اختار منظمو مهرجان الشعر العربي في المهدية في الساحل التونسي أن يطرحوا سؤالا جوهريّا ومهما على مستوى الكتابة الأدبية ألا وهو «لماذا الشعر الآن؟ وهو في الحقيقة سؤال جاء في مرحلة حسّاسة يعيش فيها الشعر العربي تجاذبات كثيرة، ولم يعد يجذب القارئ كما كان دائما عبر التاريخ العربي، حتّى أنّ الناشين الكبار لم يعودوا يراهنون على نشر الدواوين الشعرية ويتحجّجون بانعدام قرّاء الشعر، ما جعل كثيرا من المهتمّين يرون أنّ الأدب العربي يعيش زمن الرواية.
إذن ما حاجتنا اليوم للشعر؟ وهل يجب أن نسأل عنه كينونته الآن تحديدا؟ وعن أي شعر نتحدّث؟ عن الشعر المطبوع في كتب؟ أم المنثور في صفحات التواصل الاجتماعي بغثه وسمينه؟
وبعد خمسة أيامِ بين الشعر والنقد والموسيقى والجولات السياحية، اختتمت فعاليات الدورة الأولى لمهرجان الشعر العربي، الذي شهد مشاركة واسعة من شعراء ونقّاد عرب وتونسيين وحضره جمهور كبير من الطلبة وعشّاق الشعر.
في حفل الافتتاح تمّ تكريم الشاعر والناقد المغربي محمد بنّيس، الذي نزل ضيف شرف على المهرجان، فضلا عن أمسية شعرية شاركه فيها الشاعر والناقد التونسي منصف الوهايبي أدارها رئيس اتحاد الكتّاب التونسيّين.
ولكن لماذا الشعر الآن؟ عن هذا السؤال سعى المشاركون لتقديم العديد من الإجابات والتفسيرات والتأويلات، من خلال مداخلات تنظيرية أكاديمية، أو من خلال قراءات شعرية اختلفت فيها المدارس والرؤى والإيحاءات.
الناقد المصري أحمد عبد الحميد عمر قال، إنّ المنظمين فضّلوا طرح السؤال الأكثر جذرية، لأنه ربما سوف تتفرع عنه أسئلة أخرى، ورغم ما قد يبدو من أن هذا السؤال ينطلق من أزمة الشعر في هذا العالم إلاّ أن الإجابات البحثية والقراءات الشعرية تنبئ بأن ثمة اهتمامات حقيقية بالشعر متأصلة في النفس البشرية، وأن ما يختلف من عصر إلى عصر هو مدى الوعي بحدّة هذه الأزمة، إذن لا لوجود الأزمة ولكن العقل العربي عموما يميل إلى فكرة الأزمة، ولكن طيلة الوقت يُطرح السؤال وطيلة الوقت يُكتب الشعر ويقرأ القرّاء.
الشاعر المغربي ياسين عدنان، تحدث عن العزوف عن الشعر وعن الإحساس بأن الهوة بدأت تتسع بين المعنيّين بالشأن الشعري من منتجين ونقّاد والجمهور العام، الذي لم يعد يبحث عن الشعر ولا يبحث عنه ولا يهتمّ به.
اتساع هذه الهوّة هو الذي جعل النقّاد يعيدون سؤال الحاجة إلى الشعر، وهل هناك حاجة فعلية للشعر وهو سؤال مشروع ومداخله متعددة، فاللهجات المحلية في بلداننا العربية بدأت تخلو يوما بعد يوم من المجازات والاستعارات والأمثال التي كانت ترصّع كلامنا اليومي، خاصة الأجيال الجديدة التي أصبح كلامها مقتضبا لا خيال فيه ولا بلاغة.
الناقدة الجزائرية آمنة بلعلي أشارت إلى أنّ «كل الأسئلة صالحة لأن نطلقها في سياق السؤال الشعري، لماذا الشعر الآن؟ كم من الشعر الآن؟ كيف هو الشعر الآن؟ والواقع العربي يقول لنا اليوم بأنّ لدينا تراكما من الشعر، وهذا التراكم يستدعي منّا عملية توصيفية أولا كي نرى كيف الشعر وكيف حاله؟ ما علاقته بالواقع الذي نعيشه في ظل التحولات المعاصرة وفي ظل ثقافة العولمة التي تجرّنا طوعا أو كرها إليها وتجعلنا ندخل تاريخا آخر غير تاريخنا الخاص؟».
وبيّنت أنّ «الشعر أب الفنون وله علاقة وطيدة بوجودنا، فنحن حين نسأل عن الشعر فإنّنا نسأل عن وجودنا؟ وكيف نحن وأين وصلنا؟ وكيف نساير هذا العالم الذي من حولنا؟ وهل نسينا وجودنا ولم نعتنِ به كما تعتني به الشعوب الأخرى التي تخلق تاريخا لها استنادا إلى التطور الهائل الذي تعيشه؟ لذلك كل الأسئلة صالحة لأن تطرح حول الشعر في هذا الزمن».
فيما أكد الشاعر والناقد المغربي محمد بنّيس أنّ الشعر اليوم أصبح صعبا جدّا والعثور أصعب، والصعوبة تأتي في رأيه من أن الذين يشتغلون على النص الجيد قليلون جدا. وواصل بنّيس «الأصعب أننا لا يمكن أن نصل إلى النوع الجيد بسهولة لكثرة الالتباسات الموجودة في هذا المجال، وأنا أظن أننا نحتاج إلى ذائقة شعرية قوية متعلمة لها مراس في قراءة الشعر لكي تدرك فعلا جودة الشعر.
الناقد السوري المقيم في باريس صبحي حديدي يرى أنّ «هنالك الكثير من الأسئلة الشائكة التي لم تتمّ الإجابة عنها لعدة أسباب لعلّ أهمها تعقيدات العملية الإبداعية نفسها، وتعقيدات الأشكال، وتعقيدات عملية الاستقبال، ووسائل الإعلام والميديا وطرائق استقبال المنتج الجمالي تعقدت أيضا، ولكن حين نفرد بعض هذه الأسئلة كما حدث هنا في مهرجان الشعر العربي في المهدية، رغم أنه سؤال عام وينطوي على الكثير من المزالق، والباحثون هنا الذين عالجوا الموضوع حاولوا أن يلتفوا حول السؤال المعمم إلى تفاصيل أكثر إيغالا في الموضوع الذي يخص علاقة الشعر بالحياة الراهنة».
وتساءل «لماذا مشكلات الشعر العربي؟ لماذا أحيانا لا يوجد شعر؟ وجان كوكتو يقول: الشعر ضرورة ولكن لا أعرف لماذا». إذن هي فعلا مسألة كونية تاريخية».
الشاعر اللبناني نعيم تلحوق يقول «يمكننا دخول الشعر من دواخلنا وأنفسنا ومن ذواتنا، من قدرتنا على التخييل، حتى نحدد قدرتنا على الاتجاه، فأنا حين أكتب قصيدة فإنّني أعتمد شروطا ثلاثا هي، الهويّة والمكان وهو ليس الرقعة الجغرافية فقط، ثمّ الرؤية، أي ماذا يمكن أن أقول، وكيف يمكن أن تصل إلى الناس».
وأضاف «أنا أعتقد أن الشعر العربي يجب أن ينطلق من ماهية أساسية وهي الجرأة والحرية والرؤية التي يجب أن تتوفّر في كل قصيدة عمودية أم نثرية أم قصيدة تفعيلة».
تونس ـ إيّاد صالح: