هل أساءت السعودية استخدام الإسلام؟

في خروج واضح على التقاليد الدبلوماسية البريطانية التي تتجنب وتُحرّم انتقاد الحلفاء علانية، اتهم بوريس جونسون وزير خارجية المملكة المتحدة، خلال مؤتمر في روما، المملكة العربية السعودية بالمشاركة في حروب بالوكالة، وإساءة استخدام الدين من أجل أهداف سياسية.
وتأتي تصريحاته بشكل متناقض تماما مع مشاركة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، في القمة الأخيرة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي في المنامة الاسبوع الماضي، التي اعتبرها المتحدث باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إدوين سمؤال بأنها حدث تاريخي. من جهتها أكدت رئيسة الوزراء في القمة المذكورة على أن أمن الخليج من أمن بريطانيا، وأعلنت عن قيام شراكة استراتيجية بين الطرفين تردع أي عدوان خارجي والرد عليه. كما أن البيان المشترك الذي حمل توقيعها وقادة دول مجلس التعاون، شدد على التزام الطرفين الراسخ بحماية مصالحهما الأمنية المشتركة في منطقة الخليج. وقد حاولت الحكومة البريطانية النأي بنفسها عن تصريح وزير الخارجية، حيث أكدت رئيسة الوزراء بأن تصريحات وزير الخارجية هي وجهة نظره ولا تعبر عن موقف الحكومة البريطانية من دور السعودية في المنطقة. كما قالت متحدثة باسم رئيسة الوزراء، إن وزير الخارجية سيكون في المنطقة الأسبوع المقبل، وسيزور السعودية، وستكون لديه فرصة لتأكيد الطريقة التي تنظر بها المملكة المتحدة لعلاقاتها مع السعودية.
جدير بالذكر أن بوريس جونسون كان قد صرح عبر شاشة «بي بي سي» قبل بضعة أيام من تصريحه الذي هاجم فيه السعودية، بتمسك بريطانيا بدعم المملكة العربية، وقال إن الرياض لم تتجاوز الخط الأحمر في اليمن، وأن غاراتها لا تشكل خطرا واضحا يهدد بانتهاك حقوق الإنسان. وها هو قد أكد مرة أخرى يوم الجمعة الماضية في المنامة قائلا، من أن يد إيران ظاهرة بوضوح في اليمن، وأنا أتفهم بالتأكيد المخاوف السعودية حول الأمن، وحول الأهمية المطلقة لحماية المملكة نفسها من القصف الحوثي. السؤال المهم هنا هل حقا أن وزير الخارجية البريطاني وقع في تناقض كبير بين تصريحاته الداعمة والمنتقدة في الوقت نفسه للسعودية؟ أي أنها زلة لسان، وربما رأي شخصي كما عبرت عنه رئيسة الوزراء؟ أم أنها هي النظرة الحقيقية لدور المملكة وما تقوم بها من سياسات في المنطقة؟
يقينا أن منصب رئيس الوزراء منصب سيادي كبير، رغم ذلك فإن الهفوة في التصريحات يمكن تبريرها، لكن التصريحات الواضحة والمفصلة لا يمكن أن تعزى إلى زلة لسان أو رأي شخصي، على الرغم من أن شخصية وزير الخارجية الحالي تعطي انطباعا مسبقا بأنه قد تصدر منه مواقف كهذه. لكن ما عبر عنه في تصريحاته المنتقدة للمملكة السعودية ليس من قبيل المتناقضات إطلاقا، بل هو الرأي السائد داخل أروقة السياسة البريطانية منذ زمن بعيد وليس وليد اللحظة الراهنة، وأن المملكة العربية السعودية تعرف ذلك تماما، والشاهد عليه تاريخ العلاقات بين البلدين. فلم تكن العلاقات بينهما على وتيرة واحدة، بل شهد الخط البياني لها انكسارات واضحة وأزمات كبيرة في الأعوام 2004 و 2006، وعام 2015 المنصرم، حين ألغت الحكومة البريطانية عقدا لتدريب الشرطة السعودية. بريطانيا كانت دائما تحكم علاقتها مع السعودية بمعادلة ما يسمى قيمها الديمقراطية ومصالحها الاقتصادية، فتثير حينا ما يتعارض مع قيمها من دور وممارسات تقوم بها المملكة السعودية، وتنحني أحيانا أمام المصالح الاقتصادية معها. وفي كل ذلك كانت الرياض دائما في حالة اطمئنان من أن التقاليد البريطانية لن تسمح لأي من كبار الساسة البريطانيين بانتقادها علنا، كما فعل بوريس جونسون، على الرغم من أن الصحافة البريطانية كانت دائما ما تتصدى للمملكة. غير أن وزير الخارجية البريطاني الحالي، ومنذ أن برز كصوت قيادي شعبوي، كان له الباع الأكبر في التجييش لاخراج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، بات يرى نفسه بأن له دورا آخر خارج الإطار الرسمي الحكومي، وهو دور الناطق الرسمي باسم التيار الشعبوي. هذا التيار الذي بات يهاجم الإسلام والعرب بمناسبة وغير مناسبة، ليس في بريطانيا وحدها، بل في كل أوروبا تقريبا. ويجب التذكير هنا بأن بين الغرب وبين السعودية قضايا خلافية كبرى، كان يثيرها الإعلام منذ زمن ليس بقصير، خاصة في الموضوع المتعلق بما يسمى حقوق الإنسان، لكن القضية الكبرى هذه الايام باتت هي ما يطلقون عليه دور الايديولوجية الدينية السعودية وعلاقتها بالتطرف الديني، حتى أن جريدة «لوموند» الفرنسية بعد اعتداءات باريس دعت إلى أن يقطع الغرب علاقاته بالمملكة السعودية، لانها أهم مصدر من مصادر انتشار التطرف الاسلامي، على حد زعم الصحيفة. كما تساءلت أصوات نخبوية وغير نخبوية كثيرة عن جدوى التحالف الاستراتيجي مع الرياض، حتى في عقر الديار الامريكية التي تعتبر الحليف الاستراتيجي للمملكة، حيث لا يمكن أن تغيب عن البال تصريحات بايدن نائب الرئيس الامريكي، وحتى الرئيس الامريكي أوباما نفسه.
إن استراتيجية حزب المحافظين هي استعادة النفوذ البريطاني في الشرق الاوسط، وهم يعتبرون بريطانيا مؤهلة أكثر من غيرها لهذا الدور نظرا لعوامل كثيرة، منها أن الشرق الاوسط، خصوصا دول الخليج كانت تحت الحماية البريطانية، ومازالت العوائل الحاكمة فيه ترتبط بعلاقات متينة مع العائلة المالكة في بريطانيا. كما أن بريطانيا تريد أن تظهر كلاعب مستقل وبلد يقدم نفسه على أنه يعرف كيف يتحدث مع الانظمة الإشكالية، إضافة إلى أن حزب المحافظين يرى أن العلاقات مع السعودية خصوصا مفيدة وحيوية للاجهزة الاستخباراتية البريطانية، التي أعلنوا عن بعض نتائجها بأن المعلومات التي قدمتها الأجهزة الأمنية السعودية أنقذت الامن البريطاني من حالات خرق كبيرة. وهنا أيضا يبرز التعاون العسكري البحري، حيث تتولى البحرية البريطانية قيادة العمليات الامنية في الخليج حتى مطلع عام 2017، وتتواجد أكبر سفن الاسطول البريطاني في مياه الخليج ما يعد التزاما بالامن الخليجي بشكل عام. أما في المجال الاقتصادي فإن الدافع الاكبر لبريطانيا باتجاه الخليج والسعودية بشكل خاص، هو حرصها على قيام شراكات اقتصادية جديدة بعد الخروج من الاتحاد الاوروبي، حيث أن الخليج هو ثالث سوق تجاري لها في العالم. وقد كانت رئيسة الوزراء واضحة جدا حين قالت، إنها تريد أن تفتح فصلا جديدا لمرحلة ما بعد البريكسيت عبر علاقاتها مع دول الخليج. كما أن الخليج مصدر مهم للطاقة بالنسبة لها بعد مؤشرات نضوب الطاقة من بحر الشمال. هذا التشابك في العلاقات الاقتصادية والامنية والعسكرية بين بريطانيا والخليج عامة والسعودية على وجه الخصوص، لم يمنع رئيسة الوزراء البريطانية من التصريح قبل حضورها مؤتمر القمة الخليجي، بأن الكثير سوف يسأل عن مبررات عقد الاتفاقيات الاقتصادية والتعاون في كافة المجالات مع دول ذات تاريخ في انتهاك حقوق الإنسان والتحريض على التطرف الديني، لكنها تجيب على كل ذلك بما تعتقد من أن العامل الاقتصادي وزيادة التعاون في كل المجالات، يوفر قاعدة صلبة من الارتباط ومساحة كبيرة من الشفافية التي يمكن من خلالها مكاشفة الطرف الآخر بما يقوم به من انتهاكات وسياسة مضرة. إنها ازدواجية الغرب الذي يُثير حين يريد أن يحلب خيرات الشعوب ويبتز الحكام، ويصمت حين تتطلب مصالحه. السؤال الجوهري هنا هو لماذا لا توجه الحملات الإعلامية والتصريحات الحكومية بالكثافة وتسليط الأضواء نفسها على إيران، بالشدة نفسها المسلطة على السعودية أو دول خليجية أخرى؟ ربما نأتي على ذلك في مقال مقبل.

٭ باحث سياسي عراقي

هل أساءت السعودية استخدام الإسلام؟

د. مثنى عبدالله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    صفقة اليمامة هو إسم سلسلة من صفقات شراء ضخمة بشكل غير مسبوق لأسلحة بريطانية من قبل الحكومة السعودية، دُفع مقابل تلك الأسلحة بالنفط الخام، بحيث يُحوّل 600,000 برميل (95,000 م3) من النفط الخام يوميا لحكومة المملكة المتحدة.[1] جانب من شهرتها سببه ضخامة الرشاوي والعمولات المدفوعة فيها، كانت الجهة الرئيسية المتعاقدة بي إيه إي سيستمز وسابقتها بريتش ايروسبيس. وإمتدت الصفقات بدءا من أول شراء في سبتمبر 1985 حتى آخر عقد لتوريد 72 مقاتلة يوروفايتر تايفون متعددة المهام وُقِّع في أغسطس 2006.
    في اغسطس 2005 قال مايك تورنر المدير التنفيذي لBAE Systems في حينه، أن شركته وسابقتها ربحت 43 بليون جنيه إسترليني في السنوات العشرين من التعاقد، وأنها تستطيع أن تربح 40 بليونا أخرى.[2] وهذا التعاقد هو أكبر عقد تصدير في بريطانيا عبر التاريخ، ووظف 5000 شخص على الأقل في السعودية.[3]
    – عن الويكيبيديا –
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول حميد الحمداني:

    أين الجواب هل اسأت لم لا
    هذا الرجل ليس بغبي بل قال الحقيقه
    وكمثال عند ما اطلق صاروخ ع مطار عبد العزيز قالوا انه موجه الى مكه لكن برطانيا
    كذبت السعوديه وقالت الحقيقه

  3. يقول سمير عادل المانيا:

    بكل الأحوال السعودية لا تستطيع أن تنحرف عن الخط التي تضعه بريطانيا لها وما هذه التصريحات من المسؤولين البريطانيين الا تذكير للاسرة الحاكمة في السعودية أن بريطانيا هي من صنعت دولة اسمها السعودية ولذلك يجب عليها بين الحين والاخر الانصياع لمصالح بريطانيا.

  4. يقول د. اثير الشيخلي- العراق:

    الأستاذ مثنى المحترم ، لم اجد اي جواب او توضيح بل علاقة بين عنوان المقال و محتواه!

    بداية ، المملكة السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم ربما التي ينسب اسمها الى اسم العائلة التي تحكمها وهو أمر له دلالات كثيرة بالإتجاه السلبي ، كما أن سياستها ارتبطت منذ نشأتها بل كان داعماً لنشأتها تلك هو ذلك التلاحم و التأييد غير المشروط بين المؤسسة الدينية ذات المدرسة الوهابية المتشددة و الملائمة ربما لفقه المنطقة اليدوية حصراً وبين المؤسسة السياسية الممثلة بعائلة آل سعود التي استتب لها الحكم في نهاية المطاف بعد صراعات و حروب مناطقية متعددة ، كان لدعم مدرسة محمد عبد الوهاب اليد الطولى في استتباب و ترسيخ الحكم لصالح آل سعود الذين لم ينسوا في نهاية المطاف فضل و تأييد و دعم تلك المدرسة فأطلقوا لها في حكمهم و لغاية يوم الناس هذا الهيمنة الكاملة على امور الدين في المملكة و في نفس الآن أدركت هذه للمدرسة و روادها و من خلفهم حدودهم و خطوطهم الحمراء تماماً !
    .

    في بداية الإمر ، كانت الأمور منسجمة مع بعضها كون أن المدرسة الوهابية ذات التيار السلفي المتشدد في كل شئ ، و الذي جمد كل سلوكيات و معاملات الحياة كما كانت في القرن الاول الهجري و اعتبرها معلوماً من الدين بالضرورة ، فجعل الناس يعيشون بأجسادهم هنا و بأفكارهم و سلوكياتهم هناك !
    .

    و إن كان ذلك مقبولاً الى حد ما في بيئة صحراوية بدوية و مسكوتاً عنه و ملائماً لدولة تقوم على حكم عائلة في بداية نشأتها و يخصها هي فقط ، الا أن الامر لم يعد كذلك حين بدا تصدير الأمر الى المناطق المتاخمة و الأكثر تحضراً و التي تمتلك شعوبها تجارب حضارية موغلة في التأريخ و تماس مباشر مع حضارات اخرى لا تدين بالإسلام ، علماً أن الاسلام في كل دعواه كان مدنياً حضارياً و مخالف و معارض للبداوة ، و من بدا فيه فقد جفا !

    يتبع لطفاً ….

  5. يقول د. اثير الشيخلي- العراق:

    تتمة رجاءاً …..

    .
    زاد الطين بله ….اكتشاف النفط و قفزة البترودولار التي اوجدت فائضاً هائلاً من الثروات في المملكة و تزامن الإكتشاف مع بداية نشأة دولة العائلة و صار هناك تطلعات هائلة للمعيشة المترفة المتناقضة اصلا مع تقشف البداوة و نسخة الاسلام البدوي أن صح التعبير التي عممها و فرضها روؤس المؤسستين الدينية و الحاكمة منهاجاً للدولة !

    اكتشاف النفط بهذه الوفرة المهولة التي جعلت من دولة آل سعود الاولى في انتاجه حتم ربط مصير عرشها برضا الدول العظمى المهيمنة على سياسات وثروات العالم اجمع ، و ادرك آل سعود أن مصيرهم و مصير استمرار حكمهم مرتبط بعلاقة وثيقة مع الدولتين المهيمنتين بريطانيا اولاً ثم الولايات المتحدة لاحقاً و تصرفت بالفعل و واقعاً وفق ذلك.

    فكان انفصاماً نكداً بين دعاوى المؤسسة الدينية و بين سلوكيات و سياسات الدولة نفسها دفع ثمنه شعبها و شعوب المنطقة و ولد ذلك ردود فعل مدمرة و كارثية انتجت افكاراً غاية في التطرف بسبب ذلك الانفصام النكد الذي يدعو مفتي المملكة في زمن حرب الخليج الى الموافقة او سكوت الرضا عن الاستعانة بجيوش ” الكفار” لمحاربة العراق و اخراج جيشه من الكويت و هو ذاته الذي لديه كتيباً مطبوعاً طبعة انيقة و يوزع مجاناً خاصة في موسم الحج ، إسمه نواقض الاسلام يذكر فيه أن احد نواقض الاسلام هو الاستعانة بالكافر على المسلم ، ثم عندما جوبهت المؤسسة الدينية هناك بذلك ، تم تعويج النصوص كالعادة و تخريجها مزاجياً بإعتبار حزب البعث حزباً كافرا و بما أن جيش العراق جيشاً بعثياً عقائدياً ، فهو جيش كافر بالنتيجة ، و بالتالي الامر ليس فيه نقضاً لأنه استعانة بالكافرين على الكافرين ( و اللهم اخرجنا منهم سالمين!!)
    وهكذا تصنع الفتاوى حسب الطلب !
    استمر هذا الانفصام النكد ، الذي يحرم قيادة المرأة للسيارة ،لكن يسمح لسائق غريب بالاختلاء بها لايصالها في نفس السيارة ، هذا من جهة و من جهة اخرى ، تدعم الدولة و مليونيراتها و تمتلك رسمياً اشد القنوات الفضائيه مجوناً في العالم العربي!

    المقام لا يتسع ، ولكن خلاصة الامر ، لم تسئ جهة الى الإسلام و الى العالم الاسلامي مثلما فعلت المملكة السعودية برأيي مع التنويه أنني لا اعتبر نظام جمهورية ايران الحالي يمت الى الإسلام بصلة اصلاً ، حتى لا يأتي احد فيعقد مقارنة لا مكان لها اصلاً!

    احترامي د. مثنى.

  6. يقول د . مثنى عبدالله:

    الاخ أثير المحترم..تحياتي لك ولجميع القراء الاكارم
    أنا لست عالم دين كي أفسر هل أساءت السعودية أستخدام الاسلام من عدمه , كذلك بوريس جونسون الذي أقحم نفسه فيما ليس له به علاقة. عنوان المقال كان سؤال أعتراضي على ماقاله الرجل وليس تحليل ديني هل أساءت السعودية أم لا . أنا حاولت أن أحلل سبب أطلاق هذه التصريحات , وبيان أن ماقاله بوريس ليس فيه تناقض بل هو رأي النخب البريطانية والغربية عموما. وأذا كنت قد قرأت المقال بشكل جيد ستجد في نهايته سؤال عن أسباب عدم قيام الغرب بشن حملات على إيران كما يشنها على السعودية . أي أنني أريد التوضيح بأنه أبتزاز لا أكثر. والقارئ اللبيب يعرف جيدا ما أردنا توضيحه في المقال…مع التقدير

إشترك في قائمتنا البريدية