نواكشوط- «القدس العربي»: يواجه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز هذه الأيام معركة على جبهتين إحداهما جبهة شيوخ موالاته المتمردين الذين أسقطوا تعديلاته الدستورية في ضربة مفاجئة ألجأت للمادة (38) من الدستور المختلف في تأويلها، والثانية جبهة المنتدى المعارض الذي ينسق صفوفه وخططه بمهارة صفوفه جاذبا إليه مزيد المؤيدين.
فبعد أن تأكد الشيوخ من أن الرئيس غير مهتم بتمردهم وبأنه مستمر في تنفيذ أجندة الاستفتاء، وبعد أن نظموا ليلتهم السياسية الوطنية تحت إشراف الفنانة بنت الميداح وبحضور أكبر المعارضين، بدأ الشيوخ أمس مشاورات لتحديد خطواتهم اللاحقة.
وحسب مصدر مقرب من لجنة المتابعة، فإن «الشيوخ سيستمرون في موقفهم الرافض لتعديل الدستور، حيث سيواجهون جميع مراحل الاستفتاء بالتنديد والرفض، وسيخاطبون الشعب عبر وسائل الإعلام لإظهار بطلان ما يسعى إليه الرئيس وأغلبيته».
وأكد الدكتور الشيخ ولد حننه رئيس لجنة المتابعة في مجلس الشيوخ (شيوخ الموالاة المتمردون) «أن الشيوخ كانوا يأملون في أن يتعامل الرئيس بشكل عادي مع نتيجة التصويت الرافضة لتعديلات الدستور لأن البرلمان يجسد إرادة الشعب الذي يمتلك وحده السيادة»، مضيفا «أن الشيوخ غير مقتنعين بنتائج الحوار السياسي الذي انبثقت عنه تعديلات الدستور».
وقال «لقد رفض مجلس الشيوخ التعديلات الدستورية لأسباب عدة بينها أن التعديلات ليست أولوية وطنية في الوقت الراهن، وبينها أنه من المحتمل أن يكون للتعديلات أثر سلبي على الاستقرار والانسجام الوطنيين، ونحن نعتقد أن لمجلس الشيوخ دورا مهما في التوازن بين السلطات وهو أمر ضروري لديموقراطيتنا».
وحول ما إذا كان الشيوخ الرافضون للتعديلات سينضمون للمعارضة، أوضح الدكتور حننه «أن الشيوخ يشكلون جزء لا يتجزأ من الموالاة غير أنهم يأملون طبقا لمصلحة البلد، ألا ينظم الاستفتاء وأن يعلق التوجه نحو تنظيمه وهو أمر ضروري ومطابق للدستور أيضا». ولا تولي الحكومة أهمية لهذه المواقف، حيث أعلن الناطق باسمها الوزير محمد الأمين ولد الشيخ في مؤتمر صحافي أمس «أن الأمسية التي نظمتها الشيخة المعلومة بنت الميداح كغيرها من الأماسي الثقافية لا تستحق بالضرورة أن يعلق عليها أو يتم تقييمها، مشيرا إلى أن «الشيخة المعلومة طردت من طرف التشكيلة السياسية التي تنتمي إليها»، أي من الحزب الحاكم.
وفي المؤتمر الصحافي، أعلن أحمدو ولد عبد الله وزير الداخلية واللامركزية «أن مجلس الوزراء أقر يوم أمس مرسوما قاضيا بتنظيم احصاء إداري ذي طابع انتخابي تكميلي من أجل إتمام وتحيين القائمة الانتخابية التي أجريت على أساسها الانتخابات الرئاسية الأخيرة لسنة 2014».
وأكد «أن هذا الإحصاء سيشمل كافة التراب الوطني والموريتانيين في الخارج»، موضحا «أن اللجنة المستقلة للانتخابات هي المسؤولة عن العملية الانتخابية وتنظيمها وعليها أن تصدر مداولة تتعلق ببداية ونهاية هذا الإحصاء».
وبخصوص ما تناوله الإعلام وتداوله المدونون حول انشغال الرئيس برأب تصدع أغلبيته، أكد موقع «28 نوفمبر» الإخباري المستقل «أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز أصبح مقتنعا أكثر من أي وقت مضى بضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لعلاج التصدع الحاصل في أغلبيته التي لم يعد يجمعها غير الاسم».
وأضاف الموقع في تحليل سياسي له أمس «أن إجراءات الرأب التي قد لا تروق للبعض لم يكشف بعد عن تفاصيلها»؛ ثم تساءل الموقع قائلا «هل سيفاجئ الرئيس أغلبيته بقرارات جريئة خلال الأيام المقبلة ليتوقف قطار الشائعة، أم أنه سيترك السكة «المريضة» تسير على حالها؟
وفي جانب المعارضة، أكد حزب التناوب الديمقراطي في بيان وزعه أمس «أن نظام محمد ولد عبد العزيز يهدف من وراء التعديلات الدستورية التي سيقدمها للاستفتاء إلى عدة أمور من أهمها التغطية على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والأمني المتدهور الخارج عن السيطرة بسبب نهب الثروة وإثقال كاهل المواطن بالضرائب وفشل المقاربة الأمنية».
«ومن الأهداف التي يسعى النظام لتحقيقها من وراء التعديلات، يضيف حزب التناوب، إشغال المعارضة بجدل دستوري وصرف نظرها عن المخطط الخطير الذي يسعي النظام من خلاله إلى تثبيت نفسه بطريقة جديدة عبر عملية استخلاف يتم الإعداد لها بعد رحيل رأسه، وذلك للهيمنة المطلقة على السلطة وحصر التداول عليها في محيطه الضيق، كما أن النظام يسعى لتوفير الحماية لولد عبد العزيز ولجميع شركائه المفسدين من المتابعة مستقبلا ومن مساءلتهم عن جميع التجاوزات التي ارتكبوها خلال فترة تسييرهم الكارثي للبلد وهو ما تم من خلال مقترح إلغاء محكمة العدل السامية».
وشدد الحزب على «أن النظام الحاكم قام خلال الأيام الماضية بحملة عبثية لشرح التعديلات الدستورية المقدمة للاستفتاء الشعبي في المدن الداخلية على أساس أنها أتت لتعميق الديمقراطية وبناء دولة القانون والمؤسسات وهي أكاذيب لم تعد تنطلي على سكان تلك المناطق التي تعاني من الجفاف والعطش وارتفاع الأسعار وانعدام الأمن».
وشدد الحزب المعارض على «أن التعديلات المقترحة تفتقر للإجماع فهي مؤسسة على حوار عبثي غابت عنه القوى السياسية الوازنة في البلد وحددت مخرجاته من طرف ولد عبد العزيز في خطابه الذي ألقاه من مدينة النعمة، وبالتالي فهي لا تعبر إلا عن رأي النظام الديكتاتوري الحاكم».
وأكد حزب التناوب «أن التعديلات تم إسقاطها من طرف البرلمان الموريتاني بعد تصويت مجلس الشيوخ ضدها وهذا ما يجعل طرحها للاستفتاء بعد ذلك، خرقا سافرا وخطيرا للدستور واحتقارا للشعب الموريتاني وإرادته ومؤسساته ودليلا على أن ولد عبد العزيز يعتبر نفسه مصدر كل السلطات بدل أن يكون الشعب مصدر كل السلطات، طبقا للدستور».
عبد الله مولود