لندن – «القدس العربي»: في سلسلة كشوفها عن السعودية تواصل صحيفة «نيويورك تايمز» تحقيقاتها في الظروف الغامضة عن الحملة التي تعرف بمحاربة الفساد والتي شن فيها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حملة في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 واستهدف فيها النخبة التجارية والأمراء. وتساءلت الصحيفة عن سر الغموض الذي يلف العملية التي تذرعت فيها الحكومة السعودية بقضايا الخصوصية لعدم الكشف عن الأسماء والتسويات ومنع الذين أفرج عنهم من السفر ومصادرة ثروات عدد من المقربين من المعتقلين وارتداء عدد منهم أساور إلكترونية تراقب تحركاتهم. فيما تم تعيين فريق من الحرس الخاص العسكري لمرافقة الملياردير المعروف الأمير الوليد بن طلال.
وكشفت أن العملية التي أشرف عليها بن سلمان تحمل في ثناياها تصفية حسابات مع أبناء الملك الراحل عبدالله والذين ظل ينظر إليهم كتهديد على فرص وصوله للعرش. وعمل هو ووالده بعد عام 2015 على تهميشهم. كما كشفت تحقيقات الصحيفة عن استخدام التعذيب والإكراه للسيطرة على أملاك المعتقلين. مشيرة إلى أن الأيام الاولى للاعتقال أدت إلى نقل 17 شخصاً للعلاج في مستشفى للنخبة قريبا من فندق ريتز كارلتون الذي حوله بن سلمان لسجن «ذهبي». وأشارت إلى وفاة قاسية تعرض لها مساعد للأمير تركي بن عبدالله، أمير منطقة الرياض السابق للحصول على معلومات عنه. وترك التعذيب آثاره على جسد اللواء علي القحطاني، ضربات كهربائية وكسر في رقبته وحروق حسب مسؤول أمريكي وطبيب يعرف بحالة الجنرال. وكشفت تحقيق «نيويورك تايمز» عن استعانة بن سلمان بشركات قانونية لتدقيق حسابات شبكة «أم بي سي» حيث جرد صاحبها وليد الإبراهيم من ملكيتها وترك له فقط 40% بشكل يهيئ الظروف لعزله عن إدارتها. وهذا رغم حديثه المتكرر منذ الإفراج عنه في كانون الثاني (يناير) عن خطط للعودة إلى دبي. وقالت الصحيفة إن أحد المعتقلين أصيب بالكآبة وراقب شركته وهي تنهار. ورغم حديث الحكومة عن الشفافية وأن العملية قادها النائب العام وبناء على القانون السعودي إلا ان الصحيفة تكشف في شهاداتها التي جمعتها من مسؤولين ومقربين من العائلة حياة الخوف وعدم الحديث عما جرى لإبنائها خشية الانتقام ومنع النساء والاطفال من السفر.
«عمالقة» الاقتصاد وأساور الكترونية
جاء في التقرير الذي شارك في إعداده بن هبارد وديفيد كيرباتريك وكيت كيلي ومارك مازيتي أن رجال الاعمال الذين كانوا يعتبرون «عمالقة» الإقتصادي السعودي يلبسون أساور الكترونية تضبط حركتهم وسكناتهم، أما الأمراء الذين قادوا حملات عسكرية وظهرت صورهم على المجلات اللامعة فيرافقهم في كل تحرك الحرس الذين لا يستطيعون التحكم بهم.
وجمعت الصحيفة شهادات تقول إن رجال الأعمال والأمراء تعرضوا أثناء الشهور التي قضوها في السجن «الذهبي» للابتزاز والإكراه كي يتخلوا عن أرصدتهم فيما تعرض آخرون للتعذيب. ونفت الحكومة السعودية في رسالة ألكترونية للصحيفة تعرض السجناء للتعذيب وقالت «هذا غير صحيح بالمطلق». وتضيف الصحيفة أن السجناء لم يتخلوا عن كميات كبيرة من أموالهم مقابل خروجهم من الريتز كارلتون بل وقعوا على تنازلات عن عقارات ثمينة وحصص كبيرة من شركاتهم- وتم كل هذا خارج الإجراءات القانونية. وبانتظار حيازة الحكومة على الأرصدة مما سيترك الأثرياء وعائلاتهم في عالم المجهول.
وتقول الصحيفة إن واحداً من المعتقلين أجبر على ارتداء أسورة إلكترونية أصيب بالاكتئاب وراقب تجارته تنهار. وقال قريب له «لقد وقعنا على كل شيء»، «حتى هذا البيت الذي أعيش فيه، وأنا لست متأكداً إن كان بيتي أم لا».
المهندس
وتقول إن مهندس عملية التطهير، ولي العهد يحضر لزيارة الولايات المتحدة هذا الشهر في محاولة لجذب المستثمرين. وبدلاً من الحديث عن ملف القمع يركز المسؤولون السعوديون على إنجازاته الإصلاحية: سماحه للمرأة بقيادة السيارة وتوسيع فرص الترفيه وتحركاته لتشجيع الاستثمار الأجنبي. وأنكروا حدوث انتهاكات للمتعقلين وصوروا عملية الريتز بالمنظمة التي تم فيها اتباع المعايير القانونية. إلا أن مقابلات مكثفة مع مسؤولين سعوديين وأعضاء في العائلة السعودية المالكة وأقارب المعتقلين والعاملين معهم تكشف صورة قاتمة عن عملية «إكراه» أو ابتزاز وشهدت حالات تعذيب وتم فيها تحويل مليارات الدولارات إلى صندوق خاص يسيطر عليه الأمير. ومع أن الفساد مستشر في السعودية والكثير من الذين اعتقلوا يفترض أنهم بنوا ثرواتهم من أموال حصلوا عليها بالفساد إلا أن الحكومة تعللت بقانون الخصوصية ورفضت الكشف عن الإتهامات التي اتهمت بها المعتقلين حتى بعد الإفراج عنهم. كما لم توضح من هو المتهم منهم والبريء بشكل يجعل من الصعوبة التفريق بين ما تم بناء على إجراءات قانونية أو مجرد تصفية حسابات شخصية.
خلافات عائلية
وترى الصحيفة أن جزءًا من الحملة جاء بسبب خلافات عائلية حيث ضغط ولي العهد على أبناء الملك عبدالله الذي توفي عام 2015 التخلي عن مليارات الدولارات التي اعتقدوا أنها إرثهم، وذلك بحسب ثلاثة مقربين من عائلة الملك عبدالله. ورغم تأكيد الحكومة على أن حملة مكافحة الفساد ستزيد من الشفافية إلا أنها تمت بسرية وتوصلت الحكومة لصفقات مع المتهمين بعيداً عن الرأي العام وحظرت عليهم السفر ومنعتهم من الحديث علانية خشية الانتقام. ولهذا السبب وافق جميع ممن تحدثت معهم الصحيفة على الحديث بشرط عدم الكشف عن هويتهم لئلا يظهرون وكأنهم ينتقدون الأمير. وأكدت الحكومة في رسالتها الألكترونية للصحيفة أن الذي أشرف على التحقيقات هو النائب العام وبناء على القانون السعودي «وسمح للذين حقق معهم بالحصول على النصيحة القانونية والعناية الطبية لمعالجة من يعانون من أمراض مزمنة». ورفض مسؤولون في الحكومة وعدد آخر من المسؤولين الإجابة على أسئلة تتعلق بحملة التطهير. وقالوا إن العملية كانت قاسية ولكنها ضرورية لإعادة الأموال المسروقة لخزينة الدولة وإرسال رسالة مفادها أن الطرق الفاسدة في إدارة الأعمال قد ولت. وقالوا إن الطريقة التي تمت فيها العملية هي سعودية من خلال المقايضة والتسويات لتجنب الكلفة المالية والإقتصادية لعمليات قانونية طويلة. وكانت السعودية قد أعلنت في تطور جديد عن إنشاء دوائر في مكتب النائب العام لمكافحة الفساد. وقالت الحكومة السعودية إن الملك سلمان «يرغب في اقتلاع الفساد بقوة وشفافية». إلا أن الطبيعة الغامضة والخارجة عن القانون للحملة أخافت المستثمرين الذين يرغب الأمير بن سلمان جذبهم إلى المملكة. وبحسب روبرت جوردان الذي عمل سفيرا في السعودية أثناء فترة جورج دبليو بوش «وعدوا في بداية الحملة بالشفافية ولكنهم لم يوفوا بالوعد» مضيفاً: «بدون أي نوع من الشفافية وحكم القانون يخشى المستثمرون من حيازة (الدولة) على استثماراتهم وسجن شركائهم السعوديين بدون أي سبب ولا اتهامات».
«الوليد كان نائماً»
قبل بزوغ فجر 4 كانون الثاني (يناير) الأمير الوليد بن طلال، المستثمر المعروف وأحد أثرياء العالم كان نائماً في مزرعته في الصحراء حيث استدعي لمقابلة الملك سلمان. وكانت دعوة غريبة في تلك الساعة من الليل حسب اثنين من عائلته. ولكنه لم يتجاهل طلب الملك وعاد إلى الرياض حيث تم تسريح حرسه ومصادرة هاتفه وسُجن في ريتز- كارلتون. وتمت دعوة أكثر من 200 شخص بناء على هذه الدعوة المخادعة والذين يضمون أهم المؤثرين في المملكة وأثريائها. ومنهم الأمير متعب بن عبدالله، نجل الملك عبدالله وقائد الحرس الوطني في حينه، وفواز الحكير الذي يملك عدداً من المحلات التجارية في السعودية وحق محلات زارا و«غاب» في السعودية. وكذا صالح كامل، رجل الأعمال الكبير في العمر من جدة على البحر الأحمر وعدد آخر من الأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين السابقين. وتم نقل معظمهم إلى فندق الريتز حيث نزعت الأبواب الزجاجية للحمامات وقضبان الستائر لمنع المعتقلين من محاولة الانتحار. وكان بإمكانهم مشاهدة التلفزيون وطلب الخدمة الفندقية ولكن بدون هواتف أو انترنت. وفي خارج الفندق، أصيبت عائلات المعتقلين بالفزع حيث لم تعرف مصيرهم وقام مدراء الشركات التي يملكونها برسم خطط طارئة لمواصلة العمل حيث لم يكونوا يعرفون مدة غياب مدرائهم التنفيذيين.
وتم السماح للمعتقلين لاحقا بتطمين عائلاتهم أنهم بخير وذلك عبر مكالمات قصيرة مراقبة. ولكنهم منعوا من الاتصال بمحاميهم إلا أن الوليد بن طلال ظل على اتصال اسبوعي مع مدراء شركاته. وظل بعيداً عن الأضواء حتى كانون الثاني (يناير) عندما سمح لمراسل وكالة رويترز بإجراء مقابلة لمواجهة تقرير هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إنه معتقل في مكان يشبه الزنزانة. وأكد بن طلال أن العملية نظيفة، ورغم خسارته الكثير من وزنه وعدم حلقه لحيته إلا انه وصف الأمر «بسوء فهم». وأصيب من شاهدوا المقابلة بالدهشة خاصة من عرفوا الوليد «بدت مصطنعة من عدة طرق» كما قال جوردان الذي التقى بالوليد مرات عدة كان آخرها في نيسان/إبريل الماضي. وبعد المقابلة أفرج عنه. ولا يعرف حتى الخاصة المقربين منه ما هي الترتيبات التي اتفق عليها. ونقلت الصحيفة عن تركي شبانة الذي يدير واحدة من القنوات التي يملكها الأمير أنه تحدث معه عبر الهاتف عدة مرات والتقى به و «لا فكرة» لديه إن كان الأمير قد توصل لتسوية مع الحكومة. ودعم شبانة الحملة التي قال إنها متأخرة: «الطريقة السابقة لم تكن طبيعية لا للمستثمرين السعوديين ولا للمستثمرين الأجانب» و «كان النظام بحاجة لتلك الصدمة كي ينظف الماضي ويبدأ مستقبلاً جديداً». ورفض ممثلون في «المملكة القابضة» ترتيب لقاء معه إلا أن شخصين من العائلة مقربين منه قالا إنه تحت حراسة عسكرية ولم يخبر إلا القليل إن قام فعلاً بما حدث له في الريتز. وقال مقرب: «هذا أمر يريد نسيانه».
… وتم التحقيق معهم وعلى رؤوسهم أكياس… وهذه قصة موت ضابط
نقلت الصحيفة نفسها عن طبيب ومسؤول أمريكي قولهما إن حوالي 17 من المعتقلين احتاجوا للعناية الطبية جراء التعذيب الذي مارسه الجلادون عليهم. وكان هذا في الأيام الأولى للريتز.
وحسب أقارب معتقلين قالوا إنهم حرموا من النوم وعوملوا بقسوة وتم التحقيق معهم بأكياس موضوعة على رؤوسهم حيث ضغطت عليهم الحكومة من أجل التخلي عن حصص كبيرة من أرصدتهم. ومع ان التقارير عن التعذيب رشحـت ببطء إلا أن مسؤولـين غربيين يـرون أن فيها قـدراً مـن المصداقيـة. منها حالة ضابط عسكري سعودي مات في السجن. ووصف شخص شاهد جثة اللواء علي القحطاني وقال إن رقبته كانت ملوية بطريقة غير طبيعية وكأنها كسرت وظهرت آثار التعذيب على جسده. وقال إن بشرته كانت تحمل آثار تعذيب جسدي أخرى.
ووصف طبيب وشخصان آخران اطلعا على ظروف الجثة قالوا إن علامات حرق ظهرت على جسدة بسبب التعذيب بالكهرباء. ورفضت السفارة السعودية في واشنطن الاتهامات بالتعذيب في ردهاعلى أسئلة الصحيفة عن اللواء القحطاني « كل الإتهامات بالإنتهاك والتعذيب لمن حقق معهم أثناء حملة الفساد غير صحيحة بالمطلق». وكان الجنرال القحطاني، في الستينيات من عمره، ضابطاً في الحرس الوطني ولم يكن نفسه ثرياً مما يجعل أهميته لحملة الفساد محلاً للتساؤل.
ولكنه كان كبير مساعدي الامير تركي بن عبدالله، أمير منطقة الرياض السابق وربما كان المحققون يضغطون عليه من أجل الحصول على معلومات عن رئيسه الأمير تـركي. وينظر لأبناء الملك عبدالله كمنافسين لولي العهد ووالده الملك سلمان. فقد نقل الجنرال القحطاني في تشرين الثاني (نوفمبر) إلى مستشفى خاص قرب الفندق اأخذ صور أشعة وعلاجه حيث ظهرت على جسده آثار التعذيب، وذلك حسب طبيب اطلع على حالته. ونقل بعدها إلى الفندق للتحقيق معه مرة أخرى وأعلن لاحقاً عن وفاته في مستشفى عسكري.
ولم تقدم المملكة أي توضيحات رسمية حول ظروف وفاة اللواء القحطاني. ويخشى أفراد عائلته ومن عائلة الملك عبدالله الحديث عن ظروف وفاته علناً خشية الانتقام وذلك بناء على أشخاص تحدثوا معهم.
وعندما اشتكى نجل آخر للملك عبدالله هو الأمير مشعل لبعض أصدقائه بشأن الطريقة التي عومل بها الجنرال القحطاني اعتقل حالاً وأودع فندق الريتز. وكشف تقرير الصحيفة عن استعانة الحكومة السعودية بشركات دولية لدفع المعتقلين الى التنازل عن حصص من أملاكهم. وهذا واضح في محاولة الأمير السيطرة على شبكة «أم بي سي» التي عبر عن اهتمام بشرائها في عام 2015 وذلك بناء على ثلاثة مقربين من إدارة الشركة. ومع أنها لا تحقق أرباحاً بشكل متواصل إلا أنها تملك عدداً من القنوات التلفزيونية وتبث برامج مثل «فويس» و «أراب غوت تالنت» إلى ملايين بيوت العرب ولهذا لديها القوة لكي تحرف مسار الرأي العام. وتعرقلت المفاوضات لإتمام الصفقة عندما جاء في تشرين الأول/أكتوبر فريق من شركة المحاسبة الدولية «بي دبليو سي» للتدقيق في حساباتها. وتم اعتقال مدير الشركة وليد الإبراهيم ومعظم أعضاء مجلس إدارتها في 4 تشرين الثاني/نوفمبر وبعد أربعة أيام وصل محاسبو «بي دبليو سي» إلى مقر الشركة في دبي لإنهاء تقريرهم عن حساباتها وذلك بناء على شخصين مهنيين يعرفان باللقاء. أما الشركة الأجنبية الثانية، وهي البريطانية كيلفورد تشانس بتحضير الأوراق القانونية لنقل ملكية الشركة حسب ثلاث أشخاص مهنيين يعرفون بالصفقة. ولم تثر أي من الشركتين قلقا من أن البائعين يحتجزهم المشتري. ورفض متحدث باسم شركة كيلفورد التعليق إلا أن محامياً فيها له حاول إبعاد الشركة عنها وقال إن محاميها تم توكيلهم بعد عملية الإعتقال ولم يعرفوا عنها إلا من الإعلام.
ورفضت شركة «بي دبليو سي» التعليق إلا أن مديرا فيها تحدث للصحيفة شرط عدم الكشف عن هويته أكد أن شركته لم تساعد السعوديين في ملاحقة أرصدة أي من المعتقلين بتهم الفساد. ومع أنه لا توجد أي معايير وشروط تحدد عمل شركات المحاسبة والإستشارة الأجنبية في القضايا الدولية إلا أن شركات غربية مثل دبي دبليو سي تخرف معايير القواعد المعروفة وإجراءات الشفافية وليس محاولة الدولة حيازة اموال. وبالنسبة لشركة كيلفورد تشانس، فهي محكومة بأخلاقيات العمل القانوني البريطاني الذي يطالب محاميها الإلتزام «بحكم القانون والعدل في الممارسة العامة». ويقول ستيفن غيللرز، الخبير في الأخلاقيات القانونية بجامعة نيويورك إن المحامين لن يتعرضوا للمحاسبة طالما التزموا بالقوانين المحلية التي تم تحديدها في هذه الحالة من خلال العائلة المالكة. وقال في رسالة إلكترونية: «يتبنى المحامون موقفاً طالما التزم بقانون الدولة التي يمثلون فيها أشخاصاً حتى لو كان هذا الموقف غير أخلاقي أو قانوني في بلدهم» و»يمكن للمحامين رفض المساعدة في أمر يرونه غير أخلاقي حتى ولو كان قانونياً». وأفرج عن مالك القناة الإبراهيم الذي يعد لدبي رغم وعوده المتكررة للمسؤولين هناك. ويقول شخصان لهم معرفة بالأمر أن شركة كيلفورد تشانس ومحاميها الذين يمثلون محمد بن سلمان يقومون بإنهاء عقد يترك للإبراهيم نسبة 40% من أسهم الشركة بشكل يعبد الطريق أمام عزله كمدير لها. مع أن سياسة القناة تغيرت قبل نقل الإدارة، فقد ألغت هذا الشهر ستة مسلسلات درامية تركية شهيرة وهو ما كلفها 25 مليون دولار حسب أشخاص من المهنة يعرفون بالأمر. ويرى هؤلاء أن الأمر جاء من مسؤولين بارزين مقربين من الأمير بن سلمان. وله علاقة بالمواقف التركية من الأزمة القطرية.
… والحصيلة 106 مليارات دولار… و«الضغط عليك لتبيع أرصدتك ثم تسافر»
في كانون الثاني (يناير) قال النائب العام إن حصيلة التسويات وصلت إلى 106 مليارات دولار، فيما قال مسؤولون إنهم يتوقعون أن تؤدي العملية إلى 13 مليار دولار نقداً بنهاية عام 2018. وبالتفريق بين الرقمين فإن ما تم الحصول عليه نقداً قليل لأن أيا من المعتقلين لا يحتفظ بأموال في البنوك السعودية لأنهم أخفوها في الخارج ولا تستطيع الحكومة الحصول عليها بدون إجراءات قانونية حقيقية. ولا يوجد ما يشير إلى أن الحكومة قد سيطرت على أي من الاستثمارات الأجنبية للمعتقلين ولا استطاعت الحصول على أرصدتهم الخارجية.
وكل ما حصلت عليه من أرصدة حسب مستشارين ماليين ومقربين من المعتقليين هي اموال محلية على شكل عقارات وأسهم في شركات تريد الحكومة تحويلها لسيولة مع مرور الوقت وهي عملية تحتاج إلى سنين.
ومع أن الحكومة تذرعت بقانون الخصوصية إلا أن مقابلات مع أقارب ومقربين من المعتقلين تعطي صورة عما حصلت عليه:
فقد سيطرت الحكومة على إدارة مجموعة بن لادن للإنشاءات، وهي شركة عملاقة أنشأها محمد بن لادن، والد زعيم القاعدة أسامة. وظلت المتعهد الخاص للعائلة المالكة. ولا يزال مديرها بكر بن لادن معتقلاً وخسر أفرادها معظم ثرواتهم الخاصة.
وتمت مصادرة قطع أرض كبيرة من محمد الطبيشي، رئيس المراسم الملكية السابق، ومن فواز الحكير وخالد التويجري، مدير البلاط الملكي السابق وعادل الفقيه، الوزير السابق وعمر الدباغ، المدير السابق لمؤسسة حكومية تشرف على الاستثمار الخارجي.
التحارب العائلي
واحد من أهداف الحملة كانت ثروة أبناء الملك عبدالله حيث ينظر لهم كتهديد للعرش السعودي.
فمنذ وصوله إلى الحكم في عام 2015 قام الملك سلمان وابنه بالتحرك لتهميشهم. فقد عزل الأمير تركي بن عبدالله من منصبه كأمير لمنطقة الرياض عام 2015 وعزل الأمير متعب من الحرس الوطني العام الماضي وقد اعتقل الرجلان مع عدد من أشقائهم في فندق الريتز.
وخلف الملك عبدالله مليارات الدولارات قي «مؤسسة عبدالله» من أجل تمويل مشاريع مختلفة باسمه ولكي تكون بمثابة صندوق لأبنائه حسب ثلاثة مقربين من العائلة. وبعد وفاته أعطت المؤسسة 340 مليون دولار لكل واحد من أولاده و200 مليون دولار لبناته وعددهم جميعاً 30.
ويحاول بن سلمان تحصيل الأموال التي يقول إنها أخذت من المؤسسة دون حق، وذلك حسب أشخاص مطلعين على التفاوض مع أبناء الملك عبدالله الذين يرون أنها من ورثة والدهم. ويدير المؤسسة الأمير تركي الذي مات مساعده اللواء القحطاني في السجن.
ولا يزال تركي معتقلاً ومنع معظم إخوانه من السفر خارج المملكة، وهناك آخرون يعيشون في الخارج، في لندن وغيرها ويخشون العودة إلى البلد الذي حكمه مرة والدهم. وحسب مقربين من أبناء الملك السابق فلا يسمح لأبنائه إلا سحب 26.000 جنيه استرليني في الأسبوع لدفع مصاريفهم اليومية. وقالت الحكومة في كانون الثاني (يناير) إن هناك 56 شخصًا لا يزالون في المعتقل وسيقدمون للمحاكمة.
ومن افرج عنهم ليسوا في الحقيقة أحراراً وابتعدوا عن الأضواء ولا يعرفون ماذا ستفعل بأرصدتهم، ولا يسمح لهم بالسفر أو الدخول لحساباتهم وبعضهم مربوط بأسورة ألكترونية وآخرون بحرس. وقال أحد أقارب معتقل: «يريدون الضغط عليك وأبنائك حتى تبيع أرصدتك وبعدها سيسمحون لك بالسفر».
و «هو الشيء نفسه في داخل وخارج الريتز». ولكن عليهم العيش في السعودية ويقول مقرب من أحد المعتقلين: «لا أحد يريد الحديث عما جرى في الريتز» و«في النهاية عليهم العيش في السعودية».
«مونيتور»: ما الذي يقلق بن سلمان؟ ومحلل بـ«CIA»: هذا سر تسليم مصر جزيرتين له
في وقت يستعد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للسفر إلى الولايات المتحدة بعد جولة قصد فيها القاهرة ولندن، تناول المحلل السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية «CIA» بروس ريدل في موقع «مونيتور» أبعاد زيارات الامير وأكد أنّه يتوقّع أن تدعم إدارة الرئيس دونالد ترامب، ولي العهد السعودي بشكل قوي وخاصة ما يتعلّق بسياسته تجاه إيران وقطر واليمن.
وبيّن أنّ علاقة السعودية بإدارة ترامب أفضل من مما كانت عليه في عهد أي رئيس أمريكي منذ جورج بوش الأب و»حرب تحرير الكويت»، وذكر المحلل بأنّ واشنطن أشادت بترقية بن سلمان ودعمت رؤية 2030 التي وضعها من أجل «تحديث» السعودية.
وفي الوجهة نفسها، تابع المحلل ريدل بأنّ الولايات المتحدة دعمت حملة مكافحة الفساد التي أطلقها بن سلمان في تشرين الثاني الفائت، على الرغم من أنّ منظمات دولية انتقدتها. وتحدّث المحلل المعروف عن المعارضة الأمريكية لحرب اليمن، موضحاً أنّ الديمقراطيين في مجلس الشيوخ يعربون الآن عن موقفهم الصريح منها بعدما ترددوا كثيراً في انتقاد الموقف الأمريكي إزاء التدخل السعودي في تلك الحرب في عهد باراك أوباما.
وفي إشارة إلى زيارة بن سلمان إلى القاهرة، قال إنّ المصريين دعموا استراتيجيته الإقليمية كاملة ووضعوا اللمسات النهائية على عملية تسليم الرياض جزيرتي تيران وصنافير، واكد أنّ مصر دفعت باتخاذها هذه الخطوة ثمن حصولها على الدعم المادي السعودي. وفي ما يخص الحرب في اليمن، كشف ريدل أنّ المصريين رفضوا إرسال جنود للقتال إلى جانب السعودية، على الرغم من تأييدهم لها، وذلك نظراً إلى أنّهم يدركون مدى صعوبة هزيمة القبائل اليمينة الزيدية.
وبخصوص زيارة ولي العهد السعودي الاخيرة إلى لندن، لفت الى الإعلان عن اتفاق مبدئي بين البلدين يقضي بشراء الرياض 48 طائرة مقاتلة من طراز «تايفون»، وشدد على أنّ هذه الصفقة إذا تمت ستكون الأضخم منذ تولي بن سلمان وزارة الدفاع.
ويختم ريدل بالتأكيد على أنّ السعوديين يعملون على تقييم مستقبل فريق ترامب بشكل متروٍ، وحذر الكاتب من انعكاس خسارة غاريد كوشنير مستشار ترامب، (الذي يُقال إنّ علاقته قوية مع سلمان وكذلك وطيدة)، حق الاطلاع على المعلومات السرية للغاية ومن المخاطر القانونية المحيطة بمستقبله.
إبراهيم درويش