لندن ـ «القدس العربي»: استغلت بعض وسائل الإعلام في أوروبا الهجمات الإرهابية الدموية التي ضربت باريس والتي ذهب ضحيتها 130 شخصاً، حيث حاولت تشويه صورة الجاليات المسلمة التي بدا واضحاً أنها في حالة من القلق، وهو القلق الذي حاول حزب العمال البريطاني السيطرة عليه عبر زيارة زعيمه إلى أبرز مساجد لندن.
وأثارت جريدة «صن» الشعبية البريطانية والتي تعتبر الأوسع انتشاراً والأولى من حيث التأثير في الرأي العام في بريطانيا، أثارت مشاعر غضب واسع في أوساط الجالية المسلمة عندما خرجت في عنوان رئيسي على صفحتها الأولى بعد أيام من هجمات باريس يقول: «واحد من بين كل خمسة مسلمين بريطانيين يتعاطف مع الجهاديين»، وهو العنوان الذي اعتبرته الجاليات المسلمة تحريضاً ومحاولة لاستغلال هجمات باريس من أجل تحريض الرأي العام ضدهم.
وقالت الصحيفة إن النتيجة جاءت في استفتاء حصري أجرته «صن»، لكن الكثير من المعارضين والمستاءين من عنوان الصحيفة قالوا إن «الاستفتاء كان مضللاً أصلاً»، حيث سألت الصحيفة من تم استطلاع آرائهم عما إذا كانوا يتعاطفون مع الشباب الذين يقاتلون في سوريا؟ ولم تذكر كلمة «جهاديين» ولا «إرهابيين» ولا «داعش»، كما أن الجواب كان واحداً من ثلاثة خيارات هي: نعم كثيراً، نعم، لا. أي أن اثنين من الأجوبة التي تم الايحاء بها كانت التأييد والتعاطف ما جعل النسبة تغلب.
وبلغ عدد الشكاوى المقدمة لـ»هيئة تنظيم الصحافة» في بريطانيا أكثر من 1200 شكوى بعد أن وجه القراء والمنظمات الإسلامية أصابع الاتّهام إلى الصحيفة بسبب ما اعتبروه تشويهاً لنتائج الاستطلاع، الذي بيّن أن 5 في المئة من المسلمين يظهر تعاطفاً مع الشباب المسلم الذي ترك بريطانيا ليشارك الحرب مع المقاتلين في سورية، و14.5 في المئة أظهروا نوعاً من التعاطف.
وتعتبر هذه الكمية من الشكاوى ضد الصحيفة الأعلى في تاريخ الصحافة، إذ تكون حالة الاستياء قد سجلت رقماً قياسياً في بريطانيا، حيث تفوقت الصفحة الأولى التي أثارت الاستياء في عدد الشكاوى على المقال المثير للجدل الذي نشرته «صن» في نيسان/أبريل الماضي ووصفت فيه المهاجرين بأنهم «صراصير»، وهو مقال تسبب للصحيفة في أكثر من 400 شكوى، واعتبر في ذلك الحين أنه سجل رقماً قياسياً من الاستياءات والاحتجاجات، لتأتي الشكاوى على الصفحة الأولى التي تتهم المسلمين بالتعاطف مع الارهاب بنحو ثلاث أضعاف تلك الشكاوى متجاوزة الـ1200 شكوى.
ورغم عنوانها المثير للجدل إلا أن جريدة «صن» اعترفت في تقريرها أن أغلب المسلمين في بريطانيا والبالغ تعدادهم 2.7 مليون شخص هم «معتدلون» ولا يميلون نحو التطرف أو يؤيدونه، كما اعترفت الصحيفة أيضاً في تقريرها أن عدد المسلمين البريطانيين الذين يتعاطفون مع المقاتلين في سوريا تراجع مقارنة مع نتائج استطلاع أجرته «سكاي نيوز» في شهر آذار/ مارس الماضي. وقالت إن نسبة المسلمين الذين لا يبدون أي نوع من التعاطف مع المقاتلين في سوريا ارتفعت من 61٪ في آذار/مارس الماضي إلى 71٪ في الوقت الحالي.
وتعتبر «صن» الصحيفة اليومية الشعبية الأوسع انتشاراً في بريطانيا حيث تقول الاحصاءات أنها توزع يومياً أكثر من مليوني نسخة، كما أن ثمنها هو الأرخص مقارنة بغيرها من صحف الــ»تابلويد» الشعبية، كما أن الموقع الالكتروني للصحيفة من بين المواقع الأولى والأكثر تصفحاً في بريطانيا وفي العالم.
وفور نشر الصحيفة عنوانها الرئيسي المثير للجدل والذي اعتبره المسلمون مسيئاً لهم، انتشر على شبكة «تويتر» الوسم الذي يتناول الجدل الدائر حول القصة، وهو (#1in5Muslims) حيث سخر أغلب المغردين والمعلقين من عنوان الصحيفة، واعتبروا أن نتائج الاستطلاع من غير الممكن تصديقها، وأنها لا تعدو أن تكون محاولة لتشويه صورة المسلمين في الغرب عموماً وبريطانيا خصوصاً.
حزب العمال: مساعي للطمأنة
ولاحقاً لعنوان الصحيفة الشعبية، وبالتزامن مع تزايد الاعتداءات على المسلمين بعد هجمات باريس والمخاوف من أن تتغير القوانين في بريطانيا، وتتأثر الحريات سلباً ضد المسلمين، بادر زعيم حزب العمال البريطاني المعارض بالقيام بزيارة مفاجئة وغير متوقعة إلى أحد أكبر وأشهر مساجد بريطانيا، وهو مسجد «فينزبري بارك» حيث ألقى زعيم الحزب جيرمي كوربين كلمة على مسامع المسلمين هناك، في محاولة لتهدئة مخاوف الجالية المسلمة وطمأنتها، والتأكيد على عدم ربط العمليات الإرهابية بالمسلمين كدين أو كجالية.
وقال للمصلين إنه «في الوقت الذي ارتكبت فيه جريمة باريس يجب على الجميع أن يضع في ذهنه أن المسلمين لا علاقة لهم بهذه الهجمات، كما أنهم ليسوا مسؤولين عنها ولا ينبغي التعامل معهم بشكل مختلف عن باقي مكونات المجتمع البريطاني نتيجة لذلك».
كما عبر كوربين عن إعجابه واحترامه لمسلمي بريطانيا، مشيدا باحترامهم لمبدأ تعدد الثقافات والأديان في المجتمع البريطاني، وخص مسجد فينزبري بارك بإشادة خاصة فيما يتصل بالبراعة والطريقة التي تحول بها من مصدر للمتاعب إلى نموذج للمجتمع المتماسك ومنارة لإلهام المساجد والمراكز الإسلامية الأخرى.
وقبل يومين من الزيارة، دعا زعيم حزب العمال كل أعضاء حزبه ونوابه البرلمانيين لزيارة مساجدهم والتواصل مع المسلمين في دوائرهم، ويبدو أن الرجل أراد بهذه الزيارة أن يكون قدوة لهم لحثهم جميعا على التواصل مع المسلمين وطمأنتهم والتهدئة من روعهم.
وحذر كوربين في أعقاب تفجيرات باريس من الانجرار وراء دوامة ردود فعل تغذي العنف والكراهية، مؤكداً في الوقت ذاته أن حزبه سيدعم كل التدابير اللازمة للحفاظ على أمن البريطانيين.
وشدد زعيم حزب العمال المعارض على أن إيجاد تسوية سياسية في سوريا وإنهاء الأزمة هناك سيساهم في إنهاء خطر تنظيم الدولة الإسلامية الذي ساهمت ظروف الصراع في سوريا في نشأته، مجدداً انتقاده لمشاركة بريطانيا في سلسة من الحروب التي جلبت الدمار للشرق الأوسط.