لندن ـ «القدس العربي»: تحوَّل آلاف المسافرين العالقين في مطار أتاتورك الدولي في مدينة اسطنبول إلى مراسلين صحافيين فجأة بعد أن فجر ثلاثة انتحاريين أنفسهم في المطار، موقعين عشرات القتلى والجرحى، في الوقت الذي غرقت فيه شبكات التواصل الاجتماعي بالأخبار الواردة من هناك، وأصبحت المصدر الأول للمعلومات.
وتفوقت صفحات على «فيسبوك» وحسابات على «تويتر» ومجموعات على «واتساب» في نقل المعلومات عن ما يجري في مطار اسطنبول من كارثة، وذلك مقارنة مع قنوات تلفزيونية كبرى وصحف ومواقع انترنت اضطرت جميعها لأخذ المعلومات من الضحايا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك الصور والفيديوهات وأسماء القتلى والجرحى الذين قضوا في الهجوم.
وكان مطار أتاتورك الدولي الذي يقع في الجانب الأوروبي من مدينة اسطنبول قد تعرض لهجوم كبير مساء الثلاثاء الماضي نفذه ثلاثة انتحاريين، واحد منهم على الأقل كان مسلحاً وفتح النار على المسافرين ورجال الشرطة والحرس والموظفين فقتل عدداً منهم قبل أن يقوم بتفجير نفسه فيحصد عدداً أكبر من الأرواح.
تداول الصور والفيديوهات
وفور وقوع الحادث بدأ المسافرون يلتقطون الصور والفيديوهات بأنفسهم من المكان ويبثونها عبر الانترنت، وخاصة عبر صفحاتهم على «فيسبوك» وحساباتهم على «تويتر» فيما بدأ النشطاء بتداول أسماء الضحايا من القتلى والجرحى قبل أن يصدر بها بيان رسمي عن الحكومة التركية، ليتبين سريعاً أن ما تم تداوله كان صحيحاً، وأن المسافرين الضحايا الذين علقوا في المطار والمستشفيات كانوا أسرع في نقل المعلومات وأكثر دقة من السلطات ذاتها.
وبحسب ما رصدت «القدس العربي» فان أغلب وسائل الإعلام الكبرى، بما فيها شبكة «سي أن أن» الأمريكية، وشبكات التلفزيون العربية، ومجموعة «تي آر تي» التركية، جميعهم لجأوا إلى بث مقاطع فيديو تم تسجيلها بالهواتف المحمولة وتم تداولها على الانترنت وعبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وقال صحافي عربي يقيم في اسطنبول لــ«القدس العربي» إن شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت كانت المصدر الرئيسي بالفعل للمعلومات بسبب طبــيـــعــة المكان، مشيراً إلى أنه «مكان مزدحم بالناس، ولا يوجد فيه أي شخص إلا ويحمل هاتفاً ذكياً، وهو ما يعني أن كل شخص كان في المكان كان بمقدوره أن يصبح مراسلاً تلفزيونياً أو صحافياً أو كلاهما».
ويلفت الصحافي الذي تحدث لــ«القدس العربي» إلى أن وصول أول صحافي إلى مطار أتاتورك في بلد مزدحم مثل اسطنبول، وفي ليلة صيفية دافئة، يحتاج إلى ساعة أو ساعتين على الأقل، وهو ما يجعل من المستحيل لأي قناة تلفزيونية أن تحصل على السبق في البث ونشر تفاصيل الأحداث ما لم تعتمد على شهادات الشهود الذين يدلون بها عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وسوم لتداول الأخبار
وأطلق عدد من الأجانب والأتراك والمسافرين العالقين في المطار ممن نجوا من الموت أو الجرح عدداً من الوسوم على «تويتر» تداولوا خلالها الأخبار المتعلقة بالهجمات كان أبرزها (#Istanbul) و(#PrayForTurkey)، إضافة إلى عدد من الوسوم باللغة التركية وغرد تحتها الكثيرون باللغات الأخرى تضامناً مع الشعب التركي في مصابه.
ونقل النشطاء العشرات من الصور والفيديوهات التي تظهر مكان الحادث وحالة الرعب والهلع التي دبت في المكان، فيما أطلقت شبكة «فيسبوك» خدمة «التحقق من السلامة» بعد الهجوم من أجل إتاحة الفرصة للأتراك ولغيرهم من الناس المتواجدين في المكان أو بالقرب منه أن يُطمئنوا أصدقائهم وأحبابهم على أنفسهم.
تضامن واسع عربي واسع
وأبدى الكثير من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي تضامنهم مع الشعب التركي في مصابه، فيما أطلق نشطاء عرب عدداً من الوسوم في أعقاب الحادث تؤكد وقوفهم إلى جانب تركيا ونبذهم الإرهاب الذي أودى بحياة عدد كبير من المدنيين الأبرياء.
وشهد الشارع الفلسطيني حالة من الغضب بعد أن تبين أن من بين الضحايا ثلاث عائلات فلسطينية، تضم عدداً من الأطفال، فيما تداول النشطاء على شبكات التواصل صوراً للأطفال الفلسطينيين الذين كانوا في رحلات مع عائلاتهم قادمين من السعودية لقضاء إجازات العيد في تركيا، ليتلقفهم الإرهاب الأعمى بالرصاص والعبوات الناسفة.
وأطلق نشطاء عرب وسم (#تركيا_ليست_وحدها) في محاولة للتعبير عن التضامن مع تركيا، وهو الوسم الذي سرعان ما حصد آلاف التغريدات على «تويتر» واستقطب أعداداً ضخمة من المتضامنين.
وكتب الشاعر الكويتي أحمد الكندري على «تويتر»: «نحن معكم قلبا وقالبا، ولن ننسى استضافتكم لإخواننا السوريين والعراقيين وكل المضطهدين، ولن ننسى وقوفكم مع المستضعفين #تركيا_ليست_وحدها».
أما الناشط الفلسطيني الدكتور عزام التميمي فكتب: «أحر التعازي لذوي ضحايا تفجير مطار إسطنبول في تركيا والشفاء العاجل للمصابين. أما من قاموا بالتفجير ومن يقف من ورائهم فينتقم الله منهم».
وغرد الكاتب والإعلامي الفلسطيني غسان الأخرس بقوله: «العدوان على مطار يرتاده الأبرياء من شتى أقطار الأرض يعني أننا جميعًا مستهدفون من هذا الإرهاب الأعمى وخالص التعازي لتركيا»، مضيفاً في تغريدة ثانية: «الهدف من استهداف أكبر مطارات تركيا اقتصادي بالأساس وسياسي يفضح حقيقة المنفذين الذين هم مجرد أدوات عمياء محشوة بخطاب متطرف».
وكتب عضو هيئة علماء المسلمين الدكتور علي القرة داغي تغريدة قال فيها: «تركيا مستهدفة من جهات داخلية وخارجية، لوقوفها مع الحق، وهذا الاستهداف هو إرهابي وإجرامي وجبان، أياً كان من يرتكبه، ويقف وراءه، أو يدعم مرتكبيه».
وكتب السياسي الكويتي الدكتور حاتم المطيري يقول: «تركيا ليست وحدها، فهي تستعيد هويتها التي تم استلابها قسرا منذ هزيمتها بينما تحاول الأنظمة العربية الوظيفية اليوم الانسلاخ اختيارا من هويتها»، وأضاف: «#تركيا_ليست_وحدها فقد رأت الأمة كيف أدت هزيمتها في الحرب العالمية الأولى لسقوط عواصمها ومقدساتها تحت الاحتلال الغربي الصليبي وما تزال!».
ودعا الناشط فيصل المرزوقي العرب إلى أن يقصدوا تركيا للسياحة بدلاً من أي مكان آخر، دعما لها ونكاية في قوى الإرهاب التي تريد ضربها، حيث كتب يقول: «من يستطيع تغيير وجهة سياحته إلى تركيا فليفعل دعماً لهذا البلد الكريم بأهله وتاريخه»، ونشر إلى جانب التغريدة صوراً للطبيعة الخلابة والجميلة في تركيا.
وكتب الناشط السعودي عبد الله القصادي: «#تركيا_ليست_وحدها.. معها كل الشعوب المستضعفة، والأمم المضطهدة، التي يراد لتركيا أن تدفع ثمن وقفتها معها ونصرتها لقضاياها».
أما عالم الدين السعودي نبيل العوضي فكتب تغريدة قال فيها: «اللهم من أراد بتركيا وبلاد المسلمين سوءاً فأشغله في نفسه واجعل تدبيره تدميره وردَّ كيده في نحره وشتت شمله ومزّق جمعه».
يشار إلى أن تركيا اتهمت تنظيم الدولة الإسلامية بالوقوف وراء الهجمات الانتحارية التي ضربت مطارها، فيما شبه كثيرون هذا الهجوم بذلك الذي استهدف مطار بروكسل قبل شهور وأدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى. ويُشار إلى أن مطار أتاتورك الدولي هو الثالث من حيث حجم الحركة والنشاط على مستوى القارة الأوروبية، حيث يقصده الملايين سنوياً، من راغبين بزيارة اسطنبول أو مارين بمطارها من أجل السفر إلى وجهة أخرى.