في تفنيد تخرصات بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، حول مسؤولية مفتي القدس الشيخ أمين الحسيني عن هدي أدولف هتلر إلى «الحلّ النهائي»، المتمثل في حرق اليهود؛ يذكّر إيلي بارنافي، أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب وسفير إسرائيل الأسبق في فرنسا، بسلسلة وقائع تاريخية كانت، لتوّها، تؤسس للمشروع النازي الرهيب، وذلك قبل سنوات سبقت لقاء الحسيني ـ هتلر، في تشرين الثاني (نوفمبر) 1941.
وأبعد من أن تكون شهادة شاهد من أهلها، أو إحقاق حقّ الحسيني، أو تصويب حقيقة تاريخية رسخت واستقرت طيلة عقود؛ فإنّ سجال بارنافي يستهدف ردّ القداسة إلى مفهوم الهولوكوست في الذاكرة اليهودية، خاصة وأن انتهاكه يأتي من رئيس وزراء دولة تصارع ـ بالحديد والنار، قبل الأركيولوجيا والنصّ التوراتي ـ لحيازة اللقب الأثير: «الدولة اليهودية».
وكيف، سوى تحت إغواء العنصرية العمياء والتخبط السياسي والاستخفاف بالعقول، ينسى نتنياهو تلك الخطبة العصماء، التي ألقاها هتلر في 30/1/1939، أمام الرايخستاغ، في برلين: «سوف أكون نبياً، مرّة أخرى اليوم: إذا نجح الممّولون اليهود العالميون، على نطاق أوروبا وخارجها، في دفع الأمم إلى حرب عالمية مجدداً، فإنّ النتيجة لن تكون بلشفة الأرض، وبالتالي انتصار اليهود، بل إفناء العرق اليهودي في أوروبا».
ألم تنطلق تباشير «الحل النهائي»، عملياً وبالمعنى العسكري قبل السياسي والعرقي، في صيف 1939، عشية زحف الجيوش الألمانية في العمق البولندي؟ وإذا جاز الحديث عن تعاطف الشيخ الحسيني مع ألمانيا النازية، أفلم تكن هذه حال الناس في معظم البلدان الواقعة تحت الاستعمار البريطاني؟ ألم ينطبق مبدأ «عدو عدوي صديقي» على عصابات «شتيرن» الصهيونية ذاتها، في صراعها مع الانتداب البريطاني على فلسطين؟
والحال أنّ نتنياهو، في إلصاق تهمة صناعة الهولوكوست بالشعب الفلسطيني، ممثلاً بالشيخ الحسيني؛ ليس أوّل الوافدين على هذه «الرياضة» الصهيونية العريقة؛ ولن يكون الأخير، أغلب الظنّ. فقبل سنوات، غير بعيدة، وفي حوار مع المؤرّخ الإسرائيلي بيني موريس، نشرته مجلة Tablet البريطانية الإلكترونية التي تعنى بـ«الحياة اليهودية» كما تعلن في صدارة موقعها؛ لم يتردد شمعون بيريس (وكان، يومئذ، رئيس إسرائيل) في تصنيف بريطانيا ضمن خانة الدول المعادية للسامية، مستذكراً القول الدارج: «المعادي للسامية هو الشخص الذي يكره اليهود أكثر من المقدار الضروري»؛ ومسترجعاً امتناع بريطانيا عن التصويت على قرار التقسيم لسنة 1947، وفرض حظر لبيع الأسلحة إلى إسرائيل، وتوقيع اتفاقية عسكرية مع الأردن… باختصار ـ وبعد أن تناسى أنّ «وعد بلفور»، لإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين، كان بريطانياً ـ أطلق بيريس هذا الحكم القاطع على البريطانيين: «لقد عملوا ضدّنا على الدوام».
لائمة بيريس لم تقتصر على بريطانيا الرسمية وحدها، بل شملت توبيخ ممثّلي الأمّة المنتخبين إلى مجلس العموم: «مشكلتنا التالية في إنكلترا هي وجود ملايين عدّة من الناخبين المسلمين. وبالنسبة إلى كثير من أعضاء البرلمان، هذا هو الفرق بين الفوز في الانتخابات أو خسرانها. وفي إنكلترا كان ثمة، على الدوام، مناخ مؤيد للعرب في العمق، لا يشمل جميع الإنكليز بالطبع، ومناخ معادٍ لإسرائيل على نطاق المؤسسة (…) إنهم يعتقدون بأنّ الفلسطينيين ضحايا اضطهاد، وبأنّ كلّ العرب مضطهَدون في ناظرهم، رغم أنّ هذا ليس عقلانياً. خذوا مثال غزّة. لقد أخلينا غزّة من جانب واحد، فلماذا يطلقون علينا الصواريخ؟».
لكنّ تخطئة هذه التصريحات لم تصدر عن برلمانيين أصدقاء خلّص لإسرائيل، مثل جيمس كلابيسون، نائب رئيس جمعية «أصدقاء إسرائيل» في حزب المحافظين، فحسب؛ بل تولى الأمر، أيضاً، عدد من رجالات الجالية اليهودية في بريطانيا، أسوة بما فعل أنتوني جوليوس، وهو محام بريطاني بارز (أشهر قضاياه كانت طلاق الأميرة ديانا من الأمير شارلز)؛ لكنه أيضاً كاتب يهودي يتناول موضوعاته من زوايا تاريخية أو سوسيولوجية (كما في كتابه «محاكمات الشتات»)، وكذلك نقدية وأدبية (أصدر، منذ سنوات، كتاباً لامعاً عن جوانب العداء للسامية في شعر ت. س. إليوت).
ولقد تذكّر جوليوس أنّ التهمة الأشهر في تاريخ العداء للسامية، أي قيام اليهود بذبح الأطفال المسيحيين لاستخدام دمائهم في أداء طقوس دينية سرّية، كانت قد وجدت تطبيقها العملي الأوّل في بريطانيا، وأسفرت عن موجات الطرد الأبكر في التاريخ اليهودي، سنة 1290. لكنه تذكّر، أيضاً، أنّ بريطانيا لم تشهد محاكمة تماثل «قضية دريفوس» في فرنسا، ولم تبلغ مشاعر العداء للسامية مستوى معسكرات الاعتقال في أوشفتز، أو فظائع الهولوكوست التي جرت هنا وهناك على نطاق أوروبا الشرقية. أغلب الظنّ أنه، وقد نظر إلى الأمر من زاوية حصيفة وذرائعية في آن، أدرك أنّ نسبة 60 في المئة من الحوادث التي تُصنّف رسمياً في باب العداء للسامية، على الأرض البريطانية، إنما تكون أسبابها سياسية صرفة، وبواعثها في الأغلب ناجمة عن الاحتجاج على سياسات إسرائيل ضدّ الفلسطينيين.
يهودي آخر، هو يوسيف غرودزنسكي، أستاذ الألسنيات في جامعة تل أبيب؛ نظر إلى المسألة من زاوية غير مألوفة أبداً: دور المؤسسة الصهيونية ذاتها في صناعة الهولوكوست، وكيف انطوى ذلك الدور على تواطؤ مباشر صريح بين بعض القيادات الصهيونية وكبار ضبّاط الرايخ الثالث المسؤولين عن تصميم وتنفيذ «الحلّ النهائي» لإبادة اليهود. وكتابه «في ظلّ الهولوكوست: الصراع بين اليهود والصهاينة في أعقاب الحرب العالمية الثانية»، يعود إلى سلسلة وقائع باتت معروفة، لكنه هذه المرّة يضعها في سياقات جديدة تماماً تخصّ هذا الجانب تحديداً: كيف جرى ويجري تسويق الهولوكوست لأسباب سياسية صرفة تطمس، وأحياناً تشطب تماماً، الوقائع الإنسانية التي تسرد عذابات الضحايا وآلامهم وتضحياتهم؟
وكيف استقرّ دافيد بن غوريون على الرأي القائل بضرورة تضخيم حكاية سفينة «الخروج» الشهيرة، سنة 1947؛ لكي تشدّ أنظار العالم إلى مأساة اليهود، وتستدرّ العطف عليهم، والتعاطف مع الوكالة اليهودية التي كانت تقوم مقام دولة إسرائيل؟
وغرودزنسكي يتوقف مطولاً عند «قضية كاستنر»، التي بدأت فصولها سنة 1945 حين نشر اليهودي الهنغاري مالكئيل غرينفالد، أحد الناجين من الهولوكوست، كرّاساً صغيراً يتهم فيه اليهودي الهنغاري رودولف كاستنر (القيادي الصهوني البارز وأحد أقطاب الـ»ماباي»، حزب بن غوريون) بالتعاون مع النازيين خلال سنتَي 1944 و1945.
والوقائع التي سردها غرينفالد يقشعرّ لها البدن حقاً: لقد وافق كاستنر، بعد تنسيق مباشر مع الضابط النازي المعروف أدولف إيخمان قائد الـ»غستابو»، على شحن نصف مليون يهودي هنغاري إلى معسكرات الإبادة، بعد أن طمأنهم كاستنر وبعض معاونيه إلى أنّهم سوف يُنقلون إلى مساكن جديدة، حتى أنّ البعض منهم تسابقوا إلى صعود القطارات بغية الوصول أبكر، والحصول على مساكن أفضل! وكان الثمن إنقاذ حياة كاستنر وبعض أقربائه، وغضّ النظر عن هجرة 1600 يهودي إلى فلسطين. وللمرء أن يدع جانباً أعمال كتّاب يهود من أمثال نورمان فنكلستين، في «صناعة الهولوكوست: تأملات في استغلال المعاناة اليهودية»؛ وإديث زيرتال، في «الموت والأمّة: التاريخ، الذاكرة، والسياسة».
فضيلة تصريحات نتنياهو أنها تذكّر بما لا يتوجب نسيانه، البتة، حول جوهر الصراع الفلسطيني مع المؤسسة الصهيونية؛ حيث لا يجري لوم الضحية، كما أشار إدوارد سعيد مراراً، فحسب؛ بل يتوجب على الضحية ذاتها أن تغسل الدماء التي لطخت أيدي الجلادين. الآن، كلّ يوم؛ وعلى مرّ العصور، أيضاً!
٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
صبحي حديدي
اولى فأولى يا سيد صبحى
ان يتم ترجمة هذا المقال الى عدة لغات منها الالمانيه
السبب الرئيسي بترحيل يهود العراق هم الصهاينة
فقد أنشؤوا منظمات ارهابية مسلحة فجرت بعض أماكن تجمع اليهود
وبعد النكسة 1948 بدأ اليهود يشعرون بعدم الأمان فتركوا العراق
اليهود العراقيين كانوا بالعراق منذ السبي البابلي قبل 2600 سنه
ولا حول ولا قوة الا بالله
الصهيونية بنت النازية و الأخت الشقيقة للفاشية. بنيت على الكذب، التزوير و البهتان. بنيانها يتآكل يوما بعد يوم!
الاخ صبحي المحترم : هذا النتن اراد من ذلك عدة امور منها 1- اي يعمل يقوم به فلسطيني ولا يستنكره شركائه في المفاوضات فهو يدعوا الى الانتفاضة
2- الاستمرار في الحكم فهو يستخدم نفس اساليب حكام الغرب منذ عام 1998م 3- اقناع اليمين انه واع لما يقوم به الارهاب الفلسطيني الذي يحرض عليه في الامم المتحدة 4- منع رفع السلطة كخطة استراتيجة اي قضية تدين الصهاينة في المحاكم الدولية
نتنياهو هو ابن استاذ في التاريخ و مؤرخ صهيوني متعصب. وهو بذلك ادرى بصناعة التاريخ المزور الذي تريده الصهيونية لتبرير زرع اسرائيل في الشرق العربي.
هذا التاريخ المزور يجري نقضه و تعريته حتى من قبل اليهود انفسهم الا انه سرعان ما يحظى بالغطاء الرسمي و تتم حمايته حتى بالقوانين الفريدة مثل قوانين معاداة السامية و انكار المحرقة او حتى عدد الضحايا.
و الغريب انهم يعترفون ان الجريمة المانية و لكن العقاب يقع على الشعب الفلسطيني الاكثر تسامحا مع اليهود عبر التاريخ. و اي عقاب…. قتل و تشريد و نفي و انكار بالحق بالوجود.
إنها قراءة متأنية للتاريخ المعاصر فلا غرابة في هذا. إن لم نصدق نحن تفاهة نتانياهو سنجد من سيهلل لها و يصنفها اكتشافا تاريخيا و يرشحه لنيل إحدى جوائز نوبل. واقتداء به سيخرج ساركوزي غدا هوالآخر بنظرية جديدة مفادها أن أحمد بنبلة الجزائري هو المتسبب في وفاة نابوليون.
العقدة اليهودية , أسباب قداسة مفهوم المحرقة عند اليهود هو خوف عميق ينتاب أى أقلية دينية تريد الحفاظ علي هويتها من الذوبان , أما التهويل من الخوف , فقد يؤدى الي نزعات تتسم بالكراهية للآخر وتحميله ذنب وتبعات كونهم أقلية دينية . من الطبيعي أن تثير الأقلية قضية العداء الديني في وجة كل أغلبية دينية أخرى وليس العكس , لكن الغضب والجهل والطمع , مدفوع بدوافع نرجسية عنصرية بغيضة وكراهية , أدى الي إستباحة حقوق من إستقبلوا اليهود في كل مرة طردوا فيها من أماكن أخرى , وعاشوا وسطهم في أمان لقرون طويلة .
رائع أستاذ صبحي يا ابن البلد الأصيل, أنت أكاديمي وموسوعي واستغرب كيف لك أن تكتب عن مواضيع طازجة بهذه الأكاديمية والموسوعية, كل واحدة من مقالاتك تعتبر بحث قائم بذاته, أن رجل أكاديمي وأعرف صعوبة ذلك. فتحية طيبة لك قلمك أورى من الرصاص على الصهاينة ولكن بعض حكامنا لا يقرأون للأسف وليس لديهم حرج في استقبال النتن, ألا تقتلهم رائحته الكريهة؟! أم أنهم اعتادوا عليها!
يجب التركيز على الموقف الذي اتخذته منظمة شتيرن التي كان يتزعمها شامير والذي يتمثل بالوقوف مع النازية لسببين الأول يهدف للتحالف مع عدو بريطانيا والثاني عدم خسران المعركة في حال هزيمة دول التحالف على امل ان تدعم النازية الحركة الصهيونية، وهناك من يقول أن هذا الموقف كان متوافق علية داخل الحركة الصهيونية.
بارك الله فيك يا أخ صبحي على هذا المقال الرائع،
غير أن أنتوني جوليوس الذي ذكرته هنا يمكن أن يكون موضوعيًّا فعلاً، ولكن حسب المزاج ليس غير. وما توليه قضيةَ طلاق ديانا من تشارلز، بصفته محاميًا «بريطانيًّا بارزًا»، إلا خير دليلٍ عل ذلك. حتى استخدام المصطلح المُفَبْرَك «السامية» في عبارة كتابه «جوانب العداء للسامية في شعر ت. س. إليوت» ينطوي على نزعةٍ عنصرية في الصميم، شاء أم أبى. أيُّ مؤرِّخ موضوعيٍ نزيهٍ يعرف أن ما يُطلق عليهم بـ«العبرانيين»، وليس اليهود، إنما هم شعبٌ وحيدٌ، ووحيدٌ فقط، من تلك الشعوب «السامية» التي تكادُ لا تُعَدُّ ولا تُحصى!!!