هل انتهى الإسلام الجهادي والسياسي إلى غير رجعة؟

لا نجانب الصواب إذا قلنا إن الإسلام الحركي بشقيه الجهادي والسياسي كان أكبر ضحايا الربيع العربي على الصعيد الإيديولوجي، فقد أصبح الجهاد لأول مرة ربما في تاريخ الإسلام الحديث مرادفاً للإرهاب على نطاق واسع، ليس فقط في الخطاب الإسلاموفوبي المعادي للإسلام، بل أيضاً لدى عامة المسلمين والعرب الذين باتوا يعتبرون الجهاديين متطرفين إرهابيين مندسين بامتياز لم يسيئوا فقط للثورات، بل أضرّوا كثيراً بصورة الدين الإسلامي نفسه إلى حد كبير، وجعلوه مرادفاً للإرهاب في الخطاب الإعلامي العالمي. أنت مسلم إذاً أنت إرهابي، ناهيك، والأهم، تكريس الانطباع الأبشع وهو وضع هذا التيار بتصرف وخدمة مصلحة الكبار، ودوره في تدمير وإنهاك أكثر من بلد عربي. واكتشفنا أخيراً أنه في اللحظة التي ظهرت فيها فصائل جهادية تحمل أسماء إسلامية ودخلت على خط الثورات، أيقنا أنها جاءت لإفشال الثوارت، وتلميع الطغاة وإعادة الشعوب إلى زريبة الطاعة.
فكيف ينظر السواد الأعظم من العرب والمسلمين لداعش وأخواتها كجبهة النصرة (جبهة تحرير الشام) وغيرها من الفصائل التي تتخذ لنفسها أسماء إسلامية تاريخية؟ كم عدد المؤيدين لتلك الحركات بعد أن ذاب الثلج وبان المرج؟ ألم يفقد الجهاديون أي شعبية كانوا يتمتعون بها لدى بعض المغفلين؟ لقد بات الكثيرون الآن يربطون الحركات الإسلامية المقاتلة بأجهزة المخابرات العربية والدولية. وإذا جاءك جهادي وقال لك إنه يجاهد في سبيل الله، فلا بد أن تسأله فوراً: «إلى أي فرع استخبارات تنتمي يا رعاك الله؟» صار الجميع يضع ألف إشارة استفهام على أي جماعة تحمل اسماً إسلامياً كتلك التي ظهرت في سوريا والعراق. لقد سقط القناع تماماً عن الإسلام الجهادي، وبات العرب والمسلمون المشككون بالحركات الجهادية أكثر من الغربيين المعادين للظاهرة الإسلامية عموماً. ولو سألت الكثيرين الآن عن الدور الذي لعبته الجماعات الإسلامية في الثورات العربية لقالوا لك: «إنها أفسدت الثورات وخربتها وألـّبت العالم عليها وجعلتها تبدو في عيون الغالبية العظمى على أنها حركات إرهابية متطرفة أكثر منها حركات شعبية مطلبية.
لا شك أن هناك أقلية مازالت تعتبر تلك الجماعات الرد الطبيعي المناسب على أنظمة الظلم والطغيان العربية التابعة للغرب، لكن هؤلاء باتوا قلة قليلة ولم يعودوا قادرين أن يقنعوا أحداً بهذا الطرح السخيف في مواقع التواصل الاجتماعي. وقد ذهب البعض أبعد من ذلك ليعتبر الجماعات الجهادية جماعات مرتزقة تعمل لصالح دول وأجهزة مقابل المال. وفي استفتاء طرحناه على «تويتر» عن رأي الشارع بالجهاديين، اعتبر حوالي خمسة وخمسين بالمائة من المصوتين أن الجهاديين الحقيقيين مجرد مغفلين ملعوب بعقولهم، بينما يعمل قادتهم كعملاء لصالح دول وأجهزة استخبارات إقليمية وعالمية، بينما اعتبر أكثر من سبعة عشر بالمائة أن الجهاديين المزعومين مجرد أدوات يستخدمونها لتحقيق أهداف قذرة ثم يرمونها في مزبلة التاريخ. باختصار، لا يمكن الحديث أصلاً عن حركات إسلامية، لأن تلك الحركات، وخاصة الجهادية، كما أثبتت السنوات الماضية، هي صناعة مخابراتية أصلاً أو بالأحرى خازوق مخابراتي لكل من طالب بالتغيير في منطقتنا المنكوبة، ولا علاقة لها بالإسلام مطلقاً. وربما كان هذا التصنيع المخابراتي للجماعات الإسلامية ضربة استباقية لأية محاولة صادقة لتشكيل جماعات إسلامية وطنية حقيقية فيما لو انطلقت لاحقاً.
وقد أدى فشل الحركات الإسلامية المقاتلة في إطار الثورات العربية وانهيارها وهزيمتها العسكرية المرة، وهو الأخطر تنظيمياً ووجودياً ربما، إذ يبدو بالمحصلة كتآكل إيديولوجي مرير وخفوت لوهج الفكر وأصوله الأسطورية وقيمته التراثية وما لذلك من أثر على شرعية ومستقبل جهادها ونضالها من الأساس، إلى الإساءة كثيراً لمفهوم الإسلام السياسي بشكل عام، فقد انعكست وحشية وقذارة وانحطاط وعمالة تلك الحركات الجهادية على الحركات الإسلامية السياسية المعتدلة، بحيث بات كثيرون لا يفرّقون بين الدواعش وأي حركة إسلامية أخرى. لم يعد الإسلام هو الحل حتى بالنسبة للذين كانوا يصفقون للإسلام السياسي وضرورة انخراط الإسلاميين في الحياة السياسية، بل صار الإسلام السياسي مشكلة بحد ذاته تسيء للعمل السياسي وتلوثه، حسبما يرى خصوم الإسلاميين.
صحيح أن الأحزاب التي تحكم زوراً وبهتاناً باسم العلمانية في العالم العربي هي أحزاب شبه عسكرية وميليشياوية قذرة يديرها ويشرف عليها «شوية» شراذم من برابرة وعصابات وزعران ومافيات وجنرالات فاشيست وأجهزة أمن قمعية منحطة باطشة وخارجة عن القانون، ليست البديل الأفضل للحركات الإسلامية، لكنها تبقى الخيار المفضل لضباع العالم وكلابه ولجزء لا يستهان به من المجتمعات العربية التي كفرت بالمتاجرين بالدين. لكن هذا لا يعني أن تقبل الشعوب بحكم الجنرالات نكاية بالإسلاميين، فهل بات مكتوباً علينا كعرب أن نبقى بين سندان الخليفة ومطرقة الجنرال؟ أليس هناك بديل مدني حضاري كما هو الوضع في معظم بلاد العالم بعيداً عن عمامة الإمام وبسطار الماريشال؟
استطراداً، وفي الخلاصة هل كان الربيع العربي مصيدة وفخاً للإسلاميين بآن واحد، وضربت به القوى الكبرى التي وظفتهم وجندتهم، عصفورين بحجر واحد، الأولى تدميرهم والتخلص منهم وتدمير صورتهم، والثانية نشر الفوضى الهلاكة وتدمير الأنظمة المستهدفة في عملية بناء ورسم خريطة الشرق الأوسط الجديد؟
وماذا لو حاولت اليوم بعض الجماعات والتيارات المتأسلمة إطلاق شرارة حراك وثورة، ومطالب تغيير، بعد هذا العراك والمخاض العسير، وتبني قضايا وطنية كالديمقراطية، كم ستجد من المؤيدين والأتباع؟ وكيف ستقنع الشارع بشرعيتها وأحقيتها بعد سلسلة الانهيارات والهزائم المزلزلة والمجلجلة وانهيار مصداقيتها وانكشاف تبعيتها وارتهانها لدوائر ومؤسسات ومرجعيات هنا وهناك باتت في عهدتها، وباتت في خدمتها وخدمة استراتيجياتها أكثر من خدمتها ونضالها من أجل الشارع المنكوب المحتاج، وحتى أكثر من وفائها وولائها لدينها وعقيدتها، المتمثلة بدين الإسلام؟

٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]

 

هل انتهى الإسلام الجهادي والسياسي إلى غير رجعة؟

د. فيصل القاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خالد مصطفي الجزائر:

    الشعوب تبحث عن العيش الكريم والنهوض بحالتها من هذا الخمول لكن يبقى السؤال الجوهري ماذا لو قررت الشعوب الانتفاضة مرة أخرى هل سيتحرك الاسلاميون أم سيتركون الحراك للعلمانييين وحدهم وما مصير الشعوب والدين في أيدي العلمانيين الأمولر أخطر مما نتصور.

  2. يقول سلوى:

    و من سيصدق هؤلاء الجهاديين وقد ارتبطت صورهم عالمياً بالتوحش و بحمل الفؤوس وقطع الرؤوس والسبي والتفنن في القتل والتعذيب ، الاسلام بريء منهم ومن أفعالهم المجنونة فلا داعي للتأسف على انتهاء ظاهرتهم المرعبة فلا أظن أن احدا يرغب بان تحكمه مجموعه من الجهلة المتعصبين على العكس يجب أن نشكر كلّ من حاربهم.

    1. يقول abu:

      وهل كنت حاضرة معهم وهم يحملون الفؤوس ويسارعون الى جز الرؤوس يا(سلوى)….ألا تعلمين أوتعرفين الفوتوشوب..والاعلام المضاد..والثورات المضادة..أم أنك من (صحيبات القصور والمجتمع المخملي)الذي يعادي صرخات الشعب العربي المقهور.المظلوم…..عقلك متخم بالنرجسية السلطوية هذا أكيد

    2. يقول محمد صلاح:

      والأخ abu
      ياترى كيف ينظرا الى تلك الجماعات التى تقتل
      باسم الاسلام وتنشر الأفلام المرعبة على مواقعها
      هل هم ثوار ومقهورون
      ومن ينتقدهم هم من الثوره المضادة

    3. يقول abu:

      غالبية الاعمال الارهابية أتضح انها من انجاز ورعاية المرتزقة المنتسبين للثكنات العسكرية…الحقيقة التي تحاولون اخفاءها وطمسها….

  3. يقول Farid:

    ايهولا ارهابيون مجرمون قتلوا شعبهم وقتلوا أسرهم ودمروا مدنهم وقراهم لذلك ذلهم الله واخرجهم من مدن سوريا مطءطين الرؤس . مشاهد في اليوتوب لن انساه طول حياتي عندما ارهابين الزنكي ألقوا القبض على طفل فلسطيني عمره 9 سنوات قاموا بضربه بعنف على أنه جاسوس للأسد وكان عدد ارهابين زنكي تقريبا 10 فواحد منهم أخذ الطفل وطرحه ارضا على بطنه واتي بالسكن وقطع رأس الطفل ورفعه إلى الاعلا ويصبح بإعلا صوته مع الارهابين الله واكبر فهل هولا جهادين ام حوش برية ام صهاينة

  4. يقول تونسي ابن الجمهورية:

    نعم انتهوا عسكريا و سياسيا و خاصة اخلاقيا و هذا الاهم …..غير مأسوف عليهم ….لانهم أصبحوا مرادف الخراب و الإرهاب و الإجرام و القتل و….و ….و هنا مسؤولية القوى الوطنية و الديمقراطية كبيرة جدا لتقديم بديل حضارى انسانى يحترم الاختلاف و يحترم حقوق الإنسان و يعمل بقيم العدالة والانسانية و احترام دولة القانون ….لكن من الغباء التصور انهم انتهوا و إلى الأبد …لانهم يمكن ان يعودوا بربطة عنق و ذقن محلوق و فصل الدينى عن الدعوى لكن الفكر الداعشى هو نفسه و نحن فى تونس لدينا امثلة على ذالك ….يجب الاستفادة من أخطائهم و يجب حشرهم فى الزاوية و يجب مواصلة الإصلاح الدينى و الاجتماعى لتجفيف منابع تجارتهم و تحصين المجتمع نهائيا….يجب أن نكون عيون لا تنام مع هؤلاء….تحيا تونس تحيا الجمهورية و لا ولاء إلا لها

  5. يقول علي حسين أبو طالب / السويد:

    هؤلاء الذين تسميهم بما يسمون أنفسهم بالجهاديين هم عكس ما يدعون
    لاعلاقة لهم بالجهاد ، لا علاقة لهم بالإسلام أصلا و ما ادعوا
    هذه الصفة إلا لأنهم نقيض ما يقولون و عكس ما يدعون تماما .

  6. يقول اشرف:

    جميع هذه الحركات خرجت من عباءة الاخوان.

  7. يقول بهجت القناوي مصر:

    نعم صحيح ..خذ مثلا حركة حماس التابعة للاخوان المسلمين… ظهرت في فترة شديدة التعقيد وتم دعمها من قبل الانظمة العربية الرجعية ومخابراتها عقابا لموقف منظمة التحرير الفلسطينية القومي الذي رفض العدوان الثلاثيني على العراق …وها هي باسم الاسلام تهدم انجازات خمسين عاما لمنظمة التحرير.تهدم اهم ما سعت منظمة التحرير لفرضه على العالم الا وهو التمثيل الشرعي للشعب الفلسطيني بعدما قالت غولدا مائير والة الاعلام الصهيونية يوما ان فلسطين ارض بلا شعب لشعب بلا ارض ..بل ان اغلب الشعوب العربية تعتبر ان حماس هي المقاومة والجهاد والاسلام متناسين انها هدمت كل ما تم بنائه منذ 1965 وحتى الان…لا اتهم حماس ولا شبابها…لكن هناك اشياء وايادي خفية لو راجعنا التاريخ لادركنا ان ظهورها ودعم الانظمة العربية الرجعية لها لم يكن من فراغ…! والله اعلم

  8. يقول خليل سمامرة:

    لقد استخدم الغرب بل وصنع حركات لإفشال الثورات ولضرب فكرة عودة الإسلام الى الحكم كحل” بديل لسندان الغرب ومطرقة الإستبداد “بل كحل أصيل .الإسلام النقي الصافي الذي لا يقبل المال السياسي القذر ولا يسير في مشاريع الغرب .لا سوتشي ولا جنيف ،لا الرياض ولا أنقرة ،لا الغنوشي وأخواته ولا داعش ولا أشباهها . إنه الإسلام الذي يحمله رجال يعملون في الأمة لإيصاله الى الحكم في دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة . فاعلم أن الصراع الذي ترى ظاهره هو في الحقيقة صراع بين المخلصين من أبناء الأمة وبين الغرب على الأمة نفسها. فالإستعمار يريد ان يبقيها في زريبته بحراسة عبيده الحكام والمخلصون يعملون على إخراج الأمة من زريبة المستعمرين الى عرينها دولة الخلافة لا الداعشية ولا حتى الأموية أو العباسية بل خلافة على منهاج النبوة تغير وجه الأرض وتمحو كل ظلم وتريح الأرض من شرور الرأسمالية المجرمة وتنشرالعدل والرحمة في العالمين .
    أنتم إن كنتم صادقين في حرصكم على الأمة أبرزوا أعمال المخلصين من أبنائها. كم يحظى حزب التحرير مثلا من تغطياتكم الإعلامية ؟أم أنتم أدوات بيد المستعمرين. ؟

  9. يقول هشام. د:

    لا يشك أحد أن ما يسمى داعش تنظيم تأسس في العراق ثم ساهم فيه مخابرات دول متعددة وجند في صفوفه شباب مغفلون.
    اختراق هذا التنظيم من طرف أجهزة الإستخبارات أكده قادته بأنفسهم،

  10. يقول الكروي داود:

    مشكلة هؤلاء الذين يدعون الجهاد هي أنهم يلغون الآخر! لا بل ويقاتلوه حتى لو كان هذا الآخر من بينهم!! ولا حول ولا قوة الا بالله

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية