لندن – رويترز: توقعت «وكالة الطاقة الدولية» ان ينمو إنتاج النفط الصخري الأمريكي على مدى السنوات الخمس المقبلة، ليستحوذ على جزء من حصة منتجي «أوبك» في السوق، ولتقترب الولايات المتحدة، التي كانت في فترة ما أكبر مستوردي النفط في العالم، من تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وأمس الأول قالت الوكالة، في تقريرها السنوي «النفط 2018» الذي تستعرض فيه آفاق الخمس سنوات المقبلة، أن الاتفاق التاريخي على خفض الإنتاج في عام 2017 بين «أوبك» ومنتجين آخرين من بينهم روسيا لتقليص فائض المعروض، أدى إلى تحسين فرص منتجين آخرين في ظل الارتفاع الحاد الذي شهدته أسعار النفط علي مدار العام. وتوقع التقرير أنه مع ارتفاع الإمدادات الأمريكية، فإن الطلب على نفط منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» سيتراجع دون مستوى الإنتاج الحالي في 2019 و2020، وهو ما يشير إلى عودة فائض المعروض إذا ظل إنتاج أوبك مستقرا.
وبلغ إنتاج النفط الأمريكي مستوى قياسيا أواخر العام الماضي، ومن المتوقع أن ينمو بواقع 2.7 مليون برميل يوميا إلى 12.1 مليون برميل يوميا بحلول عام 2023، إذ تعوض زيادة الإنتاج من حقول النفط الصخري تراجع الإمدادات التقليدية بل وتفوقها.
وفي العام الماضي، توقعت الوكالة نمو إنتاج النفط الصخري الأمريكي، بمقدار 1.4 مليون برميل يوميا بحلول 2022 مع وصول أسعار النفط إلى 60 دولارا للبرميل، وبمقدار ما يصل إلى ثلاثة ملايين برميل مع بلوغ سعر النفط 80 دولارا.
وقال فاتح بيرول، المدير التنفيذي للوكالة في بيان «ستضع الولايات المتحدة بصمتها في أسواق النفط العالمية خلال السنوات الخمس المقبلة». وأضاف أن توقعات الإنتاج الأمريكي قد يتم تعديلها بالرفع إذا بقيت أسعار النفط فوق 60 دولارا للبرميل.
وأشار إلى أنه يتوقع استمرار نمو إنتاج النفط الصخري، بصرف النظر عن سياسات «أوبك»، وقال ان المنظمة وغيرها من كبار المنتجين في حاجة إلى إعادة النظر في خطط النمو المستقبلية في ضوء «النمو الضخم» للنفط الصخري الأمريكي. وأضاف أنه يتوقع أن ترتفع الطاقة التصديرية للولايات المتحدة إلى المثلين خلال السنوات الخمس المقبلة. وستضيف سوائل الغاز الطبيعي مليون برميل يوميا إلى الإمدادات الأمريكية لتصل إلى 4.7 مليون برميل يوميا بحلول 2023. ومن المتوقع أن يصل إجمالي إنتاج السوائل الأمريكية إلى نحو 17 مليون برميل يوميا في 2023، ارتفاعا من 13.2 مليون في 2017 لتصبح الولايات المتحدة أكبر منتج في العالم للسوائل النفطية بفارق كبير. ونمو الإنتاج من الولايات المتحدة والبرازيل وكندا والنرويج سيفي بنمو الطلب العالمي للنفط حتى عام 2020 ويتجاوزه، حسب الوكالة التي أضافت أن الحاجة ستدعو لمزيد من الاستثمارات لتعزيز الإنتاج لاحقا. ومن المتوقع أن يرتفع الإنتاج من الدول غير الأعضاء في «أوبك» بواقع 5.2 مليون برميل يوميا بحلول عام 2023 إلى 63.3 مليون برميل يوميا، وستمثل الولايات المتحدة وحدها نحو 60 في المئة من نمو الإمدادات العالمية.
وقالت وكالة الطاقة إن الإنتاج في 2017 ارتفع بواقع 670 ألف برميل يوميا مع إضافة 200 منصة حفر نفطية «بما يفوق جميع التوقعات».
«أوبك» تكافح
قالت الوكالة ان إنتاج منظمة «أوبك» سيسجل وتيرة نمو أبطا كثيرا، مضيفة أن من المتوقع أن تتسارع وتيرة تراجع إنتاج فنزويلا لتبدد أثر زيادة إنتاج العراق. وقال بيرول ان توقعات إنتاج فنزويلا قد يتعين خفضها في السنوات المقبلة. وذكرت الوكالة أنه نتيجة لذلك ستزداد طاقة المنظمة بواقع 750 ألف برميل يوميا فقط بحلول عام 2023. وأضافت أنه مع زيادة إنتاج النفط الصخري والإمدادات من خارج المنظمة، فإن الطلب على نفطها، إضافة إلى السحب من المخزونات، سيبلغ 31.80 مليون برميل يوميا في 2019، وهو ما يقل بـ1.8 مليون برميل يوميا عن توقعها السابق للأجل المتوسط.
ويقل هذا عن الطلب المتوقع في 2018 البالغ 32.3 مليون برميل يوميا، وهو دون آخر تقديرات الوكالة لإنتاج منظمة «أوبك» عند 32.16 مليون برميل يوميا.
وفي ظل التوقعات ببلوغ الطاقة الإنتاجية للمنظمة 36.3 مليون برميل يوميا، فإنها ستغطي أقل من 35 في المئة من الطلب العالمي بحلول 2023 مقارنة بحصتها المعتادة وهي نحو 40 في المئة.
وذكرت الوكالة أن الطلب العالمي على النفط سيزيد بواقع 6.9 مليون برميل يوميا بحلول 2023 إلى 104.7 مليون برميل يوميا، بدعم من النمو الاقتصادي في آسيا وازدهار قطاع البتروكيميائيات في الولايات المتحدة.
ورغم الزيادات الكبيرة في الإمدادات من خارج «أوبك»، حذرت وكالة الطاقة من أن انخفاض إنتاج الحقول الناضجة يعني الحاجة إلى مزيد من الاستثمارات في أنحاء العالم بعد 2020. وقالت «لا تظهر استثمارات قطاع المنبع علامات تذكر على التعافي من كبوتها في 2015-2016، وهو ما يثير القلق بشأن ما إذا كانت ستتوافر الإمدادات الكافية لتعويض الانخفاضات الطبيعية في الحقول وتلبية النمو القوي في الطلب بعد 2020».
حاجات البتروكيميائيات
عنصر مهم في زيادة الطلب
من جهة ثانية قالت «وكالة الطاقة الدولية» ان الطلب العالمي القوي على النفط والغاز سيتحول في السنوات الخمس المقبلة صوب البتروكيميائيات وبعيدا عن البنزين والديزل.
وأضافت أن الطلب على منتجات كالأسمدة والبلاستيك ومواد التجميل سيقود نحو 25 في المئة من النمو المتوقع للطلب على النفط تقريبا حتى 2023.
ويمثل هذا التحول تحديا كبيرا لقطاع النفط، في الوقت الذي سيتم فيه إنتاج الكثير من البتروكيميائيات باستخدام الغاز، وهو ما سيكون على حساب المصافي. في الوقت ذاته تقول وكالة الطاقة ان نمو استخدام البنزين والديزل سيكبحه تحسن كفاءة الوقود وانخفاض الاستهلاك في العالم المتقدم. وتضيف ان من المتوقع أن يزيد الطلب على النفط العالمي 6.9 مليون برميل يوميا حتى 2023، فيما سيشكل الطلب على لقيمي قطاع البتروكيميائيات، وهما غاز الإيثان وخام النفتا، 25 في المئة من هذا النمو أو ما يعادل 1.7 مليون برميل يوميا. واللقيم هو المادة الأولية الأساسية التي تنتج منها المواد المصنعة. وقالت الوكالة «نمو الاقتصاد العالمي يدفع المزيد من الأشخاص إلى الطبقة المتوسطة في الدول النامية وارتفاع الدخل يعني زيادة حادة في الطلب على السلع الاستهلاكية والخدمات». وأضافت أن «مجموعة كبيرة من المواد الكيميائية المشتقة من النفط والغاز الطبيعي مهمة لتصنيع العديد من المنتجات التي تلبي زيادة الطلب». وتنتج مصافي النفط التي تعالج خام النفتا، لكن أنواعا أخرى من لقيم البتروكيماويات، مثل الإيثان أو غاز البترول المسال، يتم إنتاجها من عمليات معالجة خارج مصافي النفط التقليدية.
وقالت «وكالة الطاقة الدولية» ان الإيثان وغازات البترول المسالة والنفتا تمثل خطرا أكبر على الحصة السوقية للمصافي من السيارات الكهربائية ووسائل النقل التي تعمل بالغاز مجتمعة. وتتوقع أن تسجل المصافي نموا على الطلب قدره 4.8 مليون برميل يوميا فقط حتى 2023 لتفقد بذلك 30 في المئة من الطلب.
وتسبب ازدهار إنتاج النفط الصخري الأمريكي في زيادة توافر الإيثان بشكل كبير، وهناك سلسلة من المشاريع الجديدة الواقعة على ساحل خليج المكسيك الأمريكي في الطريق لإنتاجه.
وحسب الوكالة فإن الطلب على وقود الطائرات، الذي سيتلقى دعما من نمو الطلب على السفر الجوي، سينمو 1.2 في المئة حتى 2023. لكنها ترى ان الطلب على البنزين والديزل سيزيد 0.7 في المئة فقط، مع تباطؤ الزيادة بفعل معايير كفاءة الوقود التي تغطي حاليا ثلثي أكبر أسواق السيارات في العالم. يذكر ان أكثر من 80 في المئة من مبيعات السيارات عالميا حاليا في أسواق تغطيها معايير الكفاءة، بما في ذلك الصين والهند والولايات المتحدة وأوروبا. وقالت وكالة الطاقة ان هذا «سيؤثر بقوة على مستقبل الطلب على النفط». لهذا تحذر الوكالة من أن مجموع إضافات قدرات مصافي النفط البالغ 7.7 مليون برميل يوميا سيتجاوز نمو الطلب على المنتجات المكررة بحلول 2023 بنحو ثلاثة ملايين برميل يوميا. ولهذا السبب فإن «الفجوة بين نمو الطاقة التكريرية ونمو الطلب على المنتجات المكررة لم تكن بهذا الاتساع على الإطلاق في التاريخ الحديث».