هل خرجت باكستان من بيت الطاعة السعودي؟

حجم الخط
3

منذ تأسيس باكستان عام 1947 بزغت علاقات هذا البلد مع السعودية على أنها ضرورة لأسباب عديدة، وقد سعيا لتطويرها في كافة المجالات على مدى العقود الماضية.
لكن السنوات الأخيرة أظهرت أن الجانب الباكستاني ملّ سياسة التبعية التي تطلبها السعودية في علاقتها مع الاخرين. فعندما تُقدم على عمل ما لتحقيق مصالحها، فإنها غالبا ما تطلب من الدول الأخرى التي تربطها معها علاقات وثيقة بالوقوف معها ظالمة أو مظلومة، متجاهلة بذلك مبدأ المصالح في العلاقات الدولية. هذا السلوك السياسي استخدمته كثيرا مع دول عربية وإسلامية عديدة، منطلقة من مقولة تتداولها الأوساط السياسية السعودية على أنها الشقيق الاكبر، الذي من حقه إجبار الاشقاء الاخرين على المثول لإرادته، في حين لا قيمة لهذا الفهم في العلاقات الدولية المبنية على المصالح المتعارضة والمختلفة.
وبحسب هذه النظرة فقد تعرضت العلاقات السعودية الباكستانية الى ضربتين قاصمتين في السنوات الاخيرة، الاولى عندما أطلقت السعودية ما سميت «عاصفة الحزم» لمحاربة ميليشيات الحوثي في اليمن، فامتنعت باكستان عن المشاركة فيها، بعد أن صوت البرلمان على عدم السماح للحكومة بإرسال قوات عسكرية. أما الثانية فقد كانت رفض باكستان الانصياع للأوامر السعودية في قطع العلاقات مع قطر، كما فعلت دول صغيرة أخرى تدور في الفلك السعودي، حيث حاولت إسلام آباد إمساك العصا من الوسط، لكنها في الحقيقة كانت أقرب إلى الموقف مع قطر من الموقف مع دول الحصار، لأنهم يريدونها تابعا لهم، بينما قطر تروم ترسيخ علاقة شراكة قائمة على المصالح المتبادلة بدون التأثير على استقلالية القرار الباكستاني. وقد صُدمت الاوساط السياسية في الرياض كثيرا من هذين الموقفين، معتبرة ذلك بمثابة نقطتين سلبيتين فاصلتين في تاريخ العلاقات بين الدولتين، خاصة أن الجانب السعودي يعلم جيدا أن باكستان لم تعد لها كفة واحدة فقط تضع السعودية فيها، بل باتت لديها كفتان واحدة للسعودية والاخرى لإيران، فعلى الرغم من زيارات المسؤولين الباكستانيين المتكررة للرياض، وتصريحاتهم حول قوة العلاقة بينهما، كتصريح رئيس الوزراء الباكستاني خلال لقائه العاهل السعودي، من أن أمن المملكة خط أحمر بالنسبة لباكستان، وتصريح الجنرال راحيل شريف خلال زيارة ولي العهد السعودي الى إسلام آباد في يناير 2016، بأن من يفكر في التعرض للمملكة سيواجه بقوة باكستان المسلحة، إلا أن كل ذلك كلام سياسي يحدد صدقه من عدمه قيمة المصالح التي تربط باكستان بهذا الطرف أو ذاك.
صحيح أن باكستان ترتبط بعلاقات وثيقة وتاريخية مع المملكة السعودية تحكمها العوامل الاقتصادية والعسكرية والدينية، ففي السعودية يتواجد أكثر من مليون ونصف المليون مواطن باكستاني، وصلت قيمة تحويلاتهم المالية الى أكثر من أربعة مليارات دولار سنويا. وهناك مئات الاتفاقيات التجارية والعسكرية المتبادلة، لكن تبقى السعودية بعيدة جغرافيا عن باكستان، وبالتالي فإنها تأخذ بنظر الاعتبار القرب الجغرافي الايراني إليها على حساب السعودية في بعض الأحيان. فالحدود الايرانية هي مع أقليم باكستاني غني بالمعادن، وفيه يتواجد انفصاليون مسلحون، هذه المحاذاة الجغرافية بين البلدين جعلت صانع القرار السياسي الباكستاني يفكر كثيرا، قبل اتخاذ أي قرار قد تحسبه طهران سلبيا ضد مصالحها، فالقرار الخاطئ سيعني حدوث حالة توتر على الحدود وهو ما لا تريده إسلام آباد، لأنه قد يقود إلى حرب طائفية بين السنة والشيعة فيها، لذا هي تحافظ دوما على البقاء في حالة من الحياد بين الطرفين، وهو ما دعاها إلى عرض وساطتها لإصلاح ذات البين بين الرياض وطهران، على الرغم من أن هذا الحياد تمقته الرياض كثيرا وتعتبره موقفا انتهازيا وغير مبدئي. هنا يجب الاشارة الى أن هنالك لوبيات قوية جدا في باكستان، تتمثل في قنوات فضائية وصحف محلية ورجال أعمال وسياسة، هم قوى ناعمة بيد إيران يدعون جهارا إلى نبذ العلاقة مع الرياض والعمل على تطوير العلاقات الباكستانية الايرانية.
كما أن العلاقات الاقتصادية الايرانية الباكستانية تطورت كثيرا، وشكّل مشروع مد خط أنبوب الغاز الايراني عبر الاراضي الباكستانية، الذي سيتم إكمال العمل فيه في نهاية العام الحالي، طفرة نوعية في العلاقات بين البلدين. وقد حاول الامريكان عرقلة إنشاء هذا الخط بالضغط على باكستان عام 2007، وتوقف العمل به لفترة، لكن باكستان عزمت على إنجاز المشروع على الرغم من التهديدات الامريكية بفرض عقوبات عليها، لأنها بحاجة ماسة الى كل ذرة طاقة، ما أجبر الامريكان على التوقف عن لعبة الضغط لانهم يعلمون جيدا أن ذلك سيجعلها خارج الطاعة والسيطرة الامريكية، وقد تبحث عن مخارج أخرى خارج المزاج الجيوستراتيجي الذي يجمع الطرفين، خاصة أنهم يشعرون بأن باكستان الاقرب لهم فكرا ونموذجا بالمعنى الجيوسياسي ستراتيجي كي تكون وصيا أو حارسا لمصالحهم في المنطقة. هنا يبرز صانع القرار في إسلام آباد الذي استغل أهمية بلاده للمصلحة الامريكية، فتحرك لتنفيذ المشروع مع إيران خدمة لمصالحه، ما يؤكد على أن صانع القرار في هذا البلد يعرف جيدا من أين تؤكل الكتف، ويتحرك مستغلا حاجة الآخرين إليه لتحقيق مصالحه. وهنا أيضا يبرز جهل السياسة السعودية التي تضغط عليه لمصالحها فقط بدون مراعاة مصالحه أيضا، ما سيدفعه الى الخروج عن الطاعة والارتماء في أحضان إيران، إن استمرت الرياض في النظر إلى الآخرين على أنهم أجراء وليسوا شركاء، تريدهم فقط أن يلحقوا بها في كل محفل أو موقف تقرره تبعا لمصالحها هي وحدها.
إن المآخذ على السياسة الخارجية السعودية كثيرة جدا، وإن الكثير من المراقبين يرون أن عامل الزمن لم يوفر لحد الآن فرصة لإنضاج سياسة خارجية ناجحة، بل يستغربون عدم حصول تراكم خبرة، على الرغم من دخولها إلى الكثير من المحافل الدولية، واحتكاكها بالعديد من الأحداث الدولية، لكن البعض منهم يرجعون السبب في ذلك الى أن المملكة أمضت كل سنوات عمرها لتحقيق أهداف السياسة الامريكية في المنطقة، ما أفقدها القدرة على صنع سياسة تؤمّن بها مصالحها وتحقق من خلالها أهدافها الوطنية. اليوم هي تريد أن يضع الآخرون مصالحهم وقودا في ماكنة القرار السياسي السعودي، كي تسير لتحقيق مصالحها، وهذا مستحيل أن يحصل في عالم اليوم، فلقد باتت الخيارات أمام الدول كثيرة، وأمسى الضغط والتهديد والابتزاز غير فاعل، خاصة بين الدول ذات المستوى السياسي الواحد على صعيد القدرة السياسية والاقتصادية والعسكرية، فباكستان على الرغم من أنها دولة ليست بالعظمى، لكنها في الوقت نفسه ليست دولة من السهولة قيادتها فتنصاع الى الاخرين. ومهما كان للسعودية من استثمارات سياسية في العديد من الوجوه السياسية الباكستانية، ومهما ترى نفسها لاعبا مهما في تلك الساحة، فإن أحدا لن يستطيع أن يمنحها الضوء الأخضر كي ينطلق المسار السياسي الباكستاني كعربة خلف السياسة السعودية مطلقا.
باحث سياسي عراقي

هل خرجت باكستان من بيت الطاعة السعودي؟

مثنى عبدالله

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    هناك شيئ واحد بين السعودية وباكستان أقوى من أن تضعف العلاقات بينهما وهو السلاح النووي الباكستاني الذي إستثمرت فيه السعودية منذ عدة عقود بعشرات المليارات ليكون سلاح ردع مقابل للسلاح النووي الصهيوني
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول د.مثنى عبدالله:

    السلام عليكم…ليست السعودية وحدها من أستثمر في القنبلة النووية الباكستانية بل دول عربية أخرى كي تكون قنبلة عربية أسلامية , لكن كل الظروف التي أحاطت بالمشروع قد تغيرت تماما ولم يعد للسعودية ذلك التأثير. كما أن الباكستان أصبحت لها القدرة السياسية على عدم الانصياع التام للارادة الامريكية التي هي أكبر وأقوى تأثيرا عليها من الارادة السعودية…..مع التحيات

  3. يقول صوت من مراكش:

    لا اعتقد ان السعودية قد تستثمر في شيء ضد الصهاينة ولو كان

    ذلك الاستثمار يهدف حتى لانقاد شجرة الزيتون بفلسطين فما بالك

    بالسلاح النووي الاستثمارات السعودية التي لا يكذبها واقع تتجلى

    بأرض سوريا و اليمن و العراق ومصر حفظ الله ارض العروبة و الاسلام

    من هكذا استثمارات المملكة العربية السعودية لا تحترم سيادات الدول الشقيقة

    و لا خصوصيات شعوبها وثقافاتهم وهذه من سمات الشقيق الاكبر الذي يطمح

    في ميراث اشقاءه و لو كانت بهم خصاصة

    تحياتي

إشترك في قائمتنا البريدية