خبر رمضان، وكل رمضان. الراقصة فلانة ستقدم برنامجاً دينياً عبر قناة تلفزيونية، ليكون هذا بمثابة كلمة «سر الليل» الذي تخرج على إثره الزوجة بدون إذن زوجها، والعبد بدون إذن سيده، ويهتف الجميع في نفس واحد: «وإسلاماه»!
لدينا فائض من المشاعر الجياشة، يجد في مثل هذه الأخبار رمية بغير رام، ليتم سكبه حزنا على ما آلت إليه الحال حد أن تقدم راقصة برنامجاً دينياً ومتى؟ في شهر رمضان. وأين؟ في مصر بلد الأزهر، فهناك نغمة تتردد منذ الانقلاب العسكري تدور حول أن إسلام المصريين نقص بغياب فصيل بعينه، وفي كل عيد يتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي نقل صور الاختلاط في الصلاة، أمام مسجد مصطفى محمود، أو أخرى تؤكد جهلا باتجاه القبلة، ليكون هذا مناسبة، للطم الخدود وشق الجيوب، وإطلاق صيحة «وإسلاماه»، فلم يعد المصريون يجدون من يعلمهم شؤون دينهم!
في هذا الاحتفاء بخبر تقديم راقصة، لبرنامج ديني في رمضان، لم يتوقف أحد من لاطمي الخدود ليسأل عن إسم هذه المحطة التلفزيونية التي ستقدم الراقصة إياها برنامجها التلفزيوني الديني؟ بل لم يسأل القوم في هذا العام عن مصير إعلان العام الماضي عن تقديمها برنامجاً دينيا في رمضان العام الماضي، فبعد أن ساهم القوم في ترويج الخبر، جاء شهر رمضان ولم يذع البرنامج ولم يسأل أحد أين هو؟!
فاعلان «الراقصة» أنها بصدد تقديم برنامج تلفزيوني في الشهر الفضيل، لم يبدأ هذا العام، فقد أعلنت هذا في العام الماضي، وإن كنت لا أستبعد أن قناة تلفزيونية يمكن أن تستغل زخم الدعاية وتستدعيها لتقديم البرنامج، الذي تجري الدعاية له للعام الثاني على التوالي!
في العام الماضي، انتشر خبر البرنامج الديني للراقصة انتشار النار في الهشيم، وقد ساهم القوم من جماعة: «وإسلاماه» في الترويج له، في إطار خلافهم مع أهل الحكم، مع أننا لسنا في حاجة للفبركة الصحافية في الهجوم عليهم، فلا يكاد يمر يوم دون أن يتحفوننا بما يكفي لذلك، من فشل، وسوء إدارة، وعدم توفيق على كافة المسارات!
الجديد في هذا العام، هو «البرومو» الذي ينتشر عبر مواقع التواصل عن البرنامج، إذ تظهر الراقصة في أكثر من لقطة وهى تروّج لبرنامجها الديني وقد وضعت على رأسها قطعة قماش، بهذه المناسبة، وباعتبارها تقدم برنامجاً دينياً، تماماً كما كانت تفعل حرم وزير الداخلية الأسبق «حبيب العادلي» عندما بدأت في كتابة مقالات دينية في جريدة «الأهرام» مع أنها أصلاً ليست محجبة!
وبعد الثورة قالت لتؤكد انتماءها الديني، إنها نجحت في التوفيق بين السنّة والشيعة، ونسيت أن تقول أنها عقدت صلحاً بين الأوس والخزرج!
في «البرومو» لا يظهر «اللوجو» الخاص بالقناة التي ستذيع البرنامج الديني المنتظر للراقصة، التي جمعها والقوم في تنظيم «واسلاماه» مصير مشترك، فقد تخصصت في الدعاية لنفسها للتذكير بها كلما طواها النسيان، والقوم يستغلون هذا في التأكيد على ضياع الإسلام حد أن راقصة تقدم برنامجاً دينياً، في شهر رمضان، وفي مصر بلد الأزهر!
مع أن الراقصة ليست أسوأ حالاً من رجل دين، حرض على سفك الدماء، ويظهر في الفضائيات ليقول قال الله، وقال الرسول!
شكراً لكم على حسن تعاونكم مع الراقصة المتقاعدة، التي تنقذونها في كل مرة من النسيان!
أزمة قناة الشرق
انتهت أزمة عدد من العاملين في قناة «الشرق» على خير، فرابطة الإعلاميين المصريين في الخارج برئاسة صديقنا «حمزة زوبع» نجحت في رأب الصدع، وطوي صفحة الأزمة، بعد أن أقرت تعويضاً مالياً لمن أنهت القناة عملهم بها.
يقولون: «إن مصارين البطن تتعارك»، لكن تكمن أزمة «الشرق» أنها استخدمت من قبل الأذرع الإعلامية للسيسي في ضرب قنوات الثورة، إلى حد أن «أحمد موسى» قطع إجازاته وجاء ليحتفل بالأزمة، وكان «الإسكريبت الموحد» يعيد ويزيد في أن «الشرق» قناة اخوانية، فكل خصوم النظام الحاكم في مصر الآن هم من الإخوان، حتى وإن كان المشار إليه من أعدى اعدائهم، وهى خطة متفق عليها لإظهار أزمة السلطة كما لو كانت مع فصيل واحد فقط هم «الإخوان»، فماذا عن غيرهم من الفصائل؟!
وقد أنهت قناة تلفزيونية في مصر عمل مقدم برنامج بها بدا ضائعاً ضياعاً عظيماً، عندما ظهر على الشاشة، وفي يده كتابي عن الإخوان المسلمون ليقول أنني هاجمت الإخوان، وها أنا الآن أنحاز لهم، وقلت للفتى الأرعن أن ما فعله هو «عز الطلب»، فقد قدم لي خدمة جليلة بما فعل، ونظامه يلصق بكل خصومه الاتهام بأنهم ينتمون لـ «الجماعة الإرهابية»، لكن يبدو أنه كان يعتقد أنني ممول من الإخوان فقرر أن يكشف السر وهو أن لي مؤلفاً ضدهم!
وقد أكد بما فعل بأن جهله من النوع الذي يغني عن أي علم فقد أثبت أن العداء للانقلاب العسكري هو أوسع من دائرة الاخوان، ليصدر القرار بالاستغناء عن خدماته مكافأة له على رعونته!
قناة «الشرق» لم تكن قناة تابعة للإخوان منذ النشأة والتكوين، على يد مؤسسها الأول الدكتور «باسم خفاجي»، بل أستطيع القول إن الاخوان حاربوها في البداية لأنها لم تخرج من عباءتهم، وكانت لديهم شكوك في توجهاتها لم نستطع تبديدها!
وقد انتقلت ملكيتها إلى الدكتور «أيمن نور» فلم تتحول إلى قناة «اخوانية»، فنور ليس اخوانياً، ومن بين النشطاء المتحمسين لقضية الشرعية على مواقع التواصل الاجتماعي يهاجمها لذلك، لكن السلطة وصمت كل خصومها بالإخوانية، حتى لا تقر بأنها مرفوضة من قبل كل التيارات، بل ومن رموز الدولة القديمة نفسها. ولا بأس فحتى رئيس أركان حرب الجيش المصري الفريق سامي عنان قالوا إنه من الإخوان!
وليست «الشرق» فقط هي القناة غير الاخوانية فـ «مكملين» أيضاً ليست محطة اخوانية، لكنها سلطة الفشل العام، التي وجدت في الخلاف الإداري بين بعض العاملين في القناة وإدارتها فرصة للتشنيع عليها حد أن يقطع «أحمد موسى» إجازته الأسبوعية ويعود للشاشة محتفلاً بالخلاف!
هذا الاحتفاء لم يتم من فراغ، فقد هجر المشاهد المصري إعلام الداخل، إلى إعلام الخارج، وهو الأمر الذي استشعرته السلطة فأعادت للشاشة بعض الإعلاميين الذين فرضت عليهم التقاعد ومنهم «إبراهيم عيسى»، إلى «محمود سعد»، وفشلت المهمة، فكان لا بد من استغلال هذا الخلاف في الهجوم والتشويه.
اللافت أنه في ذروة الأزمة والتصعيد، فإن الخلاف دار بعيداً عن الرسالة الإعلامية، فلم يقل أحد أنه منع من مناقشة شيء، أو فرض عليه سقف في التعامل مع هذه القضية أو تلك، ولم نسمع من إعلامي من القناة، أن الإدارة تدخلت في ممارسته المهنية.
فهذا جانب لم يتم التطرق إليه.
أزمة الصواريخ الإيرانية
ضربت القنوات التلفزيونية المصرية، التي تقع تحت الإشراف المباشر، لقائد الانقلاب العسكري «لخمة»، فلم تكترث كثيراً بخبر القصف الإيراني للجولان المحتلة، وهي حالة ارتباك تمكنت من أهل الحكم في التعامل مع ما جرى، فكان اللجوء إلى قناة «الجزيرة» للوقوف على خط سير الأحداث!
الارتباك مرده إلى اعتماد سياسة «الفهلوة» في التعامل مع الملفات الدولية، لكن هذه السياسة لا تصلح في إدارة التناقضات، فليس هناك أبيض وأسود، ولكن هناك اللون الرمادي بكل درجاته!
السيسي يرى في انتصار بشار الأسد انتصاراً لشخصه، واستمرار الأسد في الحكم يعني الابقاء عليه، مهما قتل أو استبد، وإذ كان حاول التقرب من إيران بعد الانقلاب، فإنه علم أنه التوجه الخطر، فلن يغفر له أهل الحكم في الرياض وواشنطن، وهو يريد حماية البيت الأبيض، كما أنه يحتاج في نفس اللحظة إلى الرز الخليجي، فتوقف عن التقرب وإن كان لم يعادي طهران!
بيد أن المطلوب منه الآن هو إعلان موقف العداء، بل قد يطلب منه ارسال قوات مصرية إلى سوريا، وبالأمر الأمريكي، وإعلامه ألح على قصة الجيش الأول الميداني في سوريا، الذي هو الامتداد للجيشين الميدانيين الثاني والثالث في مصر!
الإلحاح الإعلامي كان في سياق الضربات التركية على سوريا، فاعتبر إعلامياً أنه اعتداء على الجيش المصري، أو هكذا تم الترويج، لكن القوم يتعاملون مع تركيا على أنها عدو، وتم استخدم الاعتداء على الجيش الأول، في تكريس حالة العداء وايجاد المبرر لها!
والأمر الآن مختلف تماماً، فالسيسي يريد أن يكسب الروس والأمريكان معاً، فضلاً عن القصف المتبادل بين القوات الإيرانية في سوريا والإسرائيليين، يأتي في وقت يعتبر فيه الحكم المصري أن الإسرائيليين أقرب إليه من حبل الوريد.
حسابات متناقضة ومرتبكة سيطرت على أذهان من يقومون بإدارة الإعلام المصري في ليلة القصف، ففشلوا في إدارة الملف فضربوا «لخمة».
وفي مثل هذه الأزمات تنجح الحسابات المهنية، ولهذا تتفوق الجزيرة دائماً.
أرض- جو
يجمع بين «العمق» في المناقشة و«الجاذبية» في التناول، إنه السهل الممتنع الذي يمثله برنامج «للقصة بقية».
صحافي من مصر
سليم عزوز
أن تُقدم راقصه برنامج ديني أفضل وأقل خطراً من أن يُقدمه رجل دين منافق