تونس – «القدس العربي» : على مدى عقود طوال، تحكّمت مراكز السلطة الأساسية (قرطاج والقصبة وباردو) بشكل متفاوت في القرار السياسي في تونس، وإن كانت الغلبة أساسا لقصر «قرطاج» صاحب القرار الأول والأخير في البلاد الذي شكل حينها مصدر هيبة كبيرة لدى عموم التونسيين على اعتبار أن نظام الحكم حينها كان رئاسيا.
غير أن هذا الأمر تغير بشكل كبير بعد الثورة في إثر انهيار نظام حكم الشخص الواحد الذي وضعه الحبيب بورقيبة ورسّخه زين العابدين بن علي، حيث برزت مراكز نفوذ أخرى مؤثرة في صناعة القرار السياسي كـ «مونبليزير» مقر حركة «النهضة» خلال حكم «الترويكا» بشكل خاص وبعدها، و«البحيرة» (او «اللاك» كما يسميها التونسيون) مقر «نداء تونس» الحزب الأول بعد انتخابات 2014، فضلا عن أن الدستور الجديد عدّل نظام الحكم إلى شبه برلماني، حيث منح سلطات أكبر لرئيس الحكومة على حساب رئيس الجمهورية، وبالتالي كان من الطبيعي بروز «القصبة» (مقر رئاسة الحكومة) و»باردو» (مقر البرلمان) على حساب «قرطاج»، ولو أن هذا الأمر تغيّر لاحقا في عهد الرئيس الباجي قائد السبسي، الذي يرى بعضهم أنه بات حاليا المتحكم الرئيسي في القرار السياسي في البلاد.
ويرى محمد القوماني عضو المكتب السياسي لحركة «النهضة» التونسية أن مراكز السلطة السياسية في تونس «في ظل دستور 2014 الذي أعاد توزيع السلطات، ربما تراجعت نسبيا أهمية بعض المواقع، وأقصد هنا قصر قرطاج الذي ظل برغم ذلك يتمتع بأعمية كبيرة لأنه يرمز إلى الدولة التونسية من خلال رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب ولكن بصلاحيات سياسية أقل ونظام شبه برلماني قلص من صورة نمط الحكم الذي تعود عليه التونسيون والذي كان أقرب للنظام الرئاسي».
ويضيف لـ «القدس العربي»: «رمزية هذه الأماكن (قرطاج والقصبة وباردو) ما زالت قائمة في عقول ومشاعر التونسيين بدليل أن الاحتجاجات عندما تكون ذات صبغة اجتماعية او سياسية تتوجه إلى هذه المراكز خاصة مركز الحكومة بالقصبة بالدرجة الأولى لأن رئيس الحكومة يتمتع في الدستور الجديد بصلاحيات واسعة جدا وهو المسؤول الفعلي عن إدارة شؤون البلاد، ولكن أيضا نتيجة أهمية البرلمان أيضا وتأثير السلطة التشريعية ومراقبتها للسلطة التنفيذية، هناك اعتبارية متعاظمة لباردو مركز البرلمان الذي لم يعد يأتمر بالسلطة التنفيذية كما كان في السابق بل أصبح مركزا مستقلا بذاته وصاحب رقابة على السلطة التنفيذية، وربما تراجعت أهمية قصر قرطاج نسبيا بمقتضى الدستور، ولكن كاريزما السبسي ومكانته كرئيس سابق للحزب الذي فاز في الانتخابات تعطيه حضورا ورمزية ربما أكثر مما يعطيها له الدستور».
وحول حضور حي «مونبليزير» بشكل كبير في الإعلام خلال السنوات الأخيرة، يبرر القوماني ذلك بأن المكان «يرمز إلى مقر حركة النهضة الحزب الرئيسي الذي فاز في انتخابات 2011 والثاني في انتخابات 2014 والشريك الرئيسي في الحكم مع نداء تونس، وبالطبع هذا الحزب له ثقل كبير في البرلمان حيث يستمد رمزيته السياسية من كتلته الكبيرة (أكبر كتلة برلمانية حاليا) فضلا عن كونه قِبلة شخصيات سياسية داخلية وخارجية وهذا يعطيه مكانة متميزة في المشهد السياسي، ولكن من دون أن يتحول إلى أحد مراكز السلطة فهو في نهاية الأمر يظل مركزا لأحد الأحزاب الرئيسية وليس رمزا للسلطة في تونس».
غير أن اللافت خلال السنوات الأخيرة هو تراجع «هيبة» مراكز السلطة والسيادة في تونس، حيث باتت الشخصيات الأساسية تتعرض للنقد الكبير والتجريح أحيانا، سواء من قبل أعضاء البرلمان أو من قبل وسائل الإعلام، وهذا الأمر كان شبه مستحيل قبل الثورة التي جاءت بجرعة كبيرة من الديمقراطية والحرية، حيث يرى بعض المراقبين أنه «أسيء» استخدام هذه المكاسب من قبل بعضهم.
ويقول د. عبد اللطيف الحناشي المؤرخ والباحث السياسي «للأسف، بعد الثورة حصلت تحولات كبيرة في القيم الأخلاقية والاجتماعية ومنها نظرة التونسي لهذه المؤسسات (الرئاسة والحكومة والبرلمان) وذلك نتيجة الانفلات الذي لعبت العديد من الأطراف ومن بينها وسائل الإعلان دورا في ترسيخه، إضافة إلى اعتلاء بعض الشخصيات مناصب سياسية أساؤوا خلال وجودهم فيها (بتصريحاتهم وسلوكهم السياسي) لهذه المراكز الحيوية في البلاد التي تمثل السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وهذا الأمر أدى إلى تقليص «الهيبة» التي كانت تتمتع بها هذه السلطات ومن يوجد على رأسها، سواء في البرلمان أو رئاسة الدولة أو الحكومة أو غيرها».
ويضيف لـ «القدس العربي»: «وعزز هذا الانفلات بعد الثورة، وجود تجاوزات قام بها العامة تجاه رموز السلطة منذ حكومتي محمد الغنوشي الأولى والثانية وحتى رئاسة الباجي قائد السبسي، ونذكر أيضا بأن السبسي حين كان رئيسا للحكومة وصف الأمن بأنهم كلاب، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا سلبيا في هذا المجال، فحين تم «الاعتداء» على الرئيس السابق منصف المرزوقي والوفد الرئاسي والحكومي المرافق له خلال الاحتفال بذكرى الثورة في ولاية سيدي بوزيد، ساهمت هذه الوسائل بتداول الحادث بشكل مكثف وهو ما عزز تراجع هيبة هذه المؤسسات (الرئاسة والحكومة) لدى العامة، كما أننا نلاحظ يوميا عبر هذه الوسائل وغيرها تبدلا للشتائم أوالأساءة لعدد من الرموز الوطنية من كل الأصناف (سواء رؤساء الأحزاب أو الوزراء او حتى رئيسي الدولة والحكومة، وهذه الظاهرة نتمنى أن تنحسر مستقبلا، حتى تكون الحياة السياسية أفضل مما هي عليه الآن».
ويشير، من جانب آخر، إلى تعاظم دور بعض الأماكن بعد الثورة كـ «مونبليزير» الذي يرى أنه ما زال يلعب دورا كبيرا في الحياة السياسية في تونس «حيث يتحدث بعض المحللين عن «حج» بعض الشخصيات إلى مونبليزير أو «اللاك»، وإن كانت الأولى أكثر حضورا من «اللاك» حيث مقر حزب «النداء» الذي تسببت الصراعات داخله بانطباع سيئ لدى العامة عن هذا المكان، في حين أن مونبليزير ما زال يمثل مكانا لاتخاذ القرار السياسي المؤثر في البلاد ومستقبلها».
وكان الرئيس الباجي قائد السبسي دعا إلى مراجعة النظام السياسي في تونس، كما لمح إلى احتمال التخلي عن التحالف السياسي المستمر مع حركة «النهضة» التي شكك في «مدنيتها»، إلا التعديل الوزاري الجديد شهد زيادة في حصة النهضة، كما أنه كان جاء بعد يومين من لقاء جمع الرئيس التونسي والشيخ رشاد الغنوشي رئيس حركة النهضة، وهو ما دعا عددا من المراقبين إلى اعتبار الانتقادات الأخيرة التي وجهها قائد السبسي مجرد «مزايدة سياسية وانتخابية» قبل أشهر من الانتخابات البلدية.
حسن سلمان
نحمد الله على نعمة الثورة المجيدة فى تونس الحبيبة…على تونس و على العالم بأسره……..فاذا كان من سلبيات الثورة ” التجاوزات الكلامية ” فهذه نعمة أخرى نحمد الله عليها….فى أغلب الاحيان بعد الثورات …” الرؤوس تقتع….” فشىء من المنطق عند التحليل لما يجرى فى تونس العزيزة…..من فضلكم.