«هتنورنا شوية»… دليلك للتعامل مع الكمائن

حجم الخط
0

إلى جانب حواجز وأسوار وسط القاهرة، بدا الكمين المنصوب في غاردن سيتي، القريبة من ميدان التحرير، مريباً
لم تشهد المنطقة منذ وقت بعيد تفجيرات أو اشتباكات أو مظاهرات، تستدعي نَصْب كمين جديد، لكن شيء واحد، كما ذكر الضابط المسؤول، فرض ذلك الموقف: «وصلتنا أوامر من مديرية الأمن بوقوف كمين من عشرة عساكر هنا، مسألناش عن السبب».
بدا الكمين بغرض تطويق منطقة وسط القاهرة لضبط الأمن. يتابع السيارات المتدفّقة إلى ميدان التحرير، يراقب العابرين، يشير بالمرور إلى السيارات الملاكي، يفتّش التاكسي، ويصافح وجوه ركّاب الميكروباص لينتقي واحدًا منهم: «هات بطاقتك، وتعالى».
على أي أساس يقع الاختيار؟
يجيب الضابط: «لا شيء، أشكّ فيه. لديّ حس أمني يكشف المشتبه بهم والمسجَّلين خطرًا».
ويقول، من وجهة نظره، إنه يشتبه في أشكالهم: «غالبًا، لا ألتفت للنساء، والشباب المطلوبين يكون متردِّدًا ومريبًا، والخوف في عينيه، فحتى لو لم يكن في جيبه شيء ممنوع، سواء مخدرات أو سلاح، ألاحظ قلقه، فأجبره على النزول، وأفتّشه، وأراجع سجله الجنائي».
هناك حالات أخرى لا بد من الكشف عنها: «إذا كان الشخص من محافظة أخرى، أو منطقة بعيدة، وتواجده هنا بلا سبب، أو بطاقته بلا وظيفة، أو مسلم في شارع به كنيسة كبرى، أو ملتحٍ، أو يركب موتوسيكل. وهناك بعض أسماء الأشخاص أو العائلات التي تشير إلى أصول إسلامية.. لا تمرّ بسهولة».
في المناطق الحيوية، ميادين التحرير والجيزة، المعروفة بكثافتها الأمنية، خاصة القريبة من وزارات وهيئات حكوميّة، لا أحد يقترب وهو يحمل «ممنوعات»: «أحيانًا، تمر أيامًا وليالٍ، ولا نضبط شخصًا واحدًا مخالفًا، فالناس تعرف مكان الكمين الثابت وتتلاشى المرور به».
«يمكن أن تمرّ من الشوارع الجانبية منعًا للوقوع تحت رحمة الكمين»، هذه وصفة ضابط شرطة للنجاة إذا كنت تحمل شيئًا تخاف من ضبطه، ويضيف: «في عزّ أيام الاشتباكات، ضبطت ثلاثة مريبين، كشفت عن بطاقاتهم الشخصية، لم أجد أحدهم مسجّلا فأطلقت سراحهم. الغرض ليس إلقاءهم في السجن، إنما (اضرب المربوط يخاف السايب)».
يمثِّل الكمين إنه ينزل الشارع بهدف محدد، بينما الحقيقة إنه لا يعرف لماذا ينزل الشارع؟.. هل تم الإبلاغ عن مطلوب أمنيًا في تلك المنطقة؟.. ولا يجرؤ أي عسكري على طرح سؤال: لماذا؟، أو الرفض: «نتلقَّى اتصالا بنزول الكمين في منطقة معيّنة فننزل، أحيانًا يتساءل أمناء الشرطة والعساكر فيما بينهم، خاصة في الليالي الباردة: لماذا نحن؟ هناك آلاف الأمناء والضباط». غالبًا، لا أحد يعرف لماذا هؤلاء تحديدًا؟، والبعض يعتقد إن الأمر وراءه سبب قوي، ومؤامرة، ومواءمات، وتربيطات ووساطات، لكن التفسير الأقرب للصحة، إنه لا سبب.. فـ»اختيار أفراد الكمين عشوائي»، وفق قوله.
يحتفظ مسؤولو الأمن لأنفسهم بأسرار العمل، فالكمين، وفقًا لأدبيات عدّة، غرضه فرض القوة الجبرية، أي تعريف الآخرين بأننا يمكن أن نقبض عليكم، ونكبت حريتكم، ونفشخكم في الطرقات، لكننا سنفعل ذلك إذا خرَّبتم أو أفسدتم في الأرض؛ فحق القهر مسموح للجهات الحكومية وحدها وينظّم خط سيره القانون للتنسيق بين وجهيْ المشهد، الأمن وضحاياه.
في منطقة الدقي بالجيزة، تقدَّم أحمد.م، 31 عاما، بسيارته «الفيات» – على الطراز القديم – إلى أحد الشوارع القريبة من مديرية الأمن، فأوقفه كمين وطلب منه البطاقة الشخصيّة والرُخَص، حاول أن يناقشه، قال له: ليه؟، فطلب منه الضابط فتح شنطة السيارة، والنزول: «نزلت، وقلت له إني أمرّ من هنا يوميًّا، ولا يتم توقيفي، فأصرّ على إشهار البطاقة والرخص، وحين أبرزتها، قال لي: هتنوّرنا شوية».
بعد ساعتين، حاول أحمد خلالهما أن يفهم سبب «هتنوّرنا شوية»، التي دفعته إلى الجلوس في الشارع بعد منتصف الليل كل هذا الوقت، لكنه لم يفهم، اعتقد إنه ارتكب جرمًا كارثيًا دون أن يدري.
لم يملِ فرد الأمن رقم البطاقة أو بيانات الرخصة أو اسمه إلى أحد، اكتفى بالجلوس إلى جواره ولعب «كاندي كراش» على الموبايل، وفي الوقت المناسب، الثالثة صباحًا، كشف له السبب: «ماتردّش عليّ لو دخلت الكمين هنا تاني، أنت صعبان عليّ وشكلك ابن ناس وهامشيك، لولا كده كنت هاقعَّدك للصبح».
بدا الصبح، بالنسبة إلى أحمد، الصبح بعيدًا جدًا، فركب سيارته، واستلم الرخصة والبطاقة، وانطلق. لم يناقش، أو ينفعل، فهذه قوانين «القوة القهرية».
كمين آخر في مدينة نصر، كان يقف هنا للمرة الأولى بلا داع، أمر ماركو.خ، مدير شركة، يمر يوميًا، أن ينتظر قليلًا، ويفتح السيارة لظروف طارئة، رفض، انفعل عليه ضابط حديث السن، وحاول أن يفتح السيارة بالقوة.
غضب مصطفى، الذي يرى نفسه أقوى منه لأسباب غامضة، من الطريقة، فطلب منه أن يذهبا لأقرب قسم: «هاعمل فيك محضر سُكر وتعاطي مخدرات خلال الوقوف في الكمين. أنت أكيد سكران أو ضارب حاجة».
في اللحظة المناسبة، تدخّل مسؤول الكمين، وطلب من الرجل، الذي بدا واثقًا من علاقاته، ألَّا يفعل شيئًا: «اعتذر مني، وهدَّأ غضبي، ودعاني إلى فنجان قهوة». رفض مصطفى الفنجان، ورحل، وفي عينيه نظرة شماتة، وانتصار على «حضرة الضابط الصغير» الذي لا يعرف أن السلطة لها وجه آخر.

«هتنورنا شوية»… دليلك للتعامل مع الكمائن

مهدي مبارك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية