إسطنبول ـ «القدس العربي»: تتزايد التكهنات والشكوك حول ما إن كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يفكر فعلياً في تقديم موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، التي تعتبرها جميع القوى السياسية التركية «مصيرية» لمستقبل الأحزاب السياسية والجمهورية بشكل عام.
وخلال الأيام الماضية، تزايدت هذه التكهنات في الأروقة السياسية التركية وبرزت في وسائل الإعلام بشكل كبير، حيث تعتقد المعارضة أن أردوغان يخطط لتقديم موعد الانتخابات البرلمانية والتي ستجري لأول مرة بشكل متزامن في نهاية عام 2019، وذهبت وسائل إعلام تركية للحديث عن أن الموعد الجديد للانتخابات سيكون الخامس عش من يوليو/ تموز المقبل، والذي يصادف الذكرى السنوية الثانية لمحاولة الانقلاب الفاشلة.
لكن وسائل إعلام عربية ذهبت إلى أبعد من ذلك، ونقلت عن مصادر قالت إنها «خاصة» و«مقربة من الرئاسة التركية» قولها إن أردوغان ينوي «تقديم موعد الانتخابات وإجراءاها بعد شهرين من اليوم»، وهي تقديرات تبدو بعيدة كثيراً عن الواقع لأسباب داخلية وخارجية كثيرة.
عملياً لا يبدو أن هناك مصلحة فعلية للرئيس التركي في تقديم موعد الانتخابات لأسباب تتعلق بالحزب والدولة، لكن وفي الوقت الذي لا يمكن الجزم مطلقاً باستبعاد هذا الخيار، في ظل التقلبات المتسارعة التي تشهدها السياسة التركية، فإنه وبكل أريحية يمكن الجزم باستبعاد خيار إجراء الانتخابات خلال فترة قصيرة ـ شهرين أو ثلاثة- كما نقلت بعض وسائل الإعلام.
فالدعوة لانتخابات برلمانية ورئاسة مبكرة حق لا يملكه أردوغان بشكل مطلق بموجب الدستور التركي الحالي، ولا تتوفر أياً من المبررات التي تتيح للرئيس الاستناد عليها من أجل الدعوة لهذه الانتخابات، فالحزب الحاكم يتمتع بأغلبية برلمانية والحكومة تمارس أعمالها بشكل طبيعي، أي أنه لا يوجد أي مُعطل لعمل البرلمان والحكومة، وليس هناك أي فراغ في السلطتين التشريعية والتنفيذية والرئاسة أيضاً.
إلى جانب ذلك، فإن أي دعوة لانتخابات مبكرة، تحتاج إلى فترة أطول من ذلك بكثير يتمكن خلالها أردوغان والحزب الحاكم من إيجاد وطرح المبررات الكافية لهذه الانتخابات وتهيئة الجمهور لذلك، إلى جانب الفترة التي تريدها اللجنة العليا للانتخابات من أجل الإعداد لها وإعلان موعدها، وهو ما يدعو للجزم بأن الانتخابات لن تجري خلال 6 أشهر بالحد الأدنى، إن بدأ العمل عليها من اليوم.
استند البعض في تحليلاته إلى أن أردوغان ينوي استغلال العملية العسكرية التي أطلقها الجيش التركي ضد الوحدات الكردية في عفرين من أجل الحصول على أصوات أكثر في الانتخابات المقبلة لا سيما من القومين الأتراك، وهو ما يمكن أن يمنح أردوغان مزيداً من الأصوات بالفعل، ولكن في حال انتهت العملية بنجاح وتمكنت من تحقيق أهدافها وهو ما لم يتحقق حتى الآن كون العملية في بداياتها ولم تُسجل حتى الآن إنجازات كبرى ولا يمكن التنبؤ بنهاياتها في ظل الضغوطات الدولية المتزايدة على أردوغان والصعوبات العسكرية التي يواجهها الجيش التركي على الأرض مع ارتفاع عدد قتلاه في العملية حتى الآن إلى 15 إلى جانب 8 مدنيين من الصواريخ التي تزايد سقوطها على المدن الحدودية، وهو ما يمكن أن تنعكس نتائجه سلباً على الحزب الحاكم، ما لم تتمكن العملية من تحقيق نتائجها.
كما أن الاقتصاد التركي الذي تلقى ضربات متلاحقة من الأزمة السورية وموجات اللاجئين، وصولاً إلى محاولة الانقلاب الفاشلة، والتفجيرات الإرهابية، لا يتحمل نتائج انتخابات مبكرة جديدة غير مضمونة النتائج، لا سيما وأن الحكومة بذلت جهوداً هائلة لإعادة الاستقرار الاقتصاد الذي بدا يتعافى تدريجياً في الآونة الأخيرة.
وإلى جانب جميع الأسباب السابقة، يبرز تحد آخر أمام أردوغان وهو «إلى أي مدى يبدو الرئيس التركي واثقاً من الفوز في الانتخابات المبكرة؟»، وهو سؤال لا توجد إجابات قطعية له عند أياً من الأطراف، لكن المؤكد في هذا الإطار أن الفوز ليس سهلاً ولن يكون مضموناً إذا ما تم القياس على نتائج الاستفتاء الأخيرة شهر أبريل الماضي حول التعديلات الدستورية والذي تجاوزه الحزب الحاكم بدعم من أحزاب أخرى بنسبة ضئيلة لم تتجاوز الـ1٪.
واستند البعض إلى الحراك المتسارع لأردوغان داخل أروقة الحزب الحاكم، باعتباره إشارة لإعداد الحزب لانتخابات مبكرة، لكن هذا الحراك انطلق أساساً من أجل تدارك نتائج الاستفتاء التي كانت قاسية على الحزب، وضمن خطة واسعة وطويلة لأردوغان من أجل استنهاض الحزب واسترجاع الشعبية التي فقدها جزئياً في عموم البلاد.
ومنذ أسابيع، يشارك أردوغان يومياً في المؤتمرات العامة للحزب الحاكم والتي ستجري في 81 محافظة تركية، ولكن هذا لا يعني أنه يستعد لانتخابات قريبة جداً، إعادة تأهيل وترتيب أروقة الحزب وأذرعه لبدء العمل للاستعداد للانتخابات المقبلة التي يمكن أن تكون مبكرة، لكنها لن تكون قريبة جداً
ويقول المحلل السياسي التركي «علي كيشلالي»: «لو حصل أردوغان على ضمانات من الهيئات المختصة داخل الحزب بأنه سيفوز في الانتخابات، سوف يتجه للانتخابات المبكرة، لكن برأيي لا يستطيع الحزب تقديم هذه الضمانات حالياً، والوضع الاقتصادي وخطة الحكومة الاقتصادية لا تسمح بذلك، لذلك لا أعتقد أننا أمام انتخابات قريبة».
بالإضافة إلى ذلك، يستند البعض إلى اقتراب حزب العدالة والتنمية الحاكم من التوصل لاتفاق مع حزب الحركة القومية المعارض من أجل التحالف للانتخابات المقبلة، على أنه أكبر مؤشر على قرب الانتخابات، في حين أن تفاصيل الاتفاق تركز مبدئياً على التعاون في تمرير «قوانين الموائمة» للنظام الرئاسي في البرلمان خلال الأشهر المقبلة.
مساعي أردوغان لانجاز الانتخابات واعتبارها مصيرية، كونها سوف تنقل البلاد للعمل بموجب التعديلات الدستورية الجديدة أي انتقال العمل رسمياً بالنظام الرئاسي، وهو ما يتم الانتهاء من الإعداد له، حيث يفترض أن يعمل البرلمان خلال الأشهر المقبلة على سلسلة طويلة من القوانين التي تهدف إلى موائمة باقي مواد الدستور وتركيبة الحكم للتمهيد لتطبيق النظام الرئاسي.
الناطق باسم الحكومة التركية بكير بوزداغ، رد الأحد على التكهنات بإمكانية إجراء انتخابات مبكرة بالقول: «الانتخابات المقبلة سوف تجري في موعدها»، وهو نفس التصريح الذي أدلى به قبل أيام ماهر أونال الناطق باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، مؤكداً أن لا نية لتقديم موعد الانتخابات.
إسماعيل جمال
ما أراد أن تنجح سياسته وقد كسب شيئا من القوة عليه أن يُقذ فلسطين من براثن إسرائيل ولو جزئيا حتى لا تُشغله أمريكا وقوى الشر بمعارك لا طائل منه. عليه أن يشغل إسرائيل بذاتها.