القاهرة – «القدس العربي» : لم أكن يوماً من جمهور المطربة شيرين عبد الوهاب ولن أكون، فأنا متوقف عند مرحلة الطرب الشرقي الأصيل، وما زلت متعصباً لأم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب وعبد الحليم وفريد الأطرش وصباح وعفاف راضي، فهؤلاء من سمعتهم صغيراً وكبيراً وتربى عليهم وجداني ونمت مشاعري معهم، أحببت في هذه الأصوات صدقها ونبلها ووعيها وثقافتها، ولكن مع كل إيماني بأهمية الوعي والفكر والثقافة العامة بالنسبة للفنان إلا أنني ضد أن يؤخذ أي منهم بجهلة ويتم جلده بالقسوة، التي حدثت مع شيرين، فهي حين قالت إن ابنتها لا تفرق بين تونس وبقدونس، في إشارة إلى دولة تونس الشقيقة والعريقة، تقصد أن تسخر من سذاجة ابنتها، التي تخطئ أو تتلعثم في نطق اسم الدولة العربية، ذات الحضارة والتاريخ، ولأن شيرين كما نحن متفقون، تجهل خطورة ما تقول ثقافياً ودبلوماسياً فإنها تصورت أن عبارتها الفجة ليست أكثر من دعابة، خاصة أنها وردت على لسان طفله!
مشكلة شيرين أن جملة ابنتها العابرة تناقلتها الصحف العربية والدولية وانتزعتها من سياقها الساذج، فأعطتها أبعاداً لم تخطر على بال المطربة، التي تفتقد اللياقة وتتسم تصرفاتها وردود أفعالها بالخفة الشديدة، ولهذا تسببت من حيث لا تدري في أزمة كبيرة لنفسها مع الجمهور المصري والتونسي، فالأول نعتها بالجهل وتهكم عليها، والثاني اعتبرها خارجة عن حدود الأدب وفسر زلة لسانها على أنها تعريض بتونس ربيبة الفن والثقافة والحضارة وإهانه للجمهور التونسي قاطبة، وهو تفسير لا شك مبرر من الناحية الانفعالية، بينما هو على المستوى الموضوعي لا يمت لهذه المعاني بصلة، فشيرين شخصية بسيطة وعفوية ولا يمكن مقارنتها بأم كلثوم وفيروز وصباح وشادية ووردة ونجاة، لمجرد أنها تغني وتتمتع بقدر من الشهرة، من يؤاخذون شيرين على فعلتها نسوا فقدانها للتعليم وتحصيلها القليل للثقافة فهي مجرد فتاة شعبية أحست في نفسها الموهبة الفنية فسعت واجتهدت وكافحت وثابرت وعملت في مختلف الملاهي الليلية، حتى وصلت بعد تلطيم وتعذيب إلى ما وصلت إلية من النجاح والشهرة، فهي ليست خريجة «الكونسر فتوار» ولا التربية الموسيقية، هي نتاج رحلة شاقة ومشوار مضن في دروب الفن وحوارية وأزقته ولا يعيبها أبداً أن تكون فقيرة أو عصامية، العيب كل العيب فقط أن تكون قد قصدت الإساءة لتونس الحبيبة وشعبها الشقيق وهذا لم يحدث.
ذكرتني حادثة شيرين بتصريح نشرته إحدى الصحف العربية على لسان الفنانة نادية الجندي في عز مجدها، حيث نسبت الصحيفة لنجمة الجماهير وصفها لنفسها بأنها ملكة إغراء السينما العربية، وأضافت الصحيفة من جانبها إلى التصريح كلمة بذيئة نشرت مانشيتا رئيسيا في الصفحة الأولى فانقلبت الدنيا رأساً على عقب وحدثت أزمة كبيرة آن ذاك، وانتفضت النقابات الفنية، فتم الاعتذار رسمياً وصحافياً وهدأت العاصفة التي استمرت لعدة أسابيع، والمستهدف من هذا الاستشهاد أن الأخطاء واردة ومتوقعة ولا ينبغي أن تأخذ أكثر مما تستحق من ضجة، وأيضاً لا يصح أن تستخدم كسلاح لهدم فنان أو فنانة، فالاعتذار والندم يكفيان لرد الاعتبار والتكفير عن الخطأ أو حتى الخطيئة.
كمال القاضي