نيويورك (الأمم المتحدة) «القدس العربي»: في لقاء مع الصحافة المعتمدة في مقر المنظمة الدولية قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» إن قوات الحكومة السورية نفذت هجمات كيمائية منسقة في مناطق تسيطر عليها المعارضة في حلب خلال الشهر الأخير من معركة استعادة السيطرة على المدينة.
ووثقت هيومن رايتس ووتش، من خلال مقابلات مع شهود، بشكل مباشر أو عبر الهاتف، وتحليل مقاطع فيديو وصور ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، إلقاء مروحيات حكومية للكلور على مناطق سكنية في 8 مناسبات على الأقل بين 17 نوفمبر/تشرين الثاني و13 ديسمبر/كانون الأول 2016. وأسفرت الهجمات، التي استخدمت بعضها ذخائر متعددة، عن مقتل 9 مدنيين على الأقل، منهم 4 أطفال، وجرح حوالي 200 آخرين.
وأضافت إن «الهجمات وقعت في مناطق خططت القوات الحكومية للتقدم فيها، بدءا من الشرق وسيرا نحو الغرب، وفق تغيّر خطوط المواجهة».
وقال أولي سولفانغ، نائب مدير قسم الطوارئ في هيومن رايتس ووتش «نمط هجمات الكلور يظهر أنها كانت منسقة وفي إطار استراتيجية عسكرية شاملة لاستعادة حلب، وليست مجرّد أعمال ارتكبتها بعض العناصر المارقة. على مجلس الأمن ألا يسمح للسلطات السورية أو أي طرف آخر استخدم الأسلحة الكيميائية أن يفلت من تبعات أفعاله».
لم يتخذ مجلس الأمن أي إجراءات منذ أن حددت آلية التحقيق التي عينتها الأمم المتحدة، المعروفة باسم «آلية التحقيق المشتركة»، وحدات عسكرية مسؤولة عن هجمات سابقة باستخدام الكلور في سوريا. وأضاف «على مجلس الأمن فرض عقوبات على القادة الكبار في سلسلة القيادة».
ودعت المنظمة المتخصصة في حقوق الإنسان الحكومة السورية إلى الكف فورا عن استخدام المواد الكيميائية كأسلحة، والتعاون بشكل كامل مع آلية التحقيق الدولية.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على الدول الـ 192 الأطراف في «اتفاقية الأسلحة الكيميائية» أن تتخذ خطوات لمعالجة انتهاك سوريا المستمر لأحكام الحظر الأساسية في المعاهدة، وضمان امتثالها لتعزيز القاعدة الدولية ضد الحرب الكيميائية.
وجاء في التقرير الذي وزع على الصحافة، وحصلت «القدس العربي» على نسخة منه، أن مروحيات الحكومة السورية استخدمت الكلور على مناطق كانت تسيطر عليها المعارضة على الأقل منذ نسان/ أبريل 2014.. كما وثقت هيومن رايتس ووتش أيضا استخدام القوات الحكومية السورية غاز سارين في هجمات في آب/ أغسطس 2013 وكذلك وثقت استخدام تنظيم «الدولة»غاز الخردل حتى أغسطس 2016.
كما وثقت المنظمة استخدام الكلور خلال الهجوم النهائي لقوات الحكومة السورية وحلفائها لانتزاع السيطرة على شرق حلب من جماعات المعارضة المسلحة. بعد فترة من الهدوء النسبي، جددت قوات الحكومة السورية وحلفاؤها العمليات العسكرية في حلب يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني ، بدءا بقصف جوي مكثف. واستمرت المعركة حتى 13 ديسمبر/كانون الأول عندما اتفق الطرفان على وقف إطلاق النار وتم إجلاء العديد من المقاتلين والمدنيين من شرق حلب.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن العدد الفعلي للهجمات الكيميائية على حلب بين 17 نوفمبر/تشرين الثاني و13 ديسمبر/كانون الأول قد يكون أعلى من الـهجمات الثماني الموثقة في هذا التقرير. فقد ذكر صحافيون ومسعفون وموظفون طبيون وآخرون على وسائل التواصل الاجتماعي حصول ما لا يقل عن 12 هجمة في تلك الفترة. لقد تضمن تقرير هيومن رايتس ووتش هذا فقط الهجمات التي تأكدت منها من خلال متابعة التقارير الحية على وسائل التواصل الاجتماعي ومقابلات مع شاهد واحد على الأقل.
التأكد من المادة الكيمائية المستخدمة في الهجمات دون فحص مختبري أمر صعب، لكن الرائحة والعلامات والأعراض التي ذكرها الضحايا والطاقم الطبي تشير إلى أن القوات الحكومية استخدمت الكلور. كما ذكر سكان محليون كانوا بالقرب من الموقع المستهدف والطاقم الطبي أن رائحة الكلور القوية، مشابهة لتلك التي تصدر عن مواد التطهير المنزلي.
قال مسعف كان حاضرا في ع هجمات عدة «تعرّض المصابون لمشاكل في التنفس، وكانوا يسعلون بشدّة، ويعانون من الغثيان، وبعضهم أغمي عليهم، وبعضهم الآخر خرجت رغوة من أفواههم. أما تأثير المواد الكيميائية على الأطفال فعادة يكون أشد فعندما يستنشقون هذه الروائح يختنقون في نهاية المطاف».
وقد وصف أحد السكان المحليين الرائحة التي استنشقها، وقال إنها أقوى من مواد التطهير
«كانت الرائحة أقوى من الاحتمال. بمجرد أن يستنشقها الفرد، يشعر بحرارة في الحلق، وكأن بداخله قضيب حديدي، حتى يعجز عن الابتلاع والتنفس، ويشعر برقبته تغلي، ويأخذه الغثيان. يشعر أيضا بحرارة في العينين، ويفقد السيطرة على دموعه، وفي الأخير يفقد القدرة على التنفس. الأمر مختلف عن مجرد انسداد الأنف والفم، كلّ الجسم يرفض دخول الهواء إليه».
وقال شهود عيان أيضا إنهم لاحظوا دخانا أصفر أو أصفر يميل إلى الاخضرار قرب مواقع استُهدفت بأربع هجمات على الأقل. وصور صحافيون الدخان الذي خلفته هجمتان على شريط فيديو لون الكلور في شكله الغازي أصفر يميل إلى الاخضرار.
بما أن الكلور أثقل من الهواء، فهوى يسري نحو الأسفل، ما يجعل الطوابق السفلية، حيث لجأ الناس هرباً من الهجمات بأسلحة متفجرة، ضحايا محتملين لفخ قاتل. قال صحافي قرر ترك الحي الذي يقطنه بعد هجوم بالكلور: «اعتدنا على القصف والتفجير. لكن مع الكلور، لا توجد وسيلة لحماية نفسك. ستختنق».
وأضاف تقرير هيومن رايتس ووتش أنها راجعت صورا أو مقاطع فيديو لبقايا ذخائر مرتجلة مليئة بالمواد الكيميائية في 5 هجمات كيميائية نشرت على الإنترنت أو تمت مشاركتها مباشرة مع هيومن رايتس ووتش. في بعض الأحيان، وصف شهود عيان الذخائر ببراميل أو قنابل.
وذكرت جماعات تابعة للمعارضة ومسعفون وناشطون وصحافيون أن القوات الحكومية شنت هجمات كيميائية أيضا على مواقع أخرى في سوريا خلال الفترة نفسها.
بينما لا يوجد دليل على أن روسيا، الطرف الوحيد الآخر الذي نفذ غارات جوية على شرق حلب خلال هذه الفترة، متورطة في الهجمات الكيميائية بشكل مباشر، فإن الطائرات الروسية لعبت دورا حاسماً في الهجوم العسكري ضد مقاتلي المعارضة في شرق حلب. وكحليف عسكري لدمشق، فقد استفادت من استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل القوات السورية.
إضافة إلى ذلك، وجدت آلية التحقيق المشتركة التي عينتها الأمم المتحدة أن المروحيات التي سبق أن ألقت الكلور كانت تنطلق من قاعدة حميميم الجوية، التي تقع تحت السيطرة الروسية. قالت هيومن رايتس ووتش إنه «بالنظر لهذه التقارير وغيرها حول الاستخدام المتكرر للكلور كسلاح في الماضي، فإن على السلطات العسكرية الروسية اتخاذ خطوات للتأكد من أن هذه الأسلحة لم تستخدم في هجوم عسكري مشترك».
وكان مجلس الأمن الدولي قد أدان بالإجماع استخدام أي مواد كيمائية سامة مثل الكلور كسلاح في سوريا، وشدد على محاسبة الذين يستخدمون هذه الأسلحة. وفي 7 أغسطس/آب 2015، اعتمد مجلس الأمن بالإجماع القرار 2235 الذي أنشأ آلية التحقيق التي تتولى إلى أقصى حد ممكن تحديد الأشخاص أو الكيانات أو الجماعات أو الحكومات التي قامت باستخدام المواد الكيميائية. وقالت روسيا في ذلك الوقت إن التحقيق سيسد الفجوة في تحديد المسؤولين عن استخدام الكلور كسلاح في سوريا. أكدت الولايات المتحدة أن «ذكر المتورطين بالأسماء أمر مهم».
وفي 21 ديسمبر/كانون الأول 2016، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بإنشاء آلية للمساعدة في التحقيق في الجرائم الخطيرة التي ارتكبت في سوريا منذ عام 2011، وطلبت الجمعية العامة من منظومة الأمم المتحدة ككل أن تتعاون تعاونا كاملا فوراً لأي طلب للحصول على معلومات.
ومن المقرر استئناف محادثات السلام بين الأطراف السورية المتحاربة في جنيف في 23 فبراير/شباط الحالي. وقال سولفانغ: «يؤكد التاريخ أن أي اتفاقات سلام دون محاسبة على انتهاكات الماضي تكون في الغالب هشة. المحاسبة على الهجمات الكيميائية في سوريا يُمكن أن تكون نقطة انطلاق جيدة».
ومن المعروف أن اتفاقية الأسلحة الكيميائية تحرم استخدام الخصائص السامة للمواد الكيميائية الشائعة، مثل الكلور، للقتل أو الإصابة بجروح. ومن بين التزامات أخرى، يجب أن توافق كل دولة عضو على أن تمتنع عن مساعدة أو تشجيع أو حث أي كان بأي طريقة على القيام بأنشطة محظورة على الدول الأطراف بموجب هذه الاتفاقية. تحظر قوانين الحرب التي تنطبق على سوريا استخدام الأسلحة الكيميائية، فاستخدام أسلحة محرمة بقصد جنائي، عمدا أو بلا مبالاة، يعتبر جريمة حرب. اتفاقية الأسلحة الكيميائية، بأعضائها الـ 192، هي واحدة من أهم المعاهدات الدولية الخاصة بالأسلحة. فقط 4 دول من أعضاء الأمم المتحدة ليست طرفاً في الاتفاقية، هي مصر وإسرائيل، التي وقعت على الاتفاقية ولم تصدق عليها وكوريا الشمالية وجنوب السودان.
قال سولفانغ: العالم بأكمله تقريبا وافق على أن الحرب الكيميائية عمل مشين يجب حظره تماماً. السماح للحكومة السورية بالتباهي بتجاوز هذا الحظر، دون عقاب، ينطوي على خطر التغاضي الضمني عن الهجمات الكيميائية السورية، ويقوّض حظر الأسلحة الأكثر إجماعا في العالم، وربما يسهل على بلدان أخرى القيام بالشيء نفسه.
عبد الحميد صيام