90% من الكتاب في العالم فقراء، وهذا الرّقم يطرح أسئلة عدة مهمة، لماذا يذهب البعض للكتابة ومستقبلهم المادي محدود، لا حياة كريمة مؤمنة ولا مستقبل مضموناً، ولا راحة بال ولا طمأنينة أمام القلق الدائم الذي تفرضه الكتابة على الكاتب ليواصل إبداعه؟ وهل فعلاً تجارة الأدب كاسدة؟ والمغامرة الأدبية مغامرة خاسرة في النهاية؟
الرقم المخيف يطال كتاب أوروبا وأمريكا وكل العالم المتطور، أما في عالمنا العربي فيبدوأن فئة الكتاب تعيش في العالم السفلي، حيث لا شمس ولا هواء بالمرّة.
مرّت المحدلة عليهم ودفنتهم وهم يمارسون عاداتهم السيئة التي لا تعجب الظالمين، ومع هذا يصرون على ممارستها من قبورهم لأنهم لا يعرفون أن يمارسوا أعمالاً أخرى.
بعضهم يهتم بمستقبل اللغة، وبأشياء يدعي المجتمع أنّه لا يهتم بها، مع أنّه يستعملها للتواصل مع بعضه بعضاً ويستهلكها يومياً دون أن يدرك تماماً أنه يعيش إزدواجية مرعبة تجاه نفسه ويشارك بشكل مباشر في التشهير بالكاتب وسرقة حقوقه، فالجميع يعلم اليوم أن أرباح هذا الأخير لا تذهب لجيبه بل لجيوب ديناصورات الاقتصاد وتجار الدين والكلام والشبكات العنكبوتية.
فخ متقن البناء وكأنّه لعبة في متاهة، الخاسر الأكبر فيها هو «الدونكيشوت المجنون: الكاتب» ذاك الذي عبر القضبان وشتى الحواجز واستقر عند المعبر تماماً يمد يده لمن يريد الخروج، فلا هو نَعِم بالعالم الطليق ولا بالسجن الذي كان فيه. ولا هو نعم بالنور المنبعث من أدبه ولا غيره يعترف له بالجميل.
اللعنة التي تلاحقه لا وصف لها. فهذا الفقير هو الذي يغني أصحاب معارض الكتاب، وشبكات التواصل الاجتماعي، وسادة التكنولوجيا الذين يعرفون أهمية الكلمة وقيمة الأدب ويستغلونه في غفلة من الكتاب أنفسهم ودور النشر وديناصورات صناعة الورق وتوزيع الإعلانات.
الجميع يقتات على نتاج ذلك الكاتب الذي قضى عمره في الضنك والتعب النفسي والعوز، وهو يرى جمله الجميلة وحكمه وأبياته الشعرية تتقافز بملايين الكبسات بين هواتف الأصدقاء من بلد إلى بلد. دون أن يعرف لا هو ولا جمهوره أن تلك الكبسات هي التي تغذي حسابات الديناصورات البنكية.
ولعلّ أكثر الكتاب شهرة هم أكثرهم تعرضاً للسلخ الإلكتروني دون نيل أدنى حقوق لهم، وقد يقول البعض إن الكاتب العربي لا يحصل حتى على العشرة بالمئة التي تعده بها دور النشر فكيف بهذا الوحش الإلكتروني الجديد الذي دخل البستان لأنه بدون حارس، ووجد الثمار جاهزة ومنسية فأخذها وها هو يستثمرها بطريقته.
كارثة حقوق التأليف وضمان الحق المادي للكاتب لم تعد في متناول حتى الناشرين الذين يشددون على تقليص حق الكاتب من أجل راحتهم. واليوم يجد الكاتب نفسه ممولاً جيداً لشركات كبرى تستثمر أفكاره ولا تعيره اهتماماً. يتبجح البعض بالرد على أن شبكة الأنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي أخرجت معشر الكتاب من أنفاقهم ومقابرهم وأصبحوا معروفين ومشهورين …!
مرحبا شهرة!
فبعض الكتاب لا يزالون يكتبون على الورق ليس لأنهم يحبون ذلك بل لأنهم لا يستطيعون إقتناء كومبيوتر. بودي أن أذكر إسما من كبار الكتاب الذين زرتهم في بيوتهم لأؤكد لكم ذلك، لكني خائفة من خدش كرامتهم وتعريضهم للإحراج. نعم زرت كتابا لا يملكون في بيوتهم البسيطة أدنى مستلزمات الراحة، مع أن أسماءهم اليوم نتصبّح بها ونتمسّى بها في قصاصات ملونة جميلة تزين «إنستغرام» و«فايسبوك» و«واتس آب». على هذا الأساس قد يكون الرّقم الصحيح عندنا هو أن واحدًا في المئة فقط من الكتاب يقطفون بعض ثمار أدبهم من جوائز هنا وهناك ونشاطات تتم في الغالب عن طريق وساطات وعلاقات شخصية أكثر مما هي تقديراً للأدب في حد ذاته.
لهذا نجد فئة الكُتّاب الرّائجين في المحافل الدولية يتكررون ويتمسكون بعلاقاتهم بأسنانهم وأنيابهم ومخالبهم الخفية ليبقوا دوماً قرب البئر التي تبقيهم أحياء. هذه الفئة هي التي تخدمها التكنولوجيا الجديدة، وتزيد من بروزهم، أمّا عمر الخيام فما همه إن قرئ اليوم أولم يُقرأ؟
يهمس القارئ الذي لا يزال غضاً ولم يُكسر أن فعل القراءة منتعش في هذا الزمن، حتى أصبح أشباه الأميين يعرفون عمر الخيام ولكن هل يفرّق هذا النّكرة الذي يرسل مقطعاً وصله من صديق بين بيت للخيام وبيت آخر ينسبه لعبد الحليم حافظ فيما كاتبه نزار قباني؟
في أحيان كثيرة لا أفهم هل تكنولوجيا الإنترنت أفادت القارئ العربي أو أساءت إليه، فقد قرأت على صفحة كاتبة كبيرة عبارة جميلة اتضح فيما بعد أنها لكاتب فرنسي عاش ومات في القرن التاسع عشر، وبعد تمحيص ومتابعة وجدت نصوصاً أخرى قام صديق بترجمتها لي وزودني بقائليها الأصليين، أصدقكم القول إني لم أصدم، لكني حزنت على قارئ منحته التكنولوجيا المعلومة الغلط وقام بالترويج لها لأن ثقافته المدرسية ضعيفة، ومعلوماته الجامعية قليلة، ورغبته في تثقيف نفسه تتأرجح بين ما هوغير متوفر بين يديه، وما يصله بكبسة زر مغلوطاً ويصعب التأكد من صحته أمام شلالات من المعلومات التي تجتاح من كل صوب وحدب.
اليوم يشكل المستهلكون للمعلومة الأدبية – سواء كانت صحيحة أم لا – الفئة الأكبر التي تصنع ثراء شركات التواصل، لكن هل يعرف الكتاب ذلك؟
هل يعرف كاتب السيناريوالمجهول الإسم أن مقطع الفيديوالذي كتبه وصوّره فريق عمل متواضع في مدة لا تتجاوز الدقيقة ثمين جداً إذا ما عرف ما يحصده من أرباح مع كل كبسة زر لمشاهدته؟
في الغالب هو يعرف لكنه سيقاتل ليكوّن إسماً له، ويتخطّى الحواجز التي تعمل على تغييبه في الأول، ثم تبرزه باحتشام، ثم حين يتخطى منتصف العمر قد يجد فرصة العمر التي توصله إلى الفئة التي تتحكم في مصائر الناس. ينتهي لهاثه هنا، وقبل أن يأخذ أنفاسه ليرتاح يكون قد بلغ عمر التقاعد، الذي يحدد في مجتمعاتنا أبكر ما يمكن. مختصر الحكاية أن الأدب ليس تجارة كاسدة، ولكنه تجارة لا قوانين تحميها، ولا وكلاء يهتمون باستثمارها بشكل قانوني، لقد كنا وسنظل نتبارى لإبراز أسمائنا في أسواق غيرنا، وقد كان ربما سوق عكاظ أشرف لنا لو أنه دام وتطوّر بشكل طبيعي ولمّ شمل الكتاب والشعراء. ولكن الصدمة الحضارية التي عصفت بنا من حيث لا نعلم، اقتلعت جذورنا ونفخت في أجسادنا المهلهلة فتناثرنا مثل أوراق الخريف بين أراضينا وأراضي غيرنا مشتتين ومبعثرين لم تجمعنا لا وحدة اللغة، ولا وحدة الأوطان، ولا وحدة المظالم. بل إن أكثر ما بعثرنا هو الأحقاد السياسية التي حاربناها منذ قرنين من الزمن وأكثر وحملناها في الوقت نفسه على ظهورنا متنقلين بها حيثما ذهبنا. وهذه الأحقاد أنتجت أدباً متشابهاً في الغضب مختلفاً في تماسكه كقوة ثقافية تقود الشعوب، أدباً يمكن أن يتاجر به تجار التكنولوجيا، فيما نحن سارحون في هوانا القديم حيث الليل والخيل والبيداء والسيف والقرطاس والقلم…
شاعرة وإعلامية من البحرين
بروين حبيب
المرء ليس مضطرا ليشتري كتاب أدب لا يحوي أدبا غير أدب السوق الذي رسم على غلافه ثمنا يبين نهم صاحبه وحاجته إلى المال أكثر من اهتمامه من أفكار تنثر وترسخ أدبا لدى القارئ.
العمل الادبي الرزين وذو القيمه الغنيه لا يبحث عن التسويق و الاقبال.حتي لو بعد مئه عام ، العمل الجيد لا يذهب أدراج الريح والرياح بل يبقي بالارض و بين الناس ،كما قال القران(واما الزبد يذهب جفاء ، واما ما ينفع الناس فيمكث بالارض).
ابسط مثال ،عندما أكرمت جائزه نوبل للأدب العام لاول مره ، الموسيقي والملحن والناشط الحقوقي بوب دلين، بعد ان افني عمره بمسيره دامت اكثر من نصف قرن ، بين صناعه الغناء الثوري والتاليف الشعري السياسي و الانتاج الفني العالمي.
هل الأدب تجاره نافعة ،ناشطه ،صادقه السؤال الافضل ، ام هي مصلحه ، غايات و وسيله فقط ، فلتتكدس وتبؤر عندها وعندما لا تبحث الا عن وعي الجيب ،وعن أرزاق جتي البهائم معلوم ومقدر لها نصيب بلا جهد ومجاهده.
اختي الدكتورة بروين اتابع برنامجك التلفزيوني وبعض كتاباتك أرجو سعه الصدر وأسأل ماذا قدم اصحاب المكانة الأدبية والفكرية والإعلامية من ملموس للدعم المادي للأدب والاُدباء في بلادنا العربية ؟ نسمع بمشاريع في الخليج ونكتشف انها مصممه لمجموعة خاصة من النكرات أو من الشباب الزغب . والأدب الناضج فكريا يحتاج الى رجال ونساء ناضجات ، اما مجرد الكلام فهو ذَر للرماد في العيون .. حينما التقيك بمناسبة قادمة سأريك حجم الدعم غير المشروط للادباء والمفكرين هنا قياسا لما لديكم لهذا نجد الإمارات مازالت تفتقد للأدب والفكر الحقيقي رغم المال الكثير لكنه غير منتج الا الدعاية الموسمية . بادري الى انشاء جهد عربي حقيقي مستثمرة مكانتك وسط القوم شكرًا .
معجب بكتاباتك واتفق مع عنوان هذا المقال ان الادب تجارة كاسدة ، رغم ان مضمون المقال يشير الى عكس ذلك بمعنى ان الادب غير الكاسد هو المدعوم حكوميا او من قبل مؤسسات احتكارية تدعي الوطنيات. قبل الان طرحت دعوة كريمه لاستثمار حكايات الف ليلة وليلة كما اطلقت عليه لكن لن نجد صدى له حتى الان ان النظرية التي ليس لها تطبيق تبقى فرضيه ثم تنسى. مازلت اثق بقدرات بروين حبيب لصنع مستقبل ادبي ناضج وغدا لناظره قريب. مع تقديري لجهودك الطموحة
وعي الجيب متجدد عند كل معرض كتاب. الكتاب يعتبر حسبة مالية صرفة. الكتاب نافذة العقل تطل على المعرفة معطل. المعنيون بالأدب لا يكفي أن يكتبوا بل عليهم إضافة كيف يصل الأدب إلى حيث المدر والوبر والحضر والبدو.
فحين ترى كتاب جيب يزاحم هاتفا في نفس الجيب. وحين ترى الصغير والكبير والكهل والشاب كل له حيز فيما يُبدع الأدباء عندها يكون هناك أدب فاضل احتوته عقول فاضلة فيتحول إلى سلوك يرتقي به الإنسان عن البهائم.
ومتى كان الادب تجارة ؟!! حتى نُقيِمَهُ بموجب الربح والخسارة !! الادب يا سيدتي الفاضلة مهنة الفاضلين , هي هواية المبدعين , هي صيحات تنبيه لضمائر الغافلين , هي همسات عتاب في مجامع الكاسدين؟!!
نحن القراء نتحسب معك يا بروين لصرخة الالم تجاه زملائك الادباء , تجاه المبدعين , والحالة الآنية التي بها قابعون!! الادباء كل الادباء وانتِ واحدة منهم يا بروين , عليهم الافتخار فقط بكثرة القراء وليس بوفرة النقود , وعلى فكرة ان الاديب الفقير هو اديب يكون انتاجه الفني الادبي غنيٌ جداً بابداعاته, والاديب الغني تحتجب عنه مواصفات الابداع .
المال يبهر عيون الناظرين, بينما سطور المبدعين ترافق يقظة فكرنا مئات السنين.
سَلِمَ يراعك , وادام اتقاد فكرك اديبتنا الفقيرة بروين والسلام
*نعم (الأدب ) تجارة كاسدة..؟؟؟!
الله يرحم الكتاب ويعوض الأدباء.
بصراحة; لا أحد يقرأ في عالمنا العربي(المنكوب) إلا من رحم ربي.
* عندنا ف الأردن المراكز الثقافية
والمكتبات تتعرض لخسائر والكثير
منها بيعت وتحولت الى (مطاعم)
ودام عزكم وسلامات يا أدب..
سلام
سيدتي الدكتورة بروين حبيب حفظك الله : مقالك رغم أنه متشعب لكن فيه شقان :
الأول : الأدب من أجل الحياة والحضارة.
الثاني : الأدب من أجل الربــــح والخسارة.
الأول أدب الإبداع حتى ضمن قلم الأديب الواحد.مثلاً كان الكاتب طه حسين ( وهوالذي قالها ) له أدبان.أحدهما أصيل وهومعروف مقروء.
والآخر( موسميّ ) كان الغرض منه التأليف السريع لبيعه للناشروقبض المبلغ لغرض السفرفي الصيف إلى فرنسا.مثل كتبه : ( حديث الربيع وحديث الصيف ) ؛ وهي قليلة الشهرة والذيوع…أطلّعت عليها أيام زمان.وبشكل عام أدب الحياة والحضارة يقوم على الإبداع ؛ قد ينال المال
وقد لا يناله.أما أدب الربح والخسارة ؛ فهوالكاسب اليوم خاصة من ذلك الأدب الذي يتمّ توظيفه لأغراض أعمال الفنّ السينمائي والتلفزيوني.
مع ملاحظة أنّ السرقة باسم الأدب كثيرة بسبب ( الضمورالثقافي والفكري وقلة الأفكارالجديدة ) مما ولّد طبقة طفيلية تسرق وتدّعي ؛ لكنها تكسب على حساب المبدع ؛ خصوصاً في الوطن العربيّ ؛ لعدم وجود حقوق للملكية الفكرية خصوصاً ووسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية أصبحت كحرامي ولصّ البيت يسرق ولا يمسكه ماسك فيتهم الجيران بالسرقة وهم براء.أغتنم هذه الفرصة الآن داعياً حضرتك إلى قيادة حملة لتشكيل هيئة عربية للحقوق والمُلكية الفكرية والأدبية ؛ لا بأس يكون مقرّها في دبيّ دارالحيّ.وفي هذا دعم للأدب والأدباء جميعاً سيحسب لحضرتك.فما لا يدرك كلّه ؛ لا يترك جلّه.. خدمة لنهضة أدبية فكرية فنية جديدة.والألف ميل تبدأ بخطوة ملموسة صحيحة التوقيت والاتجاه ؛ نحوالهدف.وقد أعود للتعليق ثانية باتجاه آخر؛ لأهمية الموضوع ؛ إنْ شاء الله…مع مودتي.
العود أحمد : إنّ قضية ( الأدب تجارة كاسدة ) ؟ تعود بنا إلى ما قام به الكاتب الكبيرالتوحيدي ( أبوحيان ) الذي نبغ حتى فاق غيره يومذاك..
لكنه لم يجد ما يعتاش منه ؛ فأحرق كتبه انتقاماً من الأدب الذي سمّاه مهنة الفقروالفقراء ؛ ولولا بعض من النسخ التي سبق إنْ أهداها لبعض الأصدقاء له ؛ لما وصلنا بشأنه : شين أوزين.وهذه المأساة التوحيدية تتكررحتى الآن.نعم ثمة أدباء محظوظون لقربهم من ذوي السلطان الأكبر
كما يقول ابن خلدون ؛ لكن المفكرأوالأديب حينما يمتلك السلطة بشكل مباشرأوغيرمباشريتحوّل إلى ( ثعبان ).ونحن نسمّي ذلك عندنا بتنافس
المكدين ( أي الشحاذين ).وهوما أشارإليه كونفوشيوش في الصين القديمة ؛ ومضمونه يقول إنّ أسوء سلطة هي التي يكون على رأسها مفكّر…
لأنه يريد تحقيق أفكاره الخاصة به على الآخرين ؛ ولوكانوا يرفضونها.وهذا ما وجدناه لدى فرقة المعتزلة في زمن المأمون ؛ كأوضح دليل.لا نريد التشاؤم بل هذا هوحال الأديب الحقيقي في الشرق ؛ أما في الغرب فهومدعوم حتى ينتج ويبدع ويتألق ؛ مع التقديرالفائق.
عزيزتي بروين مشتاقة لك .. وانا كذلك انتظر برنامج الف ليلة وليلة لحضرتك يا ليت يكون ذلك في رمضان القادم محبتي