هل تعزز تعهدات الإدارة الأمريكية مواقف حكومة العبادي؟

بغداد ـ «القدس العربي»: بدأت ملامح سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه العراق في الاتضاح هذه الأيام على خلفية زيارة رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي إلى واشنطن ولقاءاته مع القيادات الأمريكية، بعد ان انتشرت التوقعات واكتنف الغموض ملامح تلك السياسة عقب مجيء الرئيس الجديد دونالد ترامب.
وأبدت مصادر الحكومة العراقية تفاؤلها باعلان ترامب اصراره على القضاء على التنظيم المتطرف ورغبته في تطوير العلاقة مع بغداد، وذلك من خلال ما تم لمسه من ترحيب واهتمام كبير وتصريحات مشجعة تؤكد على زيادة زخم الدعم الأمريكي للحكومة العراقية في مختلف المجالات.
وحرص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والقيادات الأمريكية على استغلال وجود العبادي في واشطن لإيصال رسائل عدة أولها استمرار الولايات المتحدة في قيادة التحالف الدولي للقضاء على تنظيم «الدولة» وبقوة وزخم أكثر مما كان الوضع عليه في فترة الإدارة السابقة، حيث أعلن ترامب للعبادي مواصلة تقديم الدعم في محاربة تنظيم «داعش» وتحشيد المجتمع الدولي لتحقيق هذه الغاية اضافة إلى تقديم الإغاثة للنازحين وإعادة الإعمار. كما عبر عن أسفه لانسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011. وهو الأمر الذي فسر تساؤلات المراقبين إزاء تزايد أعداد الجنود والمستشارين الأمريكيين العاملين مع القوات العراقية في الآونة الأخيرة. وأكد وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، إنه «يتعين على القوات الأمريكية البقاء في العراق بعد هزيمة داعش لمنع عودة وظهور الجماعة الإرهابية مجددا»، وانه «سيكون من الخطأ الرحيل عن العراق كما فعلت الولايات المتحدة عام 2011» ومنوها إلى أنه «لا يرى أي سبب للانسحاب من جديد من العراق ونعيد الدرس نفسه».
وكذلك أشار وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون، إلى ان حكومته ستعمل على حل الخلافات السياسية بين القوى العراقية التي أدت لنمو داعش. وهي إشارة إلى ضرورة التوافق الوطني واشراك المكونات العراقية كلها في القرار العراقي بعيدا عن التهميش والاقصاء.

ما بعد تنظيم «الدولة»

وجاءت رسالة مجلس الكونغرس إلى ترامب لتلقي المزيد من الضوء على سياسة الإدارة الجديدة عندما طلبت من الرئيس تقديم المزيد من الدعم للعراق والاهتمام باستقراره في مرحلة ما بعد تنظيم «داعش» وخاصة ما يتعلق باعمار المناطق المدمرة وتشجيع الحكومة العراقية على اتباع سياسة اللامركزية في المحافظات، والسعي لنزع سلاح الميليشيات الموالية لإيران. وهذه المواضيع تؤكد رغبة الإدارة الأمريكية في اعادة ترتيب أوضاع العراق بما يضمن استقراره وابعاد فتيل الأزمة بين المكونات التي كانت أهم أسباب بروز التنظيمات المتشددة مثل «القاعدة» و«داعش». وكان العبادي مدركا للمخاوف الأمريكية، لذا حاول في لقاءاته مع النخب الأمريكية إعلان عدم السماح بوجود السلاح خارج الدولة وان الحشد الشعبي خاضع لأوامره وانه لن يسمح له بالمشاركة في الانتخابات المقبلة، كما كرر محاربته للفساد الذي اعتبره أخطر من الإرهاب وانه كان أحد أسباب سيطرة «داعش» على مناطق واسعة من العراق. ورغم عدم وضوح مدى قدرة رئيس الحكومة على التعامل مع ملفات حساسة مثل لجم الميليشيات المدعومة من إيران ومواجهة حيتان الفساد ذات النفوذ القوي، إلا ان الدعم الأمريكي الواضح له، قد يكون مشجعا للعبادي لتنفيذ المزيد من الإجراءات في هذا الشأن.
وتعزز موقف العبادي أكثر عندما وعدت الدول الـ68 المنضوية في إطار تحالف عسكري تقوده واشنطن ضد مقاتلي «الدولة» في سوريا والعراق، بالاستمرار في مساعي القضاء على «التهديد العالمي» للتنظيم، وذلك خلال اجتماع تلك الدول في واشنطن بحضور العبادي. وأكد البيان الختامي لهذا الاجتماع أن دول التحالف «متحدة في تصميمها على القضاء على هذا التهديد العالمي».
وبشكل عام، يمكن اعتبار نتائج زيارة العبادي إلى الولايات المتحدة تعزيزا لموقفه بمواجهة التحديات الكثيرة التي تواجه حكومته سواء في الحصول على المزيد من الدعم في المجالات الأمنية والاقتصادية، إضافة إلى منحه القوة للوقوف في وجه مثيري الأزمات أمام حكومته من الخصوم وخاصة ضمن التحالف الشيعي.
وفي شأن آخر، وعلى الجانب العسكري، تواصل القوات العراقية تقدمها لانتزاع المزيد من أحياء الجانب الغربي من الموصل من تنظيم «الدولة» وتأكد انهيار قدراته على ايقاف تقدم تلك القوات، وسط تزايد صعوبات المعركة ليس بسبب شراسة التنظيم في الدفاع عن مواقعه الأخيرة في المدينة فحسب، بل وللتحدي الإنساني في مأساة السكان المحاصرين بين نيران المقاتلين وضراوة الجوع والبرد وسقوط المزيد من المدنيين جراء القصف وصعوبة خروجهم من دورهم نحو المناطق المحررة بسبب عرقلة التنظيم لخروجهم واتخاذهم دروعا بشرية.
وكشفت تقارير منظمات الاغاثة المحلية والدولية، حجم المعاناة والتقصير في التعامل مع هذه المأساة الإنسانية المؤلمة، مع إطلاق التحذيرات من ان «القادم سيكون أسوأ» كلما استمر تضييق الحصار على المدينة ووصول القوات إلى الأحياء القديمة التي تتعرض إلى دمار واسع نتيجة القصف والتفجيرات المتبادلة.
وتأتي كل هذه التطورات بالتزامن مع استمرار التظاهرات الحاشدة المطالبة بالاصلاحات ومحاربة حيتان الفساد التي نظمها التيار الصدري والتي كشف فيها مقتدى الصدر تعرضه لتهديدات بالتصفية، داعيا الشعب العراقي إلى الاصرار على المضي في ثورة الاصلاح ومحاربة الفاسدين، كحل لا بد منه لأزمات العراق الآن ومستقبلا وللتوجه نحو التغيير المنشود.

هل تعزز تعهدات الإدارة الأمريكية مواقف حكومة العبادي؟

مصطفى العبيدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية