نواكشوط ـ «القدس العربي» ـ عبد الله مولود: لا تتوقف ورطة العيد ولا متاعبه عند شراء أبناء الأسر المنهكين، لأغلى الخرفان ولا عند اقتناء أغلى الملابس والأحذية، فهناك عادة المعايدة التي يسمونها محليا غرامة «أنديونه» وهي عبارة عن مبلغ مالي تلزم التقاليد الكبار بدفعه للصغار أيام العيد الثلاثة.
هذه العادة غزت المجتمع الموريتاني رغم أنها في الأصل عادة زنجية افريقية.
ومنذ الجمعة ولحد اليوم الأحد يواصل عشرات من الأطفال من مختلف الأعمار جولاتهم في الأحياء طلبا لضريبة «أنديونه» ولا محيد من الاستجابة لذلك لأن قائمة الكرماء ستنشر، كما ستنشر قائمة البخلاء أيضا.
«هذا العام، يؤكد جامعو إتاوة العيد أمس في حي «الترحيل» جنوب شرق العاصمة نواكشوط، سننشر أسماء كرماء وبخلاء العيد على واتساب وعلى فيسبوك، فليحذر البخلاء فنحن لهم بالمرصاد».
هكذا مع اقتراب عيد الأضحى ينشغل الكثيرون في موريتانيا، ضمن متاعب وطقوس العيد بهذه الضريبة حيث يبحث دافعوها وهم كبار السن عن مبالغ لتسديدها، فيما يبرمج المستفيدون منها وهم في الغالب فتيان وفتيات الحي، ريع الإتاوة بعد جد التحصيل ضمن مصاريفهم في العيد. ومن إكراهات «أنديونه» أنها لا تدفع إلا بالنقد، فلا يمكن التعويض عنها بأية هدايا أخرى، وهي مع ذلك ملزمة لا بد من سدادها أيضا وإلا حل العار بساحة من يبخل بها.
ويظل الجانب الميسر في هذه الإتاوة هو أنها غير محددة بمبلغ معين لكن كرم وبخل الدافع ينقاسان بما سيجود به هذا أو ذاك فيكون المدح حظ هؤلاء والقدح والهجاء حظ أولئك.
أما وقت «أنديونه» فهو بعد عصر يوم العيد إلى ما بعد المغرب، وهناك من يجعل أيام العيد الثلاثة وقت تحصيل مفتوح لهذه الضريبة التي أصبحت مع اشتداد وطأة الأسعار وارتفاع نسب التضخم، عبئا كبيرا على معيلي الأسر في مجتمع تنجذب إليه العادات الغريبة كثيرا.
هذه الإتاوة الاجتماعية التكافلية، اختلقها مخيال افريقيا الخصب بالتقاليد والأساطير، وفرضتها العادة على الكبار الذين عليهم أن يدفعوها مساء يوم العيد للصغار المتلهفين لها، وقد غزت المجتمع الموريتاني المختلط بالزنوج واستقرت فيه وأصبحت من نواميس العيد وطقوسه الثابتة.
ويرى العالم الاجتماعي السنغالي الأستاذ إبراهيم ديالو «أن عادة أنديونه خرجت عن أصلها التكافلي غير الملزم وتحولت إلى فريضة إلزامية وهذا ما جعلها عادة سلبية».
ويقول الشيخ المسن إبراهيم بري «إن عادة أنديونه تقليد اجتماعي عريق» فهي حسب رأيه، «مثل زكاة الفطر تفرض على الأغنياء دفع جزء من أموالهم للأطفال فيحدث بذلك نوع من التكافل».
وتنبني على عادة «أنديونه» خرافات كثيرة منها أن من سددها بطيب نفس، يضمن له ألا يموت قبل العيد الموالي، ومن بخل بها ربما يغيب عن العيد المقبل.