لندن ـ «القدس العربي»: في حوار إذاعي أجري يوم الخميس الماضي مع دونالد ترامب الذي يقاتل للحصول على ترشيح الجمهوريين لانتخابات الرئاسة الأمريكية العام المقبل، بدا الملياردير ورجل الأعمال ومقدم البرامج التلفزيونية المعروف متعثرا عندما انحرف الحديث عن الشرق الأوسط.
وبدا التعلثم واضحا على ترامب عندما سئل عن الجنرال الإيراني قاسم سليماني، الضابط القوي، الذي كان حتى وقت قريب يحكم العراق، وأكثر شخصية عسكرية مؤثرة في الشرق الأوسط ويقود فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وقال ترامب «الأكراد.. لقد عوملوا بطريقة رهيبة» وهو ما قاد إلى جدال بينه وبين المذيع هيو هيويت والذي رد «لا ليس الأكراد ـ قوات القدس، الحرس الثوري الإيراني، قوات القدس» قال هيويت «الأشرار». ورد ترامب «أوو، لقد ظننت أنك تسأل عن الأكراد، الأكراد»، وقال هيويت «لا، القدس».
نجم في سماء طهران
وتعلق صحيفة «لوس أنجليس تايمز» على النقاش وقلة معرفة ترامب «أكراد أو القدس، ماذا يجب أن يعرف ترامب عن قاسم سليماني؟ فالشخصية التي كانت تعمل في الظل ظهرت في الأوساط الإيرانية خاصة المحافظة كشخصية مهمة واحتلت موقع النجم في وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية.
وينظر إليه المحافظون على أنه القائد الأكثر إخلاصا في إيران وطالبوه بالترشح في انتخابات الرئاسة عام 2017.
وظهرت صورته بلحيته البيضاء وهو في ساحة المعركة وعلى الملصقات وفي التجمعات السياسية وفي أغاني فيديو كليب.
وأصبح مشهورا بشكل كبير وانتشرت له صورة على الإنترنت وهو يصافح رجل الفضاء الأمريكي نيل أرمسترونغ على سطح القمر.
وتعتبر قوات أو فيلق القدس الذي يقوده قوات نخبة متخصصة في العمليات الخارجية، وسميت على اسم مدينة القدس التي تعهدت بتحريرها. وتحت قيادة سليماني قام فيلق القدس بتسليح حلفاء إيران في العراق وسوريا.
واعتبرت الولايات المتحدة سليماني مرتين إرهابيا واتهمته بتوجيه عمليات ضد القوات الأمريكية في العراق.
ووجد الجنرال نفسه بداية هذا العام يقاتل في صف الأمريكيين عدوا مشتركا، فقد انتشرت له صورة على الإنترنت وهو يشرب الشاي خارج مدينة تكريت التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة في الحملة التي قادها الحشد الشعبي الذي يشرف عليه سليماني وحظيت بمباركة أمريكية.
وتشير «لوس أنجليس تايمز» أن التعاون بين أمريكا وإيران ليس الأول فقد تعاونتا في مرحلة ما بعد 9/11 في الحملة للإطاحة بحكومة طالبان بأفغانستان وقدمت طهران معلومات استخباراتية.
وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» تحدث السفير الأمريكي السابق ببغداد ريان كروكر عن تأثير سليماني على المحادثات من أجل وقف العنف أثناء الحرب الطائفية في العراق. وفي لقاءاته مع السفير الإيراني في بغداد يقول كروكر إن سليماني كان يسيطر على السفير الذي استشار طهران في كل نقطة طرحت في النقاش. وكان يتصل بسليماني كما اكتشف كروكر لاحقا.
نهاية أمريكا
وظهر سليماني حسب موقع «المونيتور» الأسبوع الماضي أمام مجلس الخبراء الأسبوع الماضي وقدم له تقريرا سنويا عن نشاط مؤسسته وفيه أعلن عن نهاية أمريكا واتهمها بأنها تريد بقاء «تنظيم الدولة الإسلامية» حتى تظل المنطقة تابعة للنفوذ الأمريكي.
وفي سوريا لعب سليماني كحلقة وصل في عملية الدعم المهم الذي قدمته طهران للرئيس السوري بشار الأسد.
وبالعودة لمقابلة ترامب فقد علق هيويت قائلا «الكثير من الناس يعتبرونه أخطر رجل في العالم» ورد ترامب «هل الرجل الذي يغدو ويروح إلى روسيا ويقابل بوتين؟»، «هذا هو الرجل» رد هيويت مما دفع ترامب للتعليق «ليس جيدا».
وعلى العموم لم يتعرف ترامب على بقية اللاعبين في المنطقة وعذره أنه لم يكن في موضع لمقابلتهم.
لكن اختيار المذيع اسم سليماني لفحص ذكاء مرشح للرئاسة يشير أولا لأهمية الجنرال الإيراني وثانيا لقلق الأوساط المحافظة داخل الولايات المتحدة من تأثيرات الاتفاقية النووية، خاصة أنها ستؤدي لرفع الحظر عن مسؤولين إيرانيين ومنهم سليماني.
أسطورة تتداعى
ورغم أهمية الدور الذي لعبه سليماني في العراق وسوريا إلا أن «أسطورته» ومنذ بداية العام الحالي تتداعى، فخسائر النظام السوري في إدلب وتدمر وأريحا وسقوط الرمادي طرحت أسئلة حول قدرة «الرجل الأقوى في الشرق الأوسط» أو «سوبرماني» كما يطلق عليه في إيران.
فالمفاجآت التي وعد بها عقب زيارته للعاصمة السورية دمشق بداية حزيران/يونيو لم تتحقق. وكتب في حينه جاكوب سيغل في موقع «ديلي بيست» عن هزائم سليماني التي تفوقت على انتصاراته. وعلق على تصريحاته التي وعد فيها بمفاجآت ووصول 7.000 مقاتل إيراني وعراقي إلى دمشق بهدف الدفاع عنها واستعادة جسر الشغور بأنها دعاية تستثمر سمعة الجنرال الذي ينظر إليه كرجل يحل المشاكل ويتفوق دائما.
فالرجل قاد الحملة ضد «تنظيم الدولة» من مركز عمليات في المنطقة الخضراء وأشرف على إنشاء قوات الدفاع الشعبي السورية واستورد المقاتلين الشيعة من العراق ولبنان وأفغانستان.
ورغم نجاحات سليماني الأولى في العراق في جرف الصخر وإيمرلي إلا أن الهزائم الأخيرة كشفت عن محدودية استراتيجية مكافحة التمرد التي رسمها.
وقرأ محللون في تصريحات سليماني المتحدية وكذا زعيم حزب الله حسن نصر الله وبل وتصريحات حسن روحاني الرئيس الإيراني، ومفادها أن طهران لن تتخلى عن الأسد، رسالة تظهر ضعف النظام السوري وأنه يعاني من أزمة.
فكما قال توني بدران من مركز الدفاع عن الديمقراطيات «فما تقوم فيه هو الإعلان عن أن الأسد يواجه نقصا في القوة البشرية».
وكما لاحظ ماجد رافي زاده المحلل السياسي الأمريكي – الإيراني فهناك خشية من أن تؤدي الخسائر لتقدم المعارضة باتجاه اللاذقية المهمة للمصالح الإيرانية.
ومن هنا تفهم استراتيجية إيران الحالية في ضوء صعود قوة المعارضة و»تنظيم الدولة» و»جبهة النصرة» والقائمة على توفير الدعم للنظام كي يحافظ على ما تبقى لديه من مناطق وتحصين غرب سوريا والعاصمة لا استعادة ما خسره في السنوات الماضية.
تعرية الصورة
ولا تكشف الخسائرعن محدودية قدرات سليماني بل وتعري «الأسطورة» التي نسجت حول الرجل الذي لا يقهر. ففي الصورة «بروفايل» التي رسمها له ديكستر فليكنز بمجلة «نيويوركر» (2013) قدم رجلا «استراتيجيا يتمتع بالذكاء والدهاء».
ونقل عن الضابط السابق في «سي آي إيه» جون ماغوي قوله إن سليماني أكثر شخصية مؤثرة في الشرق الأوسط ومع ذلك لم «يسمع به أحد».
كل هذا لأن سليماني ظل رجل الظل والمهام الصعبة لإيران في العراق خاصة. لكن سقوط الموصل بيد «تنظيم الدولة الإسلامية» في حزيران/يونيو 2014 أخرج الجنرال للعلن ليصبح رمزا عن تأثير إيران في المنطقة ورجل الحرب الذي يقودها ويشرف عليها.
ومع ذلك كان خروجه من الظل رحمة ولعنة في الوقت نفسه لأنه ربط الآن بخسائر إيران ونكساتها أكثر من تقدمها.
وبدأت تراجعات سليماني في تكريت التي خطط لاستعادتها وحشد لها أكثر من 30.000 مقاتل وتحولت الخطة لكارثة لم ينقذه منها سوى الطيران الأمريكي، لكنه ورجال الحشد الشعبي ادعو النصر لأنفسهم.
ولم تكن أمريكا حاضرة في سوريا كي تساعد الجنرال على إدعاء نصر من نوع ما. ومن هنا فتراجع حظوظ رجل الظل أو ما أسمته مجلة «إيكونوميست» في تقرير لها «الأسد في الشتاء» يثير التكهنات والتساؤلات.
وقالت إن صورة أهم ناشط أمني إيراني تغيرت، فمن «رجل العام» في واحد من الاستفتاءات التي نظمت إلى اختفاء شبه كامل إلى رجل لم تعد المؤسسة تتسامح معه.
وتقول المجلة إن المؤسسة الحاكمة في إيران والتي كانت راغبة بتصوير تأثيرها في المنطقة تغاضت على ما يبدو على تضخيم صورته في صحفها الرسمية «وكل هذا تغير مرة أخرى، فقد اختفى الجنرال سليماني في الأشهر الماضية عن الأنظار، ولم يظهر إلا هذا الأسبوع لتقديم تقريره السنوي عن الشؤون الإقليمية لمجلس الخبراء القوي».
و «لم تعد صور «سيلفي» التي التقطت معه إلى جانب الميليشيات الشيعية مفيدة، بقدر ما طرحت تساؤلات كثيرة حول استراتيجيته».
ونقلت المجلة عن محلل في طهران قوله «لقد ضغط بشدة على السنة العراقيين مما أدى لشكوى كبيرة منه».
ومن أهم نقاده كان المرجعية الشيعية في العراق آية الله علي السيستاني. ففي 13 آذار/مارس أصدر أية الله توبيخا للجنرال بعد سلسلة من التعليقات المتباهية حول دور لإيران وتأثيرها الواسع في كل من العراق وسوريا ولبنان والبحرين.
وبحسب مصدر موثوق في طهران وصلت رسالة شكوى خاصة من السيستاني إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية أية الله علي خامنئي. ورغم التسامح مع تعليقات سليماني هذه إلا أن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت تعليقاته حول وصول «الهلال الشيعي» لبلد خامس وهو الأردن.
تخبط في اليمن
ويقول مصدر نقلت عنه المجلة «أصبح تحت رعاية هيئة ولم يعد يتصرف وكأنه وزير الخارجية الفعلي».
وتضيف المجلة إلى الحملة السعودية التي بدأت هذا الصيف كانت عاملا في تهميش سليماني.
وتقود السعودية حلفا للإطاحة بالمتمردين الحوثيين الذين تدعمهم إيران وإعادة حكومة عبد ربه منصور هادي، الرئيس المنفي في الرياض إلى العاصمة صنعاء .
ويقول المصدر إن «فيلق القدس قدم تقديرات غير صحيحة عن الوضع في اليمن». وأضاف «لقد أكد قادته للمرشد أن السعوديين لن يهاجموا (اليمن) وهذا ما دعا السيد رضائي للعودة إلى الزي العسكري» أي محسن رضائي القائد السابق للحرس الثوري الإيراني والذي جرب السياسة، ولكنه فشل في الفوز بعد تقاعده من الحرس عام1997.
وترى الأوساط السياسية في طهران برضائي شخصية موثوقة، لكنه يفتقد الكاريزما. ويبدو أن عودته إلى الحرس الثوري تهدف لمراقبة الجنرال سليماني.
ويعلق المصدر إن «فيلق القدس لا قسم علاقات عامة فيه وهو صامت بطبيعته، ولهذا فنشر صور (سليماني) كانت تجاوز للخطوط الحمر، ولهذا السبب تدخل النظام لوقف نشرها». وتعلق الصحيفة إن عودة الجنرال سليماني إلى الظل من جديد أدت لبروز نجم رجل جديد وبشخصية مختلفة وتقصد هنا محمد جواد ظريف وزير الخارجية والذي عاد نشيطا من الاتفاق النووي الذي أشرف على توقيعه مع الدول الكبرى، وهو ما يؤشر إلى أن إيران التي دعمت وكلاءها في المنطقة بالسلاح باتت تفضل العمل الدبلوماسي على العسكري في كل من سوريا والعراق.
وعليه فقد عاد ظريف للعب الدور البارز في السياسة الخارجية الإيرانية وهو تحول عن السنوات الماضية التي كان ينظر فيها لسليماني الرجل المؤثر واللاعب المهم في سياسة بلاده الخارجية. وفي الأسابيع القليلة الماضية طاف ظريف في دول المنطقة: العراق وقطر وعمان والكويت ولبنان وتونس وسافر إلى روسيا. ويقول العارفون بالأمور إن ظريف مكلف بالبحث عن نهاية للعبة السورية تحدد من دور إيران العسكري في سوريا بدلا من زيادته.
وتعترف إيران بأنها تقدم مستشارين عسكريين لدعم الأسد مع أن عددا من الجنرالات الإيرانيين الكبار قتلوا في سوريا، إضافة لعدد من الجنود. فكلفة الحرب المالية والبشرية تزداد كما تقول المجلة.
احتجاجات في جنوب العراق
ويواجه التأثير الإيراني تحديات في العراق أيضا فالتظاهرات التي شهدها الجنوب العراقي وبغداد في الآونة الاخيرة احتجاجا على الفساد تمثل مشكلة لإيران.
ويشير مقال في موقع «هافنجتون بوست» كتبه ريان غريم وأكبر شهيد أحمد إلى أن التظاهرات في الجنوب تأتي في وقت يحاول فيه كل من السيستاني ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تأكيد سيادة العراق بعد أن حولها نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق إلى ولاية إيرانية.
ولم يعد العراق بحدوده الطبيعية موجودا فالشمال يسيطر عليه الأكراد ويتحكم في الوسط والغرب تنظيم الدولة، أما الجنوب والوسط بما فيه العاصمة بغداد فستيطر عليه الحكومة الشيعية.
ويتوقع الكاتبان مواجهة مع إيران في الوقت الذي تحضر فيه إيران التعاون مع المجتمع الدولي فيما يتعلق بملفها النووي.
ويقول مراقبون للشأن العراقي إن الحركة الاحتجاجية هي تعبير عن رغبة العراقيين التخلص من التأثير الإيراني في بلادهم. ويضيفان أن السيستاني قد يلعب دورا في هذا السياق. فعلاقته هشة مع إيران بعد أن حمل حليف طهران المالكي مسؤولية صعود «تنظيم الدولة».
وينقل عن مصدر أمريكي عمل مع الحكومة العراقية لفترة طويلة قوله إن إحباط السيستاني من إيران كان وراء دعوته العام الماضي العراقيين الشيعة للتطوع ومواجهة «تنظيم الدولة» «واحد من الأسباب التي دفعت السيستاني دعوة الميليشيات هي إبعاد الإيرانيين» مع أن معظمها مدعوم من إيران واعترف قادتها بالتعاون مع سليماني.
ولكن المصدر يقول إن السيستاني يحاول «دفع الإيرانيين خارج المؤسسات الحكومية». وفتحت الاحتجاجات الشعبية فرصة للمرجعية لتحدي التأثير الإيراني «فمن الواضح أن النجف مصممة على الحفاظ على استقلالها عن إيران» حسب مسؤول عراقي. وفي الشهر الماضي دعا السيستاني العبادي للاستجابة لمطالب المتظاهرين.
ويضيف المسؤول العراقي إن الحكومة تستمع وبعناية لكل كلمة تقولها النجف في يوم الجمعة. والجميع يراقب عن كثب».
وقام العبادي بعدد من الخطوات من مثل إلغاء منصب نائب الرئيس، وهو ما أدى لخسارة المالكي منصبه وسط دعوات لمحاكمته. وقد يواجه العبادي معارضة من الميليشيات المحسوبة على إيران مثل «منظمة بدر» و»كتائب حزب الله».
qal
إبراهيم درويش
اذا كنت عراقيا واردت ان تنعم من خيرات الفساد والافساد التي تعمّه عليك ان تدخل خيمة الوصاية الايرانية على العراق