هجوم «مانشستر» سيترك أثره على الانتخابات العامة… تقدم للمحافظين ومخاوف على العمال… والجالية الليبية في المدينة البريطانية مذهولة وتتساءل عن دوافع سلمان العبيدي

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: بعد الهجوم الذي أودى بحياة 22 شخصاً في «مانشستر أرينا» ليلة الإثنين تواجه السلطات الأمنية عدداً من الأسئلة حول كيفية منع هجمات إرهابية وسط إعلان حكومة تيريزا ماي رفع مستوى التهديد الأمني للدرجة القصوى.
وأطلقت الحكومة عملية «الخلاط» ونشر قوات عسكرية في الشوارع. وبدأ المسؤولون الأمنيون بالبحث في تحركات المنفذ سلمان العبيدي، 22 عاماً وفيما إن كان قد تلقى تدريبات في ليبيا.
ونقلت صحيفة «التايمز» عن أحد زملائه قوله: «لقد ذهب إلى ليبيا قبل 3 أسابيع وعاد قبل أيام». وكان العبيدي معروفاً لدى السلطات الأمنية المطالبة الآن بتقديم أدلة حول الخطوات التي اتخذتها لمراقبته بعد عودته إلى مانشستر.
ثم قرار وضعه حقيبة محشوة بالمواد المتفجرة والقطع الحديدية في بهو «مانشستر أرينا» أثناء خروج الذين شاركوا في حفلة موسيقية أحيتها المغنية أريانا غراندي. وأشارت ماي لإمكانية وجود شبكة تقف وراء المنفذ وأنه ليس الشخص الوحيد الذي خطط للعملية ونفذها.

من صنع القنبلة؟

وتقول السلطات الأمنية أن المهمة الأولى هي الكشف عمن قام بتصنيع القنبلة، فمن المشكوك فيه أن يقوم العبيدي بالتخطيط للعملية بنفسه.
وكان أفراد قوات الأمن قد داهموا منزل العبيدي في فالوفيلد، جنوبي المدينة ودخلوه مستخدمين تفجيرات تم التحكم فيها واعتقلوا شقيقه إسماعيل، 23 عاماً.
وكان سلمان معروفاً بعلاقته مع رفائيل هوستي، 24 عاماً، الذي أصبح من الأشخاص المعروفين في مانشستر بتجنيد الشبان للقتال في صفوف تنظيم «الدولة» في سوريا.
ولم يكن سلمان من بين 350 عادوا من سوريا وتراقبهم السلطات الأمنية. وقال جيران العبيدي إنه أظهر ملامح من التدين وأطلق لحيته وبدأ بارتداء الزي الديني وشوهد وهو يطلق أدعية بصوت عال في الشارع ورفع الأعلام والرايات من شرفة منزلهم.

جالية خائفة

ويثير الربط بين مانشستر وليبيا دهشة السلطات الأمنية خاصة أن تنظيم «الدولة» هزم في الفترة الأخيرة وأجبر على الخروج من معقله في مدينة سرت. وحتى هجوم مانشستر الأخير لم يعرف عن سفر البريطانيين إلى ليبيا مثلما سافر عدد منهم إلى العراق وسوريا حيث تقدر السلطات الأمنية عدد من ذهبوا إلى هناك بحوالي 850 شخصاً. والصورة التي ظهرت عن سلمان هي أنه لم يكن ليثير الاهتمام حيث نشأ في بيت يعود للمجلس البلدي عاشت فيه عائلته التي هربت من حكم معمر القذافي. وكان من مشجعي نادي مانشستر يونايتد ولم يكمل دراسته في مجال الأعمال في جامعة سالفورد.
وتحاول السلطات الأمنية البحث في علاقته مع شبكة الجهاديين، رغم أن تدينه يعتبر شيئاً جديدًا. ونقل عن صديق له قوله إن الكثير من الليبيين أظهروا ميولاً راديكالية بعد ثورة عام 2011. وعاد والده رمضان ووالدته سامية إلى ليبيا. وبقي سلمان وإسماعيل يعيشان وحدهما.
وتقول صحيفة «الغارديان» إن العبيدي لم يكن شخصية مركزية في شبكات الجهاديين وكان مثل خالد مسعود، 52 عاماً الذي دهس بسيارته عدداً من السياح على جسر ويسمنستر وطعن حارساً للبرلمان في آذار/مارس الماضي. وتضيف أن الليبيين في جنوب مانشستر وقبل أن تحدد الشرطة هوية المنفذ تساءلوا إن كان واحداً منهم. وربما كان واحداً من الذين شاركوا في ثورة عام 2011 ومن الذين عادوا بجراح نفسية منها ويحمل غضباً.
ورغم كل هذا فلم يكونوا يتوقعون هذا السيناريو وتحول هذا الشاب إلى قاتل جماعي. وحسب أحد الليبيين في مانشستر «سلمان؟ أنا مندهش» و»كان شاباً هادئاً ويحترمني وكذلك أخوه إسماعيل، لكن سلمان كان هادئاً».
وكان الشقيقان يترددان على مسجد ديزبري حيث كان والدهما المعروف بأبو إسماعيل يؤذن فيه. وقال أحدهم إن «أبو اسماعيل سيكون منذهلاً فقد كان دائماً يحارب الجهاديين، وكان ينظر لتنظيم الدولة على أنه حركة إجرامية وليس جهاداً».
ويقول صديق العائلة «يتنقل أبو إسماعيل بين هنا وهناك» و»لا أصدق أنه قد جند في طرابلس خاصة أن كل المتشددين أخرجوا منها وكل شيء محتمل». و»ما كان يفعله هو قتل الناس وربما أثر عليه البعض وكان فاقداً لعقله».
ولدى أخرون رؤية أخرى، فمحمد سعيد، أحد المسؤولين البارزين في المركز الإسلامي الثقافي في ديزبري يقول إن سلمان أخذ ينظر إليه بحقد بعدما ألقى خطبة انتقد فيها الجماعة الجهادية، أنصار الشريعة في ليبيا. وفي عام 2015 ألقى سعيد خطبة انتقد فيها الإرهاب وأكد على حرمة الحياة. وكان معه أكثر من ألفي مصل باستثناء قلة وقعت على عريضة انتقدته فيها.
وقال سعيد «كشف لي سلمان عن وجه حاقد بعد تلك الخطبة» و «كان يظهر الحقد ضدي». وبدأ يخاف لدرجة أن صديقاً له أرسل ابناءه الكبار للجلوس إلى جانبه. وجاء محمد سعيد من ليبيا عام 1980 وقال إنه كان يخشى أن يوصف من أبناء مجتمعه بـ «الخائن» و «كان علي أن أتحدث لحماية مجتمعنا والأبرياء».
وأضاف أن مسجد ديزبري من المساجد المعتدلة والذي رحب بالمصلين من كل أنحاء العالم الإسلامي وأوروبا. ولديه اهتمام بالمسلمين الجدد ويفتح أبوابه مرة كل أسبوع لغير المسلمين. ويعاني مجتمع الجالية الليبية من مشاكل أخرى، ففي العام الماضي سجن عبد الرؤوف عبدالله (24 عاما) لمدة تسع سنوات بعدما أدين بتمويل الإرهاب.
وساعد عبدالله عدداً من الأشخاص على السفر إلى سوريا، ولم يكن نفسه قادراً على السفر بعد مشاركته في الثورة الليبية. ويقول صديق للعائلة إن العبيدي وعبدالله كانا يعرفان بعضهما البعض «كل الرجال الليبيين بمانشستر يعرفون بعضهم البعض».
وستكون العلاقات هذه محلاً للفحص والتدقيق من جهاز الأمن الداخلي (إم آي فايف) الذي سيحاول التحقيق في دوافع المنفذ وكيف استطاع الإفلات من رقابة الأمن ونجح في تنفيذ عمليته.

أسئلة

وترى مجلة «إيكونومست» أن عملية مانشستر تطرح أسئلة كثيرة وأنها ليست هجوماً قام به فرد أو ذئب متوحد، ولا بد من شبكة ساعدت المنفذ العبيدي لنقل قنبلته البدائية إلى بهو قاعة الاحتفالات. صحيح أن المواقع التي يزورها الجهاديون مليئة بالإرشادات حول كيفية تصنيع هذه القنابل ووضعها في حزام أو سترة انتحارية إلا أن العبيدي اعتمد في العملية على شبكة خططت ورسمت الهجوم. ولاحظت أن اختيار قاعة للاحتفالات الموسيقية يتناسق مع هجمات أخرى مثل ضرب مسرح باتكلان في باريس، تشرين الثاني/نوفمبر 2015 .
فقد صار معروفاً استهداف تنظيم «الدولة» و»القاعدة» الأماكن التي تزدحم بالناس في حفلات غنائية أو رياضية والتي يرى فيها التنظيمان تعبيراً عن انحطاط الأخلاق الحضارة الغربية.
وتعلق المجلة أن حضور عدد كبير من الأحداث الصغار المناسبة الموسيقية في قاعة «مانشستر أرينا» أضافت بعداً شجع المهاجم.
ولكن ما يعزي البريطانيين هو غياب المسلحين بالبنادق الأوتوماتيكية كما هو حال الهجوم على باريس. والسبب راجع لقانون منع حمل السلاح وحيازته المتشدد في بريطانيا وإشارة إلى أن المؤامرة الإرهابية ليست معقدة. وتضيف أن القاتل كان معروفاً للسلطات الأمنية، إلا أن جهاز «إم آي فايف» لديه قائمة بأسماء 3.000 من المتشددين الذين يشتبه في علاقتهم بالإرهاب.
والمشكلة هي أن أجهزة الاستخبارات ليس لديها المصادر الكافية لمراقبتهم على مدار الساعة. وليس لديها من وسائل إلا ما يكفي لمراقبة حوالي 40 شخصاً، فالشخص الواحد منهم يحتاج إلى 18 عنصراً.
وتقول المجلة إنه عادة ما يختفي بعض الأشخاص الذين يعتبرون خطيرين عن أنظار المؤسسة الأمنية البريطانية ذات المصادر الغنية. والسبب مرتبط بحجم التهديد الذي تواجهه المؤسسة الأمنية. ويقول النائب دومنيك غريف رئيس اللجنة الأمنية في البرلمان إن أجهزة الأمن أحبطت 12 مؤامرة إرهابية خلال 18 شهراً حتى آذار/مارس.
ولا تستبعد المجلة حصول المنفذ على دعم أو تلقى تدريباً في الخارج. لكنها تتساءل عن توقيت الهجوم الذي جاء متزامناً مع الذكرى الرابعة لمقتل الجندي لي ريغبي في 22 أيار/مايو 2013 على يد متشددين.
وتشير إلى ما اذا كان الهجوم يخدم مصالح جماعة سياسية ويؤثر على الإنتخابات البرلمانية المقررة في الشهرالمقبل رغم عدم وجود حزب يميني سينتفع منها. وهذا لا يعني عدم تأثير الهجوم على الانتخابات فبعد 6 أعوام كوزيرة ناجحة للداخلية يمكن لرئيسة الوزراء تيريزا ماي أن تقدم نفسها على أنها «رئيسة وزراء الأمن». وبهذا تقضي على حظوظ زعيم حزب العمال جيرمي كوربن الذي اتهم بالتعاطف مع الجيش الآيرلندي الحر. ووصف حزب الله وحماس اللذين يعتبرهما الإتحاد الاوروبي جماعات إرهابية بالأصدقاء. وتعلق المجلة أن استطلاعات الرأي أظهرت تقارباً في الدعم بين حزب المحافظين والعمال بعد نشر مانفستو المحافظين والجدل الذي ثار حوله. وبعد الهجوم الإرهابي سيتوقف التراجع. أي فوز المحافظين المحتوم.

أماكن عامة

لكن لماذا يهاجم الجهاديون الأماكن العامة بدلاً من الطيارات والسفارات؟ تقول صحيفة «الغارديان» إن بريطانيا أصبحت هدفاً ثميناً للجماعات الإرهابية لأن الجهاديين يجدون صعوبة في السفر إلى سوريا وتلقوا تعليمات من جماعاتهم المختلفة تنفيذ هجمات حيث يعيشون. وأضافت عودة المقاتلين بعداً جديدًا للصورة بحيث تشعر الوكالات الأمنية بالضغط من كل الأطراف.
وحسب مصدر في الحكومة البريطانية «هناك ضغط على استراتيجية مكافحة التطرف بسبب تلاقي العناصر المحبطة التي تريد السفر إلى سوريا لو كان باستطاعتها منع العائدين». ويضيف «تدعو الدولة الإسلامية والقاعدة أفرادها المسافرين البقاء في بلادهم وتنفيذ الهجمات على الغرب. ويبدو الخطر أكبر الآن، وهو متغير».
وفي الوقت الذي تلقت فيه المؤسسات الأمنية إعلان تنظيم «الدولة» مسؤوليته عن الهجوم بحذر لعدم وجود دليل إلا أن بعض المصادر الأمنية أشارت إلى التهديدات التي أطلقها حمزة بن لادن، نجل زعيم القاعدة أسامة بن لادن بداية الشهر الحالي وحث فيها الناشطين على الانتقام لأطفال سوريا وأرامل فلسطين ونساء العراق الشريفات وأيتام أفغانستان. وتم دعم هذه الرسائل بتعليمات على مواقع الجهاديين والتطبيقات المشفرة مثل «تيلغرام» والتي وصفها مصدر بأنها مثل «غرف الحرب» والتي يقومون عبرها بالتخطيط للهجمات ونشر المواد من خلال وسائل التواصـل.
ويقول رفائيلو بانتوشي، الباحث في شؤون الإرهاب في المعهد الملكي للدراسات المتحدة في لندن «لا يزال تنظيم القاعدة تهديداً فيما يواصل تنظيم «الدولة» دعوته للهجمات. وهذا يعكس أشكال الاعتقالات في بريطانيا. ويكشف عن مؤامرات إرهابية من قبل بدلاً من التمويل والدعاية». ونتيجة لهذا فقد حدث تحول في طبيعة الأهداف التي تستهدف من الجهاديين. وأصبحت على حد تعبير أحد المسؤولين أهداف «طريقة الحياة».
ويشير جيسون بيرك، مراسل شؤون أفريقيا أن أول هدف في الجهادية العالمية كان ضد السفارات الأمريكية في عام 1998 وبارجة أمريكية قرب عدن عام 2000 وكانت هجمات أيلول/سبتمبر 2001 ضد هدف يمثل القوة الإمبريالية الاقتصادية وهو مركز التجارة العالمي ومركز القوة العسكرية، البنتاغون.
وقتل الكثيرون في مدريد ولندن عام 2004 و2005 في قطارات الأنفاق وعدد آخر في ناد ليلي في بالي في أندونيسيا عام 2002 ومحاولة افتعال حريق في مطار غلاسجو عام 2007. وفي الفترة الأخيرة استهدف الجهاديون المحلات العامة في فرنسا: متحف اللوفر في باريس وساحة احتفالات في نيس والهجوم على مسرح الباتكلان في باريس وسوق عيد الميلاد في برلين.
وعن سبب التحول هذا يقول بيرك إنه مرتبط بعدم قدرة الجهاديين على استهداف القواعد العسكرية والمطارات ومكاتب الحكومة والتي تم تعزيز الحراسات عليها. فالإرهابيون يخططون لما يستطيعون استهدافه. وهناك سبب ثان يتعلق بضعف «القاعدة» وتنظيم «الدولة» الذي تتراجع سيطرته على مناطقه في كل من العراق وسوريا.
وفي النهاية يبقى السؤال حاضراً، هل كان يمكن منع الهجوم؟ تجيب صحيفة «فايننشال تايمز» في افتتاحيتها إن هجوم مانشستر حصل في وقت حساس في المملكة المتحدة وسط حملة انتخابات عامة حيث تحتل قضية الأمن مكانة مهمة.
مضيفة أن كل هجوم يمنحنا دروساً إضافية حول ما يمكن فعله لحماية المواطنين ولكن قوات الأمن البريطانية تقوم بمهمتها على أكمل وجه. فهم يواجهون المهمة شبه المستحيلة في المتابعة اليومية لآلاف الأشخاص الذين لديهم خطط مختلفة وتحركهم محفزات مختلفة بإمكانيات محدودة. مشيرة إلى أن هجوم مانشستر هو الأسوأ منذ 12 عاماً، وتعترف أنه من المستحيل اعتراض كل تهديد «وعلى المواطنين أن يتقبلوا بأننا نعيش في عالم غير آمن». وترى أن الرد الوحيد على الإرهاب هو التصميم الجماعي «فلا يمكن أن ننسى هذه الهجمات، ولكن علينا أن لا نسمح لها بأن تغير من أسلوب حياتنا. وتعتمد المجتمعات الديمقراطية على الحوار العام المفتوح. ويدرك البريطانيون أنه في العالم الحديث هناك مقايضات بين الحرية والأمن بين الحق بالخصوصية والحاجة لحماية الشعب. ويجب على السياسيين ألا يخافوا من وضع الشعب أمام هذه الخيارات الصعبة». وترى أن كل هجوم يذكر بأهمية التعاون الأمني وأنه مفتاح مكافحة الإرهاب. فمن قام بها العمل كان يهدف لزرع الفرقة وتقويض قيم الديمقراطية البريطانية. «وكان رد الفعل في مانشستر حيث تفاعل الجميع من خدمات الطوارئ إلى سائقي التاكسي لخدمة الضحايا والعائلات المصابة لهو الرد الأبلغ على عناصر الإرهاب. وكانت مانشستر قد واجهت الإرهاب سابقًا وانتصرت وستفعل ذلك ثانيةً».

هجوم «مانشستر» سيترك أثره على الانتخابات العامة… تقدم للمحافظين ومخاوف على العمال… والجالية الليبية في المدينة البريطانية مذهولة وتتساءل عن دوافع سلمان العبيدي

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية