تعلو الأدخنة والصرخات التي تمزق صمت المدن والقرى والصحارى الخالية، وتتعدد الحروب العربية، ولا نرى شيئا من ورائها إلا ضحية تتكرر باستمرار، الإنسان في العالم العربي بكل تعدديته اللغوية والطائفية والعرقية، حتى أن موته المتكاثر أصبح لا حدث. الأرواح تبتذل عندما لا تجد من يجفف دمها أو يرفع من شأنها. فجأة عاد النظام القبلي العربي من جديد، بأدوات أكثر حداثة ماديا فقط وعسكريا، وبعقل لم يتغير كثيرا ولم تصبه الحداثة كفاعلية عقلانية وثقافية إلا قليلا.
وكأن العرب في النهاية يتقدمون إلى الوراء، لأنهم كلما التفتوا نحو ماضيهم القريب، شعروا بأنهم اختزلوه وعادوا إلى ما هو أبعد، نحو نظام ظنوا أن الحداثة التي تحيط بيومياتنا المادية، قد غيرته ودفعت به نحو خزائن التاريخ. لا شيء في الأفق يبشر بخير. وكلما فتحوا أعينهم على شيء جميل، لم يصدقوا أن في هذه الدنيا حفنة من الأمل على الرغم من أدخنة الحروب الأهلية.
في طرف وجيز تخلف العالم العربي إلى حوالي نصف قرن. فقد تراجعت خطط التنمية المختلفة في البلدان العربية قاطبة، من أكثر الدول غنى إلى أفقرها، وحلت محلها تشكيلات متعددة من الحروب: إما الحروب البينية كالعراق الذي يقاتل العراق بحثا عن عراق وطني يبتعد كل يوم قليلا، أو سورية التي تقاتل سوريا في ظل تفتت متسارع وكأنه قدر حتمي، أو ليبيا التي تصارع ليبيا في غياب أي وفاق محتمل بين المتقاتلين. أو الحروب العربية العربية التي لا نعرف حقيقة منتهاها ومداها ونتائجها أيضا.
هناك رائحة لاحتراق الجسد العربي. مهما يكون، فالحروب كيفما كانت، فهي إذا افترضنا أنها تسوي بعض الوضعيات الظالمة أو تزيدها تأججا، فهي في النهاية حرب، أي دمار شامل، لا يتوقف حتى عندما تتوقف هذه الحروب. بل يزرع أحقادا لم تكن موجودة من قبل. من هنا، فالوضع الذي نعيشه عربيا اليوم كشف لنا بشكل نهائي، الهشاشة التي يعيشها العالم العربي دولا وحياة يومية وشعوبا أيضا. آلاف الجروح تفتح في الجسد العربي ولا أحد يمكنه رتقها، بل حتى الاقتراب مخافة العدوى، بينما حتى الدول الأكثر أمنا اليوم بها فيروسات العالم العربي ستكبر وتتسع بكبر واتساع الحروب. فوق هذه الآلام المستشرية، آلاف المليارات تتبخر يوميا في الإنفاق العسكري العربي، الذي على الرغم من الأموال المدخرة، لم يستطع أن ينجز ترسانته العربية الرادعة للدفاع عن نفسه أولا، وضمان بعض التوازن الدولي الحيوي له مما يتهدده من مخاطر.
المخاطر أصبحت كارثية، والمصاب بعمى القلب هو من يرفض رؤيتها. على العكس من ذلك، في كل لحظة يبتعد العرب سنوات ضوئية عن هذا الحلم الذي راود الأجيال السابقة لا بهدف الحرب، لأن عالم اليوم تغير جذريا، وأصبح في غير صالح الأحلام العربية، ولكن على الأقل لحفظ النفس من أية ضربة مدمرة وقاصمة للظهر. فما كان يسمى تضامنا عربيا قبل زمن قصير، تبخر نهائيا في ظل الوضعيات العربية القلقة وغير المتجانسة. العرب اليوم، ليسوا في أحسن أروقة التنمية، فعلى الرغم من إمكاناتهم المادية الكبيرة، لم يستبقوا أي شيء، حتى الأخطار والحرائق التي تنشب في بيوتهم وحقولهم وألبستهم وتاريخهم. كان يمكن، قبل عقود خلت، أن يكون للعرب جيش موحد وقوي، هدفه ليس الاعتداء على الآخرين، مهما كانت الأسباب، ولكن حماية الحدود العربية من أي اعتداء خارجي على الأقل، مع التفكير بشكل وحدوي وليس أحاديا، أو درء الانقلابات، عسكرية كانت أم مدنية، ودفع المتصارعين نحو طاولة المحادثات وإيجاد الحلول السلمية. أي التحول إلى قوة يحسب حسابها محليا ودوليا، ولها المال القاعدي والسلاح الاستراتيجي الذي يمكنها أن تتكئ عليه في فرض خياراتها وقراراتها كما تفعل اليوم دول شبيهة كالصين وكوريا وإيران أيضا.
وبقي حلم قوة عربية رادعة، مجرد أضغاث مشروع بلا روح حقيقية، وبلا عمل جذري يراعي المصلحة المركزية للعرب. في عز التفكك الكبير الذي صاحب تقسيمات سايكس بيكو، وفي عز الحروب الاستعمارية الشرسة، استطاع العرب أن ينشئوا جيشا موحدا لمواجهة إسرائيل وحماتها، جيش الإنقاذ العربي، الذي كان يمكن أن يكون نواة أولى لهذا الجيش الافتراضي والدفاعي اليوم، لكن الخلافات العربية والخيانات السرية، دفعت به إلى التلاشي والهزيمة والموت. ثم جاء التعاون العسكري العربي – العربي بسرية تامة، في حرب أكتوبر 1973، الذي دمر خط بارليف، المفخرة الدفاعية الإسرائيلية العالية التقنية والدقة وقتها، لكن بعدها توالت الانكسارات والخيبات، وأصبحت فكرة التوازنات غير واردة.
جيش عربي قوي وموحد ضرب من ضروب الخيال والمستحيل، في وضع بائس عجز فيه العرب على أن تكون لهم كلمة موحدة في جامعة عربية عاجزة عن كل شيء بما في ذلك الحفاظ على وجودها الذي لم يعد اليوم يعني شيئا. لم يعد العرب حتى شريكا بسيطا في الحلول التي تفرض عليهم من فوق. أسوأ من هذا وذاك، فقد أخفقوا في إنجاز قناة تليفزيونية عربية موحدة، رابطة بين مختلف الدول العربية، تدافع عن حقوقهم الثقافية والسياسية، وتوصل رؤيتهم لعصرهم الذي يعيشون أفراحه ومكتشفاته ومخاطره أيضا، إن وُجِدت، إلى الآخر، لكي تجبره على الاهتمام بالمصالح الحيوية للعرب وله. لنا مثال في أفريقيا التي خنقتها الحروب الأهلية، فدفعت بها في النهاية نحو تكوين جيش أفريقي يدافع عن البلدان التي تتعرض للتدمير الديني المتطرف أو الطائفي أو المجتمعي. كيفما كانت قيمة هذا الجيش وقوته، فوجوده وحده يمنحه الاحترام، لأنه يؤمّن قليلا هذه الشعوب. لهذا فلا غرابة اليوم أن ننعي التضامن العربي بشكل شبه نهائي لأن الأحقاد تتراكم بشكل مخيف، ولم تعمل السنوات الماضية إلا على تعميقه أكثر فأكثر. لا شيء يبشر بخير. يبدو، من خلال ما نراه اليوم، أن المنطقة العربية ستشهد تمزقات كثيرة لاحقا، ستطال بقايا البلدان التي تمزقت أصلا عرقيا ودينيا وطائفيا، وقد تتبعها دول أخرى هي اليوم في منأى عن هذه المآسي، فالأوضاع الداخلية القلقة والوضع الدولي سيسرعان من وتيرة هذا التمزق الخطير. وكأن العالم العربي يموت شيئا فشيئا برضاه، وينحر نفسه بنفسه، إذ لا يوجد أدنى تفكير حي في الأوضاع المعيشة وكأن ذلك، في تصور المسؤول العربي الباطني، لا يقع إلا للآخرين.
لم يبق الشيء الكثير ثقافيا وحضاريا وأمنيا في الحواضر العربية التي استسلمت أو تكاد لسلطان القوة المفروضة عليها ولا قوة لها للمقايضة أو فرض قوتها، لا بغداد قادرة اليوم على تغيير مجري التاريخ المأساوي، ولا دمشق الشام تستطيع أن تنظر بعيدا نحو زمن فيه بعض البياض، ولا من طرابلس التي أغرقتها أدخنة البارود وضربات الإخوة، ولا حتى اليمن السعيد الذي لم تبق من سعادته إلا علامات تاريخية بدأ القتلة الجدد يدمرونها ويسرقونها.
بدأ التاريخ وقيم البطولة والشهامة، والأنوار القديمة التي اجتمع العرب حولها ذات زمن، تتحول إلى خراب مهول بدأ يأتي على الأخضر واليابس.
قد يكون هذا مجرد ناقوس خطر وتحسس للآتي، ربما كان ما ينتظر العرب أخطر بكثير مما نتحدث فيه، إذا لم يستوعبوا أن النار أصبحت في بيوتهم، ولم يستبقوا، ولو بقليل، الزمن المتبقي لهم، لكن هذا كله يحتاج إلى ذهنية أكثر اتساعا مما هي عليه اليوم وأكثر إدراكا للمخاطر المحدقة.
واسيني الأعرج
المشكلة القديمة هي احتلال اسرائيل لفلسطين
المشكلة الجديدة هي احتلال ايران للعراق وسوريا ولبنان واليمن
فما لم نتخلص من المشكلة الجديدة فلن نلتفت للمشكلة القديمة – مع الأسف
ولا حول ولا قوة الا بالله
* مع احترامي لرأي الأخ الكاتب أخالفه في قوله :
( جيش عربي موحد مستحيل وخيالي ) ؟؟؟
** تكوين هذا الجيش العربي ( ممكن ) على شرط يبدأ :
* من دول مجلس التعاون مع ( مصر // الأردن // المغرب ) .
* يوجد تفاهم وتناغم وتنسيق كبير بين هذه الدول العربية الشقيقة
ويمكن تشكيل ( الجيش العربي الموحد ) منها في البداية ثم يتمدد
تدريجيا لمن أراد الدخول من الدول العربية الأخرى .
* لا يوجد شيء ( مستحيل ) إذا خلصت النوايا ووجد القرار السياسي .
* شكرا
كل وحدة وكل بنيان لوحدة صلبة قوية يحتاج لأسس ودعائم صلبة قوية متجانسة كي يرسو ويصمد أمام عوامل التعرية والإضعاف. هل كانت هذه العوامل موجودة أصلا ثم اختفت أو أهدرت أو أسيء إستعمالها؟ طبعا لا, العالم العربي كله رقع وبقع ودويلات ( قبائل وطوائف ) داخل حدود دولية.
لم نكن نعلم بهذا جيدا قبل حرب العراق, ألم نكن نظن أن دولة العراق ودولة سورية , دولتا أنظمة عربية ” تقدمية ” عصرية , ثم جاءت الحروب فعرت عنهما الحقيقة الصادمة , لم يكن هناك وجود لإسم دول أصلا, قبائل البنوكذا وعداواتها مع قبائل البنو الأخرى. أي أساس هذا ستبنى عليه الجيوش؟ ثم حتى قبل التفكير في عملية بنائها فعلى أي أساس ستبنى؟ أساس فكري اقتصادي إجتماعي صلب ليس له وجود حتى تبني عليه هذه القوة العسكرية العربية.
أحلام يقظة كانت ولاتزال غذتها أنظمة ” تقدمية ” سابقة من ناصر وجيله إلى يومنا السعيد هذا. لعبوا على مشاعر العرب وحاجتهم في الوحدة والتقدم والرغبة في أن يكونوا شيئا ما في أعين العالم, هذا العالم الذي ازدراهم فاستعمرهم حينا ثم استغل سذاجتهم وغياب روح حرفية الدهاء السياسي فيهم ومعه الحكمة اللعينة التي لايمكلون منها ذرة فوصلوا أين وصلوا.
بعد هذا وآسف أن أكررها للإخوة الكتاب: ” هل من شعاع ضوء في الأفق؟ يعني ” أهل يمكن فعل شيء يرد القطار إلى سكته المكسرة المهشمة؟ الجواب : ” فكرة خلق جيش عربي قوي” الآن وفي أي ظرف من الزمان” فكرة ميتة سريريا بمعنى فقط القلب ينبض وكل شيء آخر ميت وبارد.
أين البداية؟ البداية بالتوعية الفكرية, ليس حتى الأمية بعائق , محاربة الخرافات والخزعبلات , تنمية الفكر والوعي الثقافي والعلمي , محاربة قوانين العصور الوسطى في المجال الإجتماعي, بعدما يتحقق هذا نكون قد وضعنا أسس جيش عربي قوي موحد وليس قبل.
– جيش الشعوب المحررة من الإستبداد ، طبعا .
السلام عليكم
شكرا ايها الكاتب الفحل لقد وضعت اللاصبع بالتحديد على مكان الوجع العربي واستنطقت الداء وكشفت المستور المكشوف الذي يراه غيرنا ونحن في عمى عنه…
كثير من يقول إنّ الكاتب ينظر الى العالم العربي نظرة سوداوية وبعيون تاريخ غابر …صحيح أنا أتفق معه بأن العرب قد عادوا من حيث أتوا عادوا الى الفكر القبلي السابق ولكن بطريقة سلبية لأن طريقة العمل بالتفكير القبلي السابق كانت تذود عن الحمى والشرف والقبيلة وأمّا اليوم فهي تقدم خدمة بالمجان لأعداء الامة العربية في نشر التشرذم والتفكك الدولي وتسعى لإنشاء دويلات على مقاس ما جرى في الحروب الصليبية وبخاصة بإسبانيا بعدما تفرد كل حاكم مقااطقة بإنشاء دولة حسبهم كثرت الدول تزيد من هيبتهم وحقيقة الامر وسيلة لإضعافهم كما هو حال الامة اليوم بالصوت والصورة…(العراق اصبح دولا داخل دول وكذا بسوريا وليبيا وباليمن تصارع طائفي بين السنة والشيعة من يملك أكثر وأطماع ايران زادت فوق اللزوم…وخير مثال ما وقع في السودان ومن سخرية السياسة أصبح لدينا سودانيين شمالي وجنوبي كل منها تخره الحروف الاهلية والفقر رغم أنه خزّان الدول العربية ولكن جعلوه المنطقة المحرمة الاستثمار فيها من جراء ما يجري فوق اراضيه….
إن لم ينتبه رجال الاستخلاف الذين هم في الظل سوف تدمر الامة عاجلا :((إذا لم يستوعبوا أن النار أصبحت في بيوتهم، ولم يستبقوا، ولو بقليل، الزمن المتبقي لهم، لكن هذا كله يحتاج إلى ذهنية أكثر اتساعا مما هي عليه اليوم وأكثر إدراكا للمخاطر المحدقة. ))
ولله في خلقه شؤون
وسبحان الله
مشكلتنا الحقيقية هي سايكس وصديقه المستر بيكو ، هذه الاتفاقية التي شتت الوطن العربي ، فوضعت كل شعب داخل خغرافية اشبه بحظيرة فالحاكم فيها يسمن من يشاء ويذبح من يشاء ، فتحول حكامنا الى ارباب متفرقين ، وكل ما رآى احدهم ان خطرا ما يقترب من حظيرته استنفر قواه وطاش…ومع مرور الوقت ترسخت في العربي عن طريق الخطأ انه يعيش في قطره كأمة لها خصائصها المزيفة ..
واستشرت الكراهية بيننا …ما عاد العربي يميز بين العدو الحقيقي والعدو المصطنع
العدو الذي يريدونه ان يكون بديلا عن عدونا رغم انوفنا..
يموت العربي فيقال انه سوري او يمني ، ولا يهم انه عربي ما دام يحمل جنسية سايك بيكو..
شكرا على المقال القيم، لكن العيب فينا، وفي حكامنا !! هذه آمال شعوبنا من المحيط إلى الخليج، لكن لن يتحقق ذلك إلا إذا أصبح الحكام يمثلون شعوبهم بحق، أي أنهم منتخبين من شعوبهم ! لكن ريح التغيير أخذت تهب، ولن تتوقف رغم الاطراف التي تعارضها (داخل بلداننا وخارجها). إرادة الشعوب تتحقق لا محالة.
الحروب القبلية الجاهلية تجذب العرب الى ردهات الظلام..
العرب باتوا في حاجة إلى جيش ينقذهم من انفسهم .
١٧ نيسان بعد غداً هو عيد الجلاء في سوريا يوم رحيل اخر جندي فرنسي مستعمر عن ارض سوريا،ماذا استفدنا من الاستقلال؟ و ماذا كانت النتيجة؟بعد خمسين سنة من الديكتاتورية والقمع والاضطهاد والظلم والذل والمهانة ،و وقعت كل هذه المجازر والقتل والتعذيب والاغتصاب والتهجير والقتل بالاسلحة الكيماوية والتشريد و دمرت ثلاث ارباع سوريا ،الم يكن افضل لسوريا وللشعب السوري لو بقى الاستعمار الفرنسي؟