ياللهول! إبنتي ستتزوج مسلما

حجم الخط
73

طالعتني جارتي بوجه متجهم حين مررت بها لنتسكع معا كعادتنا منذ أعوام على ضفاف نهر السين مقابل البيت. وجه يمطر حزناً.
وقبل استفساري عن سبب تعاستها، صرحت: تخيلي الكارثة التي ستحل بي.. ابنتى تريد الزواج من مسلم! يا للهول.. مسلم من أصل عربي! وأضافت كرشاش يطلق رصاصه بلا انقطاع: يا للكارثة.. سيجر ابنتي طالبة جامعة «السوربون» الباريسية الراقية إلى (عالمه)… ستقف إلى جانبه وهو يشهر سيفا ليذبح رهينة غربية ويقوم بتعذيب صحافي ذهب بحثا عن الحقيقة. تخيلي، ستكون معه حين يطلق الرصاص على شاب مسكين طبيب تطوع لمعالجة مرضى العالم مجانا بدلا من شكره ويحصد الأطفال في مدرسة ما برشاشه ويخلف في المذبحة أكثر من مائة طفل مقتول في حرب (النكايات). هل يعقل أن تقبلي شيئا كهذا لابنتك؟ وقبل أن أجيب بأن لا ابنة لي، وأنني مسلمة، تابعت وأنا صامتة كشاهدة قبر: سيضرب ابنتي (التي لم أصفعها مرة) لتأديبها وعليها بأمر الشيخ ان تقول له شكرا.
سيتزوج امرأة إضافية أصغر سنا منها وستنظف لهما غرفة «ليلة الدخلة» وتبدل ملاءات السرير، وستشتري سريرين إضافيين لزوجتين قادمتين بعد ذلك!
أضافت: هل تريدين ان تشارك في إحراق المكتبات كما فعل رفاقه بمكتبة مخطوطات في «تامبكتو» وبغداد وغيرها وتدعمه في رش ماء النار على وجوه اللامحجبات في إيران وباكستان وأفغانستان.. هل ترضين بأن تشجعه على الانضمام إلى (بوليس الشريعة) الممتد من ألمانيا إلى بقية أوروبا لإرهاب الناس ومنعهم من ممارسة حرياتهم؟ (قرأت من بوليس الشريعة في جريدة «لوبرزيان» 11/12/2014 ـ ولذا كدت أقول لها ان رئيس المجلس الإسلامي هناك أيمن مزيك قال مستنكرا: بوليس الشريعة يؤذي الإسلام والمسلمين عامة، وحسنا فعل. وكدت أقول لها ذلك كله، لكنها تابعت:
وهل تريدين ان تحمل معولا لتشاركه في هدم الآثار القديمة وتحمل معه رشاشا لقتل الناس في المتاحف، وهل ترضين بتزويج ابنتها بعد ذلك وهي في التاسعة من العمر لشيخ مسن منحرف لمجرد انها ابنة مسلم وهل ترضين بنصيب ابنتي حتى الموت إذا اتهمها زوجها بالخيانة أو بجلدها حتى لفظ أنفاسها.. وهل ترضين باختطاف الراهبات وقتل الكهنة وهل تقبلين بتهجير المسيحيين من وطنهم العربي كما هو وطن المسلمين.

«السلام عليكم» أم «الموت لكم»؟

وقبل ان أختنق سألتها: وأنتِ، هل ترضين بزواج ابنتك من أبني مثلا إذا فرضنا جدلا انهما يريدان ذلك؟
قالت مبتهحة: «اتمنى ذلك.. حقا وامتدحته، قلت لها: ولكن ابني مسلم وأنا مسلمة.
فوجئت.. نظرت إلى بذهول مشوب بالخوف كأنها تراني للمرة الأولى، ثم ترنحت وجلست على أقرب مقعد وسألتني بلهجة تسيل دهشة: أنتِ مسلمة؟ ابنك مسلم؟.. هذا لا يُصدق..
قلت لها: وثمة مليارات المسلمين مثلنا.. وتحيتنا: السلام عليكم، لا القتل لكم..
سقط فكها الأسفل ولم تقل شيئا. كدت أضيف: الإسلام هو أول من ساوى بين الزنجي والأبيض وأخرج المرأة من وأدها في الصحراء ومنحها حق الملكية قبل قرون من أوروبا.. لن تسمعني.. لعلها الآن ترى (الكاسكيت) التي ارتديها قبعة من جمجمة رجل كان رهينة، وشعري أزينه بعظام بشرية، وحلقة المفاتيح في يدي خناجر للقتل المجاني.. وقد تحولت أظافري إلى مخالب ونبتت لي أنياب مثل «دراكولا مصاص الدماء».

ثورة دينية تصحيحية

أضفت:/ أنا الآن ذاهبة. حاولي الاسترخاء وسأعود لأرافقك إلى دار الأوبرا ليلا كما اتفقنا..
ظل الرعب مخيما على أساريرها..
ولعلها تخيلتني حين أعد الطعام أطبخ شابا اختطفناه وأرقص حول الطنجرة الضخمة فوق نار من ثياب المخطوفين في القبو عندي وأدور حولها وأنا أزعق بصيحات العدوان وألوح بسكين هتشكوكية!! فقد ظلت علامات الذعر قبل الدهشة تبدو على وجهها منذ اللحظة التي قلت لها فيها ان ابني الذي تمتدحه باستمرار هو مسلم كما (الحماة الافتراضية) لابنتها أي أنا!
ثمة سوء تفاهم هائل بيننا والحضارة الغربية. يقف بيننا ويتفاقم يوما بعد آخر ويتسبب في (الإسلاموفوبيا) التي صارت حقيقة لا يمكن إنكارها، لا في الغرب وحده بل لدى بعض العرب المسيحيين كما بعض المسلمين.
واتفق بلا تحفظ مع الأديب اللبناني المحامي د. عبدالحميد الأحدب رئيس «هيئة التحكيم العربية» الذي أعلن ببساطة انه آن الأوان للثورة الدينية التصحيحية. وأن مقاومة «الإرهاب» لا تتم بالطائرات بل بالفكر التنويري أولا والعدالة الدولية. الفكر التنويري كما يعتقد الكثيرون يبدأ على الصعيد العملي بمحاولة محو الأمية في مدارس مجانية للصغار نساء ورجالا وبفتح باب الاجتهاد في الإسلام.
وأعتقد أننا لا نستطيع تصحيح صورتنا اذا لم نصحح حقيقتنا، والعلة ليست في المرآة بل في حقيقة ممارسات بعضنا.
علينا مثلا الرفض العلني لممارسات مخزية تتم باسمنا كمسلمين.
فالإرهاب هو أهم الهدايا التي قدمناها لعدونا، ناهيك عن حروب الاتهام الأخوي فيما بيننا.
وكما نلوم بعض الإعلام الغربي على تشويهه لحقيقتنا إكراما لـ (اللوبي) المتصهين صاحب النفوذ، علينا ان نلوم أنفسنا أيضا لأننا سكتنا (تقريبا) على صبغ الدين الإسلامي بصبغة لا إنسانية.
كل ما تقدم يذكرني بلبنان الوطن الحبيب الذي كان «لحظة حرية» في الزمان العربي وتجلى عناقا متسامحا بين العقل المسلم وبقية العقائد السماوية ومشاركة بناءة في الحياة العصرية.

غادة السمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول من الجزائر:

    لمن يعاتب الكاتبة على أنها لم تفصح بديانتها لجارتها الفرنسية,في فرنسا الناس تخاف من المسلمين لهذا لما نصادق الفرنسيين نتجاهل الكلام عن الدين وهكذا يكون أحسن وكل واحد يطبق دينه في بيته.

  2. يقول جوجو:

    غادة السمان … غادة السمان .. أين كنت كل هذا الزمان؟؟ أطللت علينا الآن كما يطل البدر المكتمل من بين السحاب المدلهم فينير ليلنا ودربنا .. مرحباً بسيدة الكتابة والوطنية والفكر المستنير.

  3. يقول بولنوار قويدر-الجزائر-:

    السلام عليكم
    ”وينك يا غادة؟ لقد اشتقنا الى كلمتك وانت القلم الذي دعا الى الحرية والتحرر يوم كان محرما الخوض فيه ويكسر قلم من نوى النبش فيه واخراص لسان كل من التوى لسانه للدعوة للتحرر وها قد طلّ الهلال وهلّ شعاع الكلمة الحرة ثانية علينا بعدما افتقدناه لفترة من الزمن ليكن في علمك من كثرة اعجابي بك :
    1-اشتريت كل كتبك (من الاعمال الكاملة مررورا لجسد حقيبة سفر وصولا الى الذبح من الوريد الى الوريد…)) كان ذلك من سبعينيات القرن الماضي وقد سميت نفسي ب((ابن غادة))في بعض المقالات التي كنت انشرها على صفحات جرائد محلية كمحاولات ولازلت احتفظ بها وافتخر بها…اطلالتك صرفتني عن التعليق على موضوعك ورؤيتك شرف لي وكيف لا وانت((ايقونة الادب))
    دمت للكلمة الشريفة والقلم الذي يصدح بالحق والحقيقة

  4. يقول عزيز المغرب:

    إبداع التنوير خالد..كلمات الغادة أنوار هادئة..تنثر السلام واﻹسلام الجميل

  5. يقول ابوبكر:

    الي الاخت غادة ما الفرق بين من قال بالنسبة للنساء ان كيدهن لعظيم و بدون استتناء ومن يعتبركل المسلمين ارهابيين انهما يتشابهان في التفكير

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      الذي قال ان كيدكن عظيم هو عزيز مصر – سورة يوسف آيه 28

      فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ

      والكيد يا أخي هو التدبير أو الحيله – معجم الكروي ههههه

      ولا حول ولا قوة الا بالله

  6. يقول منی:الجزائر.:

    أخي رياض من المانيا شكرا علی هذه القصة التي تصلح عمودا هي الأخری؛ دمعت عيناي علی حالك وحال فلسطين وحال المسلمين جميعا ؛ لا أدري مالذي يمكن فعله في ضروفنا هذه أشعر وكأننا امام جدار من فولاذ لانقوی علی إختراقه ؛ كي نقول للعالم نحن لسنا ارهابيين.

    1. يقول رياض ...المانيا ا:

      اختي العزيزة منى شكرا على الشعور النبيل فوالله ان دموعك يا اختي غالية. نسأل الله ان يرشدنا سبل الرشاد وان نستطيع ان نخترق ما وصفتيه بالجدار الفولاذي ان بدأنا في تغيير انفسنا حتى يغير الله حالنا ان شاء الله ولكنا بحاجة الى الكثير الكثير من العمل والاخلاص والتفكير بالمصلحة العامة قبل الخاصة. تحية لك وللقراء والى بلد الشهداء الجزائر

  7. يقول غسان عبد الرحمن البطل:

    nadiafadel -Jordan نعم سأحاول ان اعطيك مثال ملموس …مادي حاش ان يكون الفكر مادة لان المادة تفنى والفكرة طاقة وان لامست الكمال يبقى صداها يتردد في الفضاء فضاء المعرفة . ان كان لديك سيارة مرسيدس 2015 أخر صحية كاملة المواصفات ولدي سيارة 2014 مرسيدس كاملة المواصفات ,من الذي يسأل الاخر عن امكانية وقدرة السيارة الذي يملك 2014 والارشادات مبهمة معدلة مغيرة او الذي لديه سيارة 2015 وكتاب الارشادات بين يديك .صديقي منطقيا وعلميا لايسمح للمرء ان صعد السلم ان يعود للوراء وهكذا العقائد خاصة ونحن الان بعصر العلوم والعلم كل يوم يبرهن صحة ودقة وعلمية القرأن وكل يوم يخترع اختراع او يصل العلماء الى اكتشاف.. وجدوهم داخل دفتي القران . الرجل قوام على النساء بشرع الله ومن يدرس الانساب ويتحراها علميا ما تركها وانما عمل جاهدا على المحافظة والجهاد بقوة لابقاءها ولو انك تملك خيل عربي اصيل لفهمت هذا الامر لان الخيل الاصيل له شجرة عائلة وان لم يشهد التلقيح صاحب العقد ويكون هناك شهود ,المهر الوليد لا يعترف به (سنة 1980 كنت ببريطانيا ) كان هناك احد الرؤوس الاصلية يأخذ صاحب الحصان على التهجين الواحد لمرة واحدة 40000$ (هذا الامر محرم شرعاأخذ مال على التهجين)استنادا على ما قد سلف الا تعتقد انه لا يجوز زواج المسلمة بالنصراني أو اليهودي…الدين يعتبرها ردة والردة هي العودة الى الخلف بالمقياس اللغوي والمتقدم لا يرضى بالتقهقر وان يحدث فهناك مرض او مشكلة وجب علاجها .أسف على الاطالة (ابو عبد الرحمن)

  8. يقول طارق فرنسا.:

    نعم لحوار الحضارات لا لصراع الجهلة والتطرف!!

  9. يقول محسن سليمان-فلسطين:

    النظرة الشمولية عن العرب والاسلام صنعها المستشرقون عنا منذ عدة قرون ، بداية احتلوا ديارنا الاسلامية ، حيث لم تتوحد اوروبا التي كانت غارقة في حروبها الا عندما احتلونا واحتلوا بلاد الشام .
    لقد صنعوا الشرق كما يحلوا يلهم لكي يقنعوا شعوبهم بان كل شئ يمارسونه ضدنا ،خارج اي قانون ، ولا يخضع لاي رقابة ،لاننا ادنى من هذه المرتبة بكثير.وعندما اختفت الشيوعية ظهر اهتمام الغرب بنا فبدات بالظهور التنظيمات التي ساهمت واظهرت ان المتشرقين لديهم الحق فيما قالوه عنا فكان ان صنع الغرب القاعدة وحماس واخيرا داعش فهم بالاساس صتاعة الغرب لكي يكون الشرق كالعلكة بين ايديهم وهذا ما هو حاصل ،اننا نسئ للاسلام اكثر من الغرب انفسهم

  10. يقول أحمد من الأهواز العربية:

    تحية طيبة إلى الأستاذة الرائعة

    كاد أن يغشى علي دهشة و حبورا

    حبر الفكر أعلق بالصدور منه إلى حبر التوشي و التنميق,فكم فكم عالجت مضاضة في قلبي تثور كشرار الحروب الاستنزافية و أثلجت حمأة نفسي الموقدَة و أدفأت برودة سكينة نفسي بعبق نغماتك الغناء و وفرت علي قلة قسط الكرى باقتناء اللحظات البديعة و لكم نفثت في بحر معاني الحياة كنوز المرجان,أسيل انصهارا لعذوبة عباراتك الرقراقة لكأنها راحة مدام من دن اليد الأزلية…
    أرجو منك أن تضفي على صفحة القدس العربية مسحاتك السحرية…

    كلك سحر و فتن و إبداع…

    وشكرا جزيلا لك…

1 3 4 5 6

إشترك في قائمتنا البريدية