العدوان الأخير الذي شنه الكيان الصهيوني على قطاع غزة واستمر 51 يوما، وتم خلاله تدمير كلي أو جزئي لنحو مئة ألف وحدة سكنية، حسب إحصاءات كشفت عنها الأمم المتحدة، ومنظمات دولية أخرى وإحصاءات أخرى أجرتها الحكومة الفلسطينية.
فهل تم إطلاق النار من هذه البيوت جميعها؟ عدا عن تدمير أو تضرر نحو ألف من المنشآت الصناعية، ونحو 4200 متجر ومنشأة تجارية وخدمية ومؤسسات صحية وتعليمية، وحتى مساجد وكنائس وبنى تحتية، من طرق وآبار ماء وتوصيلات كهربائية، وزراعات عدة تم حرقها وتدميرها وتجريفها. وإطلاق النار بوحشية منقطعة النظير على الناس المدنيين.. وقد وصل عدد شهداء هذا العدوان نحو 2159 نساء ورجالا، بينهم نحو 500 طفل وطفلة.
عدد الجرحى وصل إلى نحو 11 ألف جريح وجريحة. فهل كل هؤلاء كانوا يطلقون النار على القوات الصهيونية، أو على المستعمرات التي تمت إقامتها في المناطق القريبة من قطاع غزة – غلاف غزة – أو على المدن الصهيونية التي أقيمت على أنقاض المدن والبلدات والقرى الفلسطينية؟
طبعا لا يوجد ما هو مبرر ومتوازن ومتكافئ، في جرائم هذا العدوان الذي فاق ما سبقه من اعتداءات، إن كان في عدد الأيام، أو في هول القتل والتدمير والتخريب المقصود والممنهج، وكما حدث من قبل، فإن الدعوة لعقد مؤتمر دولي للمانحين في محاولة للتخفيف من هول ما تركه العدوان في الصميم الوجداني والإنساني، من تأنيب ضمير. وفعلا فإن مؤتمرا عقد في 12/10/2014 في مدينة القاهرة برعاية منها ومن دولة النرويج، وتم الإعلان عن تبرع المؤتمرين بنحو 5.4 مليار دولار لإعادة الإعمار، ولتقديم مساعدات ومنح للمتضررين، علما بأنه لم يتضح بشكل مفصل ودقيق الجهات المتبرعة، والمبالغ التي تبرعت بها. وهذا الأمر يحيلنا إلى مؤتمرات سابقة، ومليارات سابقة تم الإعلان عنها لإعمار قطاع غزة، جراء عدوانات سابقة، إلا أن تقارير عدة أفادت بأنه لم يتم دفع كامل المبالغ التي تم الإعلان عنها، كما إنه لم يتم إعمار إلا نحو 20 بالمئة مما تم تهديمه! فهل نحن بصدد تكرار الوعود نفسها التي تم نشرها، أو الإعلان عن الالتزام بتنفيذها، بعد عدواني 2008 – 2009 و 2012؟ أي عدم تنفيذ كامل الوعود وعدم الالتزام بكامل مترتباتها.
التقارير الواردة من قطاع غزة، تفيد بأن آلاف السكان لا زالوا في انتظار جمع شملهم في بيت واحد للعائلة، بعد أن تشتتوا، ويعيش بعضهم لدى الأقارب (نحو 47 الف شخص) وبعضهم يعيش في وحدات سكنية مؤقتة وعشوائية، كما أنه ما زال نحو 57 ألف شخص في ملاجئ جماعية من مدارس وغيرها، عدا البطالة التي تزايدت بعد العدوان، ووصلت نحو 60 بالمئة، بعد أن كانت أقل من نحو 40 بالمئة قبل العدوان، وأصبحت أغلبية من بين سكان قطاع غزة تعيش تحت خط الفقر، وقلما يصل إلى العائلة الواحدة من بين آلاف العائلات، دولاران مصروفا لليوم الواحد، في ظل ارتفاع أسعار السلع وقلة المعروض منها. فهل المطلوب استمرار هذا الحال، وتحويل الفلسطيني إلى متلق دائم للمساعدات والتبرعات؟ وألا يترتب على هذا الوضع المزري، الذي يخرج عن أي شرط من شروط الحياة الإنسانية، ردود أفعال قد تكون عنفية ويائسة وقد تكون مدمرة للذات وللغير؟ ألا تمثل الهجرات غير الشرعية التي ينتهي الكثير منها في بحار الغرق والفشل والضياع والتشتت، أي جرس أو أجراس إنذار مدوية، في آذان المجتمع الدولي، الذي كان يشاهد ويسمع هول الدمار والمآسي التي استمر العدوان الصهيوني في ارتكابها بحق كل ما هو موجود في قطاع غزة؟ أم أن المتبرعين يراهنون على أن إسرائيل ستفشل مشاريع الإعمار، وستعطل كثيرا وطويلا مشاريع إدخال السلع والمواد الضرورية للإعمار، ليوفر ذلك حجج عدم التمويل، وعدم الالتزام بما تم الإعلان عنه في هذا المؤتمر أو ذاك من المؤتمرات التي سبقته؟ وربما يراهن البعض على استعار أوار الخلافات الفلسطينية الداخلية وتجددها، خصوصا أن «ريمة عادت إلى عادتها القديمة»؛ وربما يساهم هو من طرف خفي في إشعالها، كي يدعي أن غيره هو من وقف في وجه تنفيذ التزاماته.
علينا أن نشير في هذا المجال، إلى أن تململا وتلكؤا واعتراضا ساد ويسود بعض الأوساط الغربية والعربية، على مطالبتها الدائمة في تمويل وبناء ما تدمره إسرائيل في غزة وفي غيرها بين فترة وأخرى. وهناك من صرح علنا قائلا: كأننا نتواطأ مع المعتدين، ونوفر لهم وقود الحرب ونمولها مرارا وتكرارا. كما أن هناك شكوكا وعدم يقين في ضمان عدم تجدد الاشتباكات وعودة التدمير من جديد. وهذا ما بدا واضحا في مؤتمر المانحين الأخير في القاهرة، إذ أن أحدا لم يتطرق إلى ضرورة الحصول على ضمانات بعدم تجدد إطلاق النار وكسر تفاهمات الهدنة الهشة القائمة حاليا. ولنتذكر أن مطار قطاع غزة تم تدميره من قبل القوات الصهيونية منذ 14 عاما، وما زالت تلك القوات تقصف بقاياه بين فترة وأخرى! فإلى متى يستمر الحصار والقصف العدواني، لأي منشأة قد يبنيها هذا المتبرع أو ذاك من المتبرعين؟
كاتب فلسطيني
سليمان الشّيخ