أريحا- «القدس العربي»: يعتبر وادي القلط، أحد أجمل مسارات المشي في فلسطين، خاصة في فصل الشتاء، حيث يمتد الوادي من الضواحي الشرقية لمدينة القدس المحتلة في الغرب، إلى أريحا ونهر الأردن في الشرق، فيما يستمتع الزوار على طول طرفي الوادي، بالمناظر الطبيعية الخلابة للصخور والكهوف والحجارة المنحوتة في أسفل الوادي، كما أن الأشجار الخضراء التي تمتد على جانبي القناة، تشكل واحة في صحراء الوادي.
وتعتبر إحدى أبرز محطات الوادي إن لم تكن الأبرز على الإطلاق، هي دير القديس جورج، أو دير القلط، والذي نحت في الصخور والمعلق بأعلى الجرف الصخري بشكل مثير، بينما يمر خط السير بالقرب من عشرات الكهوف والمغر والتي يستعملها البدو وماشيتهم، لتقيهم من حرارة الشمس، وقبل الإنتهاء من الوادي، تظهر مدينة أريحا، على شكل سهل ممتد يشكل منظراً خلاباً من قمة الجبال، كما يمكن رؤية البحر الميت، ومعظم أجزاء غور الأردن.
أما عن حكاية وادي القلط، فقد بدأت مع الملك هيرود، الذي بنى القناة المائية من أجل تزويد قصره الشتوي وحديقته بالماء خلال الحقبة الرومانية، حيث لا تزال آثار القناة الرومانية جلية للعيان في أجزاء من الوادي، أما القناة الموجودة حالياً فقد تم بناؤها في عصر الوصاية الأردنية، وتسير على خط القناة الرومانية القديمة.
واعتبر وجود المياه في العصر القديم السبب الذي جعل الوادي من الطرق الرومانية المعروفة، وبقي الحال على ما هو عليه في الحقبة البيزنطية، حيث كان يستعمل أيضاً كطريق للحجاج، وبالتالي سكن العديد من الرهبان في الكهوف والمغر المنتشرة في الوادي، ولاحقاً تطور الأمر إلى بناء الدير.
أما عن خط السير للوادي، فغالباً ما يبدأ خط بالقرب من عين القلط، إلا أنه من الممكن الإنطلاق من أريحا، والصعود باتجاه الدير، أو من بداية الوادي من عين الفوار، وفي حال البدء من عين الفوار، يندهش الزائر من هذا النبع العجيب، حيث تخرج منه المياه مرة كل عشرين دقيقة وتتجمع في بركة، فحسب الأسطورة الفلسطينية يعيش تحت النبع عفريتان ينشغلان في معركة أبدية، وعندما يتفوق العفريت الخيّر على الشرير تنطلق المياه خارجة من النبع، بينما عندما يتفوق الشرير على نظيره الخيّر يتباطؤ تدفق المياه! ويتواصل خط السير بعد النبع بشكل متعرج على طرفي الوادي.
وعادة ما يُنصح الزائر وتحديداً في الشتاء أن يكون مستعداً للسير في مياه يصل إرتفاعها إلى قرابة السبعين سنتيمتراً، أما في الربيع فتنتشر الأزهار بكافة الألوان الممكنة على مد النظر، وبعد قرابة ساعة من السير يقترب المسار من عين القلط، وعندها يحرص الزوار على أن يبقوا على الجانب الأيسر من القناة والذي يتجه إلى حافة الجرف في أعلى الوادي، فالمنظر من هناك غاية في الروعة، وبعدها ينحدر المسار إلى عين القلط حيث يمكن للراغبين بأخذ قسط طويل من الراحة، وعلى الجانب الشمالي للوادي توجد بعض الكهوف التي تحوي بقايا فسيفساء قديمة، ما يشير إلى إستيطانها من قبل الرهبان القدامى، وتعرف هذه المنطقة محلياً باسم دير أبو العاصي.
من هذه النقطة يمكن للزوار تتبع القناة المائية التي بنيت في زمن الوصاية الأردنية في مكان القناة الرومانية الأصلية، والتي أمر ببنائها الملك هيرود لجلب الماء من عين فوار إلى قصره وحديقته الشتوية، حيث أن بقايا القناة القديمة ما زالت بادية للعيان في الوادي.
وبعدها بقليل يمر الزائر بالقرب من بعض البدو الذين يستوطنون بضعة منازل في وسط واحة قريبة، وكما يمر الزائر بمجموعات عديدة من الأغنام والخراف التي عادة تستظل من حرارة الشمس في الظلال الطبيعية التي توجدها التشكيلات الصخرية والمغر.
وعادة ما ينصح الأدلاء السياحيون الزوار أن يقطعوا أحد الجسور الكثيرة التي تشكلها القناة عندما تقطع من فوق الوديان، وأن يولوا إهتمامهم لملاحظة التشكيلات الصخرية والحجرية المتشكلة في أسفل الوادي، بما فيها الكهوف والمغر.
ويلاحظ الزائر لمنطقة وادي القلط، كثرة وجود «الملاجئ» والآثار التي تعود إلى الحقبة البيزنطية، والتي تدل على كثافة حركة ووجود الرهبان والحجاج في تلك الفترة، وكلما اقترب المرء من دير القديس جورج تزداد كثافة الصلبان الموجودة على جانب الجرف.
ومن الجدير بالذكر هنا أن هذا الدير وخلافاً لمعظم الأديرة التابعة للروم الأرثوذكس، يسمح للنساء بالدخول على أن يقمن بتغطية أرجلهن وأيديهن.
وتعتبر الرحلة عبر وادي القلط فريدة من نوعها، فهي تأخذك عبر ثلاثة مناخات مختلفة، وتمر خلالها بالعديد من الكهوف والينابيع والبرك الطبيعية، الصخور الجذابة وتلك العجيبة الغريبة، والبدو والقناة المائية، ودير أروع من أن يوصف، وفي الربيع يمكن التمتع بآلاف الزهور من كل حدب وصوب!
كما تسعى وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، إلى تسجيل وادي القلط كمعلم تاريخي وطبيعي، وعددا آخر من المواقع الأثرية والتاريخية والطبيعية على لائحة التراث العالمي، خاصة بعد أن نجحت الوزارة وجهات الاختصاص، في تسجيل قرية بتير ذات المدرجات المائية الأثرية، على لائحة التراث العالمي في اجتماع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» في دورته الثامنة والثلاثين والتي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة العام خلال العام المنصرم 2014.
وبحسب المعلومات التاريخية المتوفرة، فإن الأديرة جرى بناؤها في القرن الخامس والسادس للميلاد، رغم أن عددا من الرهبان سكنوا في بداية القرن الثالث الميلادي في كهوف صغيرة على جانبي وادي القلط، بجانب الينابيع الطبيعية، قبل أن يتم البناء.
وأكدت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، في أكثر من مناسبة، على القدرة على العمل بحرية لإعادة تأهيل عدد كبير من المواقع الأثرية، نظرا لطبيعة تقسيم المناطق الفلسطينية في اتفاقية أوسلو للسلام مع اسرائيل، حيث أن العديد من المواقع الأثرية الفلسطينية، تقع في المنطقة المصنفة «ج» ما يعني أنها تحت السيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية، حسب ذات الاتفاقية.
وعادة ما تجري عمليات الترميم في هذه المواقع الأثرية، من قبل القائمين عليها كالأديرة وغيرها من المواقع، أما عمل الوزارة بشكل رسمي، فيقتصر على النجاح في تسجيل المكان على لائحة التراث الوطني والسعي إلى تسجيله على لائحة التراث العالمي.
وتجري الآن عملية ترميم للسلاسل الحجرية الموجودة بجانب دير القلط، لكن العمال الذين يقومون بذلك، أكدوا أن عملية الترميم تجري بإشراف الدير وليس وزارة السياحة والآثار الفلسطينية.
وتعتقد وزارة السياحة الفلسطينية، أن النجاح في تسجيل المكان على لائحة التراث العالمي، بعد أن سُجل محلياً، من شأنه أن يرفع من أعداد الزوار المحليين، والأجانب بشكل خاص، كونهم يأتون لأكثر من سبب، فمنهم من يرغب بممارسة رياضة المشي في هذه الأماكن، ومنهم من يأتي من منطلق ديني وتاريخي، لأهمية المكان.
كما يستفيد الباعة المتجولون من الفلسطينيين من زوار الدير في كثير من المجالات، حيث ينتشرون على طول الطريق من أعلى المرتفع إلى الأسفل، لكن أكثر الأمور استهلاكاً هي المياه المعدنية للشرب لمن لا يحمل معه كمية كافية، كما هو الحال بالنسبة للدواب (الحمير)، حيث هناك زوار من كبار السن، لا يستطيعون قطع كل المسافة سيراً على الأقدام، ما يجبرهم على استخدام الدواب، لقطع مسافات ولو بسيطة بهدف الحصول على قسط من الراحة بعد رحلة سير متعبة، رغم جمالها.
وعلى سفح الجبل المُطل على وادي القلط، تم إعداد مساحة لتوقف الحافلات السياحية، وفي الوقت ذاته، فإن المكان يكشف الوادي وما فيه بشكل كامل لمن لا يستطيع أو يرغب في المشي والنزول إلى أسفل الجبل وزيارة الدير، وتعتبر منطقة سفح الجبل، من المحطات الرئيسية للسياح للتوقف هناك، وأخذ بعض الصور من الأعلى.
فادي أبو سعدى