نواكشوط – «القدس العربي»:اشتد التجاذب بين أطراف المشهد السياسي الموريتاني بعد أن أطلقت المعارضة الموريتانية أمس في مدينة النعمة شرق البلاد حملتها السياسية والإعلامية الموجهة لإفشال التعديلات الدستورية التي يسعى نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز لتمريرها عبر الاستفتاء المقرر منتصف يوليو/تموز القادم. وتزامن تنظيم المعارضة لمهرجانها المناهض للاستفتاء مع تجمعات شعبية داعمة للتعديلات الدستورية ينظمها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في عدد من مدن الداخل لتأكيد عدم تراجع النظام عن الاستفتاء ومضيه قدما في تمرير التعديلات المثيرة.
وأكد محمد جميل منصور الرئيس الدوري للمعارضة «أن المنتدى المعارض مصمم على استخدام جميع الوسائل المتاحة من أجل إفشال التعديلات الدستورية»، مشيراً «إلى أن المعارضة بدأت أمس حملتها في مدن الداخل لتبصر المواطنين بخطورة ما يقدم عليه النظام من تعديلات غير مجمع عليها للدستور، خطيرة على مستقبل البلد وعلى استقراره».
وقال: «لمواجهة هذه التعديلات التي يبدو أن النظام مرتبك بشأنها، فإن المنتدى الوطني للديموقراطية والوحدة مصمم على تنفيذ حملة كبرى على جميع المستويات السياسية والتعبوية والقانونية والإعلامية من أجل أن يفرض على النظام التراجع عن المسار الذي تعتقد المعارضة أنه يهدد مستقبل البلاد». وأضاف: «نحن في المنتدى المعارض نعمل على جبهات عدة، فهناك لجان تعمل على المستوى القانوني وأخرى على المستوى السياسي ولجان أخرى على المستوى الإعلامي؛ وستتضافر جهود هذه اللجان لتصب في اتجاه واحد هو إسقاط التعديلات الدستورية التي أسقطها ممثلو الشعب في مجلس الشيوخ».
وفي العدوة الأخرى، سخر سيدي محمد ولد محم رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم خلال تجمع شعبي بمدينة تجكجه شمال شرق البلاد من سلوك المعارضة الموريتانية، قائلاً: «إن رحلة زعماء المنتدى المعارض لمدن الداخل، رحلة محبط يبحث عن مناصر لأفعاله غير القانونية، وتصرفاته الضارة بالبلد، وطرحه الموغل في الشخصنة، وسلوكه المنصب على هد أركان الدولة وحرمان الشعب من نعمة الأمن والعيش الكريم».
وأضاف: «الاستفتاء خيار أمة قررت بناء نظامها السياسي وإعادة تفعيله، ولن يمنعها تردد متردد أو سلوك محبط أو تآمر حاقد على الدولة بكل رموزها، وهو في النهاية طريق واضح المعالم نحو الغد الذي ننشده، ناهيك عن جانبه المتعلق بالوفاء بالتزام قطعه الرئيس للشعب في ليلة مشهودة، وللنخبة السياسية المتحاورة بأغلبيتها المقتنعة بالرئيس وبرنامجه، وبمعارضتها المسؤولة والمشاركة في صناعة القرار».
يذكر أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد سجل يوم السابع عشر مارس 2017 أول إخفاق سياسي في معركة تعديلات الدستور، عندما رفض 33 شيخا من أصل 56 التصويت لصالح تعديلاته، مع أن نواب الجمعية الوطنية كانوا قد صوتوا، أسبوعا قبل ذلك، لصالح هذه التعديلات (121 من أصل 147).
وتشمل هذه التعديلات إلغاء غرفة الشيوخ وتأسيس مجالس جهوية تنموية وتغيير ألوان العلم وتعديل نص النشيد الوطني.
وشكّل رفض غالبية مجلس الشيوخ التصويت للتعديلات زلزالاً هز أركان نظام الرئيس ولد عبد العزيز لكونه المرة الأولى التي يعارض فيها منتخبون إرادة الرئيس.
وأبرز هذا الرفض للرئيس حقيقة مرة مفادها أنه لا يمكن أن يعول على أغلبيته الحالية لمرحلة ما بعد انتخابات 2019 في انتخاب خليفته الذي أكدت تصريحاته بأنه يعمل حاليا على تهيئته.
ومع أن خليفة الرئيس عزيز لم يحدد بعد، فقد تداولت وسائل الإعلام على نطاق واسع أسماء شخصيات مقربة منه مثل الجنرال محمد ولد الغزواني قائد الأركان، ومولاي محمد الأغظف الوزير الأول الأسبق، والعقيد الشيخ ولد بايه الصديق الشخصي للرئيس عزيز الذي يرأس حاليا رابطة العمد الموريتانيين ويتولى ملف التفاوض مع الاتحاد الأوروبي في قضايا الصيد.
ويظهر رفض الشيوخ التصويت على تعديلات الدستور بداية تصدع الغالبية الداعمة للرئيس عزيز وهو التصدع الناجم أساسا عن إعلان الرئيس بأنه غير مترشح للانتخابات المقبلة، وإن كان قد أكد أنه سيبقى في موريتانيا وأنه سيدعم مترشحا في انتخابات 2019 بوصفه «مواطناً عادياً».
ومما يضعف موقف الرئيس عزيز لجوؤه لتفعيل المادة (38) من الدستور من أجل تنظيم استفتاء شعبي حول تعديلات الدستور بعد أن سد الشيوخ أمامه إمكانية التعديل عبر البرلمان الذي ينص الباب 11 من الدستور على أنها الطريقة الوحيدة لمراجعة الدستور.
وستجد المعارضة الموريتانية التي تسعى لإفشال التوجه الذي يسير عليه الرئيس وأنصاره، دعما كبيرا في الساحة حتى داخل الموالاة التي بدأ شيوخها يهددون برفع شكوى للمجلس الدستوري ضد التعديل، كما ستجد المعارضة دعما كبيرا لدى أوساط الشباب المنتفضين ضد «نظام العسكر والقبائل والمال» الذي مكن العقيد ولد الطايع من الحكم طيلة عشرين سنة ومكن الجنرال عزيز من أن يحكم موريتانيا منذ عام 2008.
ومما سيضعف نظام الرئيس ولد عبد العزيز الحالة الاقتصادية السيئة التي تدفع الحكومة نحو الرفع المستمر للضرائب تزامنا مع رفع أسعار المواد الأساسية والاحتفاظ بسعر الوقود لفترة ما قبل انخفاضها في السوق الدولية، كل هذه العوامل ستشكل رهانات لمعركة التعديلات الدستورية التي عبأ لها كل طرف ما لديه من رجال وعتاد والتي يتوقع أن يكون وطيسها حامياً وغير مسبوق.
عبد الله مولود