هل تستطيع تركيا وروسيا تغيير مصير «الشرق الأوسط»؟

حجم الخط
19

بعد نجاحه في الاستفتاء الشعبي على إقرار النظام الرئاسي في تركيا وهو ما يعني إمساكه، بشكل غير مسبوق، بأركان السلطات في بلاده، ما يؤهّله، عمليّاً لإعادة موضعة تركيا في محيطها الجغرافيّ المترامي والعالم بدأ رجب طيب إردوغان جولة خارجيّة تضم الهند وروسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية وبلجيكا (لحضور قمة حلف الأطلسي في بروكسل) ولقاء عدد من القادة الغربيين للتحضير لقمة موسعة «حاسمة» تقرّر مصير العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
خلال وجوده الحالي في روسيا للقاء رئيسها فلاديمير بوتين صرّح الرئيس التركيّ قائلا إن البلدين، روسيا وتركيا، قادران على «تغيير مصير الشرق الأوسط» في حال اتخاذ «قرارات جادة».
الرئيسان الوارثان لتاريخ امبراطوريتين كبيرتين، لا تزال الدولتان تملكان نفوذاً وتأثيراً كبيرين على وسط آسيا (حيث يتنافس الإرث واللغتان والنفوذ التركي والروسي ضمن البلدان الإسلامية السابقة في الاتحاد السوفييتي) وأوروبا (عبر الغاز الروسي وعضوية تركيا في حلف الناتو… وفيض اللاجئين) و«الشرق الأوسط»، وهما قادرتان بالفعل على تغيير الكثير من المعادلات وخصوصاً في البلدان العربية الملتهبة، وعلى الأخصّ سوريا حيث ثبّتت روسيا وجودها العسكريّ وتقوم تركيا برعاية المعارضة عسكريا وسياسيا.
لكلا الطرفين مصالح في التقارب، فروسيا تدرك أنها لا تستطيع، على المدى الاستراتيجي، دعم بلد منهار اقتصاديّاً وسياسياً كسوريا، وتعرف أنها غير قادرة على إعادة إحياء نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي انهار اقتصادياً وسياسياً ويعيش عسكرياً، إلى حدّ كبير، على إمدادات روسيا وإيران وميليشياتها اللبنانية والعراقية، فيما تعاني تركيا من خطر تمدّد نفوذ حزب العمال الكردستاني المدعوم، للمفارقة، من النظام السوري ثم من واشنطن، وتشكيله دويلة كردية على حدودها.
البلدان يتشاركان أيضاً مصالح اقتصادية كبيرة، وهما يخطّطان لرفع التبادل التجاري بينهما إلى حدود 100 مليار دولار والتعاون في مجالات الطاقة والسياحة غير أن ما سيلفت نظر العالم، ويثير قلقاً في حلف الأطلسي الذي كانت تركيا وما تزال أحد أكبر الجيوش فيه، هو اتفاق أنقرة على شراء منظومة دفاع صاروخية من موسكو.
لا يمكن لهذه التفاهمات «الشرق أوسطية» بين البلدين أن تأخذ مجرى التطبيق من دون تذليل تحدّيات ثقيلة وحلول يصعب على القيادتين تقبّلها من دون إحساس بخساراتها لاستثمارات سياسية وعسكرية الأولى بنبذها فكرة إعادة تركيب نظام لم يعد قابلاً للتأهيل مع العالم بأي مقياس، والثانية بقبولها فكرة أن دحر النظام بشكل نهائي ليس أمراً ممكناً في الوقت الذي تعتبر فيه تركيا تأسيس دولة كرديّة لحزب العمال الكردستاني الخطر الأول عليها.
لا يستطيع البلدان أيضاً تجاهل وزن ونفوذ إيران الهائل في الإقليم كلّه، وحتى لو استطاع البلدان الوصول إلى صيغة مقبولة للتفاهم مع طهران، فإن الاتفاقيات التي سيتوصلان إليها ستكون أيضاً محلّ تجاذب وتنابذ بين البلدين مع أوروبا… وأمريكا الموجودة فعليّاً بشكل عسكريّ في العراق وسوريا.
ما يجمع البلدين فعليّا هو الإحساس بالخطر والمهانة من المحاولات المستمرة لاحتوائهما من قبل الأمريكيين والأوروبيين لكن تحويل الإحساس بالخطر والمهانة إلى مصالح واتفاقات على الأرض هو أمر صعب ولكنه ليس مستحيلاً.

هل تستطيع تركيا وروسيا تغيير مصير «الشرق الأوسط»؟

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د. اثير الشيخلي- العراق:

    كمثال واحد لاغير على اهمية ومركز تركيا الاقتصادي عالمياً (غير انها في المركز 16-17 عالمياً وضمن العشرين الكبار من سنوات) ، فإن مدينة ازمير الصناعية في تركيا ، تسمى قلب اوربا (و في رواية اخرى ، قلب المانيا و ليس النمسا حتى! ) النابض !
    .
    و لما سألت عن سبب هذه التسمية (أزور تركيا بإستمرار منذ عام 2004 ، لأسباب العمل و السياحة) ، اخبروني ، انه في ازمير ، المدينة الصناعية الاولى في تركيا ، يتم تصنيع قلوب المكائن العملاقة لمصانع اوربا بشكل عام ، ومصانع المانيا بشكل خاص (يوجد جالية تركيا هائلة في المانيا تقدر ب 4 ملايين من اصول تركية) ، فإذا توقفت هذه الصناعة ، وقف نبض قلب اوربا الصناعي عن العمل ، و السبب ، ان هذه الصناعة باتت تكلف اقل بكثير من تصنيعها في اوربا و المانيا ، من ثم تنقل تلك القلوب الى المصانع في اوربا لاستكمال انتاج المكائن بشكلها النهائي ، و اصدار شهادة منشأ لتلك الدول !
    .
    هذا مثال واحد ، ناهيك عن ان تركيا اليوم تصنع كل ما تحتاجه و تصدر فائض كبير ، حتى الشاي الذي تستهلكه كأكبر دولة في العالم في استهلاك الشاي ، تزرعه على ضفاف البحر الاسود ، هي فقط تستورد التمور و النفط، لعدم امكانية زراعة التمر و لعدم وجود النفط في اراضيها !
    .
    من يزور مصانع تركيا اليوم ، سيغير فكره تماماَ .
    .
    و الاقتصاد في نهاية المطاف يجر السياسة من عنقها !
    .
    ناهيك عن كونها سادس دولة في السياحة في العالم !
    .
    الذي تغير من دولة عادية الى دولة كبرى في المنطقة هي تركيا و ليس العكس ، نظام اتاتورك و الفاسدين من السياسيين الذي نهبوا البلاد و العباد حولوها من امبراطورية مترامية الاطراف الى دولة عادية متقوقعة ، اليوم العكس هو الذي يحصل و بتدرج !
    .
    الكلام بلا دليل ليس عليه جمرك كما يقال، و الحقد لا يغير من واقع الأمور شئ ، و الشمس لا تغطى بغربال!

  2. يقول فريد تركيا:

    اثبت التاريخ في العقد الجاري ان من ناصر الثورات العربية ظاهريا ينقسمون الى احد من :اما عديمي الحنكة السياسية او مسلوبي الارادة او باطنيين لهم اهداف اخرى !

  3. يقول سيف الدين:

    د. اثير الشيخلي

    كفيت ووفيت … بارك الله فيك …

    1. يقول د. اثير الشيخلي- العراق:

      حياك الله وبارك فيك أخي الكريم سيف الدين.

  4. يقول سلام عادل (المانيا):

    الاخ د. اثير الشيخلي- العراق
    قد يكون ما تفضلت به صحيح ولكن من الناحية التكنولوجية فان تركيا بالحقيقة تعيد انتاج القطع الاضافية او كما تسمى الاحتياطية للمنتجات القديمة لاوربا وخاصة المانيا فهي كذلك تصنع بعض انواع سيارات المرسيدس (الموديلات القديمة )التي لا تصنعها المانيا كحال السيارات نوع فولكسفاكن التي استوردها العراق من البرازيل ولكن هذا لا يغير من الامر شيء فان تركيا حاليا دولة مهمة بالمنطقة وتريد فرض بعض اجنداتها على بعض دول المنطقة وتمتلك امكانيات كثيرة بشرية ومادية ولكنها بالتاكيد لا تستطيع الذهاب بعيدا بتلك الامكانيات فاي هفوة او غلطة يعني ابتعاد حزب العدالة عن السلطة او اقل تقدير الرئيس اردوغان.اما اذا كانت روسيا وتركيا تستطيعان تغيير الشرق الاوسط فالجواب لا يمكنهما.قد تستطيع روسيا الابقاء على النظام السوري وجعله مستقبلا تابع لسياساتها بالمنطقة اما تركيا فاني اعتقد انها ادركت خطورة موقفها بالنسبة للدولة الكردية القادمة لا محالة في العراق وسوريا ولكنها تريد تحجيم اكرادها لكي لا يقع الفاس بالراس كما يقال

  5. يقول ماهر عدنان قنديل - الجزائر:

    الأمور في الشرق الأوسط أصبحت مُعقدة لدرجة كبيرة ما سيحتم توحد جهود عدد من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لتغيير أحوال الشرق
    الأوسط. لا شك أن الروس والأتراك يمتلكون نفوذ كبير في المنطقة لكن دون اتحاد جهود بقية المكونات المحلية والإقليمية والدولية سيكون من الصعب إيجاد حلول فعلية لمشاكل الشرق الأوسط.

  6. يقول د. اثير الشيخلي- العراق:

    لضيق المساحة ، آثرت أن اضرب مثال واحد على ما حققته و مستمرة بتحقيقه تركيا منذ عقد من الزمن ، وركزت على الجانب الاقتصادي ، لأنه هو الذي يؤثر مباشرة على السياسة !
    و لكن طالما جاءت تعليقات لاحقة تحاول التقليل من هذا الشأن ، و ربطه بالأشخاص والحزب الحاكم ، وهو لا شك ربط مؤثر جداً ، لكن ما قام به هذا الحزب وهؤلاء الأشخاص هو ليس أمر عشوائي و كيفي و انما وضع اسس لدولة المؤسسات و القانون و حكم الشعب ، وهو يعتبر برأيي الانجاز الاكبر
    اضافة الى ذلك ، وفي مجال التكنولوجيا ، التي يحاول البعض التقليل من شأن تركيا فيها ،أول ،ان تركيا مع اسرائيل صاحبتا اكبر براءات اختراع في مجال ال IT و مجال قطع الحاسوب ال hardware ، اما في المجال الثقافي و التعليم ، فإن جامعات تركيا تحقق قفزات سنوية على مستوى تسلسها على جامعات العالم ، وباتت قسم منها ضمن جامعات النخبة مؤخراً
    و على مستوى السياحة الطبية ، فقد حققت تركيا انجازات مهولة في هذا الجانب .
    .
    الحديث يطول ، و هذه وقائع وارقام تتحدث عن نفسها ولا تكذب ، و الانصاف يتطلب الاعتراف بالفضل بعيدا عن كراهيتنا الأشخاص و الاحزاب
    ففي نهاية المطاف ، لا يوجد دولة عربية واحدة اليوم تحقق لشعبها عشر ما تحققه تركيا لشعبها ، ناهيك عن وقوف الشعب التركي باختلاف اطيافه ضد الانقلاب الماضي ، الامر الذي من النادر أن يحصل في بلداننا للأسف الشديد.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية