تنشر وسائل الإعلام كل يوم أخبارا فظيعة عن المآسي التي يتعرض لها المهاجرون وكان أحدثها خبر إلقاء مهربين قبالة ساحل اليمن بقرابة 300 مهاجر في البحر مما أدّى إلى غرق العشرات منهم، وتوازى ذلك مع مأساة أخرى أجبر خلالها أحد المهربين 120 مهاجرا على القفز في المياه قبيل بلوغ ساحل شبوة جنوب اليمن خشية اعتقاله لدى وصول المركب إلى منطقة قريبة من الشاطئ.
وكأن عسف المهرّبين وإجرامهم لا يكفي فإن المهاجرين يتعرّضون أيضاً لمخاطر الحرب الدائرة في اليمن ففي آذار/مارس الماضي فتحت مروحية عسكرية النار على قارب يحمل 140 مهاجراً ما أدّى إلى مقتل وجرح العشرات، وألقى تقرير سري للأمم المتحدة تم الكشف عنه الشهر الماضي المسؤولية في إطلاق النار على التحالف الذي تقوده السعودية واعتبر العملية انتهاكا للقانون الإنساني الدولي.
أما في ليبيا فأعادت منظمة أوكسفام الخيرية البريطانية تذكير العالم بأن آلاف المهاجرين واللاجئين المحاصرين في ليبيا، وخاصة النساء منهم، يتعرضون للاغتصاب والتعذيب والسرقة والعبودية، وفي تحقيق للمنظمة مع 31 امرأة قال ما يقرب من ثلاثة أرباعهن إنهن شهدن قتل أو تعذيب رفيق سفر.
ما يجمع بين مهاجري اليمن وليبيا أنهم قادمون جميعهم من دول افريقية. أغلب المتجهين إلى اليمن (55 ألفا منذ بداية العام) هم من بلدان القرن الافريقي، الصومال، اثيوبيا وأريتريا، وهي بلدان تعاني بدورها من المجاعة والفقر والحرب والتصحّر فلا يجد مواطنوها، الذين انسدت الآفاق في وجوههم، غير ركوب البحر على أمل أن يلقي بهم في إحدى دول الخليج العربي الغنية لتتلقفهم عصابات التهريب والإتجار بالبشر وتفعل بهم الأفاعيل. أما المتجهون إلى ليبيا فأغلبهم من البلدان القريبة من ليبيا، كالنيجر ومالي وتشاد وافريقيا الوسطى والتي تعاني بدورها أحوال الفقر والمجاعة والحروب والأنظمة السياسية الفاسدة.
حمل تقرير المنظمة البريطانية عنوان «تجردتم من القيم الإنسانية» ووجه اللوم لبلدان الاتحاد الأوروبي الغنية التي تجبر المهاجرين على البقاء في ليبيا، وطالبت بنظام عادل وشفاف يعنى بشؤون الهجرة وطلبات اللجوء، وقالت إن عبور المهاجرين البحار ليس خيارا وإنما ضرورة لاستمرار بقائهم على قيد الحياة.
تتحمل الدول الأوروبية مسؤولية كبيرة في الأزمة الراهنة التي تعود جذورها إلى القرن التاسع عشر حين اتفقت كبرى هذه الدول على تقسيم افريقيا إلى دول من دون ارتباط بالجغرافيا الطبيعية كالجبال والأنهار والبحيرات، أو بالانسجام الإثني والقبلي، أو بالممالك التاريخية القديمة، وهو ما جعل هذه الدول عرضة بشكل مستمر للنزاعات والحروب الأهلية والإثنية والجغرافية.
لكنّ تحميل اللوم للدول الأوروبية وحدها يعني النظر بعين واحدة فقط، فبعض الممالك الافريقية القديمة كانت مراكز استبداد أيضاً، وبعضها كان مواقع لخطف الافارقة أنفسهم واستعبادهم وبيعهم للتجار، وإذا كانت هذه التجارة أصبحت محرّمة عالميّاً فإن بعض الدول الافريقية ما تزال تعامل مواطنيها بأساليب أكثر شراسة من معاملة العبيد، وتساهم أنظمتها الفاسدة في مدّ عصابات التهريب والإجرام بالبشر الذين لا يشعرون بمواطنيتهم وجلّ حلمهم أن يغادروا هذه البلدان الفاشلة للحصول على حياة كريمة في مكان آخر.
المهرّبون، في هذه المعادلة، هم المعادل التاريخي لتجار العبيد وهم، عمليّاً، يمارسون الممارسات الوحشية لأسلافهم أولئك، ويشكلون جزءاً من دورة استغلال كبيرة تبدأ بالأنظمة المصدّرة للهاربين واللاجئين، وتنتهي بالدول الغربية التي تريد أن تعالج النتائج من دون معالجة الأسباب.
رأي القدس
المهاجرون هم ضحايا انظمة استبدادية بالدرجة الاولى ونظام عالمي ساهم في انتاج هدا الخلل لا يهتم بالانسان بقدر ما يبحث عن مصالحه بالدرجة الثانية ومافيا تهريب تضع الربح نصب اعينها ولا يهمها مصير هؤلاء بالدرجة الثالثة ويبقى بالدرجة الرابعة المصير المجهول وهو الموت في اغلب الاحيان في اعالي البحار.