يحار طيبو القلب، بسطاء النوايا (خاصة في صفوف عشاق أمريكا داخل «المعارضة» السورية) في تفسير هذا المشهد المتناقض: في جانب أوّل، يتبارى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في تشذيب، وتهذيب وامتداح، ما يُسمّى «مجموعة التنفيذ المشتركة» (JIG)، لتنسيق العمليات بين واشنطن وموسكو في سوريا، ضدّ «جبهة النصرة» و«داعش» تحديداً؛ ومن جانب ثانٍ، تكيل دوائر أمريكية رسمية، وأخرى تخصّ الحزب الديمقراطي، الاتهام تلو الاتهام للمخابرات العسكرية الروسية، بـ»تهكير» إيميلات اللجنة الوطنية للحزب، بما يساعد المرشح الجمهوري الخصم دونالد ترامب، ضدّ المرشحة الديمقراطية هيلاري كلنتون.
والحال أنه ليس في الأمر ما يحيّر ـ البتة أيضاً، لمن يهوى الجزم! ـ لأنّ جانبَيْ المشهد ليسا واردين، والدلائل عليهما أقوى من أن تخطئها بصيرة، فحسب؛ بل يجوز القول إنهما، في عرف القوّتين العظميين على الأقلّ، متكاملان في الوظيفة، وفي الغاية. وسواء كانت موسكو تسعى، بالفعل إلى ترجيح كفة ترامب في هذه المرحلة من سباق الانتخابات الرئاسية، أو كان «التهكير» يستهدف أغراضاً أخرى؛ أمر لا يناقض توافق الكرملين مع البيت الأبيض ضدّ «النصرة» و«داعش»، أياً كانت خسائر/ أرباح الإدارتين من تعديل خياراتهما (أو حتى ثوابتهما) في الملفّ السوري. وحين سرّبت صحيفة «واشنطن بوست» أخبار الـJIG، ثمّ وثيقتها المرجعية المفصلة، لم يفت تحريرها أن يروي تفاصيل دراماتيكة مشوقة حول أجواء الأخذ والردّ بين كيري ولافروف، وكيف طلب كلّ منهما وقتاً مستقطعاً لمراجعة عاصمته، وكيف صرفا المساعدين واجتمعا على انفراد، حين تعسّر طبخ النصّ النهائي…
مناقشة هذا الاتفاق لها مقام آخر، حين تتضح تطبيقاتها العملية في عمّان، مقرّ المجموعة؛ أو على الأرض، أو بالأخرى في سماء، مناطق إدلب وريف سوريا الشمالي ومناطق سيطرة «النصرة» الأخرى. وأمّا في العودة إلى موضوع هذه السطور، فيتوجب القول إنّ قرائن كثيرة ملموسة، مادية وتكنولوجية، برهنت على أنّ «تهكير» إيميلات لجنة الحزب الديمقراطي قامت به مجموعتان معروفتان: APT 28، وAPT 29، والمختصرات تفيد التعبير المعلوماتي «تهديد مواظب متقدم». وشركة الخدمات الأمنية المعلوماتية CrowdStrike لم تتردد في ربط المجموعتين بالمخابرات العسكرية الروسية؛ أسوة بعمليات «تهكير» أخرى سبق أن قامتا بها ضدّ وزارتَيْ الدفاع والخارجية الأمريكيتين. السؤال، مع ذلك، ليس هنا، إذْ أنّ موسكو تفعل ما تفعله واشنطن، وللعاصمة الأخيرة باع طويل في التأثير على انتخابات بلدان أوروبا الشرقية، وانتخابات روسيا ذاتها؛ وبالتالي فإنّ موسكو، إذا كانت حقاً وراء «التهكير»، إنما تردّ الصاع فقط.
في المقابل، السؤال الجدير بالطرح هو التالي: هل تعاونت «ويكيليكس» مع المخابرات العسكرية الروسية، ومنها حصلت على الإيميلات الفاضحة؟ ثمّ، إذا صحّ ذلك التعاون، ما مصلحة «ويكيليكس» في خدمة ترامب ضدّ كلنتون؟ الأشهر، وربما الأسابيع، القليلة المقبلة كفيلة بالإجابة عن هذين السؤالين؛ وعلى نحو واضح فاضح، كما للمرء أن يتوقع.
في النطاق الراهن، للمرء أن يستذكر فضيلة كبرى خلف تسريبات «ويكيليكس»: أنها تمنح المرء شهادة حسن سلوك، أو حسن تكهّن بالأحرى، إذْ توفّر له وثيقة محسوسة عن سلوك أمريكي رسمي كان واضحاً كعين الشمس، بيّناً ومنطقياً، ما خلا أنّ الدليل عليه ظلّ غائباً، أو مغيّباً في واقع الأمر. فلنتذكّر، مرّة بعد مرّة، تلك الواقعة التي لا تتقادم دلالاتها مع تقادم صانعيها، أو اختفائهم من المشهد المباشر: حين ارتأى بوش الانحناء أمام «الإلهام الربّاني»، الذي أراده (بل، على ذمّته: كلّفه!) أن يجتثّ شرور الشرق الأوسط من جذورها؛ فإنّ أوّل خطوة خطاها، على درب تلك الحملة الصليبية الخيّرة، كانت قراءة كتاب «حجّة الديمقراطية: جبروت الحرّية في التغلّب على الطغيان والإرهاب»، لمؤلفه ناتان شارانسكي، السياسي الإسرائيلي والمنشقّ السوفييتي السابق!
وأيضاً، هل كنّا بحاجة إلى برقيات «ويكيليكس» لكي نقطع الشكّ باليقين في أمر السياسات المراوغة التي اعتمدتها إدارة الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما، بين مداهنة المسلمين في خطبتَيه أمام البرلمان التركي ومن جامعة القاهرة، في العلن؛ والإمعان أكثر فأكثر في تخريب العلاقات مع العالم المسلم في ملفات عديدة متلاحقة، كانت أواخرها مواقف الإدارة المراوغة من انتفاضات العرب، وخديعة الشعوب، واستزلام «المعارضات»…؟ هل نعود إلى «ويكيليكس» لنتأكد أنّ ما يتغيّر على مستوى الأفراد في البيت الأبيض، يظلّ ثابتاً أو يكاد على مستوى السياسات؛ حتى حين يلوح هذا الرئيس أقلّ «حربجية» من ذاك، كأن يبدو بوش مهووساً بالتدخل الخارجي، أكثر من خَلَفه أوباما؟
وأخيراً، بِمَ أفادت «ويكيليكس» السوريين حين كشفت ذلك الاجتماع المشهود، الذي شهدته دمشق في شباط (فبراير) 2011؛ بين دانييل بنيامين، منسّق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية، وفيصل المقداد، نائب وزير الخارجية السوري؟ هل كنا نجهل تنسيق النظام مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية المختلفة؟ هنا، أيضاً، كانت فضيلة «ويكيليكس» أنها أماطت اللثام عن تفصيل مثير واحد هو حضور اللواء علي مملوك، مدير إدارة المخابرات العامة، على نحو لم يكن مقرراً في الأصل؛ وكيف بدا انضمامه إلى الاجتماع بمثابة «اقتحام مباغت»، كما سيقول بنيامين؛ بأمر مباشر من بشار الأسد، كما ستقول برقية الخارجية الأمريكية بعدئذ. ولأنّ واشنطن كانت، يومئذ، على علم بأنّ مسائل ضبط الحدود مع العراق ليست في عهدة إدارة مملوك، وأنّ سيّد الملفّ الفعلي هو العميد ذو الهمة شاليش، مرافق الأسد وابن عمّته؛ فإنّ حضور مملوك كان يبعث برسالة المقايضة التالية: هذا اجتماع في الوقت الضائع، وحين تكون إدارة أوباما جادّة في تحسين العلاقات مع النظام، عندئذ سوف يكون شاليش حاضراً في أيّ اجتماع مقبل!
الدليل على هذا هو الكلام الفجّ الذي صدر عن اللواء مملوك أثناء الاجتماع، وصار ذائع الصيت بعدئذ: «في محاربة الإرهاب على نطاق المنطقة، كانت سوريا أكثر نجاحاً من الولايات المتحدة، لأننا كنّا عمليين وليس نظريين». لماذا؟ يتابع مملوك: «لأنّ النجاح السوري تمثل في اختراق المجموعات الإرهابية، وحصول سوريا على ثروة من المعلومات. نحن من حيث المبدأ لا نهاجمهم أو نقتلهم، بل نتمدد داخل هذه المنظمات عن طريق اختراقها بعناصرنا». خاتمة المداخلة كانت أشبه بإطلاق رصاصة الرحمة على المقاربة الأمنية الأمريكية بأسرها: «الفارق بيننا وبينكم هو أنكم تحاربون الإرهاب وجهاً لوجه، أمّا نحن فنخترق صفوفه»!
جانب آخر من المسألة تكفّل سيمور هيرش، المحقق الصحافي الأمريكي الشهير، بتسليط الأضواء على وقائعه، في تقرير مأثور نشرته مجلة «نيويوركر» الأمريكية، صيف 2003. لقد روى الرجل أنّ المخابرات المركزية الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي عملتا في مدينة حلب، ضمن ما يشبه تفويض الـ»كارت بلانش» من النظام، على دراسة وتدقيق آلاف الملفات الوثائق والمستندات السرية التي تخصّ المشبوهين بالانتماء إلى «القاعدة».
وهكذا فإنّ «ويكيليكس» يمكن أن تعرّي مملوك في دمشق، وكلنتون في واشنطن؛ ويمكن أن تخدم فتح الله غولن، أو تؤذي رجب طيب أردوغان… ولكن، حتى إذا عفّت حتى الساعة عن تفضيح مافيات موسكو، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً، أو ثبت حصولها على التسريبات من جهات استخباراتية هنا وهناك؛ فالأصل هو إطلاق الحقائق إلى العلن، مكشوفة في عراء الافتضاح والتمحيص. وليست فضيلة عابرة، أو ضئيلة، أن تتكشف الرذائل هكذا، في رابعة النهار!
٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
صبحي حديدي
تهانينا لجبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) على البداية الموفقه وحيا الله الفاتح أبو محمد الجولاني وفتح على يديه سائر الشام
ولا حول ولا قوة الا بالله
“ويكيليكس” ليست بريئة أبدا، والتّاريخ وحده من سيميط اللّثام عن أسرارها و نواياها.أ مّا عن هذا الترامب، فهو الشخص المناسب في المكان المناسب، هو يمثل وجه أمريكا الحقيقي الخفيّ و المقنّع بالدبلوماسية و الليبرالية، (دقت ساعة ) المصارحة و (المصارعة)، مع هذا الترامب، سنرى و نتعامل مع أمريكا التي بلا مكياج..و يا ويلنا، فلا زاد لنا..
أليس عجيباً أن داعش تفجر في فرنسا وبلجيكا وتركيا والعراق وسوريا وفي سيناء وليبيا والسعودية والأردن وفي بلدان وبلدان … ولكن داعش لاتقرب روسيا وأيران … فما هو السبب
اختي الكريمة سامية :
يجيب عن هذا السؤال معارض منشق عن النظام الإيراني حيث يقول :” إن غرفة عمليات داعش موجودة في مدينة مشهد الإيرانية ويشرف عليها الحرس الثوري الإيراني مباشرة .”
داعش هي صنيعة إيرانية روسية الهدف منها تفتيت المنطقة والانتقام من السعودية وهذا هدف استراتيجي روسي لدور السعودية في إضعاف الإتحاد السوفيتي سابقا من خلال الحرب الاقتصادية
لذلك داعش فرصة لروسيا وإيران لتفتيت السعودية والمنطقة
يقول الكاتب المحترم “السياسات المراوغة التي اعتمدتها إدارة الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما، بين مداهنة المسلمين …. والإمعان أكثر فأكثر في تخريب العلاقات مع العالم المسلم …..، واستزلام «المعارضات» و اعتقد انه اصدر حكما بدون اعتبار المواقف و الجهات الاخرى في الاقليم و في امريكا. انا شخصيا اعتقد ان تقليص التدخل الامريكي هو من حسنات اوباما لاننا لم نعهد اي تدخل عنيف كان لخير الشعوب الاخرى و امثلة غزو العراق ما زالت قريبة
قرات من سنوات هذه قصة الاجتماع وقيل يومها انةالذي حضر بغتة للاجتماع وقال هذا الكلام هو اصف شوكت وليس علي المملوك