الرباط ـ «القدس العربي» من محمود معروف: كشفت زيارة وزير خارجية هولندا للرباط عن خلاف مغربي – هولندي، كان صامتاً، حول عدد من الملفات جلها يتعلق بقضايا مغربية داخلية، مثارة منذ عدة شهور، أبرزها حراك الريف المندلع منذ 2016، لانعكاسه على عشرات الألوف من المغاربة المقيمين بهولندا أو الحاملين للجنسية الهولندية.
ووجّه ستيف بلوك، وزير الخارجية الهولندي انتقادات للسلطات المغربية، حول طريقة التعاطي مع حراك الريف، وجر جل قياداته إلى المحاكم، وهو ما أثار ردة فعل لدى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الذي قال ان بلاده ترفض سماع «دروس» في خلاف داخلي. وأضاف في ندوة صحافية مشتركة مع بلوك «علاقاتنا لها عناصر اتفاق وعناصر اختلاف، وحول الريف لم نتفق».
وأكد إن «موقف المغرب في الريف واضح، هذه قضية داخلية لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون موضوع نقاش خارجي». وقال إن المغرب يعالج هذه القضية في ظل قوانينه، وأن الدولة المغربية تتمتع بمؤسسات ضامنة للحق في التظاهر في ظل القانون، وضامنة كذلك لمتابعة أي انتهاكات للقانون، وقضية الريف «قضية مغربية، والمغرب لن يقبل إعطاءه دروساً في هذا الموضوع».
وقال وزير الخارجية المغربي أن بلاده تتوافر على نظام قضائي يمكنه من تدبير تطبيق القانون بكل شفافية وإنصاف، والرد على الانتهاكات إذا وجدت، وأن حراك الريف «لا يشكل مسألة دبلوماسية فالأمر يتعلق بقضية داخلية، لا يمكنها أن تكون بتاتاً موضوع نقاش ولا موضوع مباحثات مع دول أجنبية».
وأوضح بوريطة، في معرض رده على تعليق للوزير الهولندي حول حرية التعبير واحترام المساطر القضائية، أنه في إطار انفتاحها السياسي وديناميتها الداخلية وإصلاحاتها الاقتصادية، فإن المغرب يقوم بتدبير مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمختلف جهاتها من خلال بنياتها وتحت إشراف السلطات المعينة.
ويعيش في هولندا مئات الالوف من المغاربة يتحدرون جلهم من منطقة الريف وشكلوا دعما للحراك الذي اندلع نهاية تشرين الاول/ اكتوبر 2016 احتجاجاً على مقتل بائع سمك مطحوناً في آلة على متن شاحنة للزبالة. وتحولت الاحتجاجات في ما بعد الى حراك يطالب برفع التهميش عن المنطقة وتنميتها.
وأدت الاحتجاجات الى ما عرف بالزلزال حين قرر العاهل المغربي الملك محمد السادس إبعاد عدد من المسؤولين حملهم مسؤولية التقصير في تنفيذ مشاريع تنموية في إطار الحسيمة منارة المتوسط جرى التوقيع عليها بحضوره عام 2015.
وأسفرت مواجهات بين المواطنين والسلطات عن مقتل ناشطين واعتقال اكثر من 500 ناشط يحاكم قادتهم (54 ناشطاً) أمام محكمة بالدار البيضاء، وخاضت عائلات المعتقلين جولة أوروبية من بينها البرلمان الهولندي، للتعريف بقضية المعتقلين على خلفية الحراك، وحشد دعم دولي في اتجاه الضغط على المغرب من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين في هذا الملف.
ونقلت صحيفة «دي تليغراف» الهولندية الواسعة الانتشار، أن الوزير الهولندي قال بالحرف خلال اجتماعه بنظيره المغربي «نعبّر عن قلقنا البالغ تجاه ما يقع بالريف حيث توجد جذور الكثير من الهولنديين من هذه المنطقة.. نطالب الحكومة المغربية باحترام التزاماتها تجاه حرية التعبير وحرية الصحافة. كما نطالب بمحاكمة عادلة لمعتقلي الريف…».
وأضاف الوزير الهولندي «لدى هولندا والمغرب العديد من المصالح المشتركة. ليس على الأقل بسبب وجود 400000 هولندي لهم خلفية مغربية في هولندا. إنها علاقة يمكن من خلالها إبرام الاتفاقيات، ويجب أيضاً أن تنفذ».
وقالت الصحيفة ان المحادثات بين المسؤول الهولندي والمسؤولين المغاربة تطرقت إلى «أحداث الريف، شمال المغرب حيث تسود الاضطرابات ونقل الوزير بلوك مخاوفه بشأن الوضع، وطلب من سلطات المغرب الحق في حرية التعبير وحرية الصحافة ومحاكمة قانونية منصفة للناشطين الذين تم اعتقالهم». وأشار إلى ضرورة «سلامة المواطنين الهولنديين المسافرين إلى المغرب هذا الصيف»، من دون أن يحدد من المقصود بهذا التصريح، هل هم مواطنون هولنديون سياح أم المواطنون الهولنديون من أصول مغربية الذين تعودوا العودة إلى بلادهم الأصلية لقضاء عطلتهم في المغرب، وأغلبهم من منطقة الريف.
وقالت وسائل إعلام هولندية أن الزيارة التي قام بها الوزير الهولندي أتت لتفادي الأزمة الدبلوماسية «الصامتة» بين البليدين بسبب حراك الريف وعدم تسليم البرلماني السابق سعيد شعو اللاجئ في هولندا أحد الداعمين للحراك والذي يطالب المغرب بتسليمه إلى جانب ملفات أخرى منها مشاكل الهجرة ومحاربة الإرهاب واتفاقيات تبادل المجرمين. ونقلت عن وزير الخارجية الهولندي قوله: «المغرب عند بوابة أوروبا ، مما يجعله دولة مهمة في السيطرة على تدفقات الهجرة غير النظامية إلى أوروبا». وأن الوزير بلوك اتفق مع المغرب على العمل معاً في هذا الشأن، وأيضا بشأن عودة المغاربة بدون تصريح إقامة ساري المفعول.
وكشفت مصادر مغربية أن المغرب لم يتوصل إلى حل مع هولندا بخصوص ترحيل سعيد شعو، الذي يشكل موضوع مذكرة توقيف دولية للاتجار بالمخدرات، نحو المغرب.
وقال وزير الخارجية المغربي ان بلاده كانت دائما وفية لالتزاماتها بخصوص طلبات الترحيل التي تقدم بها الجانب الهولندي، وينتظر من هولندا نفس التجاوب الذي أبداه المغرب في السابق، مذكراً بوجود اتفاقيات ترحيل تم توقيعها مؤخراً وأنه من المهم ضمان تطبيقها بطريقة متوازنة.
وأضاف «نرحب بالعمل والتتبع الذي يقوم به الوزير والمسؤولون والجهات المعنية في هولندا»، معرباً عن ارتياحه للطعن الذي تم التقدم به ضد الحكم القضائي الأخير بخصوص موضوع ترحيل شعو.
ولم تستجب محكمة «زيلاند الغربية» في رابان، جنوب هولندا لطلب المغرب تسليم شعو إلى السلطات القضائية المغربية، وهو ما أثار غضب السلطات المغربية التي اعتبرت ذلك تراجعاً عن التزام هولندا السابق بتسليم شعو، على اعتبار أنه «يهدد أمن البلاد ومطلوب أمام العدالة المغربية».
علاوة على ذلك، أفادت المصادر ذاتها بأن الخارجية المغربية رفضت مقترحاً تقدم به الوزير ستيف بلوك يقضي بترخيص السلطات المغربية لهولندا لإعادة المهاجرين غير الشرعيين المتواجدين فوق الأراضي المنخفضة، وأكدت أنه «لا يمكن إصدار هذه التراخيص بشكل مسبق من دون التحقق من هوية هؤلاء إن كانوا فعلاً مغاربة، خصوصا أن ألمانيا المجاورة لهذا البلد فتحت حدودها لآلاف المهاجرين القادمين من بؤر التوتر والنزاع».
وطلب وزير خارجية هولندا حول تداعيات القرار المثير للجدل القاضي بحرمان عدد من المغاربة من تقاعدهم الهولندي، السماح لسلطات بلاده بمراقبة ممتلكات أفراد الجالية داخل المغرب وهو ما رفضه المغرب»لأنه لا يمكن أن تسمح لسلطة أجنبية أن تراقب المواطن المغربي فوق أراضيه».
وأجرى الوزير ستيف بلوك، خلال زيارته للمغرب مباحثات مع عدد من المسؤولين المغاربة بينهم رئيس الحكومة سعد الدين العثماني ووزير العدل محمد أوجار ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت.
وقال الوزير الهولندي في الندوة الصحافية مع نظبره المغربي ان بلاده تعتبر أن جهود المجتمع الدولي بخصوص قضية الصحراء يجب أن تمر عبر الأمم المتحدة. وقال انه بالنظر إلى تعقد وهشاشة المسلسل، فإن هولندا تعتبر أن عمل المجتمع الدولي يجب أن يمر عبر الأمم المتحدة، ولاسيما من خلال المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، السيد هورست كوهلر. وأكد أن هولندا والاتحاد الأوروبي يعتبران أن «إيجاد تسوية يعد أمراً معقداً ويتطلب نفساً طويلاً»، وأن هولندا ستواصل إثارة انتباه المجتمع الدولي بخصوص هذا الموضوع داخل الأمم المتحدة.
محمود معروف