تستدعي كونيّة المعرفة منّا مثلما يستدعي هذا الصراع العالمي المحتدم اليوم في المنطقة العربيّة خاصّة، أن نعود إلى التّاريخ الفلسفيّ للشر والخير معا؛ دون التّقيّد بالبحث في نسب هذا التّاريخ إن كان غربيّا أو شرقيّا؛ فهو اليوم في ذمّة كل البشريّة حيث الخير أن تكون قويّا والشرّ أن تكون ضعيفا. وبالفعل فإنّ الخير لم يكفّ البتّة عن أن يكون الشّأن الأهمّ بالنّسبة إلى كلّ الناس وهم يسعون إلى أن يعيشوا في مجتمعات الخير والسعادة. لكن أن نعيّن الخير على أنّه كلّ ما يرومه الإنسان؛ إنّما هو توجّه إسمانيّ أكثر منه حصرا لمفهوم الخير فعليّا. وحتّى في ما يخصّ تعريفه بالسّلب من جهة أنّه ليس الشرّ وليس الشّقاء وليس التّعاسة وليس غير ذلك ممّا هو ليس إيّاه… إنّما هو إجراء أوّليّ، ليس إلاّ؛ ولا نظنّه يفي بالمرام ونحن نرى ضحايا الشرّ يزداد عددهم يوما بعد يوم، في فلسطين وسورية والعراق واليمن وليبيا… وعليه فإنّه ينبغي أن نستنبت مفهوم الخير من عين ما ليس هو إيّاه. ولن يتسنّى ذلك باشتغال على الخطاب فحسب، أو بمجرّد قلب منطقيّة الخطاب من السّلب إلى الإيجاب. والأمر لا يتعلّق بقلب مقولة الشّرّ بواسطة عمل تحويليّ إلى مقولة الخير؛ فذاك لا يعدو أن يكون غير استغراق في المنحى الإسمانيّ. أي ينبغي أن نشخّص بالفعل تجربة الشرّ حتّى نتمكّن من المرور إلى تحديد الخير على نحو ملموس. ولا نطلب ذلك من منطلق الاعتراض على الاعتبار الذي يذهب إلى كون الخير شأنا خياليّا، فهو كذلك وسيظلّ على ما نرى من تاريخ البشر، وإنّما المطلوب أن نقف على دلالته في صميم التّخييل الذي يتلفّع به ويتقنّع. وربّما لا اعتراض على التّحديد الذي يذهب إلى أنّ الخير هو دائما خطّ متخيّل بعيد يلوح في الأفق ولا ينفكّ يتباعد كلّما توهّمنا الاقتراب منه. لكن هل اليوطوبيّات تجعلنا أشقياء لكون الخير هذا «الطيف» لا ينفكّ أبدا يتباعد عنّا في الأفق، أم هل نحن أشقياء لأنّنا لا نستطيع أن نرى الخير ضمن ما هو في متناول اليد؟ لا نستطيع في هذه المناسبة أن نعود إلى تاريخ فلسفة الشرّ منذ بواكيره.
على أنّه مهما يكن من أمر هذا التّلازم المفارقي بين الخير والشرّ داخل كلّ منهما؛ فإنّه يتعذّر أن ننكر بإطلاق القول أنّ الأمر حتّى في مذاهب المتعة وهرمها الأبيقوريّة، لا يخلو من الحذر يشوب خطابها. وهو حذر يرجع إلى القلق من إمكان الشّقاء، أو الخشية من عدم توفّر ضمان للاحتماء من الشرّ، وبخاصّة في ثقافة لا تزال تؤمن بأنّ القدر يمكن أن يضرب ضربته في أيّة لحظة، ويتهدّد الحياة التي تتلاعب بها الممارسة السّياسيّة في انفصال تامّ عن الأخلاق أو يكاد؛ على نحو ما نرى في العذاب الفلسطيني اليومي، وفي المأساة السوريّة حيث يتبنّى الروس كالأمريكان خطابا دوغمائيّا تبريريّا.
إنّ العلاقة السببيّة بين الشرّ والخير قد تستقيم ما فكّرنا بهذه الطريقة. على أنّها لا تستقيم إلاّ لأنّنا نتعاطى مع الخير باعتباره موضوع رغبة أو منشودا إنسانيّا؛ حيث هذه الرّغبة لا تعدو في هذا المقام أن تكون غير المسافة الفاصلة/الواصلة بين الشرّ محفّزا والخير مطلبا. ولكنّ الخير ليس مجرّد رغبة وإنّما هو مهمّة يضطلع بها الإنسان، وهو حقيق بها من جهة كونه إنسانا؛ وعليه أن يكون في مستوى هذا الحقّ، أي عليه أن يكون قادرا على أن ينهض بهذا الحقّ، بل من الواجب عليه أن يُقبل على النّهوض به حتى يستكمل صورة الإنسان فيه. وبمعنى آخر فإنّه حتى ما إذا كانت الخير هو ما نرغب فيه؛ فإنّه يتعيّن على الإنسان أن يضطلع به مهمّةً نبيلة. ومن ثمّة لا يكون الخير مجرّد رغبة، وإنّه لكذلك، ولكن ليس فقط. ولا يكون مجرّد حقّ؛ وإنّه لكذلك، ولكن ليس فقط. ولكنّه يكون أيضا واجبا. وقد يكون من الطّريف أن نصوغ معادلة بشأن الخير قد تبدو تأليفا بين عناصر كنّا إلى حين نظنّ أنّها متنافرة بحيث نقول: إنّ الخير، برغم الشرّ الذي يكاد يحفّنا في مسالك عيشنا، حقّ يجب أن نرغب فيه، ونسعى إليه.
وقد يرى البعض أنّ المسألة لا تتعلّق فقط بمقتضيات الخير وبمتطلّبات الأخلاق التي يُفترض فيها أن تتدبّر أمر الخير، وإنّما أيضا بمسوّغات فلسفة الخير التي تجعل القول الفلسفيّ يتلفّت ناحيته. ولا نعني بذلك أنّه غريب على الفلسفة أن تتناول هذه المسألة فهي تكاد تكون لصيقة الجذر الأتيمولوجيّ لعبارة «فيلوسوفيا»؛ وإنّما نعني الاهتمام بالتّساؤل ما إذا كان الخير منطلقا يطلق منه الخطاب الفلسفيّ طائر السّعد ليجوب الأرجاء والآفاق التي هي أرجاء تاريخ الفلسفة وآفاقه، أم هل هي عتبة يتخطّاها الخطاب الفلسفيّ نحو فضاءات أخرى تعمّرها هواجس الحقيقة والوجود والسّياسة والأخلاق، وغير ذلك من موضوعات الفكر الفلسفيّ وأغراضه، أم هل هي مقولة مركبّة ينتهي إليها التّفكير الفلسفيّ بعديّا، إن اتّفاقا أو حتما، وهو يواجه هذه المسالة أو تلك؟
قد يبدو الأمر في واقع اليوم، ضربا من الفوبيا الفلسفيّة يعترينا عندما نوجّه النّظر الفلسفيّ ناحية الخير. وهي فوبيا مأتاها دور النّاعي الذي أضحت الفلسفة تلقانا به في هذا الفصل أو ذاك من فصول تاريخها؛ فهي تارة تعلن موت الفنّ هيغليّا، وطورا تعلن موت الإله نيتشويّا، وحينا تعلن موت الإنسان فوكولتيّا [نسبة إلى فوكو]، وحينا تعلن موت الإيديولوجيا على يد أكثر من مفكّر وكاتب، ونخشى أن نلتقيها وهي تؤبّن الخير أخلاقياً.
واضح إذن أنّ هذه التّساؤلات لا يعنيها أن تنوّع على المنهجيّة التّقليديّة التي تكتفي بتسويغ الخير موضوعا للفكر الفلسفيّ من جهة كونه شأنا إنسانيّا؛ وإنّما هي تُعنى أساسا بإنشائيّة خطاب الخير فلسفيّا أو بجينيالوجيا هذا الخطاب. وهذا ما يسفّه الاعتقاد في أنّ استئناف الحديث عن مسالة الخير اليوم لا يعدو غير استرجاع لحديث مكرور طالما انساقت إليه الفلسفة منذ بواكيرها؛ خاصّة أنّ الأمر لا يتعلّق بتحديد الخير غرضا، وإنّما باستدعاء
فكرة الشرّ لا على سبيل التّعريف بالضّدّ ؛ وإنّما لأنّنا إزاء خطاب لا ينشأ من اعتبار الخير أوّليّة، أو منطلقا أو مرجعا أوّل. ويكفي أن نلقي نظرة على مختلف المسوّغات التي تعرضها المؤلَّفاتُ التي تتناول مسألةَ الخير وحوافّها مثل السعادة خاصّة؛ لنلاحظ دون عنت يُذكر أنّها مسوّغات تدور حول ما يثيره الخوف من الألم من قلق وما يفرزه الخوف من الموت من رعب، وما ينجم عن العادة من ضجر، وما يترتّب عن التّأمّل في الوضع الإنسانيّ من هموم… وهي مسوّغات لكتابات تراوح بين التّنظير المجرّد وبين التّعبير الفنّي وبين الإنشاء السّرديّ على نحوٍ يتمثّل ما يمكن أن نعتبره حساسيّة مفرطة لدى مجتمعاتنا المعاصرة تتجلّى في مختلف وسائل الإعلام ووسائطه، تجاه التّعبير العموميّ أو الخاصّ عن الشرّ، وعن الألم وعن المرض أو الموت. وهي حساسيّة تتمثّل في «الاحتفاليّة الإشفاقيّة» على كلّ من يبدو أنّ الدّنيا سامته ألوانا من العذاب، وتتمثّل في استغراب مشطّ من الشّرّ الذي يعتمل أحيانا في النّفس البشريّة كما لو أنّه لم يكن ليخطر ببال الواحد منّا أنّ الإنسان يمكن أن يكون شرّيرا إلى هذا الحدّ الذي نعاينه ضمن اقتراف هذه الجريمة أو تلك. و كلّ هذا يتمّ بمعزل عن تناول حقوقيّ مؤسّساتي يفصل في تعقيدات الوضع البشريّ كما لو أنّ الإنسان يزداد إنسانيّة بقدر ما يزداد «حساسيّة إشفاقيّة» تجاه بعض الوضعيّات الإنسانيّة أو الاجتماعيّة. ولأنّ مثل هذه الحساسيّة لا تعدو أن تكون غير انفعال فإنّها سريعا ما تضمر وتغيب. ولنقس على ذلك الحساسيّة التي رأيناها تنفجر على إثر فضيحة سجن «أبو غريب»، ثمّ رأينا جذوتها تخبو شيئا فشيئا لأنّه لم يتمّ تحويل هذه الحساسيّة إلى مؤسّسة أخلاقيّة وقانونيّة على غرار الحساسيّة تجاه الهولوكوست.
غير أنّ مسألة تحويل هذه الحساسيّة إلى مؤسّسة أخلاقيّة قانونيّة من شأنها أن تذهب بنا مذهبا آخر. ولذا نقتصر على الإشارة إلى أنّ هناك في عالم اليوم «مركزيّة» غربيّة للخير مدارها على الإفراط في الوعي باستحقاقات «حداثة» تكاد لولا بعض الحياء تنكرها علينا نحن شعوب الضفّة الأخرى.
لكن إذا كان الخير لا يتلاءم مع «الأمر الواقع» فمعنى ذلك أنّه يفلت منّا أبدا. وهذا استنتاج وارد في حال اتّفقنا على أنْ لا تاريخ للخير؛ أمّا وله تاريخ، فإنّ كلّ مجتمع يعيّن مثاله في أشكال مادّيّة أو روحيّة أو مؤسّساتيّة هي حقّه.
كاتب تونسي
منصف الوهايبي
مقال رائع…ففيه للحقّ نصيب وللحقيقة كفلين.عسى أنْ يرفدنا الأستاذ الدكتورالوهايبي بالمزيد من رؤياه الفكرية ؛ فهي كزيتون تونس الخضراء.
فيها غذاء وبلسم للجراح وزيت نوريزيح بشعاعه القيرواني : الظلماء.
لاوتسو فيلسوف وحكيم صيني ٦٤٠ قبل الميلاد. تأثيره وافكاره وفلسفته وحكمته وبما يعرف ب …ألين واليانغ… هو موجود حتى الى اليوم
مصطلح الين واليانغ/اليانج يعود إلى الصينيين القدماء وقد إستخدمه اليابانيون أيضاً, ولهذه الكلمتين يوجد معنى كبير لدى أهالي شرق آسيا حتى يومنا هذا. وحسب الفلسفة الصينية فهما تمثلان القوة الخاصة والمسيطرة على الحياة وهي تفسر نشأة الكون منذ الأزل وتوضح أو تعبّر عن الإزدواجية أو الثنائية في نظامنا الكوني. إذ أن لكل موجودٍ ما يقابله, ولا يمكن لشيء أن يكون أو يحدث إذا ما حدث شيء مقابله مثل الليل والنهار الذكر والأنثى. لهذا فلا وجود للين إذا لم يتواجد اليانغ والعكس صحيح.
لا يمكن الوصول إلى الدورة الكونية المتكاملة بدون “اليين واليانغ” وذلك عن طريق إيقاع الحياة المتذبذب في الدورة الكونية وبهذه الذبذبة تتم توزيع الطاقة والسلطة بين نور “اليانغ” وهي الطاقة الذكرية وظلمة “اليين” وهي طاقة الأنثى الذين يشكلان بشكل متناوب دائرة من التغييرات, لأن كل ما هو متواجد في الكون عرضة للتغيرات وبالتالي هذا ما يمثل الإختلاف بين الأشياء: من النهار إلى الليل, الحياة والموت, الصيف والشتاء, الأبيض والأسود وإلى ما غيرهم من التناقض.
من هنا نرى بأنه وبالرغم من التناقض الموجود في اليين واليانغ إلا أنهما يمثلان التكامل وبدونهما لا يمكن للكون أن يكتمل وأن يتطور ومن هنا تتمثل هذه الدائرة الأزلية, فبالرغم من التناقضات التي فيما بينهما لا يمكن للكون أن يتكامل بدون الإرتباط بينهما فالإنسان الواحد يحتوي على هاتين الطاقتين من أجل تحقيق التوازن الكوني للطاقة. الرجل والمرأة وبالرغم من إختلافهما البنيوي والفكري والفيزيائي يتحدان ليشكلان الحياة المستقبلية وبالتالي الدائرة الكونية.عند الفرس القدماء تصورو بأن هناك اله للخير واله للشر،الخلاصة هي ان الخير والشر هما قوتان رئيسيتان في هذا العالم الذي نعيش فيه.
شكرا للأستاذ المحترم كاتب المقال وهناك أمور أولها متعلق بعنوان المقال الذي سيق على هيئة الأستفهام وهو بحاجة الى استفهام مثله هو متى ذهب الشر كي نسأل عن عودته وتاريخ البشرية يشهد بحضور الشر دائما وليست الحروب والكوارث ومحو(الاخر)المختلف سوى مظاهر له وثانيها مصطلح (كونية المعرفة) الذي استخدمه الأستاذ مصطلح موهم فتلك (الكونية) لا تعني سوى (المركزية الغربية) الواردة في المقال المغلفة بالأقنعة وثالثها تلك السلسلة الواردة بدءا من هيجل وانتهاء بدريدا وهي تصور غربي بحت يمتح من جذور فلسفية ولاهوتية أوربية بحاجة الى المسألة والتمحيص وثالثها أسلوب المقال الغاطس في التجريد وهو الذي أبعدنا عن فهم مقصد الكاتب المحترم وهذا من سمات الفكر العربي الحديث المبتعد عن التصريح والوضوح لأسباب سياسية ودينية وما أشبه ورابعها أشبه بالنتيجة لما سبق وهي أن القاريء وقع في متاهة سؤال مشروع هو ماذا يريد الكاتب أن يقول ؟ وأرجو أن لا يكون الجواب جواب أبي تمام حين سأله مستمع لماذا تقول ما لا يفهم فقال وأنت لماذا لا تفهم ما يقال وخصوصا أن المقال منشور في صحيفة قراؤها طبقات متنوعة ومستويات مختلفة ويظل السؤال قائما هل رحل الشر كي نقول بعودته؟ مع الشكر للقدس العربي الغراء الدكتور وليد محمود خالص
المتفرنسون من التوانسة هم في خدمة فرنسا لتعطيل كل نهوض يشرع الشعب في إنجازه على غرار 17/12/2010. المسؤول الكبير هولاند هو المتحكم في تونس والبقية إنما هم بيادق. بحيث هولاند مرة يستعمل الإرهاب ومرة أخرى يعلن على لسان من ينوبون عنه أن خزينة تونس فارغة وفيما كتب عنه مؤخرا أنه قد أجرم هذا ما ظهر وما خفي كان أعظم. باختصار النخب هي معول هدم للوطن العربي.