تونس – «القدس العربي»: دعا نواب تونسيون إلى عقد جلسة برلمانية للنظر في ما سمّوه «سطو رئاسة الجمهورية على صلاحيات البرلمان» بعد مناقشة مصير الحكومة من دون الرجوع للبرلمان، فيما انتقد سياسيون دعوة المدير التنفيذي للحزب الحاكم (نجل الرئيس التونسي) إلى رحيل حكومة يوسف الشاهد واستبدالها بحكومة أخرى.
وذكرت مصادر إعلامية أن عدداً من النواب شرعوا في الإمضاء على عريضة تطالب بعقد جلسة برلمانية طارئة للنظر في ”سطو رئاسة الجمهورية على صلاحيات البرلمان من خلال تجاوز صلاحياتها الدستورية في علاقة بالمشاورات الحاصلة حول وثيقة قرطاج 2 ومسألة تغيير الحكومة من عدمه”، معتبرين أن إقالة رئيس الحكومة او استقالته تكون ”ضمن ما نصّ عليه الدستور فقط وليس بما يحدث الآن في قصر قرطاج” .
ودوّن الصحبي بن فرج النائب عن حركة «مشروع تونس» على صفحته في موقع «فيسبوك»: «من الواضح الآن لنا ولعامة الشعب التونسي، وجميع النخب السياسية أن اتفاق قرطاج ووثيقة قرطاج ومحادثات قرطاج، وفلسفة قرطاج وكل عملٍ ملحقٌ بقرطاج يتلخص في سطرين: كيف يستجيب رئيس الدولة لرغبة إبنه بإقالة رئيس الحكومة (…) بهذه الطريقة أقال الباجي قائد السبسي الحبيب الصيد استجابة لرغبة السيد حافظ، وتجاهلت أغلب الاحزاب وكل المنظمات هذه الحقيقة وانخرطت في لعبة العزل والتعيين».
وأضاف «الدستور يا سادة، ينص على ضرورة تقديم لائحة سحب ثقة ممضاة من 73 نائباً ويصادق عليها 109 نواب مع وجوب التعليل ووضع اسم رئيس الحكومة القادم على نص اللائحة. هذه الطريقة الدستورية، تُعتبر معقّدة (طبعا مثل غالبية نصوص الدستور المجيد) وغير مضمونة النتائج، وتُعطي سلطة عزل يوسف الشاهد وخاصة تعيين خلفه الى نواب الشعب. بدلاً عن هذه الآلية القانونية، ومن أجل تحقيق الهدف العظيم، وتنفيذ الرغبات السامية، يقع الالتجاء الى الآليات الموازية، فيتوقف حال البلد ونحبس أنفاسنا حتى نصل – وباستعمال تقنية المناورات قطرة قطرة – الى الهدف المنشود: دفع رئيس الحكومة الى الاستقالة وتعيين الأكثر قرباً وتقرّباً والأضمن سمعا وطاعة، والأقل اعتراضا وتنطّعاً».
وكتب النائب غازي الشواشي (الأمين العام لحزب «التيار الديمقراطي»): «إذا تَقّرر إرغام يوسف الشاهد على الاستقالة أو سحب الثقة من حكومته، على رئيس الدولة تحمل مسؤولياته كاملة وذلك بالاعتذار العلني أمام الشعب التونسي بسبب إختياراته الفاشلة وفرضه لاسم يوسف الشاهد بالقوة بعد «تمرميدة» (إهانة) الحبيب الصيد وتقديم حكومة ما سمّي بالوحدة الوطنية للراي العام الداخلي والخارجي على أنها تمثل الفرصة الاخيرة والحل الأمثل لانقاذ الاوضاع المتردية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي والحال أنها عمقت الازمة وزادت الاوضاع سوءاً وتدهوراً».
وتابع في تدوينة أخرى «إجتماعات قصر قرطاج وما يتبعها من لجنة خبراء ووثيقة قرطاج 1 وقرطاج 2 ومشاورات بين الاحزاب والمنظمات لتحديد مصير الحكومة القائمة في غياب من يمثلها، هي بمثابة الانتصاب الفوضوي داخل مؤسسات الدولة التي كان من المفروض عليها إحترام موجبات النظام السياسي الذي اقره دستور البلاد، والغريب في الموضوع أن صاحب «النصبة الفوضوية» داخل مقر السيادة قصر قرطاج هو رئيس الدولة نفسه، الضامن الاول لعُلوية الدستور!».
فيما عبّرت كتلة حزب «نداء تونس» الحاكم عن «دعمها المطلق للرئيس المؤسس حركة نداء تونس (الرئيس الباجي قائد السبسي) في قيادته الحكيمة للبلاد، والمساندة التامة لوثيقة قرطاج 2 ضماناً للمزيد من الفاعلية والنجاعة لكل مؤسسات الدولة حتى تنجح في الخروج بالبلاد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والانطلاق في الإصلاحات الكبرى».
وكان المدير التنفيذي لـ«نداء تونس» حافظ قائد السبسي دعا قبل أيام إلى رحيل حكومة يوسف الشاهد، وهو ما عرضه لانتقادات عديدة، حيث اعتبر بعض الأطراف أن هذا الأمر سيؤثر سلباً على الاستقرار السياسي في البلاد.
ورد حافظ قائد السبسي بتدوينة على صفحته في موقع «فيسبوك»، أثارت بدورها جدلاً سياسياً جديداً، حيث كتب منتقداً مَن يتمسكون بحكومة يوسف الشاهد «يتحدث البعض – منتقداً موقفنا المطالب بتحوير حكومي عميق – بأن هذه المطالبة من شأنها أن تمس الاستقرار في بلادنا (…) أريد أن أقول لهؤلاء: ما هو الاستقرار الذي تطالبون بالمحافظة عليه، الاستقرار في تدهور المقدرة الشرائية للشعب التونسي؟ أم الاستقرار في الانهيار المريع لكل المؤشرات الاقتصادية؟ أم الاستقرار في العجز عن إنجاز أي إصلاح وحيد يذكر؟ أم الاستقرار في انهيار احتياطي الدولة من العملة الصعبة بشكل غير مسبوق في تاريخ البلاد؟».
وأضاف: «يعلم الجميع أن مفهوم الاستقرار في كل الديمقراطيات يتعلق بالمؤسسات وليس بالأشخاص، وفي هذا المعنى فإن بلادنا خطت والحمد الله خطوات ثابتة على طريق بناء المؤسسات السياسية المستقرة عبر الانتخابات الحرة والديمقراطية التي أنجزتها وآخرها الانتخابات البلدية التي أفرزت مجالس بلدية منتخبة ستكون النواة الأساسية لمشروع الحكم المحلي، رئيس جمهورية منتخب وبرلمان منتخب وهيئات دستورية تشكلت وأخرى في طور التشكل ودستور ديمقراطي كمرجعية للجميع مهما اختلف الرأي تجاهه ،هذه هي عناصر الاستقرار التي يقرها الرأي الموضوعي وكل تجارب السياسة في العالم ، أما رحيل حكومات ومجيء أخرى وخاصة في ظل مراحل الانتقال الديمقراطي وفي تجارب الأنظمة شبه البرلمانية فهي مسألة طبيعية وعادية حيث لا يمثل الأشخاص وخاصة منهم غير المنتخبين، أي دلالة في الاستقرار مقارنة بالمؤسسات والمرجعيات المنتخبة».
وعلّق النائب ياسين العيّاري على تدوينة قائد السبسي بقوله متهكّماً «إبن الرئيس والمدير التنفيذي للحزب الحاكم، يعطيكم حصيلة 3 سنوات و نصف من حكم أبيه وحزبه الذي عنده رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان والإدارة والإعلام المهادن! يقول المثل: حتى الساعة المعطلة، تعطي الوقت الصحيح مرتين في اليوم.. شكراً فخامة وسيادة وأناقة ولد الرئيس، شكراً لما كتبته ها قد شهد شاهد من أهلها»، مطالباً حافظ قائد السبسي بالابتعاد عن العمل السياسي الذي قال إنه لا يمتلك خبرة كبيرة فيه.
وكتب مصطفى عبد الكبير رئيس «المرصد التونسي لحقوق الانسان»: « وثيقة قرطاج 2 ستكون مرفوقة بمذكرة تفاهم فيها 62 فقرة. الغريب أن إحدى هذه الفقرات تنص على تكوين لجنة رقابية توكل إليها مهمة مراقبة أداء الحكومة لغاية إجراء الانتخابات القادمة في سنة 2019، وهذا يتعارض تماماً مع دولة القانون والمؤسسات لأننا نكون بذلك خلقنا هيكلاً موازياً لهياكل الدولة الرقابية إضافة الى انتفاء دور المؤسسات الدستورية الاخرى على غرار المؤسسة التشريعية. كما ان الاجتماعات الماراثونية المتعلقة بهذه الوثيقة هي في حد ذاتها خرق صريح للدستور التونسي واعتداء مباشر على صوت المواطن الذي اختار نوابه واختار بذلك من يتصور فيهم انهم قادرون على الحكم، بغض النظر عن النتائج الحاصلة، اضافة الى مدى مشروعية أطراف وثيقة قرطاج في العزل والتنصيب والترحيل بعد ذلك الامر الى قبة البرلمان، وهذا اعتبره ضحكا على الذقون، هل هذا فعلا دور النواب؟ هل بهذه الطريقة نحكم ونسوس البلاد؟».
وكان «نداء تونس» و«اتحاد الشغل» وأطراف أخرى موقعة على وثيقة قرطاج دعوا إلى تغيير حكومة الشاهد، في حين رفضت حركة «النهضة» وأطراف أخرى من بينها منظمة الأعراف وحزب المسار الديمقراطي هذا الأمر، فيما اعتبرت سعيدة قراش الناطقة باسم الرئاسة التونسية أن تغيير رئيس الحكومة لن يحل الأوضاع المتردية في البلاد، مضيفة: «الحل بالأساس هو الاتفاق على مشروع الخروج من الأزمة الراهنة خاصة أنه لم يعد يفصلنا سوى 15 شهراً عن الانتخابات البرلمانية والرئاسية المُقبلة».