. ويؤكد 39 أسيرا منهم أنهم أخضعوا لتحقيق الشرطة الفلسطينية وتعذيبها أيضا، قبل اعتقالهم من قبل الاحتلال بمدة تتراوح بين أيام أو شهر أو شهود، دون أن يشير التقرير للعلاقة المباشرة بين اعتقالهم من قبل الاحتلال واعتقالهم من قبل السلطة الفلسطينية. لكنه يشير إلى أن قسما منهم أكد أن الجانبين حققا معه بذات المواضيع.
ويقول 26 من هؤلاء أنهم لاحظوا مادة التحقيق معهم من قبل محققي الشرطة الفلسطينية بيد محققي الاحتلال. وفي 22 حالة يقول المحقق الإسرائيلي وفق ما جاء في تقرير المنظمتين الإسرائيليتين إن ملف التحقيق مع الأسير في المخابرات الفلسطينية موجود لديه في الحاسوب. وأحيانا يعرض المحقق الإسرائيلي اعترافات وقعها الأسير خلال التحقيق معه من قبل الشرطة الفلسطينية.
ويتابع التقرير «كل هذا تعبير عن التنسيق الأمني بين الاحتلال وبين السلطة الفلسطينية منذ سنوات لكن بعض الإفادات تدفع للاستنتاج بأن التعاون المذكور يشمل تحويل معلومات لإسرائيل تم الحصول عليها بالتعذيب القاسي خلال التحقيق الذي تجريه الشرطة الفلسطينية». ويؤكد أن شروط الاعتقال في «شكما» هي جزء لا يتجزأ من التحقيق ذاته وأنها تهدف لاستنزاف جسم الأسير وكسر روحه المعنوية بموازاة التحقيق معه داخل غرف التحقيق. ويوضح أن الدمج بين شروط الاعتقال وبين التحقيق الذي يعني تنكيلا، وإذلالا وأحيانا تعذيبا في بعض الحالات يتم اعتماده بشكل منهجي في سجن «شكما « . وتؤكد المنظمتان الإسرائيليتان أن كل هذه الممارسات الإسرائيلية تتناقض مع القانون الدولي وأحكام المحكمة العليا ولكل الاعتبارات الأخلاقية. وتشيران إلى أن مثل هذه الشهادات تتضمن توصيفات متكررة تعكس سياسة إسرائيلية رسمية متبعة في عدة سجون.
ويؤكد التقرير أن هذه السياسة تشمل تعاملا عنيفا ومهينا وسط شروط اعتقال غير إنسانية تفرض على الأسرى زحمة وتلوثا وانقطاعا عن العالم الخارجي وتتسبب بـ «بلادة إحساس» حركي واجتماعي. وفي أحيان يتم تقييد الأسير بالمقعد بطرق مؤلمة جدا وتزداد المعاناة مع الحرمان من النوم والطعام لمدة طويلة، ناهيك عن الشتم والوعيد والتهديد والصراخ والتحقير واعتداءات جسدية مباشرة من قبل المحققين أحيانا.
وتؤكد المنظمتان أن سلطات تطبيق القانون الإسرائيلية تتحمل مسؤولية عن هذه الأفعال الوحشية من خلال حصولها على معلومات من هكذا تحقيقات بصرف النظر أين تم الحصول عليها في إسرائيل أم في السلطة الفلسطينية. وقالتا إن الدولة هي التي بلورت هذا النظام القاسي للتحقيق وهو ليس مبادرة فردية من الشرطي أو المحقق أو السجان. وتتابعان «يدير جهاز المخابرات العامة «الشاباك» هذا النظام من التحقيقات لكن سلطات كثيرة تتعاون معه وتتيح له العمل بهذه الطريقة. وللتدليل على ذلك يشير التقرير إلى أن مصلحة السجون تبني منشآتها ومعتقلاتها وتصمم شروط الاعتقال بحيث تساهم في كسر معنويات الأسير. كذلك طواقم الأطباء والممرضين والأخصائيين النفسيين يعطون الضوء الأخضر للتحقيق مع الأسرى الفلسطينيين رغم أنهم يعتقلون بحالة صحية سيئة بل يعيدون بعض الأسرى المرضى لغرف التحقيق من جديد بعد تدهور أوضاعهم الصحية والنفسية خلال التحقيق معهم.
ويتهم التقرير النيابة العامة العسكرية لا تردع أحدا من الجنود او محققي «الشاباك» الذين يمارسون التغذيب، أما القضاة العسكريون فيوقعون على طلبات تمديد الاعتقال ومواصلة التنكيل بالأسرى بشكل فوري تقريبا. كما يوجه التقرير اصبع الاتهام للمستشار القضائي للحكومة الذي يمنح الحصانة الكاملة لمحققي «الشاباك» وكذلك قضاة المحكمة العليا الذين يرفضون بشكل فوري أغلب الحالات التماسات ضد منع لقاء الأسرى مع محاميهم. ويتابع التقرير «كل هؤلاء شركاء بهذا القدر أو ذاك بالتعامل غير الإنساني والمهين مع الأسرى الفلسطينيين في «شكما» وغيره.
وتخلص المنظمتان الحقوقيتان الإسرائيليتان إلى القول إنه من الطبيعي أن تطالبا إسرائيل بالتوقف فورا عن التعامل الوحشي مع الأسرى بشروط الاعتقال وخلال التحقيق. وقالتا إنه على إسرائيل أيضا التشديد على حظر التعذيب والتنكيل في نطاق التعاون الذي تقيمه أحيانا مع السلطة الفلسطينية.
وديع عواودة