من وراء هجوم الميليشيات الإعلامية على شيخ الأزهر؟!

حجم الخط
14

«هرمنا»..! فقد عملت بالصحافة قرابة الثلاثين عاماً، ومجمل خبرتي في الصحافة المصرية ما عدا الثلاث سنوات الأخيرة، حيث بدأت «من تحت السلم» فيها، مفرد «سلالم». ولهذا فإني أعرف أين «يُخبئ القرد ابنه»، عندما يكون الأمر متعلقاً بشأن من شؤونها!
وأستطيع أن أقرر و»في بطني بطيخة صيفي» كناية عن الاطمئنان التام، أنه لا يمكن الهجوم الإعلامي على بلد كالمملكة العربية السعودية إلا بتعليمات، كما لا يمكن التطاول على شيخ الأزهر، من أي إعلامي إلا بتعليمات من الجهات العليا، وفي الملف الخاص بالسعودية والشيخ، فإن الأمر يتجاوز الأجهزة الأمنية، السيادي منها وغير السيادي، فلا يمكن إلا أن يكون بأمر رئاسي، ودور هذه الأجهزة التبليغ، لبعض الأفراد، وإن كنت أعتقد أنه في ظل تحول «سكرتير السيسي» إلى ولي أمر الإعلام، فإنه لن يكون بحاجة إلى وسيط أمني للقيام بهذه المهمة مع أذرعه الإعلامية! في ليلة واحدة، يا مؤمن، ينطلق أحمد موسى في «صدى البلد»، و«لميس الحديدي» في «أم بي سي»، وبعلها في «أون تي في»، للهجوم على شيخ الأزهر، ثم يصبح مطلوباً منا أن نتعامل مع ما جرى على أنه توارد خواطر بين كبار المذيعين، وقد بدا أن تفجير الكنيستين هو «كلمة سر الليلة»؛ فيتم تفجير كنيسة «مار جرجس» و«مار مرقص»، فلما يجن الليلة يتحرك ثلاثي أضواء المسرح الانقلابي للهجوم على الشيخ، ثم يراد لنا أن نفهم أن هذا تم بالمصادفة السعيدة واستغلالاً لسقف الحرية المرتفع في مصر، حتى وإن استخدمت مفردات متقاربة كأن يقول أحمد موسى «الرئيس زهق من شيخ الأزهر»، فتعزف لميس عزفاً مشابها فـ «الرئيس فاض به»!

الابتعاد عن الإسلام الوسطي

منذ متى يجري تحميل الأزهر مسؤولية التفجيرات والفكر المتطرف؟ فالمعمول به في هذه المناسبات، أنه يجري الإعلان عن أن التطرف سببه الابتعاد عن الإسلام الوسطي، الذي يمثله الأزهر الشريف، وعندما تتحرك مليشيات السيسي الإعلامية وفي ليلة واحدة، لتحميل الأزهر وشيخه مسؤولية ما جرى وتوجيه الاهانة له بشكل غير مسبوق، فإن هذا لا يمكن التعامل معه على أنه تم على سبيل المصادفة!
وفي الواقع أنها ليست المرة الأولى لمليشيات السيسي الإعلامية التي يتم فيها توجه الاهانة لشيخ الأزهر ومقامه، فقد حدث التطاول بعد حديث الطلاق الشفهي عندما ظن حبر الأمة والعالم العلامة والبحر الفهامة، عبد الفتاح السيسي، أنه جاء على قدر ليجدد شباب «دين المصريين» فأفتى بأن الطلاق لا يقع إلا أمام المأذون، وقد خاطب شيخ الأزهر بعبارة كررها حد الابتذال: «تعبتني يا فضيلة الإمام». وفي «المساء والسهرة» كان الهجوم على شيخ الأزهر من هذه المليشيات الإعلامية، وقد فسروا جميعهم عبارة السيسي بأنها تأكيد على أنه فاض به الكيل!
فمن أخبر المليشيات أنها تعبيراً عن أن الكيل فاض بالسيسي، وقد قالها بلطف وود؟ ومن أعطى هؤلاء الحق في قراءة ما في «بطن السيسي»، إلا إذا كانت التعليمات قد صدرت لهم بالتأكيد على هذا، حتى لا يتعامل الشيخ بظاهر النص، ويعتبرها تحمل وداً له من قائلها، فهي كاشفة عن الغضب وأن الكيل قد فاض، فيخضع له الأزهر بالفتوى، التي تقر بها عينه!
لا نعرف من فيهما الذي من حقه الشكوى من أنه قد فاض به: شيخ الأزهر أم السيسي، فالأخير هو دائم التسلط على اختصاص الأول الأصيل، والسيسي ليس متفقها في الدين، وليس متخصصاً في شؤونه، ليصبح من سلطته أن يتحدث وأن ينتزع حق الاجتهاد، مع أنه لا يتوافر فيه أي شرط من شروطه، إلا إذا سمحنا له أن يدخل غرفة العمليات ليجري عمليات جراحية للمرضى، باعتباره طبيب مصر الأول!

هرطقة السيسي

لم تتمكن الميليشيات الإعلامية من النجاح في مهمتها المسندة إليها واجتمعت هيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر، ورفضت بالإجماع «هرطقة» السيسي، وبموجب هذا الإجماع، فإنه يكون «هرطوقيا»، أي محدثاً للبدع والخرافات!
وأسرها السيسي في نفسه، وقد وجد فرصته في تفجير الكنيستين، فكان الدفع بالميليشيات للتطاول على شيخ الأزهر ومقامه الرفيع، على نحو كاشف أن المقصود ليس فقط الشيخ بحمله على التنحي عندما يستشعر الإهانة، فالمستهدف معه هو الأزهر ذاته، من خلال الهجوم على التعليم الديني فيه، وقد سبق هذا تقديم أحد نواب برلمان السيسي مشروع قانون ينص على أن شيخ الأزهر يعين في منصبه لدورة واحدة وهي ست سنوات، ولماذا لا يسري الأمر على منصب البابا، ومنصب السيسي من خلال الاكتفاء بدورة واحدة وقد كانت كافية ليثبت فيها فشله؟!
وفي الليلة التي تحركت فيها الميليشيات الإعلامية لتهين شيخ الأزهر أعلن عبد الفتاح السيسي عن تأسيس المجلس الأعلى للإرهاب، على أن تكون له السلطة العليا في تحديد الرؤى للمواجهة وتعديل المناهج التعليمية، عندئذ كتبت أنه يقصد إلغاء الأزهر. وربما تكون هذه الخطوة الأولى التي تمهد لمرحلة تالية هى التي يعلن فيها أنه «رشاد خليفة» المرحلة!
ولمن لا يعرف، فإن المذكور «خليفة»، كان يقدم نفسه على أنه مفكر إسلامي له رؤى مغايرة للرؤى الشائعة، ثم «أخذها من قصيرها» وأدعى النبوة!
لقد اختبأ السيسي خلف ميليشياته، وسكت على إهانة شيخ الأزهر، و«السكوت علامة الرضا»، ولم يزعجه هذا السباب الذي أطلقه «بعل الأستاذة لميس» على الشيخ، وكاد أن يشتمه بالأب والأم! والصمت، يكشف المحرض على الجريمة، لقد اعتبر السيسي في خطاب سابق أن الهجوم على مؤسسات الدولة، يدخل في نطاق السعي لإسقاط الدولة المصرية، ورفض الهجوم على «برلمانه» و«حكومته»، وكان هناك من يرى أن يتم السماح لهم بالهجوم على الحكومة، كما كان حاصلاً في عهد مبارك، مقابل أن يظل الرئيس بعيداً عن النقد والهجوم؛ فالرئيس جيد لكن الحكومة تعوق نجاحه، ومع ذلك احتد غاضباً، وقال إنه يعرف هذه الحكومة أكثر من أي أحد فهو يجلس مع كل وزير ست ساعات يومياً. وعندما تضرب الست ساعات في عدد الوزراء ستقف على أن السيسي باعتباره الولي الفقيه، قد طُوي له الزمان! وفي مصر المحروسة، وعندما أراد إبراهيم عيسي في برنامجه على قناة «القاهرة والناس»، أن يقوم بدور المعارض كما كان يفعل في عهد مبارك، وأراد أن يجرب حظه بالهجوم على برلمان «على عقلة الإصبع»، تم حصار صاحب القناة في «بيزنسه»، فاستغنى عن خدمات عيسى، الذي استقال دون أن يجرؤ على القول إنه أجبر على المغادرة، فقد لف حول هذا المعنى ودار. وعاد، كما توقعت، إلى ساحة الهجوم على الصحابة، فعلى الأقل فإنه لن يدفع ثمن تطاوله هنا، لكن الهجوم على أصغر مسؤول مصري غير مسموح به!

قنوات السيسي

وبالمناسبة، فمن المقرر أن تستعين قناة السيسي الفضائية «دي أم سي» بإبراهيم عيسى، وتوفيق عكاشة، على قواعد الاضطرار، وكما قيل فإن المضطر يركب الصعب، وهذه القناة (حزمة قنوات بالمناسبة) منذ ولادتها وهي في غرفة الإنعاش تعيش على جهاز التنفس الصناعي، على أمل أن يمثل لها عيسى وعكاشة ضخة أكسجين إضافية.. لعل وعسى. وسيكونا تحت الرقابة فلا يشطح عكاشة حتى يظن أنه رمز الثورة التي جاءت بالسيسي، ولا ينتفخ عيسى حتى يعتقد أنه موحد القطرين فليركز في مهمة الهجوم على الصحابة، ربما لأنه بما يفعل الآن يمثل المذكرة الشارحة لدعوة «صاحب المحل» بتجديد الخطاب الديني!
فات القائمية على قنوات السيسي التلفزيونية أن الحل الحقيقي ليس في جرعات أكسجين إضافية، ولكن في رفع أجهزة التنفس ليخرج السر الإلهي!
ما علينا، فإذا كان السيسي قد انتفض دفاعاً عن حكومة عزل هو كثير من وزرائها بعد ذلك، وإذا كان تم وقف برنامج إبراهيم عيسى لأنه تمضمض باللبن الحليب وهاجم برلمان «على عقلة الإصبع»، فإن الصمت على التطاول على شيخ الأزهر ليس له إلا معنى واحد وهو أن التطاول كان تنفيذاً لتعليمات عليا، فالأزهر مؤسسة من مؤسسات الدولة السيادية، ولهذا لم يكن مسموحاً بالهجوم عليه في أي عهد مضى، ولم يحدث أن تم الهجوم على شيخ الأزهر في أي صحيفة أو محطة تلفزيونية من قبل، مرة واحدة حدثت عندما نشرت إحدى الصحف الحزبية مقالاً ضد أحد شيوخ الأزهر في عهد مبارك، فتم منع الكاتب من الكتابة في الصحيفة نهائياً. إن تفجير الكنيستين ليس مرده إلى فشل الأزهر، كما قال «بعل الأستاذة لميس»، ولكن إلى فشل السياسات، وفشل الأجهزة الأمنية، وقد استلم السيسي الإرهاب محتملاً بالشكل الذي قاله في بيان طلب التفويض، فصار بفضل رعونته أو ذكائه واقعاً ملموساً.
ذكاؤه في أنه خلق لنفسه مهمة، هي القضاء على الإرهاب الذي لم يكن موجوداً من قبل.

أرض – جو

على قناة «ماسبيرو زمان»، شاهدت حلقة من برنامج «النادي الدولي» للفنان سمير صبري مع السيدة «انشراح» وهي مصرية اتهمت بالجاسوسية لصالح إسرائيل، وصدر الحكم بإعدامها واستخدم الرئيس صلاحياته بتخفيفه إلى المؤبد قبل أن يفرج عنها تماما. كان «صبري» يعاملها بمنتهى الرقة، وقمة الحنان! فتساءلت: لماذا لا يوجد جاسوس واحد عمل لصالح إسرائيل وأعدم؟
ولماذا لا يوجد جاسوس واحد عمل لصالح إسرائيل واستكمل مدة عقوبته؟! فدائما ما يخفف الإعدام إلى السجن، والسجن بالعفو، عندما تظهر أبوة الرئيس العسكري ربما لأول وآخر مرة!

صحافي من مصر

من وراء هجوم الميليشيات الإعلامية على شيخ الأزهر؟!

سليم عزوز

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الصوفي الجزائر:

    الى عادل
    وهل يصلح العسكري لان يدير دولة ام ننتظر الكارثة حتى نحكم وحسب قولك فان امثال السيسي مكانه ثكنة وليس قصر الرئاسة

  2. يقول S. Soliman, London:

    الى الصوفى من الجزاىْر
    و كيف ادار العسكر بلدك منذ استقلالها حتى الان ؟

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية