ولي العهد السعودي يزور تركيا… مع تصاعد التوتر في العلاقات بين واشنطن وكلا من الرياض وأنقرة

حجم الخط
3

إسطنبول ـ «القدس العربي»: بعد مرور أشهر على توقيع اتفاقيات تتعلق بالتنسيق والتعاون الاستراتيجي بين تركيا والسعودية، لم تبد الرياض حماساً كافياً لتفعيل هذه الاتفاقيات وتطبيقها على أرض الواقع، الأمر الذي فتح الباب واسعاً حول أسباب التباطؤ السعودي مقابل الرغبة التركية الجامحة في تطوير العلاقات.
ومع تزامن الزيارة التي يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن نايف ووزير الخارجية عادل الجبير إلى أنقرة، مع ظهور الخلافات السعودية الأمريكية المتعلقة بقانون الملاحقة المرتبط بهجمات 11 سبتمبر، أثيرت تكهنات جديدة حول إن كان «الخذلان الأمريكي» للحلفاء سيسهم في تقارب سعودي تركي أكبر في ظل الشعور المماثل الذي تعيشه أنقرة مع رفض واشنطن تسليمها فتح الله غولن المتهم بتدبير وقيادة محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف تموز/ يونيو الماضي.
وأمس الخميس، توجه ولي العهد السعودي، محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود، إلى تركيا في زيارة رسمية، يلتقي خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان، وذلك «استجابة للدعوة الموجهة من رئيس الجمهورية التركية، وبناءً على توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود»، حسب الخبر الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية «واس»، حيث من المقرر أن يبحث «العلاقات وأوجه التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين، إضافة إلى مناقشة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك».
ومن المتوقع أن يلتقي «بن نايف» ـ في إطار زيارته ذاتها ـ رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين إلى جانب القضايا الإقليمية، حيث يشارك في الوقد وزراء الخارجية عادل الجبير، والمالية إبراهيم العساف، والثقافة والإعلام عادل الطريفي، ومسؤولون آخرون.
المحلل السياسي مصطفى أوزجان، يقول في مقابلة خاصة مع «القدس العربي»: «بالتأكيد يوجد تردد سعودي ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى أن علاقات تركيا متوترة مع الغرب وأمريكا بشكل عام، والسعودية لا ترغب بأن تكون أقرب من هذا التوتر لا سيما وأن العلاقات التركية الأمريكية ستشهد على الأغلب مزيدا من التوتر والأزمات خلال الفترة المقبلة، بينما السعودية تتمتع بعلاقات هادئة ومستقرة مع هذه الأطراف».
وأضاف: «لكن هناك قضايا يوجد بها توافق كبير بين تركيا والسعودية أبرزها الملف السوري حيث يحتاج الطرفان لبعضهما البعض للاستمرار في تطبيق سياساتهما في سوريا، والتنسيق في هذا الأمر سوف يستمر وربما يتطور لكن السعودية غير متحمسة لتحقيق تقدم كبير في باقي جوانب التعاون».
ورأى المحلل السياسي المختص بالشأن التركي علي باكير أنه «ليس من الواضح على وجه التحديد عمّا إذا كان التردد السعودي آنذاك نابعا من موقف سياسي او ربما من معطيات بيروقراطيّة بحيث لم يكن الجانب السعودي مستعداً بما فيه الكفاية للتوقيع مع الجانب التركي على وثيقة تفاهم لإنشاء مجلس تنسيق مشترك، (مجلس التنسيق التركي ـ السعودي)».
وقال لـ«القدس العربي»: «في بعض الأحيان لا يعدو كون مثل هذه الأمور مجرّد عوائق بيروقراطيّة وبطء موجود في إدارات ومؤسسات الدولة وهو أمر شائع في العالم العربي بشكل عام، لكن في أحيان أخرى يكون الأمر نابعا من معطيات سياسيّة بسبب وجود شكوك أو ربما بسبب ضبابيّة المشهد أو ربما بسبب عوامل داخلية».
ولفت باكير إلى أنه «لا أعتقد أنّ الأمر كان يعود إلى قرار سياسي، وفي جميع الاحوال أثبتت العلاقات التركيّة السعودية خلال المرحلة الماضية أنّها قادرة على احتواء الازمات حتى في ظل وجود اختلاف بين الطرفين حول الموقف من قضية معيّنة كما كان الامر عليه في نهاية عهد الملك عبدالله، كما أثبتت أنّها قادرة على تجاوز المصاعب والتنسيق المشترك كما هي الحال الان، لكن ما هو مطلوب من الدولتين داخليا وإقليمياً أكبر من ذلك بكثير، ويفرض عليهما بالتأكيد ضرورة تعميق هذه العلاقة والتركيز على المخرجات وعلى ضرورة تنفيذها».
وحول أهداف زيارة الوفد السعودي إلى تركيا، رأى المحلل السياسي التركي باكير أتاتجان أن الزيارة مرتبطة بشكل أساسي بالملف السوري خاصة أنها تأتي بعد يوم واحد من زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف وعدد من المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين إلى أنقرة.
وقال لـ«القدس العربي»: «العلاقات التركية السعودية وعلى الرغم من عدم وجود تسارع كبير فيها إلا أنها تبقي قوية ومتماسكة»، مضيفاً: «يوجد توافق كبير بين رؤى السعودية وتركيا حول العديد من الملفات الإقليمية خاصة في سوريا واليمن والعراق»، لافتاً إلى أن هناك مخاوف سعودية من أن تلجأ تركيا إلى التنسيق مع روسيا وإيران بشكل أكبر في حال عدم قيامها بتعاون أكبر مع تركيا خاصة في سوريا.
والأربعاء، أبطل الكونغرس الأمريكي «فيتو» الرئيس باراك أوباما بشأن مشروع القانون المسمى «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، بعد أن صوت مجلسا النواب والشيوخ في جلستين منفصلتين على رفض نقض أوباما، وبالتالي رفض مجلس الشيوخ الأمريكي «فيتو» الرئيس بشأن مشروع قانون يسمح للناجين وعائلات ضحايا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 بمقاضاة دول أجنبية في قضايا الإرهاب ويستهدف بالدرجة الأولى السعودية.
وفي هذا الإطار، توقع أتاجان أن يؤدي توتر العلاقات السعودية الأمريكية إلى تقارب أكبر مع تركيا، لافتاً إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبدى معارضة واضحة لمحاولات أمريكا للضغط على السعودية من خلال القانون المتعلق بالإرهاب وهجمات الحادي عشر من سبتمبر، متوقعاً أن تشهد علاقات الرياض وأنقرة تطوراً لافتاً خلال الفترة المقبلة.
وفي تغريدة له على «تويتر» رأى أستاذ الأخلاق السياسية وتاريخ الأديان في كلية قطر للدراسات الإسلامية «محمد المختار الشنقيطي»، أن تحالفا أكبر بين تركيا والسعودية سيكون بمثابة أفضل رد على قانون جاستا (أقره الكونغرس الأمريكي لمقاضاة دول أجنبية على خلفية أحداث 11 أيلول/سبتمبر)»، على حد تعبيره.
وقال في تغريدته: «ما تحتاجه المملكة العربية السعودية في مواجهة قانون جاستا هو التخلص من الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية، وعقد الشراكة الإستراتيجية مع تركيا، والتصالح مع الحركات الإسلامية»، معتبراً أن «قانون جاستا هو سعيٌ لرهن السعودية وما تملك لأمريكا لجيلٍ قادم».
وعقب الانقلاب الفاشل، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه المحاولة معياراً لتقييم ومعرفة أصدقاء وأعداء تركيا على حد وصفه، إلا أن السعودية لم تُظهر حماساً كافياً في إدانة الانقلاب في وقت مبكر، وأصدرت بيانا في اليوم الذي أعقب الانقلاب، قبل أن يبادر الملك سلمان بن عبد العزيز بالاتصال هاتفياً بالرئيس التركي، وأعقب ذلك انزعاج تركي من ما وصفته بـ»تأييد» وسائل إعلام سعودية لمحاولة الانقلاب وإجراء قناة العربية لقاءاً صحافياً مع فتح الله غولن الذي اضطرت لاحقاً لحذفه من منصاتها الإعلامية.
وقبل أيام زار أنقرة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وجدد دعم بلاده للحكومة التركية وإدانة محاولة الانقلاب، بعد أن بحث سبل تطوير العلاقات بين البلدين.
وأبدت تركيا موقفاً حاسماً بالوقوف إلى جانب السعودية في أزمة الحج المتصاعدة مع إيران.
وعلى الرغم من أن العلاقات السعودية التركية تطورت كثيراً منذ وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى سدة الحكم، وصلت إلى توقيع اتفاقية للتعاون الإستراتيجي بين البلدين، إلا أن الكثير من المحللين ما زالوا يشككون في قناعة السعودية تجاه حكم أردوغان المساند لجماعة الإخوان المسلمين، معتبرين أن العلاقات بين البلدين لا تتعدى تلاقيا في العديد من المصالح ولا يرتقي لمستوى التحالف الإستراتيجي.

ولي العهد السعودي يزور تركيا… مع تصاعد التوتر في العلاقات بين واشنطن وكلا من الرياض وأنقرة

إسماعيل جمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مراقب.المانيا:

    ربما أصبح مطلوبا الآن أن تشكل الدول والأطراف. التي حصل عندها احباطا ما بعده إحباط من عدم مصداقية العم سام.هؤلاء عليهم تشكيل جمعية المتضررين ويبحثون عن شريكا آخر غير الاميركي.لأن الظاهر أن أميركا ليست فقط غير صادقة .بل إنها أدارت ظهرها للعرب.

  2. يقول Moussalim Ali:

    .
    – آخر حقبة حكم أوباما كارثية ، ليست على العالم فحسب ، بل الشعب الأمريكي نفسه .

  3. يقول أبو يحي العربي الجزائر:

    ضح من إقرار الكونعرس لقانون” العدالة ضد رعاة الإرهاب” أن أمريكا قد تخلت عن السعودية بعد تراجع أهميتها بالنسبة للأمن القومي الأمريكي، وأن السعودية مملكة وأسرة ستجرم من قبل القضاء الأمريكي، وستكون مئات المليارات من الدولارات المودعة في البنوك الأمريكية في خطر، سنرى ما إذا كان نظام عبد الفتاح السيسي الذي رعته المملكة السعودية ودعمته بعشرات المليارات من الدولارات سيغني عنها فتيلا,

إشترك في قائمتنا البريدية