لندن ـ «القدس العربي»: يترقب عشاق كرة القدم الحقيقية، الموقعة الساخنة التي ستُعيد إلى الأذهان السهرات الأوروبية الإنكليزية الخالصة، التي اعتدنا عليها في العقد الماضي، عندما يحل متصدر البريميرليغ مانشستر سيتي بقيادة مدربه بيب غوارديولا، ضيفا على ملعب «أنفيلد» مساء الأربعاء، لمواجهة صاحب الأرض ليفربول مُتسلحا بنجمه محمد صلاح، في مباراة ذهاب الدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا، على أن يستضيف ملعب «الاتحاد» موقعة الإياب، المُقررة يوم الثلاثاء من الأسبوع المُقبل.
ظاهريا أو على الورق، يُمكن للبعض أن يعتبرها مواجهة مضمونة للفريق السماوي، وذلك بطبيعة الحال بناء نتائج كلا الفريقين على المستوى المحلي، خصوصا في بطولة الدوري التي يتصدرها الثائر الكتالوني ورجاله بفارق 16 نقطة عن أقرب ملاحق، في حين يحتل الريدز المركز الثالث خلف الوصيف مانشستر يونايتد ومباراة أكثر، لكن على أرض الواقع، المواجهة لا تبدو كذلك، وهناك من يرى أن مهمة السيتي أكثر صعوبة من حُمر الميرسيسايد، وليست نزهة أو واحدة من المهمات الأوروبية السهلة التي اعتادت عليها الجماهير في الكأس ذات الأذنين بالذات.
صحيح مانشستر سيتي خسر مباراتين في دوري الأبطال، لكنهما مُجرد تحصيل حاصل، الأولى في ختام دور المجموعات أمام شاختار دونيتسك على ملعب الاخير «دونياس آرينا»، والثانية في إياب الدور الماضي، أمام بازل، بعد حسم الذهاب برباعية نكراء على أرض بطل سويسرا، لذا سيكون الاصطدام بالجار الشمالي أول اختبار حقيقي للسكاي بلوز في المسابقة الأوروبية العريقة، قبل منافسة العمالقة المُتمرسين على البطولة أمثال ريال مدريد وبرشلونة وبايرن ميونيخ ويوفنتوس في الدور نصف النهائي، ومن ثم نهائي الحلم.
لغة الأرقام
الشيء المُلاحظ، أنه رغم الفوز العريض الذي حققه مانشستر سيتي على ليفربول بخماسية للتاريخ في النصف الأول، إلا أن جماهير الريدز تبدو متفائلة أكثر من الجيران، وهذا انعكس على محمد صلاح، في تصريحاته من داخل معسكر منتخبه المصري، التي طمأن خلالها عشاق النادي بطريقة «واثق الخطى يمشي ملكا»، لدرجة أنه بدا وكأنه على يقين بأن فريقه سيتجاوز خصمه العنيد في معركة ربع نهائي الأبطال، كيف لا وفريقه لم يعرف معنى الهزيمة أمام نفس المنافس إلا مرة واحدة فقط في آخر ثماني مواجهات في كل المسابقات، وكذا ليفربول هو الفريق الوحيد في أندية البريميرليغ، الذي انحنى أمامه غوارديولا ورجاله في مسابقة الدوري.
صلاح قارئ ممتاز للتاريخ
سبق للفرعون أن اعترف أكثر من مرة أنه مُشجع ليفربولي منذ الطفولة، ليرفع الحرج عن نفسه في قصة تفضيله تشلسي على الريدز بعد مكالمة مورينيو الشهيرة، لكن على ما يبدو أنه بالفعل كان مُشجعا للريدز، أو على الأقل، يعرف تاريخ النادي في دوري أبطال أوروبا، وهذا انعكس على ملامح وجهه في حديثه مع الصحفيين المصريين عندما سُئل عن توقعاته للمواجهة الأوروبية، ابتسم ابتسامة القاتل البريء وكرر جملة «إن شاء الله هانصعد لنص نهائي الأبطال» أكثر من مرة، مع تركيزه على التفاخر والتباهي بتاريخ ليفربول الكبير في المسابقة. لا خلاف أبدا على أن التاريخ لن يمنح كلوب ورجاله بطاقة العبور لمربع كبار القارة العجوز، لكنه قد يُعطي صلاح ورفاقه دافعا أكثر، ويكون له مفعول السحر كما يحدث في كل مرة يُواجه خلالها أصحاب «أنفيلد» أحد خصوم الوطن في الأبطال. لو عُدنا بالذاكرة إلى الوراء في موسم 2004-2005، سنتذكر الصدام الشهير بين ليفربول وتشلسي في نصف النهائي. وآنذاك كان فريق مورينيو خارقا للعادة في بلاد الضباب، لكن قلة خبرته الأوروبية لم تُسعفه أمام كبير البلاد على المستوى القاري، وخسر في مجموع المباراتين بهدف لويس غارسيا المحفور في ذاكرة عشاق النادي.
أسد على أبناء بلده
هكذا تكون رسالة ليفربول لكل منافس إنكليزي يقع في طريقه في مسابقة أوروبية، فبعد إزاحة مورينيو عام 2005، تجدد الموعد في العام التالي بمباراتين في دور المجموعات، ومرة أخرى عجز «سبيشال وان» على استكشاف شباك الريدز في المباراتين بتعادل سلبي هنا وهناك، لكن المفارقة، أن ثالث مواجهة إنكليزية لليفربول في الأبطال، كانت أيضا أمام تشلسي، وتحديدا في نصف نهائي نسخة 2006-2007، وكما جرت العادة، انتصر العملاق الأحمر، الذي فعل الشيء ذاته مع آرسنال في ربع نهائي 2007-2008، وحتى عندما تقابل مع مانشستر يونايتد في ربع نهائي الدوري الأوروبي قبل عامين، أخرجه من المسابقة، في المقابل خسر ليفربول مرتين أمام منافس محلي في الأبطال، وهو تشلسي الذي أخذ بثأره في نصف نهائي 2008 وربع نهائي الموسم التالي.
تفوق كاسح
من الأشياء التي تبعث التفاؤل أيضا على جماهير ليفربول، سجل فريقهم الذهبي في تاريخ المواجهات المباشرة مع السيتي في كل المسابقات، فقبل هذه الموقعة، تقول لغة الأرقام أنهما تقابلا 178 مرة، حقق الفريق الأحمر 87 انتصارا، آخرها الفوز 4-3، في المقابل ذاق السيتي طعم الفوز في 45 مباراة والتعادل سيطر على 46، بجانب الأرقام المُضيئة لكلوب في تاريخ مواجهاته مع بيب منذ أيام البوندسليغا. إذ يُعتبر مدرب بوروسيا دورتموند السابق، أكثر مدرب في العالم حقق الفوز على غوارديولا في المواجهات المباشرة، بواقع 6 انتصارات في 12 مواجهة، منها انتصاران في البريميرليغ، مقابل تعادل وهزيمة.
الخوف من نهاية الطموح
بعيدا عن الشخصية والتاريخ وخبرة البطولة، يَعول كلوب على التحسن التدريجي الواضح في أداء فريقه منذ رحيل فيليب كوتينيو، فعلى المستوى الدفاعي، الأمور لم تَعد كما كانت في مباراة فضيحة الخمسة، بعد قدوم الهولندي فان دايك، وفي الخط الأمامي، يُقدم صلاح المعنى الحقيقي للسحر الكروي، بعروض أقل ما يُقال عنها «تاريخية»، جعلته إلى الآن على رأس قائمة هدافي الدوري الإنكليزي والدوريات الخمس الكبرى، والأمر ذاته لفيرمينو وساديو ماني، هما أيضا في أفضل حالاتهما الفنية والبدنية، والفريق بأكمله أصبح أكثر انضباطًا عما كان في النصف الأول، في المقابل، يخشى جمهور السيتي أن يُصاب فريقهم بالتشبع الكروي، كما وضح أمام ويغان في مباراة الخروج من كأس الاتحاد، لكن الشيء المؤكد والمضمون، أن عشاق كرة القدم الجميلة، سيكونون على موعد مع «وجبة كروية» دسمة تجمع أقوى وأشرس خطي هجوم في الدوري الإنكليزي الممتاز، متمثلة في الثلاثي صلاح وماني وفيرمينو بمواجهة دي بروين وساني وأغويرو، وهي بكل تأكيد مواجهة خاصة بين صلاح ودي بروين قبل حسم الفائز بجائزة لاعب العام في إنكلترا.