سخرنا نحن العرب من الشعار الإيراني «أمريكا هي الشيطان الأكبر»، خصوصا بعدما تم الاتفاق مع هذا الشيطان وحلفائه وأنسبائه، وأصبح بينهم عيش وملح ونفط والتزامات. سخرنا من علاقة الفرس بالشيطان الأكبر، فماذا مع علاقتنا نحن العرب بالشيطان الأصغر أبو 299 قنبلة نووية؟
نبدأ بعلاقة حكومة رام الله غير الافتراضية ورئيسها السيد محمود عباس، فقد هدد أبو مازن بقطع «كل العلاقات» مع إسرائيل، إذا لم يتغير الوضع حتى نهاية الشهر الجاري، الخطير في الموضوع هو كلمة (كُلّ..) فهو لن يقطع العلاقات فقط، بل (كل..) وهذا يعني أن هناك علاقات لا نعرفها غير المنشورة على الملأ. المهم، نحن لا نتوقع أن يتغير شيء في آب اللهاب إلا للأسوأ، وليس هناك أي بارقة أمل تجعل نتنياهو يتغير، فهو مشغول بقضايا الكبار (النووي مثلا)، ولا توجد أي ورقة ضغط بيد السلطة في رام الله، اللهم سوى التهديد بالانتحار، أي بحل نفسها، لتكون مثل النحلة تلسع مرة واحدة وتستشهد، ولا أظن أن هذا ما سيذهب إليه أبو مازن، إذن ماذا يعني تهديده هذا ولماذا؟ يبدو أن السيد عباس ينتظر حدوث معجزة، أو على دراية بقرب حدوثها في المنطقة، وأغلب الظن أنه يقصد إحياء مبادرة السلام العربية، التي ترى جهات دولية وعربية أنها المُسكّن الأفضل الآن للآلام، جراء المأزق الذي دخلت فيه القضية الفلسطينية وأطرافها.
من ناحيتها نجحت إسرائيل بتحويل الصراع إلى خلاف شبه عائلي، يتخلله بين فينة وأخرى قيام ولد أزعر بجريمة فاحشة في وحشيتها يتبرأ الجميع منها، أما قتل الشاب ليث الخالدي مثلا من مخيم الجلزون الذي تظاهر احتجاجا على إحراق أسرة الدوابشة، فلم يلق استنكارا وكأنه أمر مشروع، هكذا تم تقسيم قتل الفلسطينيين إلى شرعي ومقبول، وقتل غير شرعي يسوّد الوجه مع العالم والعرب ويحرج السيد عباس. فالمطلوب هو الظهور بمظهر الاحتلال الرحيم، وهو يشبه الذبح الرحيم في الشرائع السماوية، الذي يجب أن يتم بأقل ما يمكن من الألم للبهيمة، وحتى بدون إظهار السكين لها.
واضح أن السلطة الفلسطينية في ورطة كبيرة، ونتنياهو بلؤمه لم يترك لها مخرجا آمنا، فهو لم يسمح لها بتحقيق أي إنجاز على الأرض تقدمه لشعبها سوى مزيد من القيود، فإما أن تبقى متمسكة بالموجود حتى تصطدم مع شعبها على نطاق واسع، أو أن تنتحر بإعلان تحللها من أي اتفاقات، وحينئذ يصبح كل شيء من جهة إسرائيل مباحا، اعتقالات لرجالات السلطة أو طردهم من الوطن، بحجة نهاية حقبة أوسلو، وحتى اغتيال بعضهم ممن يشكلون مصدر وجع رأس أمني.
وهنا بالذات نتساءل عن النخوة العربية، طبعا غريب أن نسأل عن هذه القيمة في هذه الأيام (النخوة العربية)، لا بد أن بعضكم سمع بمصطلح كهذا السؤال هو عن دور مصر والأردن وعلاقتهما بالشيطان الأصغر، بإمكان هذين القطرين لو أرادا أن يلعبا دورا مهما، من خلال سحب السفيرين كوسيلة ضغط على نتنياهو، لا أدعي أن هذا سوف يجعل من نتنياهو حمامة وادعة، ولكن الشعب في إسرائيل سيفهم أن سياسة نتنياهو باتت عبئا عليه، وسيضيق ذرعا به، خصوصا وهو مصر على تخريب العلاقة مع الإدارة الأمريكية بسبب غروره، ولكن مشكلة مصر أن إسرائيل جرّتها إلى دائرة التنسيق الأمني، بدعوى مواجهة «الإرهاب» المشترك في سيناء، لتصبح إسرائيل شريكة في حراسة الأمن القومي المصري، وهذه نواة الحلف (العربي السني الإسرائيلي) الذي حلم وروّج نتنياهو لإقامته في مواجهة «الإرهاب» السنّي – الشيعي». أما الأردن فهو يكتفي بتوجيه انتقادات ونصائح من صديق إلى صديق (يغار على مصلحته)، كلما ارتكب المستوطنون جريمة أو اقتحاما للأقصى، أو وسعوا استيطانهم، وإسرائيل ترد على هذا التوجه (الأخوي) بإهداء الأردن ست عشرة طائرة كوبرا بهدف الحفاظ على حدوده من «الإرهابيين»، وكأن الأردن عاجز عن حماية حدوده إلا بدعم إسرائيل، وهو تخويف للأردنيين أنفسهم بأن «الإرهاب» يدق أبوابهم، وعليهم تقبل استمرار العلاقة مع الجارة الصديقة إسرائيل، بل ترسيخها مهما كانت ممارسات مستوطنيها، لأن هناك ما هو أخطر وهو «الإرهاب».
عندما أحرق «داعش» بعض الأسرى ومنهم الطيار الأردني المرحوم معاذ الكساسبة، وقف العرب والعالم كله وأعلنوا غاضبين، بأنه يجب القضاء على مجرمي «داعش»، وعندما قام مستوطنون بإحراق الطفل الدبابشة وأسرته بقي السفيران المصري والأردني في تل أبيب، ليس لأن مصر والأردن راضيتان عن هذا، بل لأن السياسة العليا تصر على الفصل اعتباطيا بين حكومة نتنياهو والنتائج المباشرة لسياستها الاستيطانية.
كان بإمكان الأردن رد الهدية احتجاجا على قيام وزراء في هذه الحكومة بقيادة الاقتحامات للمسجد الأقصى، الذي يفترض أن يكون، حسب اتفاقات وادي عربة، تحت الرعاية الهاشمية. ولكن هدايا كهذه لا تتم في يوم وليلة، بل متفق عليها مسبقا، أما استنكار نتنياهو وخجل رئيس الدولة وكل أطياف السياسة في إسرائيل لحرق عائلة الدبابشة فهذا بديهي، فهم لا يريدون لاحتلالهم أن يظهر بهذه البشاعة أمام العالم.
خلال العدوان على قطاع غزة كانت حجة ذوي العلاقات الخاصة مع إسرائيل، بأن حماس تتصرف بدون مسؤولية لأنها ترد على العدوان الإسرائيلي الذي يستدرجها للمواجهة، وكان اختطاف المستوطنين الثلاثة حجة كافية لقتل وإحراق آلاف الفلسطينيين، بينهم أكثر من 500 طفل، وهذا لم يؤثر على العلاقات الخاصة بشيء.
حسنا في قطاع غزة تسيطر عليه حماس (الإرهابية) فما حجتكم في الضفة الغربية، حيث تقوم السلطة الفلسطينية نفسها بالسهر على أمن المستوطنين، ما الحجة في استمرار وجود السفيرين في تل أبيب، وما المعجزة التي ينتظرها السيد عباس حتى آخر الشهر، وكيف نطالب العالم بمعاقبة ومقاطعة إسرائيل على جرائمها ونحن نبيّض جرائم الاحتلال بأن نتقبل الادعاء بكونها تصرفات فردية شاذة قام بها ذاك المستوطن أو ذاك الجندي غير المنضبط، ونغضب ـ قال- وندعو نتنياهو لمعاقبة المجرمين وهو الأب الحنون والراعي والداعم الأول للمستوطنين وعصاباتهم، بل يستثمر الإعلام الإسرائيلي الحدث ويخلطه مع حادث طعن المثليين في القدس من قبل متدين يهودي، (تقتلني وتدخل جثتي وتبيعها- م. درويش) ليكتشف العالم فجأة أن الفلسطينيين والاحتلال والمستوطنين كلهم ضحايا لبعض الزعران المتمردين على القانون، هل فهمتم ماذا كان يقصد درويش عندما قال منذ عقود «اخرج قليلا من دمي، حتى يراك الليل أكثر حلكة، واخرج لكي نمشي لمائدة التفاوض واضحين كما الحقيقة، قاتلا يُدلي بسكين
وقتلى يدلون بالأسماء» …
٭ كاتب فلسطيني
سهيل كيوان
فلسطيني أنا اسمي فلسطيني
نقشتُ اسمي على كل الميادين
بخطٍّ بارز يسمو على كل العناوين
فلسطيني وإن داسوا على اسمي وداسوني
فلسطيني وإن خانوا تعاليمي وخانوني
أنا ماذا أكون أنا
بلا اسمي فلسطيني
بلا وطنٍ أعيشُ له
وأحميهِ ويحميني
– للشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد –
ولا حول ولا قوة الا بالله
تحل بعد يومين الذكرى السابعة لرحيله عنا ، طوبى لذكراه وطوبى لروحه وطوبى لفلسطين الفاتنة التي أنجبته ، غاب لكنه حاضرا قامة كبيرة تعيش معنا حضورا دائماً في خضم الغياب نورا يشع في النهار وبدرا يفتقد في الليلة الظلماء ، كيف لا وهو الذي كتب ” في حضرة الغياب ” مستخدما ثنائية إلانا ليعطي للأفكار معنى غالبا ما نعجز عن التقاطه ، وليسجل أسمة بجانب العمالقة أمثال المتنبي في تلك الملكه .
الإجابة أستاذ كيوان لا ، لم نفهم ماذا كان يقصد ! وتلك هي المشكلة ..
بعد يومين الذكرى السابعة لغيابه عنا ، طوبى لذكراه وطوبى لروحه وطوبى للفاتنة فلسطين التي أنجبته ..
لا لم نفهم قصده أستاذ كيوان .. وتلك هي المشكلة !
تحياتي الكاتب الرائع ..ذكرت في مقالتك الشيطان الاكبر والشيطان الاصغر ونسيت ان تذكر الشيطان الاعظم ..وهو اشد مضاضة علينا وعلى جميع ابناء شعوبنا المساكين من باقي الشياطين….اصبح مفهوم ضمنا لنا ان الشيطان الاصغر يسرق دموعنا ويبكيها ويسرق جثتنا ويبيعها .
وغير مفهوم بل مفهوم مستتر ما قاله الشاعر :- (ومن ملك البلاد بغير حرب يهون عليه تسليم البلاد) والشياطين العظمى لم يمتلكون البلاد بل هم مترفوها ويريدون من شعوبها الإستسلام والتنازل عنها. يريدون من ابناء شعوبهم تغيير الدوار مع بني صهيون ليدخلوا تيه سيناء أربعين سنة يتيهون في الأرض ويقبلون الذلة. فماذا تتوقع من الشياطين العظمى أذلاء نبي صهيون سوى ان ترد بغير …(إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون. )..
أحسنت. للأسف الدول العربية السنية للأسف تقف ضد أيران الشيعية التي ضد إسرائيل وترفض الإعتراف بها، بل جعلت المادة الأولى في الدستور الأيراني عدم الإعتراف بالكيان الصهيوني والتعامل معه، بينما الدول العربية تقترح السلام مع من يحتل فلسطين ويجوع أهلنا في غزة بمساعدتهم حسب وثائق ويكيليكس.
العار كل العار على الأنظمة العربية التي لا تجيد سوى إصدار بيانات الإستنكار تجاه العدو الإسرائيلي المجرم محتل أرض فلسطين الطاهرة ومقدسات المسلمين، وتتراجل على بعضها البعض وتوظف ملياراتها وتستنفر جيوشها وطاقاتها وتمارس أكبر الضغوط على حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية ليس لمواجهة عدو العرب والمسلمين الأول والأخطر، إسرائيل، وإنما ضد إيران. ولكن ورغم تجنيد إعلامهم وإعلامييهم الفاشلين، لتضليل الشعب العربي، إلاَّ أن صورة عمالة هذه الأنظمة وخنوعها لهذا النظام العنصري المجرم في فلسطين المحتلة واضحة حتى لدى أكثر الناس سذاجة. هذه الأنظمة الخائنة الخانعة يجب أن تزول لكي يتحرر الشعب العربي ويحرر أرضه ويحمي عرضه ومصالحه ومقدساته.