ـ حين سُئل كاتب بيرو وروائيها ماريو بارجاس يوسا عن دور والده في حياته ومسيرته الأدبية، أجاب قائلا إن مشكلته ككاتب لم تكن في غياب الأب، بل كانت في وجوده، لأن والده كان شخصا مستبدا أقام علاقته مع ابنه على الخوف، فلم يحظ معه بأي علاقة ودية، وأن والده كان معارضا بشدة لعمله ككاتب، وكان ينظر إليه دوما بعين الشك، ويرى أن الكتابة الأدبية ستصير فشل حياته، ولذلك انغمس ماريو في الأدب الذي كان يراه وسيلة غير مباشرة لمقاومة استبداد والده، الذي كان يمقته ويزدريه، ولهذا يعتبر أن والده ساهم رغما عنه في نجاح مسيرته الأدبية، وأن الكتابة تحولت في حالته إلى نوع من البحث الغريزي المكثف عن الحرية، التي كان يفتقدها عندما عاش مع والده، فاكتشف كم هو أمر بشع أن تفقد حريتك وتعيش تحت قبضة الاستبداد، ولذلك فهو يدين لوالده بحب الحرية وكراهية جميع أشكال الاستبداد والديكتاتورية، لأنه اكتوى بها في بيته منذ طفولته، فصارت كراهية الديكتاتورية أمرا ثابتا في حياته وعمله ككاتب، ولا أظنك تتصور أن ماريو بارجاس يوسا يقترح عليك أن تكون هذه الطريقة الأمثل لتجعل أبناءك يحبون الحرية ويعشقون الأدب والكتابة.
ــ «لقد طابق الإفراج عن المحكوم عليهم من محاكم عسكرية وإلغاء الأحكام العسكرية أمنية طالما ترددت في الخواطر وجاشت في الصدور، ولا نخص الصحافيين بالارتياح مع أنهم عانوا من كابوس هذه الأحكام وما تفرع عليها من رقابة وإنذار ووعيد وتهديد وإقفال وتعطيل وأوامر بالكتابة والتلفون.. ولا يزال ماثلا للعيون الابتهاج الذي شمل الأمة بعودة الذين أبعدوا عن البلاد بحكم النظام العرفي، فقد ظهر هذا الابتهاج فيها بمظهر ندر أن يكون له مثيل في تاريخ الشعوب، وحسبنا هذا دليلا ساطعا على شدة النفور من النظام وثقل وطأته على الكبار والصغار. وقد انفردت مصر بطول عصر الأحكام العرفية فيها من جراء الحرب العظمى، فإن هذه الأحكام ألغيت في سائر البلدان قبل إلغائها عندنا. ومما قابله الناس بالارتياح الكثير الإفراج عن 260 من الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية وأودعوا السجون وقد كان المأمول أن يعم هذا الإفراج جميع الذين حكمت المحاكم العسكرية عليهم، طبقا لما تمنته الأمة غير مرة، وما بسطته في الصحف لولاة الأمور».
يؤسفني بعد أن تركتك مع هذا المقتبس الطويل أن أقول لك إنه نشر بتاريخ 7 يوليو/تموز، ولكن ليس 7 يوليو الماضي، وإنما 7 يوليو سنة 1923 في تغطية خبرية لصحيفة «المقطم» وستجد النص الكامل في كتاب «الدستور المصري 1923 والحكم النيابي في مصر وتاريخ ذلك من سنة 1866 إلى الآن) لجامعه ألبرت شقير الصادر عن ذاكرة الكتابة من الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف المؤرخ أحمد زكريا الشلق»، ولا أظن أنك بحاجة إلى تعليق مني على هذه العشرة الطويلة لمصر مع الظلم والاستبداد.
ـ بالطبع لن أنجح في ممارسة اللعبة مرتين في مقال واحد، ولذلك سأخبرك أن المقتطف التالي ليس معاصرا، بل تمت كتابته قبل مئة عام، لكنني سأطلب منك من باب العصف الذهني، أن تحاول وأنت تقرأه تخمين الموقف السياسي لكاتبه، وسأخبرك عن سبب هذا الطلب إن استطعت معي صبرا، يقول المقتطف: «وإني متعجب من قولك: ظهر الفساد في هذه البلاد، لأني لم أدر متى كانت صالحة حتى تفسد، لأن الذي يسمع بأولها لا يعجب من حال آخرها، فهي مسكينة في شقاء دائم، وتعاسة مستمرة، والزمن الذي رماها بالمصائب تمكنت براثنه من قبضتها، ولم تتمكن من تخليها منه لا الأموية ولا العباسية ولا الأيوبية ولا التركية، وقد بقيت الآن في خَلَفٍ كجلد الأجرب، تئن تحت يد الأجنبي، ولها العذر في كل ما تفعله، لأنها مقهورة على أمرها ولو أرادت الخير ما قدرت عليه… ولقد صدق من قال «كل شيء يدخل في مصر ينحط عن مرتبته، فقد رأينا ذلك حتى في الأمور التي لا يتطرق لها الفساد كالشورى والحكومات المسؤولة وغيرها…أصبحت السكنى في بلاد الوحوش الضارية، والهوامّ اللادغة أهون على العاقل من سكنى هذه البلاد، فإن تلك يمكن التوقّي من ضررها بسد نافذة وإغلاق باب».
لن أتركك طويلا للتخمين، فكاتب هذه السطور هو مصطفى نجيب أحد كتاب جريدة «اللواء» ومن رفاق الزعيم مصطفى كامل، الذي كان كرفيقه، من المعارضين الشرسين للثورة العرابية التي كان يرى أنها «خربت البلد»، ولذلك تحديدا كتب كتابا بعنوان «خروج المصريين على الخلفاء والسلاطين»، تملكته فيه روح المثقف المهزوم، الذي بدلا من أن يقوم بشكل موضوعي بتحليل أسباب فشل الثورة العرابية، قرر أن يلعن الشعب المصري، لأنه شعب مشاغب ناكر للجميل ودائم الخروج على الحكام، بدءا من عهد الوالي محمد بن أبي بكر الصديق الذي أحرقه المصريون ووضعوا جثته في جوف حمار، وصولا إلى عهد الثورة العرابية التي عاصرها مصطفى نجيب، وسخط عليها، وهو الكتاب الذي حققه الباحث هشام عبد العزيز، وصدر عن دار صرح قبل ثورة يناير/كانون الثاني بأشهر، وكنت قد ناقشته فور صدوره مع محققه في حلقة من برنامج (عصير الكتب) أذيعت على قناة «دريم»، ودحضنا فيها ما استطعنا فكرة قابلية الشعب المصري للخضوع، وعدم قدرته على الغضب والثورة، التي كان يروجها بعض المثقفين بحسن نية، والبعض الآخر بحس تجاري، لأنها فكرة «بيّاعة» يحبها الكثيرون في لحظات اليأس والإحباط، والغريب أن الطرفين نسيا تماما هذه الفكرة فور اندلاع ثورة يناير، فأفرط حسنو النية في مديح الشعب العظيم المعلم القائد، وكذلك فعل المتاجرون بمديح الشعب الذين سبق لهم أن تاجروا بذمه، وهو ما يدفع للتذكير بأن آفة حارتنا ليست النسيان فقط كما قال نجيب محفوظ، بل آفتها المبالغة و«الأفورة» أيضا.
لا يمكن أن تنكر على أحد انفعاله اللحظي بالأوضاع المحيطة به، فكلنا نفرط في الرضا والغضب والثقة والشك واليأس والأمل، لكننا هنا لا نتحدث عن مواقف تخرج في صورة مقالات انفعالية أو تغريدات أو تدوينات، بل نتحدث عن كتب ودراسات ومقالات تبذل جهدا كبيرا في محاولة إسباغ صفات دائمة وثابتة على بشر يعيشون في مواقف متغيرة ومركبة، وربما لو كان مصطفى نجيب ومن تلاه من طائفته نفسها المستمرة في التناسل، قد اهتموا بدراسة الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تدفع الناس للخروج على حكامهم، أو تدفعهم لتأخير ذلك الخروج، لما لجأوا إلى تلك الأحكام الهوجاء التي تدين شعبا بأكمله، أو تمدح شعبا بأكمله، مع أن الشعوب كلها فيها من يدرك أهمية الحرية ويقدمها على ما سواها من الفضائل، وفيها من يخاف منها ويحذر عواقبها، وفيها من يكرهها ويفضل عليها العبودية الصريحة أو المقنعة، ولن يجدي في التعامل مع كل هؤلاء التعميم بالغضب أو الاحتفاء، وإذا كانت الظروف قد أوقعتنا في ذلك التعميم من قبل، فما أحوجنا إلى أن نتوقف عنه الآن، ونحن نتأمل أفعال البشر ومواقفهم، هذا إذا كنا ندرك أن التغيير أيا كان شكله مرهون بهم وحدهم في البدء والمنتهى، وإلى الله المشتكى.
٭ كاتب مصري
بلال فضل
….” بدءا من عهد الوالي محمد بن أبي بكر الصديق الذي أحرقه المصريون ووضعوا جثته في جوف حمار “…
كلما سردت هاته الواقعة التاريخية …..تعجب القوم من حقيقتها …
هل تبدل الحال منذ ذاك الزمن…..?
استاذى الفاضل لايوجد دوله حكمها حكم ديكتاتورى استبدادى الا وفشلت اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا .. مشكلة مصر فى المنافقين اعدادهم فى زيادة مستمرة ويطبلون للمستبدين .
القول بان المصريين قتلوا الوالي محمد بن ابي بكر و قبله قيل انهم قتلوا عثمان بن عفان غير دقيق. فان محمد بن ابي بكر كان من اتباع علي بن ابي طالب رضي الله عنهم جميعا و كان محمد بن ابي بكر من المتهمين بقتل عثمان او المحرضين على قتله فقتله معاوية بن خديج احد الامويين. و ليس للمصريين شأن بذلك. اما قتلة عثمان من المصريين فهم من العرب المسلمين الذين سكنوا مصر بعد الفتح و جاءوا ضمن الوفود الى المدينة يشكون الى الخليفة الى ان تطورت الحالة الى مقتل سيدنا عثمان على يد هؤلاء. و مرة أخرى يستعمل لفظ المصريين لمن سكن مصر و لو عابر سبيل.
تصحيح…. تهمة ” المصريين ” بقتل ابن أبى بكر لم أكن أعلمه….بل أصحاب معاوية…
من المدهش بالفعل لماذا يحاول انسان فرض ارادته بالقوه أو العنف على انسان أخر
لا بد أن يكون هذا الأنسان فائق الغباء ،
هذا المستبد لا بد أن يعيش خائفا من داخله، و ان لم يفعل فربما فقد حياته، فلا بد من الأنتباه الدائم
هذا الأب لا بد أن يتوقع أن أبنه سيضربه فى كبره طالما أصبح أقوى منه، و هكذا لكل أحوال الطغيان الأخرى.
و ربما هذا هو السبب فى تخلف دول المستبدين، فحاكمها مستبد و المستبد بالضروره غبى ، و الشعوب المحكومه بالأغبياء لا بد أن تتخلف.
بالأضافه لأنه أيضا بالضروره أن تكون هذه الشعوب من الأغبياء.
أما لماذا هو مدهش فلعلنى أكتفى بالتذكره بأن الأنسان، عموما، لايدرى الى أين يؤول مصيره أو وجوده، و أيضا لا يوجد أى ضمانات على استمرار وجوده،
مما يجعل الحاله الأنسانيه، و أيضا كل الموجودات، هى حاله هزليه بامتياز،
مما بدوره يجعل صورة الطاغيه الجالس على كرسى ممسكا به بشدة و احكام صورة هزليه لا تستدعى الا الضحك و الرثاء.
أنت تتكلم عن بورخاس فى امريكا ، فلم يعجبه طغيان أبوه.
أما فى هذا الجزأ من العالم فلديك شخصية ياسين ابن السيد عبد الجواد فى رواية قصر الشوق.
ياسين بعد أن يعذبه أبوه بطغيانه الى حد اهانته بأمه أنها غانيه ، يرى أباه مقهورا تحت سلاح الجدى الانجليزى و يحمل الشوال على كتفه فى خضوع فيجرى ناحيته صارخا : أبا ، أبويا !!!!!! و يحمل الشوال عنه !