يوجد اليوم ما يناهز 7000 لغة في العالم، يتوقع معهد الدراسات الاقتصادية النمساوي أنَّ يندثر نصفها مع حلول 2100. وتوجد 2000 لغة يقلُّ عدد الناطقين بها عن 1000 نسمة، وهي كلّها مهدّدة بالانقراض، وتُقدَّر نسبة انقراض اللغات في العالم بلغة كلّ 14 يوما.
ومن اللغات المنقرضة اللاتينية، لغة الإمبراطورية الرومانية العملاقة. وآخر لغة منقرضة في الوطن العربي هي النوبية في مصر قبل سنوات قليلة.
فهل ستلقى اللغة العربية مصيرا مماثلا؟ يعتقد بعضنا أنَّ ذلك ممكن بل حتمي، معلّلا ذلك بعقم العربية وتخلّفها، من دون تقديم حجج وبراهين وجيهة يقبلها العقل، أبعد ما يكون عن الموضوعية والمنطق، إذ أنَّ كلّ المعطيات الواقعية والتقارير الدولية والأرقام الموثوقة يفنِّد ذلك ولا يوحي أنَّ العربية ستموت يوما. إذا سالت شخصا في لندن أو الجزائر أو الرياض أو سيدني عن سر بقاء اللغة العربية قال بلا تردد: هي لغة القرآن الكريم. فاقتران اللغة العربية بالقرآن الكريم والإسلام أضفى عليها دون غيرها مقاما مقدّسا. فالعربية هي اللغة المفضَّلة التي نزل بها القرآن الكريم في قوله تعالى «إنَّ أنزلناه قرآنا عربيا»، واللغة الوحيدة التي يُتلى بها هذا الكتاب في شتى الثقافات، ولغة العبادة الوحيدة التي يلجأ إليها المسلمون من كلّ الأصول العرقية والثقافات البشرية لأداء شعائرهم الدينية، لا غنى لهم عنها، مما يفسر الاهتمام العظيم بها والحرص الشديد على تعلمها، وهو ما يُثقل موازنها ويعزز مكانتها ويرجِّح كفتَها للخلود. وبخلاف ذلك، فإنَّ اللاتينية لم تكن على الاطلاق لغة الإنجيل الوحيدة، فقد كُتب أيضا باللغة الآرامية واللغة العبرية، حسب المصادر الغربية نفسها. وهو اليوم مترجم إلى أكثر من 2000 لغة في العالم بصِيغٍ مثيرة للجدل، فالنصّ يفقد جمالياته وحتى معناه في الترجمة، فاليوم الشخص الذي يتقن لغتين يشعر لا محالة بالاختلاف، وهو يقرأ نصوص الإنجيل المترجمة في اللغتين. ولا شيء أوضح وأدق من الأصل، والعربية هي لغة القرآن والإسلام الأصل والوحيدة.
والخط العربي نفسه شاهد على عبقرية اللغة العربية وعظمتها وتألّقها وبقائها. فبعد أنّ بدا متواضعا أثناء نشأته، نما واكتمل وبقي عبر العصور منسجما، موحدا، مميزا، مستمدا قوته ونفوذه من الإسلام الذي أضفى عليه صفة مقدسة تمنع استبداله بخطوط أخرى، أو المساس به. وها هو فن زخرفة الخط العربي يشهد تطورا لم يشهده خط آخر في أي لغة أخرى في الدنيا، تتوارثه الأجيال منتجا أروع لوحات زخرفية، هي اليوم جزء لا يتجزأ من ديكور المنازل والمكاتب والمرافق الأخرى في العالم الإسلامي، متفوّقة على أشهر اللوحات الزيتية في العالم.
واللغة العربية هي اللغة الأم والرسمية في 26 دولة عربية تشغل شمال أفريقيا والشرق الأوسط ممتدة من المحيط الأطلسي غربا إلى الخليج العربي شرقا، ومن أعماق القارة السمراء جنوبا إلى البحر المتوسط ومشارف أوروبا شمالا، وهي اليوم لغة لأكثر من 400 مليون نسمة في العالم، والرقم في ارتفاع مستمر!
وفي أمم أخرى، إن لم تكن اللغةُ العربية اللغةَ الأولى والأم فهي اللغة الثانية أو الأجنبية لأكثر من مليار شخص في بلدان غير عربية مثل، تشاد وإريتريا وتنزانيا وباكستان والهند وإندونيسيا وجزر القمر وغيرها، يدرسها المواطنون.
ولم يعد انتشار اللغة العربية منحصرا في البلدان العربية والإسلامية. فها هي العربية تنتشر في البلدان الأوروبية وأمريكا، من خلال المهاجرين واللاجئين العرب حتى أنّ مكتب الإحصاءات الأمريكي أعلن سنة 2014 أنَّ العربية هي اللغة الأجنبية الأسرع نموا في الولايات المتحدة الأمريكية. وتؤكد التقارير أنَّه بين 2010 و2014، ازداد نمو العربية في الولايات المتحدة بنسبة 29 بالمئة.
وفي أوروبا في الضفة المقابلة للمحيط، ها هي العربية تزداد انتشارا وأهميَّة. ففي المملكة المتحدة، تحتوي 10 جامعات على أقسام عربية. وها هما المجلس البريطاني والمؤسسة القطرية يعرضان منحا لدعم المدارس التي ترغب في إدراج اللغة العربية في التدريس. وها هو تقرير المجلس البريطاني يعتبر العربية إحدى اللغات العشر الأكثر أهمية لمستقبل بريطانيا.
وها هي اللغة العربية تتقدَّم على مئات اللغات في العالم لتصبح سنة 1974 إحدى اللغات الست الرسمية في الأمم المتحدة رفقة الصينية والإنكليزية والفرنسية والروسية والاسبانية.
إنَّ من معجزات اللغة العربية أنها حافظت على مقوماتها من حروف وأصوات وقواعد النحو والصرف وغير ذلك عبر العصور، ومع ذلك أثبتت أنها لغة مرنة منفتحة تستوعب التغيرات وتُجَاري التطور الحضاري، تدخُلُها يوميا مصطلحاتٌ علمية وتكنولوجية وطبية وغيرها، تضاف إلى ما تزخر به من ألفاظ وتعابير ومترادفات ومتجانسات، مما يجعلها من أكثر لغات العالم ثراء. فما دخل عليها من تغيرات لم يمس معاني الكلمات ومدلولاتها أو طريقة نطقها الصحيحة، وإنّما هو مجرد نقطٍ للكلمات وشكل لها، وخير مثال على ذلك القرآن الكريم الذي ما زال يتلى تواترا ومشافهة منذ نزوله إلى يومنا هذا بالحروف والأصوات نفسها! وبينما يستطيع العرب اليوم قراءة الكتب العربية المصنَّفة قبل 1400 سنة، فإنَّه ليس باستطاعة العامة قراءة الكتب اللاتينية حتى ما كُتب منها قبل 500 سنة، عدا من كان متخصصا في دراسة هذه اللغة القديمة. واليوم يستعجل بعضنا وفاة العربية وهي في عنفوان شبابها، كما يستعجل الأبناء العاصون وفاة والدهم لتقاسم التركة، وهنا يُطرَحُ السؤال: ما الذي نرثه بعد موتها؟ وأي لغة تقوم مقامها إن كنّا لا نحسن لغة غيرها؟
وبينما ينعى قومُها وفاتَها من غير حجج، وهي من مقومات هويتهم وجزء من تراثهم وهم من أهلها ويعيشون في أرضها ولا غنى لهم عنها، ها هو ردّ الاعتبار يأتينا من وراء البحار، من أمم لا تنطق بها ولا تكتب بها وليست اللغة العربية منهم ولا هم منها في شيء، فها هي جامعة أكسفورد البريطانية تؤكد أنّ اللغة العربية هي السبيل إلى معرفة الوطن العربي الحديث، وتعترف هذه الجامعة الشهيرة عالميا بأنّ اللغة العربية كان لها بالغ الأثر في كامل أرجاء العالم الإسلامي بفضل مقامها المقدس، وبينما نعيب اللغة العربية ونرميها بالعقم والتخلف، وما العيب فيها وإنما فينا لعدم إتقانها والاستخفاف بها، ها هي الولايات المتحدة تلزم دراسة العربية في المدارس العمومية منذ 2012 وها هي الحكومة الإسرائيلية تصادق على قرار يلزم دراسة العربية سنة 2015 وها هي التقارير الأمريكية تؤكد أنَّ العربية هي اللغة الأجنبية الأسرع نموا والأكثر طلبا في الدراسة، وكيف لا وقد فاق التسجيل لدراسة العربية في أمريكا في السنوات الأخيرة كلّ التوقعات، فقد ازداد بنسبة 126.5 بالمئة بين 2006 و2009، وها هي الأمم المتحدة تسجل معظم الأبحاث والدراسات والوثائق المهمة وحتى المعاهدات الدولية باللغة العربية لتكون متاحة للأجيال القادمة، وهذا اعتراف ضمني بخلودها، فهل يعقل أن تموت لغة في وزن العربية وأهلها أحياء يرزقون وفي تكاثر مستمر، بخلاف اللغات المنقرضة بانقراض قبائلها؟! وكيف تموت وقد أثبت العربي عبر العصور، ورغم الاستعمار والقهر، تشبُّثه بها وعدم اهتمامه بغيرها لاقترانها بهويته وديانته؟ وهل يحق لنا الحديث عن موت اللغة العربية وهي، كما تشير إلى ذلك الأرقام، تنمو نموا عجيبا في سائر أنحاء الدنيا، أذهل العالم والولايات المتحدة نفسها، لا شك أنّ ما يُلصَقُ باللغة العربية من ادعاءات منذ قديم الزمان سيستمر لأجيال، لكنه لن يؤثر على الإطلاق في مرور قافلة اللغة العربية وتقدّمها بخطى ثابتة نحو المستقبل. وهل يؤثِّر في مرور السحاب نباحُ الكلاب.
كاتب جزائري
مولود بن زادي
والله كم سعدت بقراءة هذاالمقال وكم أفرحني حقيقة ان غير الناطقين بهذه اللغة كما أشار تقريركم هم يرفعوا هذه اللغة وبدؤا يدرسونها ان كان في أوربا وأمريكا وكم أحزنني من جانب اخركيف يتعامل أهل هذه اللغة معها وكيف يفرح الواحد منهم عندما يرسل أولاده لتعلم لغات اخرى ويتباه به بين الناس ان أولاده يتكلمون الفرنسية او الانكليزية او الأ لمانية وغيرها لا تقوم قاءمة لأي لغة الا على اكتاف اهلها
مقال قيم فعلا، أحيانا كثيرة نحتاج لهكذا مواضيع ترفع من معنوياتنا و تحيي فينا و لو قليل من الأمل.
ما يفعله الغرب عموما و اسرائيل خصوصا تجاه اللغة العربية ليس حبا فيها أو لإطالة عمرها و إنما لغايات في نفوسهم، على كل هي خدمة مجانية للغة العربية من طرفهم بينما يعمل قومها على تشويهها و التعجيل بوفاتها و لكن هل يستطيعون؟ كلا لن يتسنى لهم ذلك و لو في أحلامهم.
قالت الأديبة اللبنانية مي زيادة في مطلع القرن العشرين
ستظل اللغة العربية خالدة مادام اكثر من ٣٠٠ مليون ( وكان هذا عدد المسلمين حينها) يضعون يدهم على القران حين يقسمون
لقد اختار المولى عز وجل اللغة العربية في القران الكريم لنقل رسالة الاسلام للناس اجمعين وتعهد بحفظه وبالتالي حفظ اللغة العربية
ان تخلف اللغة العربية كلغة حضارة ناتج عن تخلف العرب وقد ظهر الان مسلك جديد في الهجوم على الاسلام وهو تمزيق العرب وتدمير بلادهم وهومايجري الان في الوطن العربي ولكن هذا سيفشل ان شاء الله
ان عنوان المقال مزعج وكونه مصاغ كسؤال يمكن ان يقود الى الشك ولكن محتواه جيد فاللغة العربية ليست في موضع مقارنة مع لغات منقرضة كاللاتينية او غيرها وهذا ماخلص اليه الكاتب وحسنا فعل
شكرا لكم سيدي الكاتب مولود بن زادي