هنالك أكثر من باعث لموضوع هذه الأسطر الآن، أوّلها صدور الترجمة العربية لروايته الأخيرة «حفلة التفاهة» (دار المركز الثقافي العربي) أواخر العام الماضي، أي في العام ذاته الذي صدرت فيه الرواية بالفرنسية (دار غاليمار)، اللغة التي كُتبت بها، في احتفاء استثنائي بالكاتب التشيكي يندر أن يحظى بمثله كاتب أجنبيّ آخر. ثانيهما هو أنّ الجائزة الإسرائيلية التي مُنحت لكونديرا عام 1985، جائزة جيروسالم، وألقى بمناسبتها كلمة هي موضوع هذه الأسطر، إنّها تُمنح هذه الأيام لكاتب آخر هو إسماعيل كاداريه، وقد كتبتُ في ذلك قبل أسبوعين. ثالثهما هو الاحتفاء الصحافي الدائم بكونديرا، وتحديداً مؤخّراً في أخبار ومقالات تتناول الترجمة الصادرة قبل أشهر قليلة، احتفاء يُضاف إلى احتفاء دور النشر بكل جديد له فيتسابقون لنشره ويتنازعون في ما بينهم بأسبقيّة حقوق الترجمة والنشر. أما آخر البواعث فهو ما وجدته مؤخّراً في كتاب «فن الرواية» بالفرنسية، في آخر محتوياته، وهي الكلمة التي ألقاها أثناء استلامه للجائزة.
يتكوّن الكتاب من نصوص نقدية وحوارين وهذه الكلمة، أمّا سبب احتواء الكتاب على كلمة هذه الجائزة دون غيرها من الجوائز، وقد حاز كونديرا العديد منها وتفوق في أهميّتها، فلا إجابة لدي. الغاية هنا هي توضيح رأي ميلان كونديرا بدولة إسرائيل، وهو ما يجهله العديد من العرب لسبب يُلام عليه المترجمون إلى العربية، مترجمون يعتمد على ما يترجمونه لا القرّاء فحسب، بل الفاعلون في المجال الثقافي، كتّابا وصحافيّين، يثقون بالمترجمين ثقة المرضى بالأطبّاء، تلك الثقة التسليميّة.
في عام 1985، قبل انتفاضة الحجارة بعامين، في وقت كان لمنظمة التحرير الفلسطينية حضور قويّ في أوروبا كممثل للقضية الفلسطينية، قبِل الكاتب التشيكي الجائزة وألقى كلمة في القدس، قلت «قبِل» وليس «مُنح» لأنّها المفردة التي تتعامل بها «حتى» الصحافة الإسرائيلية في ما يخص الجائزة، وكأنّ احتمال رفضها حاضر دائماً.
تبدأ الكلمة كالتالي: «إن كانت الجائزة الأهم التي تمنحها إسرائيل مكرّسة للأدب العالمي، فلا يُعدّ ذلك صدفة، إنّما يعود لتراث طويل. إنّها الشخصيات اليهودية الرفيعة التي، بإبعادها عن أرضها الأصليّة وتعاليها على المشاعر القوميّة، أبدت دائماً حساسيّة استثنائية تجاه أوروبا ما فوق القوميّات، أوروبا المعرَّفة ليس كأراضٍ بل كثقافة. إن كان اليهود، حتى بعدما أُحبطوا بشكل تراجيدي من قبل أوروبا، قد بقوا مخلصين رغم ذلك لهذه العالميّة (الكوزموبوليتية) الأوروبية، فإنّ إسرائيل، مكانهم الصغير الذي وجدوه أخيراً، تبرز أمام عينيّ كالقلب الحقيقي لأوروبا، قلب غريب موضوع في ما بعد الأجساد. أستقبل اليوم بمشاعر جياشة هذه الجائزة التي تحمل اسم جيروسالم ودمغةَ هذه الروح الكبيرة العالميّة اليهوديّة».
يلي ذلك سرد جيّد عن الرواية وأوروبا، عن أهميّة الرواية في طبع معالم الأزمنة مقابل الفلسفة، عن تحديّات الرواية التي يقول بأنّها صدى ضحكات الرب، مقابل الروايات المبتذلة التي تسعى لإضحاك الجميع وطوال الوقت. سرد نقدي يستكمل به باقي محتويات الكتاب، لكن من دون أن يخلو من فكرة الربط بين إسرائيل وأوروبا من جهة، وبين الرواية التي يقول إنها خلق أوروبي بامتياز (كما إسرائيل تماماً)، وأوروبا من جهة ثانية. فكلاهما في قلب الروح الأوروبية، ودائماً ثقافياً.
هذه الكلمات القليلة التي كتبها كونديرا في إسرائيل، «المكان الذي وجدوه أخيراً»، و «الأرض الأصليّة التي أُبعدوا عنها»، تفي في تبيان رؤية الكاتب لدولة الاحتلال، وهي رؤية لا تنم عن «الجهل»، فلا مجال لذلك، بل عن تواطؤ مع أدبيّات الاحتلال الصهيونية التي جاء على أساسها إلى فلسطين. وهي، فوق ذلك، «حفلة تفاهة» من «كائن لا تُحتمل خفّته» (بالإذن من كونديرا نفسه) حين يصف إسرائيل بأنها «تتعإلى على المشاعر القوميّة»، وهي التي ما تزال تقاتل بعد سبعة وستين عاماً على قيامها من أجل دولة يهوديّة محدّدة الديانة والقوميّة.
ما يزال صاحب «الهوية» الاسمَ المفضّل لدى كل من الصحافة ودور النشر العربية، في وقت لا تمرّ فيه جائزة نوبل إلا ونقرأ ونسمع كثيراً عن الجهل بصاحب الجائزة (ما يدعو لاستنكار منحه إياها: من هو أصلاً؟)، وعن عدم توفّر ترجمات عربيّة لكتبه أو، إن توفّرت، قد لا تزيد عن الثلاثة مقابل ما يزيد عن ثلاثين عملا له (باتريك موديانو مثلاً – نوبل 2014)، وتمتلئ الصحافة العربية بمقالات تشي بغرابة الإحساس بأن الاسم (وتالياً أعماله) جديد ولا بدّ، على الأقل، أن يُطبع بشكله الصحيح في المقالة، وغيرها من التخبّطات التي تُلام عليها أوّلاً المؤسسات والدور الراعية للترجمات، أمّا المترجمون أنفسهم، فحكاية أخرى.
تُرجم الكتاب إلى العربية، «فن الرواية» الصادر عن «دار الأهالي» في دمشق بترجمة من بدر الدين عرودكي، ثمّ، مُزيداً عليه نصوصاً أخرى من كتابين منفصلين ونقديين آخرين لكونديرا، صدر للمترجم نفسه «ثلاثية حول الرواية» عن «المشروع القومي للترجمة» في القاهرة. لكن المترجم تفضّل على القارئ العربي وقرّر في ترجمته حذف ما بدأت به كلمة كونديرا، وكانت المقدّمة التي ترجمتُها أعلاه، 17 سطراً في النص الفرنسي، محذوفة تماماً من الترجمة المذكورة، بمبادرة ذاتيّة من المترجم (لا الدار) حرصاً منه على سلامة آراء وقناعات القارئ كما يبدو.
عرفت أن ترجمة أخرى للكتاب صدرت عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» في بيروت، من دون أن أتمكّن من التأكّد تماماً إن اتُّخذ قرار الحجب «الأخلاقي» كذلك أم أنّ النص نُقل بأمانة، لكن عموماً، الاحتفاء العربي الدائم والمبالغ فيه بكونديرا، مقابل جهل شبه تام بآخرين كثر، لا يشي بإدراك قارئ العربية لرأي كونديرا بإسرائيل كما طُرح في المقدّمة.
ليست المسألة هنا في ما يكتبه كونديرا. فشخصياً، يعجبني ما يكتبه وأقرأ له بين فترة وأخرى، وللكاتب قرّاء عرب كثر، أو قل «نادي معجبين»، قد يغلب بهم مجايليه من الكتّاب العالميّين، معجبون لا يتركون مناسبة سنويّة لجائزة نوبل للأدب تمرّ من دون إكرام الكاتب بتمنيّاتهم له بنيلها، مستكملين مواسم الاحتفاء الصحافي به. ظاهرة تكوُّم ثقافية لا يكون الرد عليها بأن اذهبوا واقرأوا بغير العربية. مشكلتنا ليست مع روائي كبير ككونديرا، كبير بأدبه أقصد، بل مع مترجمين صغار، صغار بترجماتهم طبعاً، يطبعون بترجماتٍ مريضة وقاصرة صوراً وقناعات وأذواق واهتمامات لمتلقّين ولفاعلين في المجال الثقافي، مريضة وقاصرة كالترجمات.
كاتب فلسطيني ـ باريس
سليم البيك
ليست جميع روايات كونديرا ذوات مستوى رفيع. الجيد فيها لا يتجاوز ثنتين، فبالإضافة إلى انحيازه اللاأخلاقي للمعتدين الصهاينة فهو مضبوع بالثقافة الآمريكية منبت عن شعبه وتقاليده بحجة كراهيته للشيوعية كاسماعيل قدرية وسليمان رشدي، فروايته الحياة في مكان آخر دعوة صريحة للحياة في أمريكا، وعلى العموم لا فكونديرا لا يحترم القارئ، ويظن الجميع أطفالاً
كونديرا- بورخيس- اسماعيل كاداري – وجنكيز ايتماتوف وغيرهم…. يعرفون مأساة الشعب الفلسطيني لكن عيونهم تنظر نحو المدعوة جائزة نوبل ولهذا يمتدحون دولة الاحتلال الاسرائيلي( واحة الدكتاتورية في الشرق الأوسط ) الكبير.. وقاتلة الأطفال في غزة.
– صحيح أن هؤلاء الكتاب كتاب كبار لكنهم صغار في مواقفهم ا العنصرية المتصهينة وهو أمر مثير للسخرية .
– كتب بورخيس عام 1969 في مذكراته بأن اسرائيل دولة عريقة لها تاريخ ثلاثة الاف سنة وهي دولة حداثية فهي تجمع بين العراقة والحداثة… ولم ير بورخيس ببصيرته الثاقبة شعبا يدعى الشعب الفلسطيني صاحب الأرض الأصلي في فلسطين.
– المشكلة يا أخ سليم البيك في أن ( دودو من عودو) أي من بلاهة بعض المثقفين العرب وأوهامهم حين يغضون البصر بعد أن عميت بصيرتهم عن حقيقة هؤلاء الكتاب الذين ينتمون الى ثقافة الحرب الباردة. حيث اختاروا النحياز الى المواقف الأمريكية المحكومة من قبل اسرائيل.
ليس في كونديرا شيء فوق السياسة. فهو أصلا بوق ضد الشيوعية في زمن الحرب الباردة. و ضد التوجه الكلاسيكي أو الطبيعي في الفن أيام كانت الموضة تفرض علينا أن نكون مع الجديد و المختلف.
من أيام تفضل شاعر أسترالي بإرسال قصائد من آخر مجموعاته رفض الناشر الأسترالي أن تظهر في المجموعة لأنها تدين العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة و الضفة. قرأتها و ترجمتها و لم أجد من ينشرها لي. و أخيرا نشرت على الإنترنت في مطبوعة إلكترونية و بعد إرسالها 3 مرات.
المشكلة هو العقدة و الرهاب.
مثلما يجب أن نهتم بالرأي يجب أن نعطي قليلا من الوقت للرأي الآخر.
و شكرا
في واقع الامر بات هناك كتاب عرب في مصر وسوريا ولبنان وغيرها ممن يكتبون ضد الفلسطينيين، واخذوا يبررون الاحتلال نوعا ما. لا داعي لان يقوم كونديرا بحذف تلك المقاطع. سيجد من يعجب بذلك بين الجيل الجديد من العرب. بل باتت هناك عزلة عربية ضد.الفلسطينيين.