من «قانون القومية» إلى «الصهيونية شكل من أشكال العنصرية»

حجم الخط
0

أخيرا، وبعد سبعين سنة من إقامة إسرائيل، وبعد مئة واثنتين وعشرين سنة على عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل، أقر البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، أن الصهيونية حركة عنصرية، وأن إسرائيل دولة ابرتهايد.
«تكرّمت» إسرائيل، بغبائها، (ولكل محتل ومستعمِر ومعتد وظالم، صفات سلبية عديدة، إحداها الغباء)، وقدمت للفلسطينيين، في الأسبوع الماضي، على طبق من فضة، منقوش عليه بأحرف عبرية واضحة نصّا رسميا، لـ«قانون أساسي» إسرائيلي، وفّر للفلسطينيين سلاحا غالبا، ومنصة عالمية مشرفة عالية، لأخذ المبادرة وإعادة الأمور إلى نصابها.
لن يشعر الفلسطينيون العرب في اسرائيل، بمسلميهم ومسيحييهم بجميع طوائفهم، الذين يحملون بطاقة الهوية الاسرائيلية، ويشكلون خُمس عدد السكان في «الدولة اليهودية»، أي تغيير جذري على مجريات حياتهم، جرّاء هذا القانون الإسرائيلي الجديد. ذلك ان معاناتهم منذ النكبة سنة 1948 وحتى اليوم، لم تنقطع، وهم الضحايا المزمنون. هم ضحايا: مصادرة أراضيهم وممتلكاتهم، ومصادرة حقهم الطبيعي في التنقل داخل وطنهم، على مدى أيام «الحكم العسكري» من سنة 1948 إلى سنة 1966، ومصادرة حقهم في التعبير عن آرائهم وحرمانهم من إصدار أي صحيفة أو أي من وسائل الإعلام، طوال تلك الفترة، ووضع عراقيل أمام ذلك حتى يومنا هذا، والتفنن في التمييز ضدهم، على غرار سن قانون «الحاضر الغائب»، و«القيِّم على املاك الغائبين» وما شابه ذلك، ووضع اليد على كل مُلك عام في المدن والقرى الفلسطينية العربية داخل خطوط الهدنة مع «دول الطوق»: مصر والأردن وسوريا ولبنان، سنة 1949، الذي سمته إسرائيل «الخط الأخضر»، واعتمدته غالبية دول العالم كحدود لإسرائيل، كل ذلك بالإضافة لجميع الاوقاف الإسلامية في إسرائيل، ومعاملة تلك الأوقاف كتعاملها مع «أملاك الغائبين»، الامر الذي أوحى للأول من شعراء المقاومة في فلسطين 48، راشد حسين، بقصيدته المعروفة، الله أصبح لاجئا»، ويقول فيها:
الله أصبح غائبا يا سيدي
صادر إذن حتى بساط المسجد
وبع الكنيسة فهي من أملاكه
وبِع المؤذن بالمزاد الأسود
الأهمية العملية الوحيدة لقانون القومية الإسرائيلي، هي انه ينزع القناع عن وجه اسرائيل، ويكشف وجهها العنصري القبيح، ويفضح نظامها، ويعرّيه كنظام ابرتهايد، على غرار نظام جنوب إفريقيا البائد، الذي أدانته جميع شعوب ودول الأرض (التي تحتفل هذا الايام بالذكرى المئوية لولادة الزعيم الإفريقي الخالد، نيلسون مانديلا)، مع فائدة التذكير أن اسرائيل كانت آخر حليف لذلك النظام عند سقوطه المدوي، قبل نحو ثلاثة عقود. لا بديل عن أن يكون لمنظمة التحرير الفلسطينية، رد فعل مناسب على تشريع الكنيست الاسرائيلي لقانون القومية هذا، يتضمن ترجمته إلى العديد من اللغات، وتوزيعه وتعميمه على كافة البرلمات في العالم، مع الشروحات عليه، والمقارنات والتطابقات بينه وبين القوانين العنصرية في نظام الابرتهايد السابق، وتأكيد تثبيته نقطة دائمة في جداول أعمال مؤتمرات الاتحاد البرلماني الدولي، وكل المؤتمرات المشابهة. على أن كل ردود الفعل الفلسطينية على هذا القانون، ومهما بلغت أهميتها، لا تغني عن الفرصة الذهبية التي وفّرها لمبادرة فلسطينية فورية، لإعادة اعتماد مركز الشرعية الدولية، الأمم المتحدة، لقرار اعتبار الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية.
سبق واعتبرت الأمم المتحدة، في دورتها لعام 1975، أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية، ويومها بلغ الضيق الإسرائيلي من هذا القرار منتهاه، عبّر عنه مندوب اسرائيل في الأمم المتحدة في حينه، حاييم هيرتسوغ، بتمزيق نسخة من القرار، اثناء كلمته من على منصة الجمعية العامة، ردا على ذلك القرار. لكن هذا القرار ظل قائما حتى تم الغاؤه سنة 1991، بضغط أمريكي، وسكوت من الدول العربية والدول الصديقة، لتأمين سير أعمال «مؤتمر مدريد»، الذي شكل بداية لمرحلة جديدة من مراحل الصراع، وانتهى إلى اتفاق أوسلو، وعقد اتفاقية السلام بين إسرائيل والأردن في وادي عربة. الآن، وقد وصل اتفاق اوسلو إلى طريق مسدود، وأقر البرلمان الاسرائيلي قانونا يشمل كل ارض فلسطين، حتى تلك التي سجِّلت تحت خانة «أراض متنازع عليها»، فقد انزاح سبب رفع «الصهيونية» من قائمة الانظمة العنصرية، وصار واجبا أن تبادر منظمة التحرير الفلسطينية إلى دفع الشرعية الدولية، إدراج الصهيونية ووضعها في سلة واحدة مع النازية والفاشية ونظام الابرتهايد والفصل العنصري، تمهيدا لإسقاطها، كما تم إسقاط الأيديولوجيات المشابهة لها في الشكل والجوهر.
تسبح حكومة إسرائيل اليمينية العنصرية المتطرفة الحالية، في هذه المرحلة، في مستنقع تلائم مياهه العنصرية الآسنة توجهاتها وسياساتها. فهي تتقدم وتبالغ في انزلاقها إلى مستويات غاية في الانحدار، مستندة إلى حماية حليف قوي، هو إدارة الرئيس الأمريكي الاكثر يمينية منذ عقود، والمحاط باعضاء إدارة أكثر يمينية وتخلفا وعنصرية من كل من سبقهم في مناصبهم، من مندوبته في الأمم المتحدة إلى وزير الدفاع في إدارته، إلى وزير خارجيته وسفيره في اسرائيل، إلى مستشاره للأمن القومي. ويسبح خلف اسرائيل في هذا المستنقع، حكومات دول عديدة في اوروبا وغيرها، من هنغاريا إلى بولندا والنمسا وايطاليا إلى حد ما. لكأننا نعيش أجواء شبيهة بالاجواء التي سبقت الحرب العالمية الثانية، عند صعود النظام النازي في المانيا، (بانتخابات ديمقراطية)، والنظام الفاشي في إيطاليا، وبعض من حلفاء آخرين في ذلك المحور، الذي تسبب في نشوب تلك الحرب، مع ملايين كثيرة من الضحايا في العالم، وفي اوروبا اساسا.
هذا القانون الاسرائيلي الفاقع العنصرية، يستدعي تركيز القائمة العربية الموحدة في الكنيست الاسرائيلي، (وهي القائمة الثالثة حجما فيه)، التحول الجدي إلى الساحة البرلمانية الدولية، لبناء تحالفات واتفاقيات تعاون مع أحزاب وكتل برلمانية في العالم، مع تركيز خاص على الدول الديمقراطية المعتدلة المتقدمة، خاصة في أوروبا الغربية، وفي شمالها على وجه أخص، وتركيز على جنوب إفريقيا، لما لها من وزن نوعي في ضمير ووجدان شعوب العالم، وغيرها من الدول.
لا يجوز ان ينسينا ما نحن فيه ونواجهه من سياسات حكومة اسرائيلية مغرقة في العنصرية والفاشية، اننا لسنا ضحاياها الوحيدين، بل ان من ابرز ضحاياها في المجتمع الاسرائيلي اليهودي اليميني، على سبيل المثال، رئيس دولة اسرائيل ذاته، رؤوفين ريفلين، لانه يميني «مستنير» وليس يمينيا عنصريا فاشيا بما فيه الكفاية.
نظرة سريعة لما يمكن تسميته «ميزان الكراهية» في اسرائيل، تكشف لنا حقائق مذهلة. فمنذ ربيع 2015 ولغاية ربيع 2018، زادت نسبة الكراهية والتحريض على الرئيس الاسرائيلي، في وسائل التواصل الاجتماعي بنسبة 314٪. وزادت ضد الصحافة الاسرائيلية، في الفترة ذاتها، بنسبة 500٪. وضد القضاء والمحاكم بنسبة 231٪. وضد «جيش الدفاع الاسرائيلي» بنسبة 114٪ بل تضاعف التحريض والإدانة ضد رئيس اركان جيشهم، بعد ان ادان قتل جندي اسرائيلي لجريح فلسطيني لا يشكل خطرا، خمسة اضعاف عما كان عليه.
«إصبِر على كيد الحسود
فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها
إن لم تجد ما تأكله»
بدون أن يعني الامر ابدا دعوة للصبر. فالحال يتطلب المبادرة، لا الصبر ولا الصمود ولا رد الفعل فقط.

٭ كاتب فلسطيني

من «قانون القومية» إلى «الصهيونية شكل من أشكال العنصرية»

عماد شقور

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية