جرت مياه كثيرة تحت جسر الأردن في السنوات الماضية. والمحصلة أن هذا البلد الصغير والهشّ وجد نفسه في مواجهة جبهات مفتوحة، أشدها تعقيدا وخطورة يقودها من ظنَّ، إلى وقت قريب، أنه حليفه الطبيعي: السعودية بقيادة الأمير محمد بن سلمان. هذا الأخير شكّل محوراً جديدا مع من ظُنَّ، إلى وقت قريب، أنهم أشد حلفاء الأردن عالميا: الولايات المتحدة وإسرائيل. هذا المحور «استولى» بسرعة وسهولة على الملف الوحيد في يد الأردن، القضية الفلسطينية.
ظاهريا، لا تبدو السعودية جاهزة للتعاطي اليومي مع الملف الفلسطيني. ومنطقيا لن تفلح الرياض في تعاطيها مع الملف أفضل من عمَّان. لا لسبب إلا لأنها بعيدة جغرافيا ووجدانيا، وعديمة خبرة في التعامل اليومي مع الملف الشائك. لكن الواقع شيء مختلف. أقلع قطار محور واشنطن ـ الرياض ـ تل أبيب، تاركا عمّان وراءه.
احتجت عمان، ولو على استحياء، فارتد عليها الأمر وها هي تدفع الثمن تهميشا إقليميا وغضبا شعبيا داخليا عارما.
«الغدر» الذي تعرض له الأردن لم يكن من السعودية وحدها. إسرائيل وأمريكا «باعتاه» هما أيضا بسهولة وهرولتا نحو السعودية. في هرولتهما نحو السعودية، تبحث تل أبيب وواشنطن عن بديل قوي يحمل الكثير من الرمزية والقوة المعنوية التي تؤهله للتأثير إقليميا أكثر من الأردن. ومَن أفضل من السعودية لتجد الدولتان ضالتهما فيه؟ أما السعودية، فـ»باعت» الأردن وهرولت نحوهما ضمن بحثها المستميت عن كل ما من شأنه أن يلجم إيران. ومَن يجرؤ على لجم إيران أفضل من إسرائيل والولايات المتحدة؟
لماذا «باعت» السعودية الأردن؟ أيًّا كان التحليل، لن يخرج عن «صفقة القرن» والهوس السعودي بإيران والأزمة الخليجية. الملك عبد الله ارتكب أكثر من «خطأ» بالمفهوم السعودي. أبرز الأخطاء مشاركته في مؤتمري القمة الإسلاميين في تركيا في منتصف كانون الأول (ديسمبر) 2017 وفي 18 من الشهر الماضي، على الرغم من ضغوط سعودية لثنيه عن المشاركة بسبب انعقاد القمتين في تركيا أولاً وحضور إيران ممثلة برئيسها ثانيا. وثاني الأخطاء مصافحة العاهل الأردني للرئيس الإيراني حسن روحاني بينما كانت السعودية، ومعها الولايات المتحدة وإسرائيل، تنتظر منه الابتعاد عن روحاني قدر الإمكان. ثالث الأخطاء أن الأردن اختار عدم الضلوع في معاداة قطر ومقاطعتها بالقوة التي تتمناها السعودية والإمارات (عدا عن المزاج العام الأردني غير المعادي لقطر، لا تخفي الأوساط السياسية والنخبوية قناعتها في لاجدوى تورط المملكة في الأزمة الخليجية). مشاركة ملك الأردن في القمتين الإسلاميتين هي نتيجة طبيعية لـ»ليونة» أصبحت تبديها عمَّان تجاه طهران، على الرغم من العداء المستفحل بينهما منذ قرابة 40 سنة، وعلى الرغم من أن العاهل الأردني كان أول من حذَّر الأمريكيين وجيرانه مما بات يُعرَف لاحقا بالهلال الشيعي. كان ذلك بُعيْد غزو العراق في 2003 وصعود إيران كلاعب إقليمي لا غنى عنه. والليونة لا تفسير لها أيضا خارج القناعة الأردنية بأن إيران خصمٌ يُفضّل التفكير في ترويضه بدلا من معاداته بتهور. كما يجب البحث عن أسباب الليونة في «صفقة القرن» وتعمد الرياض تهميش الأردن عقابا له على عدم انصياعه المطلق للسياسة الخارجية السعودية. ولماذا «باعت» أمريكا وإسرائيل الأردن؟ هنا لا مفر من «صفقة القرن» وكذلك تراكمات عدة عقود من حضور الأردن كطرف وازن ـ بحكم الأمر الواقع ـ في القضية الفلسطينية. ليس مستبعداً أن يكون التفكير الإسرائيلي والأمريكي اليوم هو أن عمَّان لم تثبت قدرة كافية على التأثير بعمق في الفلسطينيين، على الرغم من ضعفهم وانقسامهم، ولم تبدِ استعداداً أو قدرة لليِّ ذراعهم، الشيء الذي أبقى القضية الفلسطينية معلقة تزداد تعقيدا يوما بعد يوم. الأمريكيون تجار، والإسرائيليون يبحثون عن مصلحتهم. والأردن، الذي ظل يتصرف كدولة قوية، ليس زبونا بإمكانه منافسة السعودية لدى البيت الأبيض. وليس لاعبا يستطيع حماية المصالح الإسرائيلية، وتسويقها في الوقت المناسب، كما ستفعل السعودية. في السابق كان الأردن يتلقى المساعدات ويحصل على الامتيازات بلا مقابل. اليوم، كل شيء بثمن، وبالخصوص المواقف. لذا من غير المنطقي الفصل بين التغيّرات الإقليمية والاضطرابات التي عاشها الأردن في الأيام القليلة الماضية. في النهاية، همّ الأردن عنوانه لقمة العيش والاستقرار الأمني والاجتماعي. والعدو قبل الصديق يعرف أن الأردن يكافَأ ويُعاقَب من بوابة هذا الهمِّ. هذه المرة نحن أمام عقاب. والعقاب قد يكون ناعما في شكل خنق بطيء بتقليص المساعدات المالية والامتيازات الاقتصادية، وقد يكون أسوأ وأقسى فيأخذ شكل عبث بأمنه الداخلي. العقاب «الناعم» موجود بلا شك. السؤال هو: هل امتدت الأيادي السعودية والإماراتية للعبث بالأردن انتقاما منه؟ بالنظر إلى الأدوار التخريبية التي باتت تستهوي حكام السعودية والإمارات الجدد، لا يجوز سحب النوع الثاني من على طاولة الاحتمالات، والتاريخ وحده سيكشف الحقيقة. اليوم، الأردن مُطالب بإنقاذ نفسه. وأولى خطوات الإنقاذ أن يبدأ رحلة التحرر من حلفاء مزيفين، مزاجيين ولا يؤتمن جانبهم، تتقدمهم السعودية والإمارات.
كاتب صحافي جزائري
توفيق رباحي
من باب التذكير لمن لا يعلم, ان الاردن ممثلا بشعبه الاردني , حمل مخرجات كل الحروب وخراب الربيع العربي
ابتداء من العام 1948 حتى الان, كل الشكر لبلد يستضيف قرابه 6 ملايين لاجى وما زال على قيد الحياه,
1- اللجوء الفلسطيني العام 1948
2- اللجوء الفلسطيني مكرر 1967
3- اللجوء اللبناني1978
4- اللجوء العراقي 1991
5- اللجوء الفلسطيني مكرر 1991
6- اللجوء اللبناني 2006
7- اللجوء اليمني 2015
8- االلجوء الليبي 2014
وسنبقى نقول اهلا بكل عربي ضاقت عليه الارض وشكرا لشعب الاردن.