واشنطن وطهران: منظومة الرأس على العقب

حجم الخط
5

 

منطق الأخذ والعطاء الذي يحكم عادة «السياسات الواقعية» للقوى العظمى، أو بالأحرى هذا المنطق كما يتّبعه الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين؛ قد يشير إلى خلاصة كهذه مثلاً: يمكن لواشنطن أن تطلق يد موسكو في سوريا (الأمر الذي لا يبتعد كثيراً، وعملياً، عن منطق البيت الأبيض في عهد الرئيس السابق باراك أوباما)؛ وفي المقابل يتوجب على موسكو أن تخرج من إيران، أو بالأحرى أن تمتنع عن الذهاب أبعد مما هي عليه اليوم.
المؤشرات تتعاقب بالفعل، في الساحتين السورية والإيرانية، بصدد ما يديره الكرملين من مخططات حرب وسلام في سوريا، وما يشرع فيه البيت الأبيض من إجراءات عقاب جديدة وتهديد بإعادة النظر في الاتفاق النووي مع طهران. ولا يلوح أنّ الوقت سوف يطول حين تبدأ الإدارة الأمريكية الجديدة في إطلاق منظومة تسخين (أو على نحو أدقّ: إعادة تبريد) العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية. وإذا اكتمل هذا التطور، فإنّ ما اتخذ صفة «الربيع» في هذه العلاقات، خلال الأشهر الأخيرة من عهد أوباما؛ لن يكون قصيراً وعابراً فحسب، بل منقلباً إلى الضدّ!
أياً كان أفق الأيام والأسابيع المقبلة في مستقبل هذه العلاقات، فإنّ حالها أخذ ينأى تدريجياً، ولكن بانتظام، عن ذلك الطور الانفتاحي الذي دشّنه أوباما في مطلع رئاسته الأولى، سنة 2009. يومذاك بعث الرئيس الأمريكي برسالة تهنئة إلى الشعب الإيراني، في مناسبة السنة الفارسية الجديدة؛ اعتبرها البعض «دراماتيكية» من حيث الشكل أولاً: اختيار الصيغة المتلفزة، والترجمة المتزامنة إلى اللغة الفارسية أسفل الصورة، والبثّ عبر إذاعة صوت أمريكا. أمّا في المضمون، فقد مثّلت الرسالة انعطافة فارقة عن خطّ الإدارة السابقة، بعيداً عن خطاب المحافظين الجدد بصدد إيران إجمالاً، ونظرية «محور الشرّ» التي اعتمدها الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بصفة خاصة.
قبل انعطافة أوباما، كانت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية في إدارة بيل كلنتون، قد دعت إلى رسم «خريطة طريق» للعلاقات الأمريكية ـ الإيرانية؛ واعدة بالخير إذا أحسن الإيرانيون قراءة ما حمّلته عليها الإدارة من تفاصيل طبوغرافية (بحار وأنهار، تلال ووديان، دروب مستقيمة وأخرى متعرّجة… كما للمرء أن يتخيّل). وفي كلمة ألقتها أثناء اجتماع نظّمته الجمعية الآسيوية، وليس في مؤتمر صحافي أو اجتماع سياسي رسمي، قالت أولبرايت: «واضح أنّ عقدَين من انعدام الثقة لا يمكن محوهما في ليلة وضحاها. الهوّة بيننا ما تزال واسعة. ولكنّ الوقت قد حان لاختبار إمكانيات جسر الهوّة».
العقدان صارا ثلاثة، ثمّ اقتربا من الأربعة، وانطوى الزمن على «ربيع عربي» شغلت فيه طهران أكثر من وظيفة وتولّت أكثر من دور، في لبنان والعراق وسوريا واليمن؛ كما انطوى، أيضاً، على اتفاقية فارقة مع الغرب، بصدد البرنامج النووي الإيراني… ومع ذلك، بدل أن تنجسر الهوّة، فإنها ازدادت اتساعاً، والخريطة التي يمكن أن تُرسم اليوم تحتوي على سلسلة عناصر متفجرة، لعلّ مكوناتها الراهنة هي ذاتها التي أوحت بالتفاؤل في حينه!
وفي العودة إلى منطق الأخذ والعطاء، ليس من المؤكد أن تسير رياح السياسة الخارجية كما يشتهي المخططون لها في واشنطن وموسكو، على حدّ سواء؛ لأنّ المنطق، إياه ـ وبحكم التجربة التاريخية للقرن السالف وقرابة عقدين من القرن الحالي ـ يفترض انبثاق منظومة التناقض من قلب منظومة التطابق، ذاتها في الواقع. في قبضة طهران مجموعة متكاملة من أوراق التفاوض، هي معادلات قوّة قادرة في الآن ذاته على الإخلال بالتوازن؛ ولم توقّع الاتفاق النووي إلا ضمن «سلّة» إقليمية متكاملة بدورها، لا تكتفي باستثمار «الهلال الشيعي» العتيق وحده، بل قد تذهب أبعد… إلى حيث يمكن أن يسيل اللعاب الروسي، فينقلب منطق تفاهمات واشنطن وموسكو، رأساً على عقب!

واشنطن وطهران: منظومة الرأس على العقب

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د.سامر راشد:

    منطق الجلوس على طاولة المفاوضات ووضع كل الملفات على الطاولة تلك هي السياسة الأمريكية تجاه إيران والسبب في ذلك ليست الإرادة الأمريكية و إنما واقع التفاوض من يفرض ذلك،ليس لدى إيران ماتخسر مع الولايات المتحدة و ليس لديها ماتربح و أما غض الطرف الأمريكي عن المشاريع الإيرانية بكافة أشكالها فليس إلا من باب المستفيد.
    إن الولايات المتحدة قد أعلنت مراراً على لسان العديد من قادة الحزب الجمهوري و الحزب الديمقراطي أن إيران تمثل محور الشر الذي لابد من السيطرة عليه و تأتي هنا كلمة السيطرة دون القضاء عليه و المقصود هو التوجيه و التحكم به ليكون سلاحاً خادماً للمشاريع الأمريكية،إن الولايات المتحدة قادرة على إغراق إيران بالعقوبات و قادرة على إسقاطها هي و ثورتها و تحويلها إلى كوريا شمالية جديدة و لكن هذا لا يندرج ضمن مصالحها في المنطقة.

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    التحالف الصفوي الروسي قديم ومنذ 500 عام
    فقد كان أساس هذا التحالف هو في ضرب الإسلام السني الممثل بالدولة العثمانية
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول سامح //الاردن:

    *التهديد الأمريكي ل(إيران ) فشينك..
    أمريكا بسبب وضعها (الإقتصادي)
    السيء لن تستطيع فتح أو شن أي
    حرب جديدة لا مع إيران ولا مع غيرها.
    سلام

  4. يقول حسن:

    يمكن لإيران استغلال فجوة انقسام الشعب الأمريكي لتقارع سام على أرضه بعد أن سهل ترامب اختراق الصفوف الأمريكية. إيران بالطبع هي حليف لروسيا التي لديها كل المعطيات عن أمريكا. الحلف يمكن أن يتسع للصين التي بدأت أمريكا تختلق الأعذار لضربها مع أن الصين قوة لا. يُستهان بها.
    بذلك تخمد أمريكا وإلى الأبد.

  5. يقول بلحرمة محمد المغرب:

    الى الاخ الكروي داود لا تتحدث بالمنطق المدهبي والطائفي فالايرانيون قبل كل شيء مسلمون ومن الواجب علينا نحن ايضا كمسلمين ان نبحث عن السبل والطرق لايجاد صيغ مشركة للتفاهم وتقليص الهوة بيننا وبينهم بدل ان نصب المزيد من الزيت على النيران التي لن تصب الا في المصلحة الصهيوامريكية والغربية التي تتربص بالاسلام والمسلمين والعرب وتتصيد كل فرصة لزيادة واستمرار مصائبنا ومعاناتنا وكوارثنا وماسينا التي ساهمنا فيها بشكل كبير من حيث ندري او لا ندري فادا كنت يا صديقي تتحدث عن التحالف الايراني الروسي فمادا عن التحالفات العميقة والمؤدية التي تقيمها الانظمة العربية مع امريكا وكيان الارهاب الصهيوني والغرب؟ فمتى يتعافى بعض العرب من العقدة الايرانية ليصوبوا بوصلتهم تجاه الخطر الحقيقي المتمثل في كيان الارهاب والاجرام الصهيوني وداعميه في واشنطن والغرب الاستعماري وعلى وجه التحديد بريطانيا وفرنسا؟

إشترك في قائمتنا البريدية