ماذا تفعل حين ترى ما يحدث حولك أكبر من قدرتك على التصور. وهذا ما حدث معي يوم الجمعة، حين قتل الإرهابيون أكثر من ثلاثمئة مواطن مصري من أهل سيناء في مسجد الروضة في قرية الروضة بين مدينة العريش وقرية بئر العبد.
الإرهاب ليس مفاجأة والعمليات الإرهابية يوم الجمعة عادة ليست مفاجأة لي، وكونه هذه المرة يتم في مسجد ويقتل فيه الإرهابيون المسلمين لم يكن أيضا مفاجأة لي كثيرون قالوا إن المسجد بناه المتصوفون وإن الإرهابيين من الداعشيين، أو ولاية سينا، أو أي ممن سيعلن عن نفسه حين يكون قد تم نشر هذا المقال، هم ضد الصوفية. صحيح إنهم ضد الصوفية، بل وضد كل المذاهب الإسلامية الأخرى باعتبارهم امتدادا للخوارج، وابن تيمية والوهابيين بوضوح. لكنني منذ أول لحظة لم أرتح لهذه الرواية ولا هذا التفسير، حتى لو أعلنه الإرهابيون، وهم لم يعلنوه بعد. سيكون كذبة. ارتحت للرواية السياسية ولخبرة الأيام، وهي إن الإرهاب في سيناء وفي مصر عموما نادرا ما يفشل، ومن ثم فهو لا يقوم بأي عملية إلا بعد أن يتأكد من عوامل نجاحها. وهذه العملية بالذات قيل فيها في البداية إنها عملية تفجير لشخص فخخ نفسه بالقنابل، لكني ما كدت أرى أول الصور للمكان والموتى على أرض المسجد، حتى كتبت على صفحتي في الفيسبوك وتويتر إنها ليست تفجيرا ولا تفخيخا، بل هي عملية قتل بدم بارد وعلي مهل. لم يكن هناك أى أثر لتفجير ما. واتضح أن الأمر كذلك مما تداوله من بقوا على قيد الحياة من المصابين. دخل الإرهابيون بعدد كبير يصل إلى الثلاثين بهدوء إلى المسجد وحوله، ملثمين يرتدون زيا عسكريا وهم يحملون الرشاشات والقنابل اليدوية، وبدأوا في تصفية المصلين كبارا وأطفالا، بل وقف بعضهم أمام المسجد يقتل الهاربين. وصل عدد الشهداء إلى ثلاثمئة بينهم رجال عائلات كاملة، وبينهم ثلاثون طفلا قيل عن طفل منهم إنه صرخ فيهم «أنا عايز أموت مع خواتي» فقتلوه بدم بارد. ما علاقة هذا باستهداف الصوفيين؟ الاستهداف هنا للوطن. ولقد عُرِف بعد ذلك أن المسجد لم يكن للصوفيين، بل هي «زاوية» صغيرة قريبة منه لم يدخلها أصلا أحد. كيف نجح الإرهابيون إلى هذا الحد؟ ببساطة لأنهم ذهبوا إلى مكان بعيد عن الحراسة، إن لم تكن الحراسة أصلا تبتعد عنه الإرهابيون يمكن أن يقوموا بتصفية الصوفيين إذا وصلوا – الإرهابيون – إلى الحكم، بل كما قلت سيقومون بتصفية كل أصحاب المذاهب الأخرى. ولقد رأينا ما حدث في العراق وسوريا.
كان اليوم يوم حزن كبير. ومن مساخر القدر أن هناك من أعلن من قبل لقب الجمعة السوداء « Black Friday» وجعله يوما لتخفيض الأسعار.
المعركة بين الإرهاب والمصريين هي معركة بين الإرهاب والدولة الباقية متماسكة من دول الحضارات القديمة، رغم هشاشة النظام السياسي. معركة يدفع فيها الشعب الثمن وكلما طال الأمد بالإرهاب زاد دفع الثمن. أعرف تماما أن الإرهاب يريد تقويض الدولة وإسقاطها وإلا ماذا يريد؟ لكن المهم أن أعرف ماذا تريد الدولة، أي دولة من فضلك؟ الدولة تعلن أنها تريد تصفية الإرهاب، لكنه يزداد، فهل تفكر الدولة أن تعيد النظر في طريقة تعاملها معه؟ هل يمكن للدولة أن تحدد من هم الإرهابيون بالضبط؟ هل هم المحتجون السياسيون على قراراتها السياسية والاقتصادية، والساخرون على مواقع الميديا الذين امتلأت بهم السجون؟ أم هم حاملو السلاح؟ وهل وجود محتجين على السياسة والاقتصاد وإدارة البلاد بشكل عام رصيد للإرهاب؟ أم الاستماع إلى ذلك رصيد للدولة في مواجهة الإرهاب؟ أسئلة قديمة لم تعد هناك جدوى من طرحها، لذلك وجدت نفسي وأنا أتهيا مرغما للنوم عند الفجر أتذكر زينون الإيلي، وزينون الإيلي هو واحد من الحكماء السبعة الذين ظهروا في الفلسفة اليونانية قبل سقراط، وكان منهم هرقليطس الذي قال جملة «إنك لا تنزل النهر الواحد مرتين» يعني بالتغير المستمر، وجعلها الماركسيون في ما بعد شعارا لهم. ومنهم أمباذوقليس وديموقراطيس وفيثاغورث. وكلهم عرفتهم مبكرا في دراستي، لكن زينون بقي معي من بينهم ويستيقظ كثيرا جدا أمامي كلما أردت أن أكتب جادا في شيء رأيته دائما رافدا أدبيا لفلسفة العبث. يقف أمامي هو صاحب مقولة انعدام الزمان والمكان وانعدام الحركة. انعدام الحركة هو البرهان الذي أخذ بعقلي منذ دراستي في الجامعة. فالسهم الذي تطلقه لا يتحرك لأنه كي يصل إلى هدفه لا بد أن يقطع نصف المسافة، ولكي يقطع نصف المسافة لا بد أن يقطع نصف النصف، وهكذا لكل نصف نصف ومن ثم لا يتحرك. يقول زينون لي دائما هذا حالكم بالضبط في مصر. كل حاكم منذ 1952 يقول إنه ورث ركاما من المشاكل ولا بد من الصبر عليه، ثم يترك الحكم والأحوال أسوأ مما كانت، وتجدون انفسكم في المربع الأول.
قاومت ذكرى زينون كثيرا، بل أكاد أحيانا أهشه بيدي من أمامي وأتمسك بالأمل. أقول له مكانك الرواية والأدب وليس السياسة والحياة اليومية. لقد رأيت بعيني وشاركت كأني شاب في ثورة يناير/كانون الثاني وما تلاها، فلا تثبِّط من قوتي فيضحك ويقول لي وإلى أين انتهيتم؟ أقول له لقد تم التآمر على الثورة، يضحك ويقول لي المهم إلى أين انتهيتم؟ أقول له مصر مستهدفة يضحك ويقول لي ما دمتم تعرفون إنها مستهدفة فإلي أين انتهيتم؟ أقول له نحن ندفع ثمن إهمال النظام لسيناء عبر السنين، يضحك ويقول لي إلى أين انتهيتم؟ وكلما فكرت أتحدث معه في تفاصيل المأساة التي تتجمع كلها في تغييب الشعب عن المشاركة في المشهد السياسي، أعرف إنه ـ زينون – مثل كل نظام سياسي منذ 1952 لن يسمع وسيعيد السؤال، أصابني الصمت أمامه فقدم لي قصة قصيرة لأقرأها قبل أن يسحبني النوم وأنا في غاية الدهشة. قصة الكاتب الألماني غونتراغراس «قبو البصل» هو يعرف إذن إني أحب ذلك الكاتب. قصة القبو الذي افتتح فيه شخص ما مطعما لا يقدم إلا البصل يأتي إليه الناس يضعونه أمام أعينهم ويبكون. تماسكت وقلت له قرأتها منذ سنين وعرفت أخيرا أنهم في الصين افتتحوا مطعما لذلك، وأفكر أن أفعل مثلهم وأزحت القصة بعيدا تاركا نفسي للنوم سلطان الوجود، لكنه قال لي لن يأتي إليك أحد لأنكم تعيشون فيه ولا تدري.
إبراهيم عبد المجيد
استاذ عبد المجيد
منذ أن قرأت لأول مرة روايتك العظيمة لا أحد ينام في الاسكندرية، كعمل مبدع نادر في عالمنا اليوم وأنا أتتبع كتاباتك كما تتتبع انت زينون ونحن ياسيدي الكريم نعيش جميعا في قبو البصل وليس المصريون فقط، و دموع البصل تأتي من حساسية في العين والانف، لكن دموعنا تنحدر زخات من ألم واقعنا المرير، ونتساءل إلى أين انتهينا؟ ولا جواب لهذا السؤال العسير.
بعد كل هذه المآسي لا أحد ينام في الاسكندرية، ولا في دمشق، ولا في طرابلس، ولا في صنعاء، ولا في ..
تعلم أن كثيرا ممن غنوا “تسلم الأيادي” على وقع الرصاص في رابعة وأخواتها وذبح الآلاف، يحاولون الآن أن يظهروا بمظهر البطولة بعد أن بدا أن الريح ستتجه اتجاها آخ. المشكلة في زينون وأتباعة من أصحاب الواقف الانتهازية، أنهم لا يؤمنون إلا بالدرهم والدينار حتى لو بدوا مثقفين من أصحاب … ، وللأسف لم يعد كلامهم يجاوز حلوقهم، لأنه تدليس وكذب وبهتان. اللهم احمنا من الهمزة اللمزة الذي جمع مالا وعددهيحسب أن ماله أخلده. كلا..