من المسؤول عن النكبات العربية؟

حجم الخط
39

حين يراقب سكّان هذه المنطقة العربية أحوال البشر في كافة أنحاء العالم يتحسّرون على الدرك الذي انحدرت إليه بلدانهم بكل المقاييس التاريخية، بحيث يمكن، من دون صعوبة كبرى، تشبيه هذه الحقبة بالعصر المظلم الذي اجتاح فيه التتار، والفرنجة (الاسم الذي أطلقه العرب على الصليبيين) العراق وبلاد الشام، وأنهوا، عملياً، الحقبة التي كانت فيها شمس الحضارة العربية تشرق على الغرب (على حد تعبير المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه).
أحد التحليلات الأساسية هو اعتبار الغرب مسؤولاً أولاً عن هذه الكوارث، فباحتلاله البلدان العربية وزرعه دولة إسرائيل، واختراعه دولاً وظيفية، ومواجهته لأي محاولة عربية للتوحد والتقدم (أو التناقض مع الغرب فحسب)، بدءاً من محمد علي باشا ووصولا إلى جمال عبد الناصر وصدام حسين، أنتج عملياً كل هذا الخراب الحاصل حاليا.
التحليل الثاني الرائج يحمّل العرب وحدهم مسؤولية المآل الوخيم الذي آلوا إليه، فأغلب أمم الأرض تعرّضت لأشكال من الاحتلال بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين واليابان والمانيا، وكذلك أغلب البلدان التي كانت تعتبر جزءاً مما يسمى «العالم الثالث»، كالهند والبرازيل وتركيا وجنوب افريقيا وكوريا، بل إن عدداً من الدول الإفريقية والآسيوية والأمريكية اللاتينية التي لم تكن لها مساهمات حضارية كبرى في تاريخ العالم تفوّقت على العرب وصارت جزءاً من قائمة النجاح العالمي.
التحليل الثالث الذي يلقى رواجاً كبيراً حالياً هو تحميل الدين الإسلامي مسؤولية الخراب العربيّ، فبحسب هذا التحليل فإن دين غالبية العرب هو الإسلام، ودينهم يمنعهم من الانخراط في الحداثة والتقدم ففيه أفكار تعصّب ورفض للآخر، وشرائعه تعتمد قوانين مناقضة لحقوق الإنسان العالمية، وحكوماته (ومعارضاتها) توظف مفاهيم هذا الدين لتكريس الاستبداد وقطع الرؤوس واضطهاد المعارضين، ولا يتردد كثيرون، مسلمون وغير مسلمين، في اعتبار تنظيم «الدولة الإسلامية» تجسيداً حقيقياً لهذا الدين، ويقترحون علاجاً يتدرج بين «تجديد» أفكار الدين ونقدها، فيما يطالب البعض بتصفية ما يسمى بـ «الإسلام السياسي»، ويطمح محللون «جذريون» إلى اجتثاث أي أثر للإسلام في الحياة المدنية، وفرض «علمانية» قسرية على كافة جوانب الحياة اليومية، وهذا، في رأيهم، سيعيد العرب، بسرعة كبيرة، إلى حلبة الحضارة من جديد.
التحليل الرابع، يتناقض جذرياً مع سابقه، ويعتبر كل مشاكلنا نابعة من عدم الالتزام بالدين الحنيف وأسسه وأركانه ويعتبر أن الحكومة الإسلامية التي تطبق قوانين السماء على الأرض حلاً ينهي مظالم العدالة ويحقق التنمية ويرفع مكانة العرب والمسلمين في العالم.
يمكن تلخيص هذه التحليلات ضمن منظومتين، تضع الأولى المسؤولية العظمى على الغرب من خلال الاحتلالات التي أخضع لها الوطن العربي، ودوره الخطير في تأسيس دولة إسرائيل، وعلى إنشائه وسيطرته على دول عربية تدور في منظومته الاقتصادية والفكرية، ومحاربته العروبة والإسلام، فيما تضع الثانية المسؤولية الكبرى على العرب أنفسهم، من خلال فشل نخبهم وشعوبهم في إدارة المعركة مع اسرائيل والدول التابعة للغرب، وينتظم في ذلك أيضاً تحميل المسؤولية لدينهم وحضارتهم وثقافتهم باعتبارها مشبعة بالاستبداد والتخلف ورفض الحداثة، وهو ما يجعلهم، بالضرورة، خارج المنافسة، ما لم يتخلوا عن أسسهم الدينية ويعتنقوا العلمانية الشاملة، ويدخل في ذلك أيضا تحميل الثورات العربية انحدار الدول العربية إلى الفشل والتعصب الديني والسياسي.
تتضمن هذه التحليلات جميعا فكراً خطّياً يصعد من أسفل لأعلى أو من وراء لأمام ورؤية ثنائية تقسم العالم إلى خير وشر، فهي تسعى لإسقاط الشرور على الغرب أو على العرب أو على الإسلام أو على الثورات، كما تقسم العالم إلى داخلي وخارجي، وتفصل بين الشؤون المادية والفكرية، مما يؤدي بالنتيجة إلى تبسيط وتسخيف للآخر وللذات معا، ويساهم، في منع الرؤية العميقة للواقع ويشارك، بالنتيجة، في الكوارث التي تعيشها المنطقة العربية.
تحمل أجزاء من هذه التحليلات، بعض الوجاهة أو كثيرها لكنّها تحمل ايضاً تناقضاتها الداخلية، وهي تنظر للتاريخ نظرة مقارنة مستعجلة، كما لو كان منهاجاً مقرراً يكفي اتباعه وارتداء العدّة اللازمة له، من علمانيّة مطلقة، أو دولة إسلامية، لجعل الدول العربية مستعدة للدخول في سباق سيارات مخصص للحضارات والأمم. التحليلات الجاهزة تريد حلولاً الآن وهنا ولا تنظر إلى المخاض العظيم الذي ما تزال الشعوب العربية ونخبها الفكرية تعيشه لمواجهة خصوم خطيرين وتخلّف تاريخيّ مزمن وإشكاليات صعبة ومعقدة.

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    التحليل الخامس وهو إنعدام الحرية
    فإنعدام الحرية أوقف النبوغ والتجديد
    وبالطبع الحرية حق شخصي بالإسلام
    ( الحرية والعدل قبل تطبيق الشريعة – كلمة للشيخ القرضاوي )
    ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول خالد الجزائر:

      جاء احد الخوارج يسال الحسن البصري رحمه الله : هل دم البعوضة على اليد نجاسة اذ بجعتها بيدي؟ فاردفه الامام : انك قد احللت دم المسلمين و تسأل عن اصغر منها؟

    2. يقول حسن هولندي:

      نعم صدق امام ابن تيمية: ‘إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة،’

  2. يقول نمر ياسين حريري ــ فرنسا .:

    كارثتنا في عسكرنا قبل وفوق كارثة هزيمة 1967.فقد ظهرت جيوشنا بغرض العرض بينما خرج الجيش الاسرائيلي بارادة الحرب.

  3. يقول محمد قطيفان / شرق المتوسط:

    – آه .. موضوع ضخم لا يُختصر بمقالة..
    – لكني لم أجد جواباً شافياً قاطعاً لهذا السؤال إلا في كتاب عبدالرحمن الكواكبي (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) وأنصح الجميع بقراءته ، فهو كتاب قيم جداً .
    – وأحيلكم لما قال ابن خلدون : ” العربي بدون الإسلام ، لا يساوي قُلامة ظفر”

  4. يقول HASSAN-USA:

    نكبة عام 67 جمال عبد الناصر ومجموعته.
    نكبة الحلرب العراقية الايرانية صدام حسين وخميني.
    نكبة احتلال الكويت حكام الكويت وبعض حكام الخليج وصدام حسين.
    نكبة دمار واحتلال العراق حكام الكويت وفهد ال سعود وعيد الله ال سعود( لا القاب بعد الموت الكل سواسية)
    .كل النكبات الحالية تفرعت من نكبة العراق.
    نكبة سوريا ال الاسد وجماعتهم.
    نكبة لبنان حسن نصر الله وخامنئي وقسم من الشيعة.
    ليبيا القذافي…………
    والاهم والفاعل الحقيقي هو الشعب او الشعوب العربية…….تقاعسها عن حماية اوطانها. وقسم منهم له ولاء مزدوج وليس الشيعة فقط.

  5. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم.رأي القدس اليوم عنوانه( من المسؤول عن النكبات العربية؟ )
    ليس اسهل على المرء ان يتهرب من المسؤولية عن بؤس حالته من ان يضع اللوم على الآخرين ويخدع نفسه ويبرؤها من هذا التردي الذي سقط فيه . ينطبق هذا على الافراد وعلى الامم والشعوب.والعرب-اعني بعض نخبهم وحكامهم- يتحملون الجزء الاكبر من السؤولية عما هم فيه الآن( فأغلب أمم الأرض تعرّضت لأشكال من الاحتلال بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين واليابان والمانيا، وكذلك أغلب البلدان التي كانت تعتبر جزءاً مما يسمى «العالم الثالث»، كالهند والبرازيل وتركيا وجنوب افريقيا وكوريا، بل إن عدداً من الدول الإفريقية والآسيوية والأمريكية اللاتينية التي لم تكن لها مساهمات حضارية كبرى في تاريخ العالم تفوّقت على العرب وصارت جزءاً من قائمة النجاح العالمي.)
    صحيح ان الغرب وبروحه الصليبية ساهم مساهمة كبرى في نكبات العرب الحالية بالاستعمار المباشر الذي انتهى شكلا وبقى حقيقة ومضمونا وزرع اسرائيل نبتا خبيثا وخنجرا مسموما في خاصرتهم .ونصب حكاما (دمى) يتلاعب بهم كيف يشاء ولمع كثيرا منهم كمنقذين مع ان حقيقتهم اما مغفلين وخدم لاهدافه الخبيثة او عملاء له وخونة لامتهم واوطانهم .وعلينا ان لا ننسى دور الحركات والمفكرين التغريبيين الذين روجوا لافكار الغرب ومناهجه في التخريب والتبعية والانسلاخ عن ماضيهم العربي الاسلامي المشرق واللهاث وراء افكار الغرب الهدامة.
    والحكام العرب وعلى المقاس الصهيوصليبي والحركات والمفكرين التغريبيين وعلى نفس المقاس؛ثارت عليهم الشعوب العربية في حراك الربيع العربي واسقطت كثيرا من رموزهم بشعارها الخالد (الاسلام هو الحل).ولكن هذا الشعار هو البعبع الذي ارعب اعداء الامة في الداخل والخارج وتكالبوا عليه واوقفوا زخمه الى ان يأذن الله بالفرج.وما النصر الا من عند الله

  6. يقول غادة الشاويش المنفى:

    اللحظة الاولى التي نرضى فيها باول ظلم حتى لو كان بحجم حبة العدس ونعقد معه هدنة صمت او نرتكب من اجله عملية تجميل هي سر الكارثة اللحظة التي نداوي فيها عتداء بالجو بجرة قلم وسفك حبر ونشيد رثاء ولا نرتدي لامة الحرب والفداءية اللحظة التي نتناقش فيها بجنس الملاءكة امام عجلة ابادة اللحظة التي يقل فيها المضحون وابطال كلمة الحق التي هي ضمير العالم الذي كسر قيده اللحظة الاولى التي نخاف فيها من لون الدم ونحلم بالخرية ونكنب قصيدة هجاء عن نظام صهيوني يحرس حدود الاحتلال برموش عينيه ونقول له افتح لنا الحدود يا ايها الناس لا يلام الذءب في عدوانه ان يك الراعي عدو الغنم !

  7. يقول ابو سامي د حايك:

    اغلب الظن ان كل هذه العوامل مهمه و لكن الامر يحتاج الى دراسة علميه للتعمق في الأسباب و أضيف اليها ان العربي فقد اتصاله بتاريخه (السياسي كدوله) بعد سقوط بغداد و انتهاء الخلافة العباسية سنة ١٢٥٨ و خروج عبدالله الصغير من غرناطه آخر المعاقل سنة ١٤٩٢ و باقي التاريخ تحت الحكم العثماني و تحت نير الاستعمار و لا شك ان الكيان الصهيوني الشرس في فلسطين و ايضا عالميا و في مراكز صناع القرار قد استنزف كثيرا من الطاقات ألعربيه اللازمه للبناء و لا يزال العالم العربي ينتظر التقاط انفاسه لإعادة كتابة تاريخه من جديد

  8. يقول فادي / لبنان:

    الشعوب المذنبة

  9. يقول s.soliman, london:

    اخونا الكروى داود
    الصين حققت طفرات اعجازيه بكل المقاييس في المجالات الاقتصادية و العلمية و الطبية و الزراعية و الاجتماعية و…و الخ و بها انعدام حريه كما في بلداننا تماما بل و اسواْ كما يقترح البعض .

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      نعم يا عزيزي سليمان لأن الغرب سمح لها لأنها تقمع المسلمين
      مع تحياتي ومحبتي وإحترامي لك وللجميع
      ولا حول ولا قوة الا بالله

  10. يقول عربي-فلسطيني:

    “… اذا الشعب يوما اراد الحياه فلابد ان يستجيب القدر …”

    … والغرب… و الانظمه القمعيه و الرجعيه… والمنظمات الهلاميه…و…و…

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية