مهرجان بيروت الدولي للسينما منصة تعكس هموم المنطقة وتتواصل مع العال

حجم الخط
0

بيروت ـ «القدس العربي»: زهرة مرعي: بين 4 و12 تشرين الأول/أكتوبر وهو الزمن المحدد لمهرجان بيروت الدولي للسينما في دورته الـ17 وسنته الـ20 كان المشاهدون على تماس مع أفلام أوحى بها واقع المنطقة العربية المشتعل حروباً. أكثر من 12 فيلماً بين روائي طويل وقصير ووثائقي سلطت الضوء على معاناة البشر في ظل الحروب المدمرة. دمار الحجر والتاريخ، ودمار البشر. الانتشار القسري نزوحاً في شتى أرجاء الأرض. ضياع أفراد من عائلات، الغربة، الموت، الأطفال يتحملون المسؤولية قبل أوانهم، الشيخوخة العاجزة، مسقط الرأس الممنوع رغم وقوعه على مرمى النظر أحياناً، الإنتحاري، تهجير الأقليات، وغيرها من عناوين لا تُحصى.
تلك الأفلام وقعها مخرجون شباب وآخرون لهم تجارب جمّة. أفلام لفتت انتباه القائمين على المهرجان، الجمهور والنقاد نظراً للحس الإنساني العالي الذي تمتعت به. الياس دمر أحد مبرمجي الأفلام في مهرجان بيروت الدولي للسينما وأحد منظميه ردّ على أسئلة «القدس العربي»:
■ لم يكن للمهرجان في العام الماضي لجنة تحكيم دولية بفعل الخوف من الوضع الأمني، هذا العام الحشد الدولي كبير ولافت فكم هو صحي؟
■ صحي للغاية. مهرجان العام الماضي ونظراً للخوف من الوضع الأمني تميز بحميمية محلية في الأفلام ولجنة التحكيم كذلك. ترأس لجنة التحكيم هذا العام من كان لها في العام الماضي وهما سانتياغو أميغورينا وجوناثان نوسيتر، ومعهما فاهينا جيوغانتي وزياد الدويري.
■ تعددت الأفلام التي تحكي واقعنا عبر عناوين إنسانية. كيف تمّ اختيارها للمشاركة في المهرجان؟
■ هدف المهرجان حرية التعبير ولا ثيمة محددة. وكذلك نقل هواجس وهموم الشباب ومن خلال وجهة نظرهم كلبنانيين وعرب ومن العالم. فكافة الدول تعيش المتأتيات الناتجة عن اللجوء والنزوح الذي وصل العالم أجمعه. ولأننا في لبنان نقع في عين العاصفة، فمهرجان بيروت السينمائي الدولي أطل عبر اختياراته للأفلام على موضوعات منها طفولة مكافحة، شيخوخة صعبة، تطرف، إرهاب وحقوق الفئات المهمشة. ليس هذا وحسب بل قدم المهرجان أفلاما تحت عنوان الفن للفن، وسيرة حياة كما فيلم الختام الذي يحكي سيرة فان غوغ. إلى جانب فيلم الإفتتاح الذي حكى عن الفساد في السلطة السياسية. أما الموضوعات التي تناولت بعضاً من قضايا منطقتنا فموجودة في الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية. من تلك الأفلام الطويلة فيلم «The Other Side Of Hope» (الجانب الآخر للأمل). وفيه يروي المخرج الفنلندي آكي كوريسماكي حكاية الشاب السوري خالد، الذي تقوده رحلة لجوئه إلى هلسنكي، فيلتقي بائعاً كثير الترحال يتضامن معه ويؤويه بعد أن رفضت السلطات طلبه باللجوء. وهذا الفيلم عرض تحت فئة بانوراما، فيما بقية الأفلام القصيرة كانت ضمن فئة جبهة الرفض. وهي فئة تجمع موضوعات بيئية وإنسانية. بعض تلك الأفلام تعالج موضوعات وتعرض حلولا على الأفراد والحكومات كما فيلم « The Venerable W» لباربت شرودر. يكتشف الفيلم كم يؤدي رهاب الإسلام والخطاب التحريضي إلى العنف والدمار، ومنها أكبر موجة نزوح في العالم للروهينجا من بورما. مشاهدة هذا الفيلم تفصح عن كيفية تراكم العنصرية والتطرف.
■ ما الإختلاف بين معالجة مخرج من المنطقة العربية لقضايانا الإنسانية ومعالجة مخرج أجنبي ولنقل أوروبي للمشكلة نفسها؟
■ يجب أن لا ننسى أن الفيلم يحمل هوية منتجه وأكيد مخرجه. حتى لو عالج مشكلة نزوح أو لجوء، فالمخرج سيقدم نظرته عن هؤلاء الأشخاص الذين أتوا إلى بلده قسراً. كيف هو الاستقبال؟ وهل من بصيص أمل لهؤلاء أم هناك مشاكل ناتجة عن وجودهم. ولأننا نختار الموضوعات بناء على الجديد الذي تقوله القصة، وعلى حرية التعبير، لهذا تتنوع المعالجات والنظرة للقضية نفسها محلياً، عربياً أو دولياً.
■ لنأخذ مثالاً فيلم « No Place For Tears» (لا مكان للدموع) للتركية رايان توفي وكم أظهر تخلي العالم عن سكان مدينة كوباني في سوريا وتركهم لقدرهم؟
■ نعتبره من الأفلام المهمة في عروضنا، ومعه نشدد على حرية التعبير. وهذا الفيلم عبر عن حقيقة مهمة للغاية. وتمكنت المخرجة من وضع الإصبع على الجرح، فيما نحن نقع بالقرب من كوباني ونلحظ مأساة أهلها من خلال الشريط الإخباري.
■ كانت المرأة حاضرة بقوة في هذا المهرجان كمخرجة وكقضية وقد لفتني فيلم «Only My Voice » (انه صوتي فقط) ويحكي عن نساء أربع التقين في اليونان، الممر الإجباري للنزوح إلى أوروبا. ما رأيك فيه؟
■ نبحث عن موضوعات تمكين المرأة تسليط الضوء على قضاياها في برمجة عروضنا السنوية. ندرك بعمق أن تهميش المرأة لا يزال قائماً حتى في هوليوود. في منطقتنا تقع كافة تبعات الحروب على المرأة، ومع ذلك تبقى صوت العقل بمواجهة متسببي كل هذا القتل والدمار. ولا شك أن هذا الفيلم عن النسوة الأربع اللواتي شكلت أثينا محطة عبور لنزوحهن فيه الكثير من الواقعية. نعرف منهن أن الهجرة ليست دائماً بالأمر الإيجابي. فما من إنسان يرغب أن يتم اقتلاعه من وطنه، سمعنا صوت النسوة ولم نرهن.
■ فيلم «Cargo (الشحنة) « يستحق الثناء؟
■ تمّ أدراجه من ضمن خمسة أفلام روائية قصيرة. فبعد الفرار من الحرب في سوريا والضلال في وادي البقاع ، يجد عبدو وجده المريض طريقهما إلى بيروت، حيث ينتظرهما مصير لا يرحم. المخرج كريم رحباني قدم الطفولة المكافحة والتي تصبح مسؤولة عن الشيخوخة التي وصلت إلى نهاية صعبة للغاية. عالج الفيلم تلك القضية بطريقة مؤثرة. وقال جزءاً بسيطاً من الأضرار المتأتية عن النزوح. وفي فيلم «مدينة الأشباح» تمكن شباب في مدينة الرقة من تصوير كيفية نشوء «داعش» عبر الهواتف. هربوا من مدينتهم وأسسوا هاشتاغ وعرضوا كافة الأفلام. وهكذا ولد فيلم « Alan» سواء الذي أخرجه مصطفى صالح جوري من العراق، أو مصطفى كاندومكار من إيران. تواردت العناوين في الفيلمين، وهما معاً يحكيان النزوح الكردي من سوريا والعراق.
■ ترك فيلم «Five O’clock» (الساعة الخامسة) أثره خلال العرض. هل لأننا عانينا مباشرة من العمليات الإنتحارية؟
■ صحيح. المعتقد الخاطئ ترك البعض يتصرفون كما الروبوت وعلى هذا الشاب الانتحاري «الذي يعتقد أن الجميع يستحق الموت لكنه سرعان ما يكتشف أنه بحاجة ماسة للمساعدة، وأن الموت ليس الحل». نعم معاناة العراق الذي قد يكون واجه أكبر كم من العمليات الانتحارية أفضت إلى فيلم شفاف جداً لأيمن الشاطري. هو فيلم من صلب معاناة منطقتنا.
■ حتى من استراليا أتى فيلم «Safezone» (منطقة آمنة) ليحكي انعكاس الحرب في سوريا على فاطمة التي قادها النزوح إلى أبعد القارات؟
■ المخرجان الاستراليان جودي ليفينغستون ومارغو بولينغر صورا حكاية فاطمة (12 عاماً) وقصة هروبها المرعب من سوريا. تحدثت فاطمة عن سعيها للملمة بقايا حياتها وتحقيق أحلامها في دراسة الموسيقى. هذه الفتاة تجسد الروابط العائلية المليئة بالعاطفة والحنان بينما تتخبط لتخطي إضطراب ما بعد الصدمة، وللتعامل مع وضعها الجديد كلاجئة.
■ والمخرج التركي مصطفى غوراي بولات، نقل حكاية كفاح لإمرأة سورية نازحة إلى تركيا وقدم نموذجاً نسائياً يرفض الإستسلام؟
■ الكفاح سمة الإنسان ولا شك أنه سيلفت نظر المخرجين الشباب. وعندما يترافق مع النزوح يصبح كفاحاً أشد أثراً ووقعاً. وهذا ما لاحظناه في معظم الأفلام التي صورت حياة النازحين السوريين في كافة أرجاء الأرض. هذا الكفاح شاهدناه في فيلم «مدينة الأشباح» الذي بدأ بالبحث عن الهروب إلى المانيا. وهناك يتخفى بعض هؤلاء اللاجئين خوفاً من ملاحقة «داعش» لهم وقتلهم وأماكن سكنهم غير مكشوفة.
■ الملاحظ أن هؤلاء المخرجين في معظمهم شباب؟
■ والملاحظ كذلك أنهم غاصوا في قضايا الناس ومشاكل اللجوء ولم يتركوا حيزاً للرومانسية التي تجسد أعمارهم. هم مسؤولون جداً في تقديم سينما الواقع التي تحفظ الذاكرة. هؤلاء الشباب بشوق للتعبير، وثقافة السينما أبلغ وأرقى وسيلة.
■ لدى قراءة ما ورد في الحوار عن أفلام المهرجان قد يعتقد أنه قدم فقط مآسينا؟
■ دون شك أفلام منطقتنا تحكي عنا وهذا حالنا. حتى الآخرين رؤوا فينا هذا الجانب المتصدع. لكن فيلمي الإفتتاح والختام والعديد من الأفلام الوثائقية وأفلام فئة البانوراما الدولية حملت موضوعات فنية، اجتماعية وسياسية وقد تم اختيارها للعرض كي نغطي كافة الموضوعات، وشتى العناوين السينمائية، وكذلك شتى أشكال الفن. إذاً ليس للمهرجان ثيمة محددة وثابتة، المعيار هو نوعية الفيلم وما يقدمه من قضية.
■ لماذا غاب الفيلم الفلسطيني؟
■ العام الماضي منعت الرقابة فيلم «أمور شخصية» للمخرجة منى الحاج رغم كونه فلسطينيا كلياً، لأنه ممول من جهة إسرائيلية. نحن ننتظر أي فيلم فلسطيني عن القضية وكذلك عن علاقة الأجيال بعضها ببعض. القضية الفلسطينية في الصميم ولا يمكن أن ينساها إنسان. فيلم قصير كان ضمن المسابقة للفلسطيني الشاب الآتي من مصر سعيد زكا وهو بعنوان « Five Boys And A Wheel» (خمسة أولاد وعَجَل) ويحكي قصة علاقة الأب بابنه وبالتالي الجيران. أن يطرح شاباً فلسطينياً مشكلة اجتماعية فهذا لا يعني أن القضية لم تعد موجودة.
■ وفي الختام هل ترون اختياراتكم من الأفلام في السنة الـ20 للمهرجان لقيت اقبالاً من الجمهور؟
■ لا شك في ذلك. نتلقى كماً هائلاً من الأفلام، ونختار منها نخبة النخبة. الجميع عالج القضايا التي اختارها بمستوى عالٍ من الوعي، الثقافة والإحترافية. فخورون بهذا العدد من المخرجين الشباب الذين حضروا معنا. وفخورون بوجود الخبرات العالمية في هذا المهرجان. لسنا فقط منصة لعرض الأفلام، بل كذلك منصة عبور وتواصل بين هؤلاء الشباب وتلك الخبرات العالمية. عدد كبير من المخرجين اللبنانيين والعرب والأجانب استفادوا من تلك الخبرات، وكان لهم تواصل مع منتجين أجانب ومدراء مهرجانات. عدد لا بأس به من المخرجين تمكنوا من العبور إلى العالمية من خلال مهرجان بيروت الدولي للسينما.

مهرجان بيروت الدولي للسينما منصة تعكس هموم المنطقة وتتواصل مع العال
مخرجون شباب يعيشون ويصورون الواقع والنزوح والشتات ودمار البشر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية