هكذا استولت إسرائيل على الكتب والمكتبات الفلسطينية

حجم الخط
0

الناصرة ـ «القدس العربي»: يكشف كتاب إسرائيلي ترجم للعربية عن إستراتيجيات نهب المكتبات والكتب الفلسطينية في النكبة وآليات إخفائه وكبته بل وتمويهه وتقديمه كعمل جليل منحاز للمعرفة.
كما تفكك هذه الاستراتيجيات المعتمدة من قبل السلطات الإسرائيلية ومكتبة الجامعة العبرية عبر الكشف عن مصائر الثروة الثقافية المنهوبة، وتعرية ما تخفيه ذرائع النهب من استعلاء استشراقي فجّ يتجاهل الضحية ويقلل من جدارتها بما تمتلكه.
وهذا مع إلقاء الضوء على الصراعات الداخليّة والخارجيّة التي رافقت عمليات النهب هذه، وهي صراعات تشهد بقوّة على تداخل البحث الأكاديميّ بالسياسة والحرب والقوّة.
وصدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار»، كتاب بعنوان: «بطاقة ملكيّة: تاريخ من النهب والصون والاستيلاء في المكتبة الوطنية الإسرائيلية»، من تأليف ألباحث الإسرائيلي غيش عميت. يتركز الكتاب في جزء منه على كشف ملابسات نهب عشرات آلاف الكتب من المكتبات الفلسطينيّة في القدس بعد احتلالها في العام 1948، مشفوعاً بوثائق وشهادات واعترافات صريحة.
ويكشف الكتاب، الذي ترجمه عن العبرية علاء حليحل، الكثير من المعلومات والحيثيّات التي رافقت «عمليّات» نهب كبيرة أخرى ضلعت فيها المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة، من أجل زيادة مخزونها من الكتب وترقية مكانتها العلميّة والبحثيّة، تمثلت بجلب أكبر كميّة ممكنة من الكنوز الثقافيّة اليهوديّة التي خلّفها يهود أوروبا المقتولين في المحرقة النازيّة؛ والاستيلاء بطرق ملتوية وجنائيّة على الكنوز الثقافيّة والدينيّة التي جلبها معهم يهود اليمن في هجرتهم إلى إسرائيل الفتيّة.
وبحسب بيان « مدار « يثير الكتاب قضايا شائكة في تاريخ المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة وتاريخ أكاديميّيها وباحثيها المؤسّسين، حتى قبل قيام إسرائيل، وهو يفعل ذلك بمهنيّة عاليّة ودراسة بحثيّة معمّقة، ما يجعل قراءة هذا الكتاب أمراً ضرورياً لكلّ دارس ومهتمّ بتاريخ الصراع السياسيّ والثقافيّ بين إسرائيل والفلسطينيّين.
وجاء في مقدمة عميت لكتابه: «يستعرض الكتاب تاريخ المؤسسة المتأرجح بين النظام ونقيضه، بين ممارسة الرغبة لبناء وعيّ قوميّ متماثل وبين إحباطها، وتكشف الكتب المجتمعة في المكتبة الوطنية في القدس عن علاقة الصهيونية مع الاستشراق الأوروبيّ واستخدامها للخيال الكولونياليّ بغية إدراك ذاتها وتأسيس هُويتها، إلا أنّ هذه الكتب تُذكّرنا ثانية بعملية المحو والنسيان التي فرضتها الصهيونية على مُريديها ورعاياها. وتحثّ هذه الكتب صمت الصهيونية على الكلام وتكشف عن أسسها المتصارعة، ولذلك فهي تنتمي أيضًا إلى فضاءات الاستئناف والرفض والتفتيت: منتمون وغرباء، أصحاب البيت ومعدموه، جزء من الثقافة المهيمنة ومن القوة والمعرفة الخاصة بدولة القومية وفي الوقت نفسه موقع من المقاومة والتاريخ البديل.
ويؤكد عميت أنّ العلاقات التبادليّة المركّبة بين مصطلحات النهب والمصادرة والتجميع والإنقاذ تتموقع أيضاً في لُبّ هذا الكتاب، فعلى مرّ سنوات طويلة صاغ الخطاب الإسرائيليّ الرسميّ جمع كتب الفلسطينيين إبان حرب 1948، عبر مصطلحي الرأفة والإنقاذ.
ويشير إلى أن مصطلح «بيت الكتب القوميّ» الوارد في الموسوعة اليهوديّة، والذي كتبه شلومو شونمي العامل في المكتبة الوطنية الإسرائيلية والذي ترأس حملة التجميع، يوفّر مثالاً ساطعاً على ذلك، «إبان حرب الاستقلال، دبّر بيت الكتب عملية واسعة لإنقاذ الكتب من التلف، في الأحياء العربية المهجورة. ونتيجة لذلك، جُمعت عشرات آلاف الكتب، وهي محفوظة كوديعة إلى حين التيقّن من مصيرها». وبالمقابل، رأى الفلسطينيون في هذا الحدث سلباً ثقافيًّا وحاولت بعض الأوساط القضائية داخل أراضي 48 استعادة مكتبة السكاكيني من مكتبة الجامعة العبرية ولكن دون جدوى.
وكذا الأمر بالنسبة لجمع مخطوطات يهود اليمن، الذي تغذى على الوعي الصهيونيّ الذي نظر إلى اليمنيّين كيهود قدماء يحملون الثقافة القديمة ويحافظون عليها، وباعتبارهم وضيعين من الناحية الثقافية والدينية والقومية.
ويرى الكاتب أن جمع كتب ضحايا المحرقة في القدس لا يخلو من مميّزات جدليّة: فغرشوم شالوم وشموئيل هوغو برغمَن وزملاؤهم في الجامعة العبرية رأوا في هذا عملية إنقاذا لثقافة ترزح تحت خطر الإفناء، وجزءًا لا يتجزّأ من النضال على حقّ اليهود للاعتراف الجمعيّ بهم كأصحاب الممتلكات الثقافية التي نهبها النازيون في ظلّ غياب الدولة القومية. فيما اشتبه قياديون يهود في أوروبا أنّ الصهاينة ينوون الاستيلاء على الملكيّات الإنسانية من بين مخلّفات المجتمعات اليهودية من دون توفير الدعم اللازم لإعادة ترميمها؛ وهناك حتى من شكّكوا في الادّعاء القائل: إنّ الحركة الصهيونيّة هي الممثل الطبيعيّ والحصريّ للشعب اليهوديّ.»

وديع عواودة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية